الختان جريمة مستمرة في انتهاك جسم المرأة

القاهرة – فادية عبود 28 يوليو 2018

رغم كل العقوبات القانونية، لا يزال الختان مستمراً في جريمته في انتهاك أجسام المصريات. ورغم أن الختان من القضايا الشائكة التي يدفن الكثيرون رؤوسهم في الرمال حيالها، قررت «لها» كشف المستور، فالتقت بضحايا، وسألت فتيات وأمهات وخبراء، وغاصت في تفاصيل وأسرار تلك الجريمة البشعة التي تُرتكب في حق المرأة كل يوم. عدد ضحايا الختان في مصر كبير، ورغم ندرة الإحصاءات الرسمية، كشف تقرير صادر عن هيئة الأمم المتحدة أن 200 مليون امرأة في العالم يعانين من الختان وآثاره، منهن 100 مليون في مصر وإثيوبيا وإندونيسيا. وعلى الرغم من تشديد العقوبات في القانون المصري، لا تزال جريمة الختان مستمرة في تشويه أجسام النساء.


أميرة، ليسانس في الآداب، 35 عاماً، أمٌّ لطفلة عمرها سبع سنوات، تحكي تجربتها مع الختان، قائلةً: «على الرغم من أن الختان عادة منتشرة في القرى والنجوع، وتعود أصولنا الى القاهرة، إلا أن الختان عادة متجذّرة في العائلة بحيث أصرت والدتي على ختاني وأنا في الثامنة من عمري. لم أتفهم الأمر وقتها، خاصة أنه كان مصدر مباهاة في العائلة، وخضعت وابنة خالتي لعملية الختان في اليوم نفسه، لكنني لم أتوقع يوماً أن يكون الختان بتر عضو فاعل في جسم المرأة، وأن يكون سبباً في انفصالي عن زوجي رغم وجود طفلة بيننا.

وتتابع: «على مدار أربع سنوات من الزواج، كان الختان عائقاً أمام استمتاعي بالعلاقة الزوجية، ولطالما نعتني زوجي بالبرود، وتفاقمت الخلافات بيننا إلى أن وقع الطلاق، وكل ذلك بسبب أن زوجي غير راضٍ عن علاقتنا».

ذكريات قاسية  

بعد مضي 33 عاماً على ختانها، ما زالت جميلة تتذكر تلك الواقعة التي تصفها بالمجزرة، وتقول: «أصرّت أمي على «تختيني» عندما كنت في العاشرة من عمري، وكانت لي أخت تكبرني بعشر سنوات، رفضت الأمر بشدة ودبّت الخلافات بينها وبين أمي، التي كانت تؤكد أن العار سيلحق بنا إن لم أخضع لعملية ختان، فأُجريت الجراحة في منزل أحد أقاربنا وأخفت الأمر عن أختي. حينها لم أكن أدرك سبب المشكلة، ولا مدى الخطورة التي يخلّفها بتر عضو في جسمي على يدي «القابلة»، وهي امرأة أميّة غير مؤهلة للقيام بأي جراحة.

وتتابع: «ذكريات انتهاك جسمي أدت الى تدهور علاقتي بأمي، وتفاقمت الأمور بعدما تزوجت وعلمت أن العضو الذي بُتر من جسمي حال دون استمتاعي بعلاقتي الزوجية، لكن زوجي كان رجلاً حكيماً ورفض أن يهدم الأسرة، فقصدنا عدداً من الأطباء حتى تغلبنا على تلك المشكلة. وعلى الرغم من كوني متسامحة واستطعت تجاوز شعوري السلبي تجاه أمي، إلا أن ختان أختي الكبرى ما زال يوتّر علاقتها بوالدتنا، وما زلنا نصر على أن الختان جريمة في حق الفتاة، فإما أن يؤدي إلى وفاتها أو تُطلَّق».

عقدة الزواج

في المقابل، تؤكد رحاب سمير، رئيسة قسم في هيئة الطاقة الجديدة والمتجددة، أن الختان ينتهك جسم المرأة، وتقول: «أنا أمٌّ لثلاث فتيات، ومن رابع المستحيلات أن أعرّضهن لجريمة الختان، فهو استئصال لأحد مراكز الإحساس في جسم المرأة، ويسبب مشاكل وفضائح كثيرة في البيوت المصرية، غالباً ما تنتهي بالطلاق، وهذا حدث بالفعل لإحدى صديقاتي، خاصةً أن المجتمع المصري لا يتمتع بثقافة جنسية تجعله يتجاوز تلك المشكلة».

