مفاجأة مفتي مصر
د. علي جمعة, سلمى المصري, يوم المرأة العالمي, مساواة الرجل والمرأة, د. مهجة غالب, المرأة العربية / نساء عربيات, د. عبلة الكحلاوي, مفتي مصر, مهرجان الخالدية , الدول الإسلامية, الآيات القرآنية, عالمات الإسلام, فتوى, كلية الدراسات الإسلامية, د. عفاف الن
19 أكتوبر 2009 سوء فهم للنصوص
وترى عميدة كلية الدراسات الإسلامية الدكتورة عفاف النجار أنه من الخطأ قياس دية المرأة بميراثها حيث تأخذ نصف ميراث الرجل، و«الخلل هنا أن الميراث محدد بالنصوص القرآنية وبالتالي فلا مجال للاجتهاد فيه، كما أن الحالة الوحيدة لذلك هي بين الأشقاء والشقيقات، أما في بقية الحالات فإن المرأة تأخذ ميراثاً مثل الرجل أو أكثر منه، وهناك دراسة أكدت أن هذا موجود في قرابة الثلاثين حالة. كما جعل الإسلام القصاص على من قتلها أو أذاها عمداً أو الدية، وهذا ما لم يكن له وجود أيام الجاهلية الأولى. وطالما أن القضية خلافية ولم يرد فيها نص قرآني فإننا نؤيد ما ذهب إليه المفتي في المساواة بين الرجل والمرأة في الدية مع احترامنا لما ذهب إليه الفقهاء القدامى الذين اجتهدوا وفقاً لظروف عصرهم، ولفقهاء الأمة الآن أن يجتهدوا لعصرنا».
في البداية يعرف الدكتور جمعة الدية بأنها «المال الواجب لتعويض قتل أو إيذاء نفس أو إيذاء في غير النفس أيضاً. وقد أجمع أهل العلم على وجوب الدية وهي واجبة على اختلاف أصنافها ذهبًا وفضة وبقرًا وإبلاً، ونرى أن الأنسب في عصرنا هذا هو الأخذ بقيمة أقل صنف من أصناف الدية لما في ذلك من تحفيز الناس على دفعها. ولأن الأصل براءة الذمة مما زاد على ذلك، وذلك متحقق في الفضة ودية الفضة.
عند الجمهور اثنا عشر ألف درهم والدرهم عندهم ٢٫٩٧٥ غرام فضة تقريباً فتكون جملة دية الفضة عند الجمهور خمسة وثلاثين كيلوغراماً وسبعمئة غرام من الفضة. وتكون هذه الكمية بسعر السوق طبقاً ليوم ثبوت الحق رضاء أو قضاء وتتحملها عائلة القاتل أو المعتدي، فإن لم يمكن فيتحملها القاتل، فإن لم يستطع جاز أخذ الدية من غيرهم ولو من الزكاة».
وأضاف المفتي: «يرى مذهب جمهور العلماء أن دية المرأة هي نصف قيمة دية الرجل، وقد استند بعضهم إلى الفروق بينهما في الميراث والشهادة والقوامة، وهذا قياس مع الفارق وليس مطابقاً وبالتالي فيه ظلم للمرأة. ويستندون كذلك الى ما نسب للنبي صلى الله عليه وسلم: «دية المرأة على النصف من دية الرجل». وهناك من حكم بضعف الحديث.
وعلى الجانب الآخر ذهب الأصم وابن علية إلى أن دية المرأة مثل دية الرجل وما دام الأمر خلافياً فلا مانع من الأخذ بأي الرأيين. ويبرر بعض الفقهاء جعل دية الرجل ضعفي دية المرأة أن الرجل يعمل ومسؤول عن أسرة ولهذا لا بد من تعويضه بشكل يكفيه، أما المرأة فهي مسؤولة من غيرها سواء كان زوجاً أو أخاً أو أباً وبالتالي فإن أسرتها لم تتضرر كثيراً مثل الرجل.
وربما كان هذا الوضع موجوداً في الماضي حين كانت المرأة لا تعمل وينفق عليها ولي أمرها، أما الآن فالوضع اختلف فالمرأة تعمل، بل إن كثيرات منهن يُعِلْنِ أسرهن بل ينفقن على الذكور، وبالتالي فإن فقه الواقع يفرض علينا أن نرى تساوي الدية بينهما فهذا أقرب للعدل الذي تنشده الشريعة».
ويكمل مفتي مصر: «أطالب مختلف الدول الإسلامية بتغيير قوانينها للأخذ بالدية إذا لم تكن تأخذ بها أو جعل دية المرأة مساوية للرجل إذا كانت تأخذ بالدية وتجعل دية المرأة نصف دية الرجل، لأن استمرار هذا الوضع فيه نوع من عدم الإنصاف للمرأة مع احترامنا لمن يصرون على رأي مخالف لنا استناداً إلى أدلة شرعية أخرى لأن القضية خلافية.
ولكنني أدعو من يصرون على أن دية المرأة نصف دية الرجل إلى الاطلاع على ما كتبه الدكتور القرضاوي واجتهاد الشيخ محمود شلتوت شيخ الأزهر الأسبق في كتابه «الإسلام عقيدة وشريعة»، وخاصة ما كتبه تحت عنوان «دية الرجل والمرأة سواء» فعبارة القرآن في الدية عامة مطلقة لم تخص الرجل بشيء منها عن المرأة.
