80 ألف طفل سوري متسرّبون من المدارس في الأردن!

كارولين بزي 17 سبتمبر 2017

قست عليهم الحياة ووُلدوا في عالم يفتقد معنى الإنسانية والرحمة، فحرموا من لقمة العيش وحقّهم في التعليم، وخاضوا أزمةً تفوق قدراتهم، هم الأطفال السوريون الذين لجأوا إلى دول الجوار بهدف الهرب من حرب استيقظوا تحت أنقاضها، ليجرّوا أذيال ما تبقى من الحياة.

 

عوائق كثيرة
أشارت منظمة «هيومن رايتس ووتش»، في تقرير نشرته على صفحتها الرسمية، إلى وجود نحو 1.5 مليون طفل سوري في سن الدراسة في تركيا والأردن ولبنان، لكن نصفهم تقريباً لا يحصلون على تعليم رسمي. وقد اتخذت الدول المضيفة خطوات كبيرة لتحسين التحاق الأطفال بالتعليم، مثل توفير التعليم الحكومي المجاني وفتح فترات مسائية استجابة لحاجيات عدد أكبر من الأطفال. لكن، لا تزال هناك عوائق تمنع هؤلاء الأطفال من التعلّم، منها عمل الأطفال وشروط التسجيل في المدارس وصعوبات اللغة وعدم توافر خدمات نقل بأثمان مناسبة، وتغير المناهج التعليمية. وأضاف التقرير: «يواجه الأطفال ذوو الاحتياجات الخاصة أو الذين هم في سن المدرسة الثانوية، صعوبات من نوع خاص. تعمل هيومن رايتس ووتش على ضمان حصول جميع هؤلاء الأطفال على حقّهم في التعليم».
ولفتت التقارير إلى أن ثمانين ألف طفل سوري لاجئ لم يتلقوا تعليماً رسمياً في الأردن في العام الماضي، من أصل 225 ألفاً في سن الدراسة. وكانت الدول المانحة قد تعهدت بـ700 مليون دولار سنوياً (رغم أن حسابات البنك الدولي تقدر تكلفة استضافة اللاجئين السوريين في الأردن بـ 2.5 مليار دولار سنوياً) على امتداد ثلاث سنوات، لمساعدة الأردن على استضافة اللاجئين السوريين. وفي أيار/مايو من العام 2015، تعهد المانحون بمبلغ إضافي قيمته 81.5 مليون دولار لتحسين الوصول إلى التعليم.

تدابير وزارة التربية والتعليم
وأطلقت وزارة التربية والتعليم الأردنية خطوات عدة لاستيعاب احتياجات اللاجئين السوريين التعليمية. أبرز هذه الخطوات، توظيف معلّمين جُدد، السماح بالتحاق الأطفال السوريين بالمدارس الحكومية المجانية، وفتح فترات مسائية في نحو 100 مدرسة ابتدائية، لتهيئة المزيد من الفصول. وفي خريف 2016، خططت الوزارة لتهيئة 50 ألف مكان جديد في المدارس العامة لمصلحة الأطفال السوريين، مع استهداف 25 ألف طفل خارج المدرسة بـ «دروس تعويضية».
ولفتت «هيومن رايتس ووتش» إلى أن وزير التعليم الأردني، محمد الذنيبات، أوعز إلى المدارس الحكومية السماح للأطفال السوريين بالتسجيل في فصل الخريف الدراسي حتى لو نقصتهم الوثائق الصادرة عن الحكومة، التي كانت مطلوبة سابقاً. إلا أن أنظمة وزارة التربية والتعليم التي تمنع التحاق جميع الأطفال بالمدارس، أردنيين وسوريين، ممن تزيد أعمارهم ثلاث سنوات عن متوسط أعمار أقرانهم في الفصل الدراسي، تفرض عائقاً جديداً على الأطفال السوريين. ووفق تقديرات مفوضية الأمم المتحدة للاجئين لسنة 2014، فإن «قاعدة الثلاث سنوات» منعت نحو 77 ألف طفل سوري من التعليم الرسمي.
وكانت وزارة التربية الأردنية قد اتفقت مع المانحين الأجانب ومنظمة اليونيسف على خطة مع بداية العام الدراسي الماضي 2016 - 2017، من شأنها أن تساعد في زيادة معدل التحاق الأطفال المتسربين من التعليم في المدارس، إذ ستسمح لما يصل الى 25 ألف طفل بالالتحاق ببرنامج «التعويض»، الذي يقدم منهجين دراسيين في عام واحد، وبعدها يستطيعون العودة إلى التعليم الرسمي. لكن، لن يُفتح هذا البرنامج إلا للأطفال بين 8 و12 عاماً.
كما صادقت وزارة التربية على تقديم منظمة غير حكومية برنامجاً مماثلاً للأطفال الأردنيين والسوريين الأكبر سناً، والبرنامج جارٍ التوسع فيه بدعم من المانحين. لكن لم يصل البرنامج إلا لبضعة آلاف من الأطفال، ليخلّف العديد من الأطفال الأكبر سناً دون مسار يعيدهم إلى المدرسة. إضافة إلى توسيع مجال هذه البرامج، يسمح للأردن بأن يساعد الأطفال الذين تتجاوز أعمارهم الـ12 عاماً في العودة إلى التعليم بالتنازل عن «قاعدة الثلاث سنوات» وتنظيم اختبارات لدخول المدرسة واختبارات لاختيار الفصل الدراسي، وهي الاختبارات التي تُقدم حالياً مرة في السنة.

