قلق الانتقال من الحضانة إلى المرحلة الابتدائية

تربية الطفل / الأطفال, رعاية الطفل / الأطفال, المدرسة, كالين عازار, دعم الأهل, دار الحضانة, المرحلة الابتدائية, العام الدراسي, واجبات مدرسية, المعلمة, العلاقات الإجتماعية, الدراسات التربوية, النشاطات اللاصفية, اجتماعات الأهل

11 نوفمبر 2009

تشعر نهى بالقلق بسبب انتقال طفلها من مرحلة الحضانة إلى المرحلة الابتدائية التي تختلف عن الحضانة شكلاً ومضمونًا. هل سيتمكن من استيعاب الدروس؟ هل ستكون المعلّمة لطيفة معه؟ بينما استغربت ناديا عندما علمت أن ابنها شادي سوف يمضي عامه الدراسي في صف لا يوجد فيه أصدقاؤه الذين كانوا معه العام الماضي فضلاً عن أن المعلّمة ليست نفسها. فهل قلق نهى في محلّه؟ وهل تغيير صف شادي يؤثر فيه سلبًا؟ وما الصعاب التي يمكن أن يواجهها خلال عامه الجديد؟ وماذا على الأهل أن يفعلوا حتى يمر العام الدراسي بسلام؟

«لها» التقت الاختصاصية في علم نفس الطفل كالين عازار التي أجابت عن هذه الأسئلة وغيرها.

ترى عازار أن التغيير عمومًا يخيف الإنسان، فكيف بالطفل الصغير. وبما أن التلميذ في المرحلة الابتدائية لا يزال صغيرًا ولم تتضح معالم شخصيته بعد، فإن للأهل دورًا كبيرًا في مساندته. والتغيير في هذه السن دقيق جدًا ويكون تدريجيًا. لذا فإن لسن الطفل تأثيرًا في شخصيته، فهو يخاف لأنه لا يعرف بعد جيدًا المكان الذاهب إليه، أي المدرسة والمعلّمات والتلامذة الذين يكوّنون جزءًا من المدرسة، وهذه أمور جديدة على حياته اليومية، خصوصًا إذا كان قد دخل حضانة غير تابعة للمدرسة. لذا يحتاج إلى وقت حتى يتمكّن من أن يصبح جزءًا من هذه المنظومة المدرسية، ويشعر بالأمان.

وتشير الإختصاصية إلى أن تحضير الطفل لهذا التغيير ضروري جدًا، فالانتقال من مرحلة الحضانة إلى المرحلة الابتدائية التي تتطلب دروسًا وواجبات مدرسية ينجزها في المنزل، ووجوده بين تلامذة جدد واتباع تعليمات معلّمة جديدة، كل هذا يجعله متوترًا وقلقًا من المجهول الذي ينتظره. لذا على الأهل تحضير الطفل نفسيًا والتحدّث إليه عن التغيير الذي سيطرأ على حياته كأن يقولوا له مثلا: «إنك تكبر وسوف تنتقل إلى صف مختلف حيث قد تجد تلامذة جددًا وكذلك المعلمة التي سترافقك». ولكن لا تجوز المبالغة في الحديث عن التغيير، فهذا يخيف الطفل.

وعليهم  في الأيام الأولى اصطحابه إلى المدرسة حتى يشعر بالأمان لا بأن أهله تخلوا عنه. كما في إمكان الأهل أن يتحدثوا إلى  المعلمة أو إدارة المدرسة عما  إذا كان ممكنًا أيضًا وقبل الدخول الرسمي إلى المدرسة بيوم، أن يتعرف التلميذ إلى مبنى المدرسة واكتشاف الصف الذي سيرتاده خلال العام المدرسي والمعلمة التي سترافقه، فهذه الأمور تساعد في التخفيف من حدة القلق لدى الطفل. وعادة المدارس تساعد في هذه الأمور. فإذا عرف الطفل إلى أين هو ذاهب وأنه يكبر وأن الأمور تتغير، وإذا كان المحيط العائلي يشجع على توطيد العلاقات الاجتماعية، فإن التوتر والضغط النفسي يخفان عند التلميذ».

وتضيف الاختصاصية: «المعلوم أن المعلّمة في المرحلة الابتدائية لا تتغير وهذا إيجابي لأنها تشكّل بالنسبة إلى التلميذ مرجعًا ثابتًا. المشكلة قد تحدث عندما يجد التلميذ نفسه، بعد ترفعّه إلى الصف التالي في المرحلة الابتدائية، في صف كل التلامذة فيه جدد وكذلك المعلمة، ولم يكن معه أحد من زملاء صفه السابق، فمن الطبيعي أن ينتابه شعور بالاستغراب الذي قد يولّد قلقًا لديه. هنا على الأهل أن يتحاوروا مع طفلهم ويتحققوا من تصرّفاته. فمثلاً إذا عاد إلى المنزل باكيًا، أو إذا لم يعد يريد البقاء في هذا الصف، عليهم أن يحاولوا معرفة ما يجري من خلال سؤاله عمّا يزعجه، وفي الوقت نفسه عليهم أن يسألوا المعلّمة المسؤولة عن الصف لأنها موجودة مع التلامذة طوال الوقت وفي إمكانها إعطاؤهم فكرة عما يجري.

