متى يغار الرجل من المرأة؟
عمل المرأة, مصور, موعد عمل, فضيلة الفاروق, نجاح المرأة, روائي , كاتبة, مساواة الرجل والمرأة, المرأة العربية / نساء عربيات, ليلى العثمان, حرية المرأة, الصحافيين , شاعرة, الغيرة, مريم بن فهد , المجتمع الذكوري, ألين أحمر , فاطمة الشيدي, نبيلة كنعان , مي
01 سبتمبر 2009د. فاطمة الشيدي (شاعرة وكاتبة عُمانية): الرجل يُحطّم المرأة عندما يُقنعها بأنها أقلّ منه شأناً
في الحقيقة لا أريد أن أعمّم أحكامي، فالرجل في النهاية إنسان، والأمر دائما يصلح النظر إليه من زاويتين: الصح والخطأ. فكما يوجد الرجل الذي يغار من المرأة ويحاول أن يزرع لها العثرات في مشوارها، هناك الرجل السند زوجاً أو أباً أو أخاً. والغيرة حالة طبيعية جداً لهذا الكائن الغريب المتقلّب في أمزجته ومعاييره وأحكامه، رجلاً كان أو امرأة، لذا فبعض الأشخاص يغارون من النجاحات سواء كانت لرجال مثلهم أو نساء. ولكن أحياناً تظهر أشياء غير مقبولة أخلاقياً في غيرة الرجل من المرأة إلى حدّ التفكير في تحطيمها، فيحاول قمعها بكل السبل والوسائل ويثنيها عما هي ذاهبة إليه من تفوّق، تارة بالقمع وأخرى بجعلها تصدق أنها أقل من مستوى الإبداع. والمؤسف أنّ الكثيرات صدّقن الرجل وتراجعن عن مشوار إبداعي كان يمكن أن ينتهي بالتفوق العظيم.
وإن كانت المرأة بعيدة عن الرجل بمعنى أنّه لا يملك سلطة عليها، فإنه يحاول التشكيك تلقائياً في إبداعها والتقليل منه وتحجيمه إلى أقصى درجة. إن غيرة الرجل من المرأة المبدعة والمتفوقة تدفعه إلى الظلم والقهر لأنه كائن قوي ويتحرك من دوائر القوة التي يملك زمامها وضمن حيزاتها الواسعة.
أما عنّي شخصياً، فربما ثمة من يغار من نجاحاتي (الأمر لا يخلو) ولكني لم أتعرّض كمبدعة لحالة ظلم بيّنة والحمد لله، ربما لأنني كحالة نفسية لا أميل إلى المواجهة والتحدي بل أكتب من منطقة عزلة خاصة تساعدني على الكتابة وتحميني من شراسة الآخر. كما أنني لا أملك طموحاً تنافسياً شرساً في التدرّج الوظيفي أو حتى في الظهور والسطوع الإبداعي والإعلامي، لذا جنبّني هذا ولا يزال الكثير من الحروب الوهمية الشرسة والتدافعات اللآدمية النفعية التافهة. كما أنني والحمد لله أجد من الدعم الأسري والإيمان بما أكتب من الطرفين الذكوري والأنثوي بالدرجة نفسها، ما يساعدني على الاستمرار والتقدم.