«عالمهم» (Theirworld)
«عالمهم» (Theirworld)، منظمة غير حكومية تُركز على التعليم، ذكرت في تقرير أصدرته في آب/أغسطس الماضي، أن «المانحين، في غالبيتهم، لم يلتزموا حتى بأبسط معايير الشفافية». ففي شباط/فبراير 2016، تعهّد المانحون في مؤتمر في لندن بأكثر من 11 مليار دولار في شكل مساعدات تمتد على سنوات عدة لتحقيق أهداف مثل الوصول إلى نسبة التحاق كاملة في البلدان المضيفة للاجئين في 2017، إلا أن المبالغ التي صُرفت ما زالت حتى اليوم غير معلومة.
القوانين الأردنية ليست وحدها العائق أمام التحاق الأطفال السوريين بالمدارس، إذ أشار تقرير منظمة «كير» إلى أن حوالى 7 في المائة من الأسر في عينة البحث، أخرجت أطفالها من المدرسة من أجل توفير المال الذي يُصرف على الكتب والنقل والتكاليف الأخرى المتعلقة بالمدرسة.  
اللافت، أنه بين فترة 2012 و2016، زادت نسبة الأطفال السوريين اللاجئين الملتحقين بالتعليم الرسمي من 12 إلى 64 في المائة، وهو رقم يشير إلى أن عدداً من العوائق أزيل أمام التحاق الأطفال السوريين بالمدارس الأردنية، لكن ارتفاع نسبة الإنجاب من دون استصدار شهادات ميلاد لهذه الولادات سيحول دون التحاقهم بالتعليم، إذ أشارت منظمة Human Rights Watch إلى أن هناك نحو 40 في المائة من الأطفال السوريين اللاجئين في الأردن يفتقرون الى شهادات الميلاد، وهي مطلوبة لاستصدار وثائق الخدمة، وعدم توافر شهادات الميلاد يفرض عائقاً يمنع التحاق المزيد من الأطفال الذين بلغوا سن المدرسة.
وكانت مجموعة من المدرسين السوريين وبالتعاون مع مراكز التعليم الأردنية والأكاديميات الثقافية في محافظة إربد، قد أطلقت مبادرة تحت شعار «نلتقي لنرتقي»، وذلك بهدف تأهيل أولياء أمور الطلبة السوريين، وتعريفهم على المنهاج الدراسي الأردني، وذلك بهدف تسهيل اندماج الطلاب السوريين في المدارس الأردنية.

«نشامى الخير»
على هامش المساعدات الرسمية وبهدف تقديم الحد الأدنى من التعليم للاجئين السوريين، افتتحت جمعية «نشامى الخير» مدارس غير رسمية على الحدود الأردنية - السورية، سعياً منها للوصول إلى أكبر عدد ممكن من الأطفال المحرومين من التعليم، بسبب الحرب وعدم استيعاب المدارس الرسمية في الأردن الكم الهائل من اللاجئين، كما تساهم في إدخال ذوي الاحتياجات الخاصة الذين لا يجدون مكاناً لهم في المدراس الرسمية في الأردن. لكن هذه المدارس غير الرسمية ليست معتمدة ولا تمنح شهادة دراسية أو أي سبيل للعودة إلى التعليم الرسمي، لكنها فقط لمكافحة الأمية.
وعلى رغم التحاق أكثر من ستين في المئة من الأطفال اللاجئين السوريين بالمدارس في الأردن، إلا أن هناك أكثر من ثمانين ألفاً في الأردن يعيشون التسرب المدرسي، لأسباب عدة أبرزها تنصّل الدول المانحة من تعهداتها.