إجازة زواج الوناسة تثير جدلا

المملكة العربية السعودية, د. عادل عبد العزيز الجمعان, الشيخ د. محمد النجيمي, د. سعد الخطيب, المجتمع السعودي, زواج الوناسة

16 سبتمبر 2009

أثار عضو مجلس الشورى والمستشار القضائي في وزارة العدل السعودية وإمام وخطيب جامع الجوهرة في الرياض الشيخ الدكتور عبد المحسن العبيكان  جدلا كبيرا في السعودية بإجازته ما يسمى «زواج الوناسة» الذي يستبعد المعاشرة الجنسية بين الزوجين من أركانه، ولكنه يعتبر زواجاً مكتملاً وصحيحاً لأنه غير مشروط بمدة معينة. تتلخص فكرة هذا الزواج  بارتباط رجل كبير في السن بامرأة في كامل صحتها ونشاطها لتعتني به شريطة أن تتنازل عن حقها في المعاشـرة الزوجية ولكن تتمتع بباقي حقوقها في المهر والنفقة والسكن، إضافة إلى المعاملة الحسنة التي يستوجبها أي عقد نكاح. هذا النوع من الزواج موجود في السعودية إلا أنه غير معلن رسمياً من المأذونين الشرعيين أو المحكمة الكبرى التي تهتم بشؤون عقود الأنكحة ولم تسجَّل رسمياً أي من الحالات لهذا الزواج.  «لها» عرضت في تحقيقها الآراء الدينية التي أثيرت حول هذا النوع من الزواج بين المعارض والمؤيد آخذة في الاعتبار الآراء الاجتماعية والنفسية التي تفسر وجود هذه الأنواع المختلفة من الزواج.

­النجيمي:زواج الوناسة محرمٌ شرعا لأنه لا يُنصف المرأة ويُبنى على مصالح مادية
بعد إجازة الشيخ العبيكان لزواج الوناسة رفض أستاذ الدراسات المدنية في كلية الملك فهد الأمنية وعضو مجمع الفقه الإسلامي الشيخ الدكتور محمد النجيمي هذا النوع من الزواج الذي يتضمن شرط التخلي عن حاجات المرأة الجنسية وأعتبره محرماً، فيقول: «مع احترامي وتقديري لفضيلة الشيخ عبد المحسن العبيكان، لا يجوز في الإسلام فتح باب الزواج الذي لا ينصف المرأة. وإن وجدت الحالات التي من أجلها احل العبيكان هذا النوع من الزواج، فسنجد المرأة فيها قبلت هذا الزواج من أجل مصالح دنيوية ونحن نمنع هذا النوع لأنه محرم شرعاً».

وأشار النجيمي إلى أنه سمع عن انتشار هذا النوع من الزواج في السعودية لكنه لم يرَ أية حالة قد سُجلت عند مأذون أو حتى في المحكمة الشرعية وقد تأتي امرأة وتوافق على شخص للحصول فقط على المتعة المادية من أموال وعقارات. «اقتران رجل كبير في السن يعاني أمراض القلب أو الضغط أو آلام المفاصل بامرأة كبيرة السن أو تصغره بسنوات قليلة ويريدها أن تؤنسه فيما تبقى له من حياة لتأكل وتشرب وتتكلم معه أمر جائز إن كانت امرأة على هذه الشاكلة، أي أنها إمرأة تطابقه ولديها من الأمراض ما لديه ورغبتها قليلة في الرجال. هنا أصبح الزواج مباحاً.

أما إذا كان رجلاً عاجزاً وهي امرأة لديها رغبة في الرجال ولا تزال شابة فتأتي لرجل لا يستطيع معاشرتها، فهنا نأتي لما هو معلوم لدينا في الفقه الإسلامي أن هذا الزواج محرم لأنه لن يحصن هذه الزوجة وقد يصل بها الأمر إلى الانحراف، أو تحقيق غاية الوصول إلى الماديات والأموال وهو شرعاً لا يجوز. العلماء ذكروا أن هذا النوع من الزواج محرم لأنه يأتي في نصه أنه إذا علم الرجل أو الزوج بأنه لا يستطيع معاشرة زوجته أمر محرم شرعاً ولا يجوز لأنه يفتقد مقصداً مهماً من الزواج وهو النكاح والمعاشرة. إن حصل العكس في ذلك أي أنه إذا ارتبط الرجل بإمرأة لا يستطيع معاشرتها فهو بالتالي يستطيع الارتباط بامرأة أخرى أو يُطلق زوجته، لكن مشكلة المرأة هي التورّط مع رجل وهي تعلم بأنه لن يستطيع معاشرتها ولن يستطيع أن يقوم بواجبه تجاهها، لأن ذلك لا يجوز لقول الرسول صلى الله عليه وسلم (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج)، والباءة هي القدرة الجسمية والجنسية والمالية فلا بد منها».