رأي علم الإجتماع
مي سبع مارون: لن تتبدّل صورة المرأة المنمّطة إلاّ عبر إظهار وجهها الآخر في وسائل الإعلام والإعلان
في أذهان العامّة أدوار نمطية يشغلها الناس، ودور المرأة النمطي والمتعارف عليه هي أن تطبخ وترعى زوجها وتهتم بأطفالها وتستقبل الزوّار... ولكن عندما تعمل المرأة وتنجح في حياتها المهنية ويُصبح عملها جزءاً أساسياً في حياتها تبدأ الإبتعاد تدريجياً عن مسؤولياتها داخل المنزل، وبدل أن يأتي الرجل إلى منزله ويجد زوجته في انتظاره لتُريحه وتُطعمه وتتودّد إليه يصل مع زوجته أو قبلها أحياناً ويراها منهكة مثله وربما أكثر منه، فيشعر بأنّها داخل المنزل في مرتبته ولا تأتي خلفه كما جرت العادة. ومن المفروض أنّه ربّ المنزل وعقليته ترفض أن ينافسه أحد على عرش زعامة البيت، الأمر الذي يجعله حريصاً على اختيار شريكة أضعف منه على المستوى الإجتماعي أو المادّي أو الفكري كي لا تُنازعه على «قيادة» المنزل. وإنما في الحقيقة هناك إزدواجية تحكم الفكر الذكوري في عالمنا العربي لأنّ الرجل يريد إمرأة جميلة وذكية وفي الوقت نفسه متعلّمة ومثقفة ليسمو بها على أصدقائه وأمام المجتمع. فنحن نعيش منذ القدم حياة ذكورية مئة في المئة إن من ناحية القوانين أو الممارسات والعادات وما إلى هنالك... حتى أنّ مفهوم «الأنوثة» كان يعني الرضوخ. أمّا اليوم وبعدما انتفضت المرأة ودخلت ميدان العمل بقوّة وأثبتت أنها لا تقلّ شأناً عن الرجل فقد تغيّر هذا المفهوم.
إلاّ أنّ الأفكار الذكورية التي تهيمن على عقل الرجل الشرقي ومازالت تؤثّر عليه تولّد لديه نوعاً من الغيرة، وإن لم يعترف بذلك إلاّ أنّ هذا الأمر يظهر جليّاً في طريقة تعامله معها أو أسلوب كلامه أحياناً، فيقول للتقليل من شأنها «مرا» وكلّما رأى حادثاً على الطريق أو زحمة سير يعلّق قبل التأكّد من حقيقة كلامه «أكيد هيدي مرا»... ولا يتقبّل بسهولة فكرة أن تكون مديرته أو رئيسته في العمل إمرأة لأنّه عاش وتربّى على أن ينظر إليها بدونيّة. وهنا أشير إلى أننا نتكلّم في شكل عام عن الرجل التقليدي. لذا فإن المرأة العاملة يجب أن تبذل مجهوداً إضافياً في عملها لتنجح في إثبات نفسها وكسر الصورة المنمّطة عنها وإقناع الرجل بأنها أهل لأن تكون في مناصب مهمة ومراكز قيادية.
المرأة العربية ذكية وفهمت ذلك منذ بداية الطريق، لذلك قبلت التحدّي وقدّمت كل ما لديها وأثبتت أنها قادرة على منافسة الرجل في أي قطاع أو مجال. ولأنّ العالم يتقدّم ويتغيّر يجب أن تتغيّر المناهج التعلمية التي لا تُقدّم المرأة سوى على أنها حبيسة المنزل، تكنس وتمسح وتطبخ وترعى الأسرة بينما الأب هو الذي يعمل ويشتري ويقرأ الجريدة، وكذلك على وسائل الإعلام والإعلان أن تتوقّف عن إظهار صورة المرأة كمجرّد جسد جميل ووجه صامت، بل وضع المرأة في خانتها الصحيحة كأم محبّة ومعطاء وفي الوقت نفسه عاملة ناجحة سواء كانت صحافية أو فنانة أو مهندسة أو طبيبة... وعندما تتبدّل تلك الصورة النمطية للمرأة العربية سينشأ الطفل العربي نشأة سليمة وسيتقبّل نجاح المرأة وتقدّمها عليه أحياناً دون غيرة أو عقد نفسية.