وبذلك يقارن الأهل بين المعطيات التي لديهم و معلومات المعلّمة و يكوّنون فكرة عامة عما يواجهه ابنهم ويقوّمون المشكلة ليجدوا الحل الأمثل. فدور الأهل أن يكونوا قريبين من ابنهم وأن يجروا حوارًا معه ليعرفوا المشكلة التي يواجهها وأسبابها. أما إذا كانت المشكلة عميقة وغير عابرة فعلى الأهل أن يسألوا إدارة المدرسة ما إذا كان من الممكن تغيير الصف،علمّا أن هذا التغيير يجب أن يحدث قبل الدخول إلى المدرسة، كي لا يشكّل مشكلة عند التلميذ و يجعله مشوّشا».

وعمومًا لشخصية التلميذ وتكوينه النفسي والاجتماعي دور في التكيف مع التغيير إما بشكل سلبي أو بشكل إيجابي، كما تقول عازار. فإذا كان التلميذ نشأ في بيئة عائلية منفتحة على العلاقات الاجتماعية وتعزز لدى الطفل ملكة  التواصل مع الآخرين مهما كانوا وتقوّي ثقته بنفسه ما يجعله مرنًا في شخصيته، فإنه يكون قادرًا على التكيف مع التغيرات بشكل أسرع.

بينما إذا كان الأهل منغلقين على أنفسهم، وقلقين في طبعهم فإن التغيير قد يؤثر فيهم قبل ابنهم وينقلون إليه هذا الشعور من حيث لا يدرون. لذا على الأهل ألا يبالغوا في قلقهم، وإذا كان لديهم قلق يمكن أن يتكلموا عليه في ما بينهم لا بحضور الطفل. إذ لا يجوز أن ندخل الطفل في معمعة القلق الذي نشعر به فنزيده توترًا وخوفًا من المدرسة. في النهاية يتأثر الطفل بأهله لأنهم المثال  فإذا هوّنوا عليه هذا التغيير هان، وإذا توتروا وقلقوا فإنه يقلق.

وفي المقابل، تحذّر الاختصاصية من مبالغة الأهل في عدم الاكتراث لهذا التغيير في حياة الطفل، لأنه سيشعر بأن أهله لا يكترثون لمشاعره، بل عليهم أن يتيحوا له المجال ليعبّر عن قلقه ويفهموا منه ما الذي يقلقه، التلامذة أم الدروس أم المعلّمة. فمثلاً عندما يعود التلميذ إلى المنزل على الأم أن تسأله ماذا كان أجمل أو أطرف حدث حصل معه خلال النهار أو ما هو أسوأ ما حدث معه. فمن خلال أجوبة الطفل سوف تتبين الأم ما يقلق طفلها أو يسعده.

- ماذا عن دور المدرّسة؟
تقول عازار: «إضافة إلى دور الأهل هناك دور المعلّمة التي عليها أن توفر وقتا كافيًا في الأسابيع الأولى للعام المدرسي لأن يتعرف التلامذة إلى بعضهم ويجدوا نقاط تواصل في ما بينهم مما يسهل الأمور عليهم. وكلما كانت المعلمة تتبع الأساليب التربوية الصحيحة كانت أكثر قدرة على استيعاب وفهم ما يدور في خلد تلامذتها الصغار. إذ يجب أن تتمتع بحس الفكاهة والقدرة على ملاحظة سلوكيات تلامذتها في شكل ثاقب، فإذا لاحظت تلميذًا  خجولاً عليها أن تدعمه لتعزز شعوره بالأمان، وإذا لاحظت تلميذًا وقحًا لا تؤنبه أو تهزأ به على مرأى ومسمع رفاق الصف الذين يمضي معهم نصف يومه، بل عليها أن تحقق في أسباب سلوكه.

كما من الضروري أن تكون المعلّمة على تواصل مستمر مع أهالي التلامذة ليتعاونوا في حل المشكلات التي يواجهها التلميذ. فمن خلال المعلومات التي تعطيها للأم عن سلوك  ابنها في الصف وقدراته التعلّميّة، وبدورها تخبرها الأم عن سلوك طفلها في المنزل، تستطيعان إيجاد الحلول المناسبة، فضلا عن أن الطفل يشعر بالأمان عندما يلاحظ اهتمام والدته والمعلّمة به وتفهمّهما لكل ما يحصل معه. كما أن سن المعلّمة يجب أن تكون مناسبة فإذا كانت كبيرة السن فمن الطبيعي ألا تكون نشيطة لمواكبة التلامذة الصغار في حركتهم . فمن المعلوم أنه إذا لم يرتح التلميذ للمعلمة تكون لديه مشكلة طوال السنة، أما إذا ارتاح فإن سنته تمر بسلام وأمان ويصبح أكثر إنتاجًا وانفتاحًا». 