وأضاف النجيمي: «إن كان المقصود بتحليل هذا النوع من الزواج أن يجد الرجل امرأة تناسبه وتطابقه في المواصفات ولديها مشكلات صحية مثله وتريد الزواج لمجرد أن تؤنس وحدتها وليس لها رغبة في النكاح، فهذا جائز ولابد من التفصيل في هذا الأمر. أما بالنسبة إلى ما أشارت إليه بعض المواقع الإلكترونية وتحدثت به الصحف بأن شرط زواج الوناسة هو اقتران رجل كبير في السن بامرأة شابة بكامل نشاطها وحيويتها شرط التنازل عن المعاشرة الجنسية مع هذا الرجل المسن ولها كامل الحق في السكن والنفقة، فهذا هو الزواج المحرم شرعاً لأنها بذلك قبلت الزواج لغاية التمتّع بالمال والعقار والسيارات التي يملكها هذا الرجل. كما أن تنازل المرأة عن حقها في المعاشرة الجنسية أمر محرم شرعاً لأنها ستبقى لديه امرأة متزوجة ظاهرياً وهي ليست متزوجة حقيقة والشرع الإسلامي هنا لايقبل هذا النوع من الزواج لأنه يعلم أن هذا النوع مبني على مصالح. لذلك قال العلماء أن الزواج خمسة أنواع منها المباح والمستحب والواجب والمحرم والمكروه، والزواج الذي لا يستطيع فيه الرجل معاشرة المرأة هو زواج محرم».

الجمعان: زواج الوناسة يدخل الزوجة الشابة إلى دائرة المحرمات من خلال البحث عن البديل
قال مستشار برامج السلوك الاجتماعي ومشكلات الادمان ومدير العيادات الخارجية والخدمة الاجتماعية الطبية في مستشفى حراء في جدة الدكتور عادل عبد العزيز الجمعان إن التغيرات التي حصلت في المجتمع أسفر عنها مخرجات مثل زواج الوناسة وغيره من أنواع الزواج. «قد تكون هذه الأنواع نتجت عن التغيّر الحاصل في الحياة كاختلاف ظروف المعيشة أو ازدياد نسبة الطلاق والعنوسة في السعودية. إذا كان زواج الوناسة قائماً على أن تتنازل المرأة فيه عن حقها في المعاشرة الجنسية فمن وجهة نظر علم الاجتماع في ذلك فإنها إمرأة استبدلت حياتها العاطفية بالحياة المادية التي ستحصدها من زواجها بهذا الرجل وستبدأ البحث عن البديل من خلال علاقات أخرى مع شباب في سنها، وذلك لحرمانها الحياة الجنسية التي تعتبر ركناً من أركان الزواج. حرمان المرأة هذه الحياة والمعاشرة الجنسية بينها وبين زوجها يجعل الحياة بينهما مشروخة وفيها أجزاء مكسورة لن ترمم».
وأضاف الجمعان: «لنحاول قياس هذه المسألة على الشبان والشابات، إذا انتشرت مثل هذه الانواع بينهما فإن سبب انتشارها هو وجود مشكلة العنوسة، أحد الأسباب التي قادت الفتيات ربما إلى القبول بهذه الأنواع من الزيجات كالوناسة وغيرها من المسميات، إضافة إلى عدم تأدية الأهل أدوارهم الأساسية تجاه بناتهم من خلال تخفيض المهور ومراعاة التكافؤ بين الشاب والشابة. أعتقد أن هذه الامور لها تأثير سلبي خاصة على الفتاة وعلى اهلها وعلى المجتمع الذي سيدفع بها إلى اختيار انماط مختلفة من الزواج».

الخطيب:الحرمان العاطفي يؤدي إلى اضطراب نفسي وغالباً ما يؤدي إلى الاكتئاب والانحراف
قال استشاري الطب النفسي في جدة الدكتور سعد الخطيب أن الحياة الزوجية والعاطفية بين الرجل والمرأة ترتكز على اسس أهمها الاحتياجات العاطفية والمادية والجنسية. إن غاب اساس واحد من هذه الأسس الزوجية فإنه وبالتأكيد سيؤثر على العلاقة بين الشخصين، مضيفاً: «ما هو المعنى الاساسي من ارتباط رجل بإمرأة؟ فقط ليدفع لها المال دون وجود المعاشرة الجنسية التي هي حق من حقوقها الطبيعية والشرعية؟ ومن الناحية النفسية لابد من وجود شيء مقابل شيء، أي أنه عندما تُعطي المرأة الرجل السعادة والمؤانسة ولا تجد مقابل لهذا العطاء سوى المادة فإن ذلك غُبن. وإن رغبت الفتاة في هذا الوضع وقبلت به فمن المؤكد وبعد مرور فترة أنها ستتأثر وتبدأ في البحث عن احتياجاتها العاطفية من خلال أمور أخرى. قد تتجه الزوجة إلى علاقات شاذة أو علاقات محرمة وتدخل ضمن دائرة الانحراف، وهو أمر طبيعي لإمرأة تتزوج من رجل لا يبادلها احتياجاتها العاطفية. ولو افترضنا أن هناك من قبلت الزواج من هذا المُسن ووقعت تحت ضغط عائلي أو ظروف عائلية ولديها من الاحتياجات العاطفية أقل مما ينبغي، إلا أنها بعد فترة من الوقت ستشعر بحاجاتها لإشباع رغباتها واحتياجاتها العاطفية والجنسية مع آخرين لأنها قدمت نوعاً من السرور والسعادة لرجل فُرض عليها وفي المقابل هو يعطيها أشياء منقوصة وأشياء ناقصة عاطفياً وهذا يؤدي إلى نوع من الحرمان العاطفي الذي يؤدي إلى اضطراب نفسي، وغالباً ما يؤدي إلى الاكتئاب وقد يؤدي إلى الانحراف، بمعنى محاولة الحصول على ما حُرمت منه من خلال علاقات شاذة أو علاقات محرمة مع اشخاص آخرين بطريقة غير شرعية. ودخول السيدة في مثل هذه العلاقات يدخلها إلى دوامة تأنيب الضمير وبالتالي اضطرابات نفسية أخرى».