فضيلة الفاروق (كاتبة وصحافية جزائرية): أراد الرجل في مدينتي أن يقتل كلمتي فهجرته وهجرت وطني معه
عشت طفولتي في قرية صغيرة في الجزائر وكنت مُحاطة بمجتمع ذكوري محض، بحيث كانت المرأة تُدرك منذ سنواتها الأولى أنّها هي الخاضعة لسلطة ورغبة وهيمنة الرجل الذي كان يمنعها من أبسط حقوقها في العلم والدراسة. فمصطلح «الجامعة» كان يعني في قريتنا الإنحلال والتفلّت وفقدان الشرف. ولكن بعد تخرجي من الثانوية العامّة ناضلت لكي أدخل الجامعة ووقفت بجانب والدي في وجه كلّ رجال العائلة. وفي الجامعة كنت من ألمع الطلاّب والطالبات وكانت العيون عليّ لأنني فتاة مختلفة عن فتيات محيطي، وكانت تأتيني عروض زواج ليس بدافع الحب والإعجاب وإنما تحدياً لطموحاتي ورغبة في تكسير حلمي وتكسير إسمي كإمرأة مستقلّة بقراراتها وآرائها وشخصيتها، لأنّ الرجل لا يقبل أن يُشاركه أحد عرشه، فهو ينظر إلى نفسه كأنه ملك على رأس قمة لا تتسّع إلاّ له.
ومن خلال عملي كصحافية بدأت أهتم إلى جانب عدد من الزميلات بقضايا المرأة وأعمل على إيصال رأيها المهمّش في مجتمع ذكوري حتى العظم، ممّا دفع بجماعة الإرهاب في الجزائر إلى إرسال تهديدات مباشرة بالقضاء على حياتنا. وانبعثت أصوات تُطالب بوقف الأقلام النسائية الداعية إلى تحرير المرأة في الجزائر. ولأنني رفضت أن أكون «عنصراً في قطيع» أو أن أستسلم لذاك الجُرم المتوارث ضدّ المرأة، قرّرت الإنتقال من وطني إلى بلد آخر فيه هامش أكبر من الحرية. فاخترت لبنان ولم أتوقف عن حمل هموم المرأة العربية وطرح قضاياها ومناقشتها من خلال عملي الصحافي والروائي. ومن ثمّ تزوجت من لبناني على أساس أنه الأكثر انفتاحاً وقدرةً على تقبّل عملي ككاتبة، ولكنني سرعان ما اكتشفت أنّ الرجل العربي يبقى رجلاً شرقياً سواء كان مسلماً أو مسيحياً أولبنانياً أو جزائرياً. وأذكر على سبيل المثال حادثة بسيطة تعكس عقلية الرجل في عالمنا العربي، فقد تلقيت مرّة دعوة باسمي «فضيلة الفاروق» إلاّ أنّ عقلية زوجي لم تتقبّل الأمر واعتبر أنّ عدم دمج إسمي بكنيته إهانة لرجولته. ورغم الخلافات على هذه النقطة، لم أستسلم يوماً لرغبة زوجي في وضع كنيته إلى جانب إسمي الذي أسّسته بالدمع والحبر والدم. ولا يمكن أحد أن يسرق مني جهدي وتعبي لمجرّد إشباع «ذكوريته» والتأكيد أن ارتباطه بإمرأة ناجحة لم يجعل منه «زوج الست».
ليلى العثمان (روائية كويتية): المرأة القوية مُحاربة تاريخياً وأنديرا غاندي مثال على ذلك
لا أعتقد أنّ هناك حكماً مطلقاً يُمكن أن نطلقه على كلّ الرجال، ففي الغرب هناك بلدان تختلف عن بلدان أخرى من حيث البيئة والمعتقد والفكر والسلوك. وفي عالمنا العربي أيضاً ثمة فروقاً معينة بين بلد وآخر. ولكن في شكل عام لدى الرجل العربي شعور بأنه الأفضل، لذا نرى أن الرجل لا يغار من المرأة إلاّ عندما تتجاوزه أو تتخطّى المرحلة التي وصل إليها وتتقدّم عنه لتحقّق ما لم يحقّقه.
فعلى سبيل المثال عندما يرى الرجل سيّدة أعمال مرموقة يحاول تلقائياً تشويه سمعتها وطُرق وصولها دون أن يحاول معرفة قدراتها. ومن الناحية الأدبية يرفض الرجل العربي أو الخليجي فكرة أن تصبح المرأة كاتبة ناجحة ومشهورة، فيحاول جاهداً منعها من المشاركة في المؤتمرات والمهرجانات الكبيرة لأنّه لا يرضى بأن تكون المرأة في مستواه أو أن تتخطّاه.