ويعتبر إنجاز الواجبات المدرسية نقلة نوعية في حياة التلميذ الأكاديمية والفكرية على حد سواء. فكلّما ترفّع صفًا زادت هذه الفروض كمًّا وصعوبة. فهناك الكتابة والمحفوظات والرياضيات التي تزداد تعقيدًا والقواعد... كلها تسبب قلقًا للتلميذ والأم على حد سواء. فنسمع أمًّا تقول:" أريد أن أدرّس ابني لأن عليه أن ينهي واجباته المدرسية. وتتحوّل فترة بعد الظهر إلى كابوس يومي يصيب الأم والتلميذ معًا. لذا تنصح عازار الأم  بأن تكون أكثر مرونة وتحترم نمط الطفل وطاقته الإنتاجية، فإذا شعر بالتعب عليها أن تسمح له بالاستراحة ليعيد شحن طاقته الجسدية والذهنية. والمفتاح هو التنسيق مع المعلمة وفي الوقت نفسه يجب أن تكون الثقة متبادلة بين الأم والمعلّمة. ففي المرحلة الابتدائية يكون الإيقاع أسرع والمستوى أعلى.

وتنصح عازار الأم بأن «تراقب نمط طفلها وتتطلع على برنامجه اليومي وتتحقق من الحقيبة المدرسية وما إذا تناول وجبة طعامه أم لا . فالشعور بالأمان يعززه الأهل ووقت الدرس لا يجوز أن يتحول إلى معركة بل إلى متعة. نحترم نمط الطفل ونجعله يرتاح ولو لنصف ساعة، فهو مثل الراشد في حاجة إلى وقت للراحة بعد نهار مدرسي طويل مشحون بالمعلومات.  لذا على الأم أن تنظم له الوقت منذ بداية العام الدراسي». وتدعو الاختصاصية الأم إلى عدم التخوّف من عدم إنجاز ابنها الواجبات كلها بل يمكنها التحدث إلى المعلمة، ولكن هذا لا يعني أن تجعل هذه المرونة  قاعدة للدرس، بل  يجب أن تكون مدركة لنمط الطفل وهذا لا يحدث إلا بالمراقبة الدائمة والمتابعة اليومية، فالطفل ليس قادرًا على تدبر أموره وحده في سنواته المدرسية الأولى.

وتشدد الاختصاصية على أنه لا يوجد طفل أذكى أو أقل ذكاءً من أقرانه، فالدراسات التربوية تؤكد أنه لا يجوز رسوب التلميذ دون السبع سنوات لأنه لم يتكوّن لديه مفهوم واضح عن كل ما يتلقّاه. «ولكن لسوء الحظ هناك بعض المدارس ترسّب التلميذ بحجة ترسيخ المعلومات لديه ولينطلق من أساس قوي. بينما تكوين الأساس الفكري المتين يكون من خلال المطالعة وتوفير النشاطات التي تجعله أكثر انفتاحًا على الآخرين». وتحذّر عازار الأهل من  إرسال ابنهم إلى  المدرسة في سن صغيرة غير مناسبة للصف. فهذا الطفل لديه نمطه الخاص وإذا كان موجودًا مع أتراب أكبر منه سنًّا من الطبيعي ألا يجاريهم في تطورهم الفكري والنفسي.

- ما هي مظاهر القلق الحاد؟
القلق عند الطفل يظهر بأشكال مختلفة منها الكوابيس أو الشعور بآلام في الرأس أو البطن أو رفض الذهاب إلى المدرسة. ويكون إما بسبب شعوره بأنه من الواجب أن يكون ممتازًا في المدرسة أو أن الأهل يتوقّعون منه مما لا قدرة له على تحمّله، أو إذا كان جو الصف جديًا جدًا وإذا كانت المعلّمة قاسية أو يوجد في الصف تلميذ يتنمّر عليه... .إذا كان كانت هذه الأعراض متكررة بشكل دائم  من المهم اللجوء إلى اختصاصي.

أفكار لتخفيف حدة القلق من التغيير أو الانتقال عند التلميذ

  • في بداية الفصل الدراسي يمكن الأم اصطحاب طفلها إلى المدرسة مما يتيح لها فرصة التعرّف إلى أمهات زملاء الصف مما يساعد في تكوين شبكة علاقات اجتماعية تفيد ابنها.
  • تشجيع الطفل على الذهاب إلى حفلة ميلاد أحد زملاء الصف، وبذلك تساعد الأم طفلها في التعرّف إلى زملائه عن كثب في جو من المرح بعيدًا عن جدران المدرسة، فتتوطد علاقاته بهم ويعزز صداقته بالتلميذ الذي يجده منسجمًا معه في التفكير.
  • تشجيعه على المشاركة في النشاطات اللاصفية التي تنظّمها المدرسة.
  • حضور اجتماعات الأهل التي تنظمها المدرسة للتعرف إلى أهل التلامذة الموجودين في الصف نفسه وتبادل وجهات النظر والآراء وتعزيز التواصل بين الأبناء.