وتضيف: «المجتمع المصري يفرض الوصاية على أجسام النساء ويحرمهن من الرغبات الطبيعية والمشروعة، تحت مسمّى أن الختان يصون عفّة المرأة، ولكنني أرى أن العفّة الحقيقية تكمن في العقل لا في الجسم، وبناءً عليه أربّي بناتي الثلاث على الصداقة والمصارحة في ما بيننا، ولا أخجل من الرد على أسئلتهن المحرجة، حتى وإن كانت جنسية، فأُجيب بأسلوب راقٍ، وذلك تلافياً لحصولهن على المعلومات من مصادر غير موثوق بها، مثل الانترنت أو إحدى الصديقات».

قرار الأطباء

يرفض المخرج التلفزيوني علي غنيم فكرة الوصاية المجتمعية على أجسام النساء، ويقول: «ليس هناك وصي على جسم المرأة، فلماذا يمنح الآباء أنفسهم هذا الحق بمباركة المجتمع! وأخطر ما في الأمر أن بعض الأوروبيين ذوي الأصول العربية ما زالوا يصرّون على تختين بناتهم، مما يعرضهم للمساءلة القانونية».

ويتابع: «أرفض تلك العادة جملةً وتفصيلاً، وأرى أنها لا تمتُّ الى الدين بصلة مثلما يدّعي البعض، بل هي موروث ثقافي يحط من شأن المرأة ويؤذيها نفسياً في المقام الأول، وبناءً عليه أرى أن قرار الختان يُترك للفتاة نفسها بعد بلوغها سن الرشد، فهناك بعض الحالات النادرة التي يؤكد الأطباء أنها تتطلب تجميلاً، وهنا تكون الفتاة سيدة قرارها من دون وصاية على جسمها أو انتهاكه، فالختان ليس دليلاً على العفّة كما يدّعي البعض». ويلفت غنيم إلى أن جزءاً كبيراً من مسؤولية التوعية بمخاطر هذه الظاهرة الاجتماعية، يقع على عاتق الفن، فلا أفلام جادة تهدف إلى التوعية بخطورة الختان وانتهاكه حقوق النساء وأجسامهن.

خلافات في البرلمان

بناء على تقارير مراكز حقوق المرأة، تُعدّ مصر من أكثر دول العالم التي تشهد ظاهرة «تطبيب ختان الإناث»، فقد بيّنت نتائج المسح الصحي للسكان عام 2014، أن أكثر من سبعين في المئة من عمليات الختان يقوم بها أطباء، مما دعا المنظمات النسائية للمطالبة بتغليظ عقوبة من يرتكب جريمة الختان، لتصل إلى السجن المشدد من خمس إلى سبع سنوات، بدلاً من العقوبة السابقة التي كانت تقضي بالسجن مدة تراوح بين ثلاثة أشهر وثلاث سنوات، وتتحول من جنحة إلى جناية، لتصل العقوبة إلى السجن المشدد 15 سنة إذا سبّب الختان عاهة مستديمة أو أفضى إلى الموت، كما تصل عقوبة من يصطحب أنثى للختان من سنة إلى ثلاث سنوات.

ولكن قبل موافقة مجلس الشعب على إقرار تغليظ تلك العقوبات، دارت تحت قبة البرلمان خلافات تعود إلى الموروث الثقافي، إذ خرج النائب إلهامي عجينة بتصريح أكد فيه أن نسبة استخدام الرجال المصريين للمنشّطات الجنسية وصلت إلى 64 في المئة بسبب معاناتهم من الضعف الجنسي، لذا لا بد من ختان الإناث حتى تتساوى كفّتا الميزان بين الرجل والمرأة، حفاظاً على استقرار الأسرة بعيداً عن انتشار الخيانات الزوجية.

هذا التصريح أثار جدلاً واسعاً في المجتمع المصري، ولكن الدكتورة آمنة نصير، أستاذة الفلسفة الإسلامية في جامعة الأزهر، كانت من أشد المناصرين لتغليظ عقوبة الختان بصفتها عضواً في مجلس الشعب، وتقول: «أصررت تحت قبة البرلمان وعارضت كل التصريحات المثيرة للجدل، التي أطلقها بعض الزملاء في ما يخص الختان، متذرّعين بأنه يصون عفة المرأة. ففي الحقيقة، الختان هو عادة فرعونية متأصلة في دول حوض النيل (مصر، السودان، نيجيريا وجيبوتي) وبعيدة كل البعد عن دول شبه الجزيرة العربية، فالسعودية التي هبط فيها الوحي على رسولنا الكريم، لا يلجأ أهلها أبداً إلى تختين الإناث.