وغيرة الرجل من المرأة لها منابع كثيرة أوّلها التربية، ففي بيوتنا العربية يتربّى الولد على أنّه «الذكر» أي البطل القوي والقادر. ورغم أنّ غيرة المرأة من المرأة تكون غالياً شديدة وواضحة، فإنّ غيرة الرجل المخفيّة قد تأخذه إلى حدّ محاربة المرأة والوقوف في وجه تقدّمها. فلا يشعر بالغبطة أو المنافسة مع المرأة وإنما بغيرة قاتلة تُقنعه بأنّ هذه المرأة تتعدّى على مجالاته. والتاريخ يشهد على ذلك وملكات زمان تعرّضن لغيرة الرجال وقُتلن كما سُرقت منهنّ الزعامة. فمثلاً رئيسة وزراء الهند الراحلة أنديرا غاندي كانت إنسانة رائعة وفعلت ما لم يفعله الرجل إلاّ أنّها اغتيلت، وبينظير بوتو نُفيت وحوربت ومن ثمّ قُتلت. وعن تجربتي الخاصة يمكن القول إنّني تقدّمت بفضل الرجل الذي لعب دور المساند في حياتي من جهة، ومن جهة ثانية تعبت وجوبهت من الرجل الحاقد والمحارب. فهناك من اتخّذ موقفاً من نجاحي ووصول كلمتي وحصل معي ما يحصل عادةً مع كلّ كاتبة أو شاعرة عربية،
إذ يُنظر إلى أدبها على أساس أنه تافه وسخيف ومجرّد كتابة نسوية فارغة من المضمون القيّم والعميق. وأنا شخصياً تعرّضت على أيدي كتّاب معروفين إلى محاربة علنية إذ عمدوا إلى منع كتابي بعدما كان قيد النشر. وعقلية الرجل الشرقي لا تتغيّر إلاّ عندما يتغيّر أسلوب التربية منذ الصغر وهذا يحتاج إلى مزيد من الوقت.
الفنانة وعد (مطربة سعودية): المرأة القوية تجذب الرجل وتُخيفه
في الواقع أنا ضدّ الجمع والتعميم. وكما هو معروف لكلّ قاعدة شواذها. لذا لا بدّ من الإشارة مسبقاً إلى أنّ وجهة نظري لا تعكس رأيي في كلّ الرجال، وإنما النسبة الغالبة منهم. فالرجل، سواء كان عربياً أم أجنبياً، ينجذب بطبعه إلى المرأة الذكيّة وعندما يجد فيها إلى جانب الذكاء صفات أخرى كاللباقة في الحديث والشكل الجميل والحضور الإجتماعي أو المنصب، تتولّد لديه دهشة ورغبة في التقرّب منها ليس فقط لإمتلاكها بل أيضاً لإقتنائها. ولكن ما إن تُصبح المرأة في منزله حتى يتبدّل شعوره من الإعجاب إلى الخوف منها ومن أن تُدير دفّة البيت إليها. ولكن لا أجد مبرّراً لهذا الشعور لأنني إمرأة، وأعرف أنّه لو أرادت المرأة أن تتسلّط في بيتها الزوجي لما تزوجت.
فالمرأة مهما علا شأنها أواستقلّت مادياً وأثبتت نفسها فكرياً ونفسياً واجتماعياً، تبقى في حاجة إلى من يحتويها عاطفياً. وعلى الرجل أن يُفكّر بطريقة إيجابية أكثر في المرأة التي رغم نجاحها وقوتها واستقلاليتها رفضت أن تستقلّ عنه واختارته لكي تُكمل مشوارها معه، فعليه أن يحتضنها بدل أن يخاف منها. فالرجل الكامل والواثق من نفسه لا يسدّ أبواب المجد والنجاح والتفوق أمام زوجته أو أخته أو ابنته، لأنّ نجاحها من نجاحه وتفوقها من تفوقه. وإن حكى التاريخ عن أسماء عظيمات وأميرات وملكات فهو لا يُغيّب أبداً الرجال الذين دعموهنّ ووقفوا بجانبهن، لأنّ الرجل عندما يُشجّع المرأة على التفوق وإثبات الذات فهو بالتأكيد يستحقّ أن تُرفع له القبعة لأنّ هذا يعني أنّه استطاع أخيراً الخروج من عقدتي الجنس والذكورية وما إلى هنالك. وكلّ من يقف في وجه تطوّر أو تقدّم إمرأة فهو رجل ناقص تدفعه غيرته إلى تحطيم المرأة والوقوف في وجه تقدّمها. وحين نتكلّم عن الرجل هنا فالمقصود هنا الرجل أباً وأخاً وزوجاً...
وعن تجربتي أقول إنني تعرّضت للأسف لغيرة الرجل منّي وليس عليّ، فالمرأة تحب من يغار عليها وليس منها. ولكن عقلية بعض الرجال المتحجرة تمنعهم من تحمّل فكرة أن تكون أخته أذكى منه أو زوجته أرفع شأناً منه أو أن تتجاوز ابنته المرحلة التي وصل هو إليها. وهذا يدلّ طبعاً على تلك النظرة الدونية التي ينظرون بها إلى المرأة إلى حدّ أنهم لا يتأقلمون بسهولة مع فكرة نجاحها ووصولها وتفوقها. وهذه العقلية كانت موجودة في أوروبا والعالم الغربي، إلاّ أن الحركات النسائية الثقافية والثورات ومناهج التعليم أدّت إلى التغيير. أمّا في عالمنا العربي فلا نريد أن تثور المرأة ضدّ عاداتها وتقاليدها واحترامها للرجل وإنما يجب العمل على تمرين عقل الذكر منذ الصغر وتعليمه أنّ المرأة كائن محترم لا تقلّ عنه شأناً، ونجاحها لا يعني إلغاءه. ولكي تنجح هذه الخطة في شكل أسرع وأحسن على الإعلام أن يبدأ بالتغيير من خلال البرامج والمقالات والإعلانات وإظهار صورة المرأة الحقيقية كإنسان يُفكّر ويُنجز وقادر على إعطاء البشرية وإدهاشها.
ألين أحمر (تاجرة وصاحبة محل Cinema في لبنان): على الرجل العربي أن يفهم أنّ المرأة الناجحة لا تسعى لأن تكون رجلاً مثله
بدأت مشواري كعارضة أزياء وكنت محاطة دائماً بعالم الجمال والأناقة، ولم أكّن أفكّر في أن أدخل التجارة إلاّ أنّ الصدفة أرادت ذلك. فبعد أن أُقفل فجأة محلّ Cinema للألبسة الجاهزة الذي كنت أشتري ملابسي منه قرّرت أن أُعيد فتحه بإسمي لأنني أحبّ ملابسه الأنيقة التي يوقعها المصمّم اليوناني العالمي Panos Zinas، صاحب محلاّت Zinas الشهيرة في دبي.
وعندما رأى البعض جدّيتي في دخول عالم التجارة عملوا على إحباطي وخصوصاً الرجال الذين كنت أُصادفهم في الدوائر الرسمية أثناء إجراء معاملات تسجيل المحل باسمي. وكنت أقرأ تعابير الدهشة التي ترتسم على وجوههم كلّما عرفوا أنني سأخوض مجال التجارة رغم صغر سني. وهنا أشير إلى أنّ الرجل لا يغار عندما يرى إمرأة متفوقة في مجال يعتبره خاصاً به إذا كانت غير مكترثة بأنوثتها، وهو يُعزّي نفسه ببعض العبارات مثل: «هي إمرأة مسترجلة وقبيحة ومعقّدة»... ولكنّه يندهش فعلاً من المرأة التي تقوم بعمله دون إخفاء الجانب الأنثوي الجميل في شكلها أو شخصيتها.