وتضيف أستاذة الفلسفة الإسلامية: «أقول للأمهات إيّاكن وهذه الخديعة، فختان البنت لا يصون شرفها أو يضبط شهوتها، وما يحميها هو فقط التربية الصالحة، وليس الاعتداء على هذه المنطقة الحساسة، فابتعدن عن هذا التحريف والتخريف، وحافظن على حياة بناتكن النفسية والزوجية».

حماية قانونية

ومن الناحية القانونية والحقوقية، تقول المحامية انتصار السعيد، رئيسة مركز القاهرة للتنمية والقانون: «تغليظ عقوبة ختان الإناث في قانون العقوبات المصري لتصل إلى السجن المشدد من خمس إلى سبع سنوات، بدلاً من ثلاثة أشهر إلى ثلاث سنوات، وكذلك السجن المشدد 15 سنة إذا أفضى إلى عاهة مستديمة أو الموت، يعد انتصاراً كبيراً للمرأة المصرية، ونقلة نوعية في حياة فتيات مصر ونسائها، ودليلاً على أن الدولة بدأت تستشعر خطورة الجُرم الذي كانت ترتكبه الأسر تجاه بناتها».

وتلفت السعيد إلى أن تغليظ عقوبة القانون أمر هام، ولكن تطبيقه أهم، ليكون رادعاً لمن تسوّل له نفسه ارتكاب ذلك الجرم في حق بناته، لأن قرار الختان تتخذه أسرة الفتاة، ولن تبلّغ أي أسرة عن نفسها عند موت الابنة بسبب التختين، خوفاً من تعرضهم للسجن، لذا أقترح أن يتضمن القانون إعفاء أهل الفتاة من العقاب في حال وفاة ابنتهم أو إصابتها بعاهة وقيامهم بالإبلاغ عن أنفسهم، فالأسرة حال تعرض إحدى بناتها لأي خطر بسبب عملية الختان، لن تتوانى في الإبلاغ طالما ضمنت عدم تعرض أفرادها للعقوبة، وبالتالي يؤدي ذلك الى الحد من عمليات الختان.

أما من الجانب الطبي فتوضح الدكتورة هبة قطب، استشارية العلاقات الأسرية، أسباب انتشار ظاهرة ختان الإناث في مصر، مؤكدة أنه جاء بهدف الحد من شهوات النساء، وصون عفّتهن، وبناء عليه انتشرت العادة وأصبحت منبعاً للفخر والتفاخر بين الأسر المصرية، حتى أصبحت موروثاً ثقافياً لا يزال الكثيرون يصرّون على اتباعه حتى الآن. وتتابع: «من الناحية الطبية، الختان هو استئصال عضو فاعل في جسم المرأة، لا علاقة له بالعفّة، بل هو عضو يستجيب للإثارة ولا يخلقها، بخلاف كل المعتقدات السائدة، فالإثارة منبعها العقل».

 تحركات على أرض الواقع

من الجانب الاجتماعي، يقول الدكتور رفعت عبدالباسط، أستاذ علم الاجتماع في جامعة حلوان، إن الختان ارتبط بالأساطير الدينية في أفريقيا، ولدى الفراعنة أيضاً، وترسخ كعادة يحض عليها الموروث الثقافي، ونظراً لكون المجتمع الشرقي يفرض وصايته على الطرف الضعيف، ارتبط ختان الإناث بادعاء أنه متمّم للعفّة.

في المقابل، يؤكد أستاذ علم الاجتماع، أن مناهضة الختان لا تقتصر على تجريمه قانونياً فقط، بل يجب أن تنطلق التحركات على أرض الواقع ولو باستخدام التكنولوجيا، مثل تحرير الـ»هاشتاغ»، وأشهرهم كان «#أنا_منسيتش»، الذي حرض النساء على الخروج عن صمتهن والتعبير عن المشاعر السلبية والأذى الذي أُلحق بهن، موضحاً أن على المجتمع اتخاذ خطوات تثقيفية موازية، ومن الضروري أن يعمد رجال الدين الى تصحيح تلك المفاهيم الخاطئة المرتبطة بعادة الختان.