وعن تجربتي أقول إنني سمعت الكثير ممّن حاول تحطيم معنوياتي من خلال الحديث عن الأوضاع المضطربة في لبنان والتي لا تصلح لإقامة مشروع بهذا الحجم، وهناك من كان يقول إنّ الرجال يتخوفون من دخول التجارة في مثل هذه الأوضاع فكيف تستطيع فتاة في سنّي أن تخوض غمار التجارة. ولكن إلى جانب روح التحدّي والمغامرة التي تُميّزني، كان لديّ إحساس بأنّ كلّ هذا الكلام لم يكن سوى حجج واهية يستخدمها الرجال في مجتمعنا الذكوري لكسر أحلام أي إمرأة تُفكّر في الدخول إلى مجالات يعتبرونها حكراً عليهم. لذا لم أتأثّر، وظلّ إيماني راسخاً بأنّه «لكلّ مجتهد نصيب» سواء كان رجلاً أو إمرأة. والرجل الشرقي لا يغار من المرأة الناجحة فحسب بل إنه يخاف منها ويحذر من الفتاة صاحبة الشخصية القوية ويخشى الإرتباط بها لأنه يريد دوماً أن يبقى هو «الرجل». وأنا أعترف بشهادة الكثيرين بأنني إمرأة قوية وصاحبة شخصية وأحترم استقلاليتي مادياً ومعنوياً، ولكن هذا لا يلغي اعتزازي بأنوثتي ورفضي لمبدأ التعامل مع الرجل من منطلق النديّة. وعلى الرجل أن يفهم أنّ المرأة القوية والناجحة لا تريد أن تكون رجلاً مثله وإنما تريد أن تثبت أنها إنسانة لا تقلّ شأناً عنه.
مريم بن فهد (مخرجة سينمائية ومديرة نادي دبي للصحافة): الرجل هو من أعطاني فرصتي ولكنه يبقى في تعامله مع المرأة القوية حذراً
رغم أننا نعيش في العالم العربي في مجتمعات ذكورية، أجد نفسي محظوظة لكوني تربيت ضمن إطار عائلة تُساند نجاحي وتقدّمي. وإلى جانب أهلي وإخواني كان لدولة الإمارات التي نشأت فيها وترعرعت في أحضانها الأثر الكبير في زرع الثقة في نفسي كإمرأة إماراتية. فالدولة تحتضن طموحات المرأة وتدعمها وتشجعها للوصول إلى مراكز قيادية. وفي الميدان العملي لم أشعر يوماً بأنّ ثمة من ضايقه نجاحي وسعى إلى عرقلة مسيرة وصولي، بل على العكس تماماً، فأنا من الأشخاص الذين لا ينكرون الجميل وأعترف أنني استفدت من خبرات الرجال الذين سبقوني في مجال عملي. وهناك كُثُر أغنوا تجربتي بنصائحهم وإرشاداتهم. وفي حالتي أقول إنّ الرجل هو من أعطاني فرصتي وكان ينظر إليّ كشريك في العمل- بعيداً عن اعتبارات الذكر أو الأنثى- بهدف تدعيم الإعلام وتطويره.
وفي الواقع، دراستي في الخارج علّمتني كيف أفرض نفسي كإنسانة قبل أن أكون أنثى. هذا لا يعني طبعاً تهميش الجانب الأنثوي في شخصيتي لأنني في النهاية إمرأة تفتخر بأنوثتها، ولكن بعيداً عن ذلك أحرص في الدرجة الأولى على فرض كفاءتي وقوّتي من أجل إقناع الجميع رجالاً ونساءً بأنني إنسانة جديرة بالمركز الذي أنا فيه لأنّ البعض يحاول الحدّ من قدرات المرأة ومنعها من تحقيق النجاح في مختلف المجالات باعتبارها كائناً ضعيفاً.
من هنا أجد أنّ مسؤولية المرأة تكمن في فرض نفسها وشخصيتها وكفاءتها واحترامها، وبالتالي ستكتسب ثقة كلّ من حولها. وفي مجتمعاتنا يكون عادة التعامل مع المرأة الناجحة أو صاحبة الشخصية القوية مشوباً بالحيطة والحذر. وأعتقد أنّ المرأة القيادية يجب أن تعرف كيف توازن بين بيتها وعائلتها وعملها وتضع أولوياتها وألاّ تُمارس دورها القيادي داخل المنزل كي لا تُرسّخ فكرة الرجل عن أنّ المرأة تتحوّل إلى «رجل» بعد أن تصل إلى مراكز متقدمة في حياتها المهنية.
نبيلة كنعان (مصوّرة فوتوغرافية لبنانية): المرأة في مجتمعنا تدفع حياتها الشخصية ثمناً لنجاحها
عندما بدأت عملي في التصوير الفوتوغرافي منذ حوالي ١٥ سنة، كانت هذه المهنة معروفة بأنها مهنة الرجال، إذ كان يُنظر إلى المرأة على أنها كائن ضعيف وغير قادر على حمل كاميرا ثقيلة لتصوير مهرجانات ومؤتمرات تستمرّ ساعات وساعات. ولكن حبّ التصوير بدأ في نفسي منذ الصغر واخترت هذا المجال في ظلّ دهشة البعض ومعارضة البعض الآخر. وعندما حملت الكاميرا أوّل مرّة وكنت في سنّ المراهقة آنذاك رأيت نظرات غريبة فيها المُعجب والمتعجّب، إلاّ أنني وقفت في وجه كلّ التحديات وبدأت مشواري الذي أسّسته رغم الماديات القليلة التي كانت متوفرة لديّ.
أمّا الرجل في عائلتي - سواء والدي أو شقيقي - فقد كان الداعم الأوّل ولكن المشكلة التي واجهتني كانت من الزملاء الرجال أو بعض الشباب في المجتمع الذين حاولوا الإستهزاء بطموحي وقدراتي، ذلك لأنّ الرجل الشرقي لا يرى في المرأة قوّة فاعلة وقادرة على التغيير والتطوّر ويرفض أن يتخيلّها خارج الصورة التي رسمها لها. فالمرأة بالنسبة إليه ليست العنصر المنافس، وحتى الرجل الذي يعتبر نفسه متحرّراً يحاول غالباً أن يحبس المرأة داخل الإطار الأنثوي. من هنا أجد أنّ نجاح المرأة ووصولها واستقلاليتها أمور تُخيف الرجل وتُثير غيرته.
فنجاحي في عملي دفع بالبعض إلى منعي من تصوير بعض المناسبات الكبيرة، كما كان هناك من يحاول دائماً انتقاد عملي في شكل غير منطقي لمجرّد تحطيمي. وأكثر ما تُعانيه المرأة المستقلّة في عملها في مجتمعها، هي أنها تدفع حياتها الشخصية ثمناً لنجاحها. فالرجل يخاف من المرأة الذكية والقوية والمستقلّة، فإن كانت متزوجة يُحاول الزوج قمعها أو منعها من إكمال عملها بالطريقة، وإن كانت عزباء فهنا المشكلة أكبر. فأنا أتكلّم عن تجربتي وأقول بصراحة إنني لم أرتبط حتى الآن بسبب عملي، لأني لم أجد الرجل الذي يتفهّم عملي ويُحبني لنفسي. فكلّ من يتقدّم للزواج بي يشترط عليّ أولاً ترك عملي والتفرّغ له ولمنزله بحجة عدم تحمّله فكرة غيابي عن المنزل مدّة طويلة، أو أنّه يدخل على طمع لأنّ عملي الخاص واستقلاليتي الماديّة ستسهّل عليه الكثير من المتطلبات الزوجية.
منذ فترة معينة قررت المرأة العربية أن تنتفض على واقعها وأن تُخرج رأسها من داخل القمقم الضيّق الذي وضعها فيه غرور الرجل لسنوات طويلة، وبعد معارك طاحنة نجحت في إثبات نفسها بعيداً عن الصورة المنمّطة والمعروفة عنها. هذه الإنتفاضة «النسوية» لم يكن وقعها سهلاً على الرجل الشرقي الذي فشل في إيقافها، الأمر الذي ولّد لديه غيرة منها بعدما كانت في نظره مجرّد إنسانة من الدرجة الثانية. في هذا التحقيق رصدنا شهادات سيّدات متفوقات في مجال العلم والأدب والصحافة والتجارة والإدارة والتصوير والإخراج تحدّثن عن نجاحهنّ وتأثير بروزهنّ على الرجل الشرقي...