ويؤكد المساواة تفسير المنار للشيخ رشيد رضا والشيخ محمد أبو زهرة في كتابه «الجريمة والعقوبة في الشريعة الإسلامية» والشيخ محمد الغزالي في كتابيه «السنة بين أهل الفقه وأهل الحديث» و«تراثنا الفكري في ميزان الشرع والعقل».
«استوصوا بالنساء خيراً»، وتأكيد لما أعطاها الإسلام من حقوق ما لم يكن يخطر على بالها في أيام الجاهلية ورفع عنها التعسف حتى وصل الأمر إلى نزول سورة كاملة في القرآن سُمِّيت سورة «النساء» ولم توجد سورة باسم الرجال. وقدمها الاسلام على الرجل في باب الحضانة للأولاد وجعل حق الأم في حسن الصحبة مقدماً على الأب، بل الجنة تحت أقدامها، فهذا التكريم المثالي لا يمكن أن يتناسب مع جعل ديتها نصف دية الرجل، خاصة أن كثيراً من الأحاديث التي بنى جمهور الفقهاء رأيهم عليها في موضوع الدية هناك ضعف في بعضها أو طعن في رواتها.
بعض القدامى منصفون
وتقول أستاذة الشريعة الإسلامية في جامعة القاهرة الدكتورة ملكة يوسف: «رغم أن الفقهاء يرون أن دية المرأة نصف دية الرجل فإنه كان هناك من القدامى من رأى المساواة بينهما، فقال الإمام النووي «دية المرأة نصف دية الرجل هذا قول العلماء إلا الأصم وابن علية فإنهما قالا: «ديتها مثل دية الرجل». وذكر ابن قدامة المقدسي أن الأصم وابن عُلية قد استدلا على المساواة بين دية الرجل والمرأة بدليل هو حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي قال فيه: «في النفس المؤمنة مائة من الإبل». وذكر الماوردي أنهما قد استدلا أيضاً بدليلين هما: القياس على القصاص لأن كلاً منهما يقتل بالآخر فكما تساويا في القصاص وجب أن يتساويا في الدية، وكذلك استواء الغرة في الجنين الذكر والأنثى لأن الغرة هي دية يدفعها من يتسبب بإجهاض الحامل متعمداً أو خطأ أيضاً، وهذا يوجب تساوي الدية في الرجل والمرأة».
ظلم يخدم الأعداء
وتدعو مفتية النساء الدكتورة سعاد صالح المعارضين لمساواة الرجل والمرأة في الدية إلى الاطلاع على البحث القيم والشامل الذي أعده العلامة الدكتور يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين واستند إليه مجلس الشورى القطري حين أعد مشروع قانون يساوي بين دية المرأة والرجل،أكد أنه لا توجد أدلة يقينية في القرآن والسنة ولم يثبت إجماع الصحابة على التمييز في الدية بين الذكر والأنثى، بل إن الإسلام يوجب المساواة بين الرجل والمرأة في القتل الخطأ إعمالاً لقاعدة «النفس بالنفس» دون النظر إلى الوضع الاجتماعي سواء كان عاجزًا أو مثقفًا أو فقيراً أو غنياً أو غيره. فالدية ليس فيها حديث متفق على صحته ولا إجماع، ولهذا فإن القول بأن دية المرأة نصف دية الرجل يعطي فرصة ذهبية لأعداء الإسلام في الداخل والخارج للطعن فيه بأنه يظلم المرأة، مع أنه بريء من ذلك.
أدلة شرعية
وتدعو رئيسة قسم التفسير في كلية الدراسات الإسلامية الدكتورة مهجة غالب إلى تأمل النص القرآني الوارد في الدية حيث يقول تعالى: «وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمناً إلا خطأ ومن قتل مؤمناً خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة» آية 92 سورة النساء.
فالنص هنا ليس فيه أي تفرقة في الدية، وبالتالي فالمساواة هي الأصل وهي المساواة التي يمكن أن نفهمها من قوله تعالى: «من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً» آية 32 سورة المائدة. ولهذا فإن الدارس للكتاب والسنة الصحيحة سيجدُ أن ديةَ المرأة مثل دية الرجل سواء بسواء، لأن معيار التفاضل بين البشر كافة إنما هو التقوى والعمل الصالح، فقال تعالى: «إن أكرمكم عند الله أتقاكم» آية 13 سورة الحجرات .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا أيها الناس ألا إن ربكم واحد ألا إن أباكم واحد لا فضل لعربي على أعجمي ولا أعجمي على عربي ولا أحمر على أسود ولا أسود على أحمر إلا بالتقوى».
التوصية بالنساء
وتؤيد هذا الرأي العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية الدكتورة عبلة الكحلاوي التي ترى أنها تنفيذ عملي للوصية النبوية للرجال «استوصوا بالنساء خيراً»، وتأكيد لما أعطاها الإسلام من حقوق ما لم يكن يخطر على بالها في أيام الجاهلية ورفع عنها التعسف حتى وصل الأمر إلى نزول سورة كاملة في القرآن سُمِّيت سورة «النساء» ولم توجد سورة باسم الرجال.
وقدمها الاسلام على الرجل في باب الحضانة للأولاد وجعل حق الأم في حسن الصحبة مقدماً على الأب، بل الجنة تحت أقدامها، فهذا التكريم المثالي لا يمكن أن يتناسب مع جعل ديتها نصف دية الرجل، خاصة أن كثيراً من الأحاديث التي بنى جمهور الفقهاء رأيهم عليها في موضوع الدية هناك ضعف في بعضها أو طعن في رواتها.
أصدر مفتي مصر الدكتور علي جمعة فتوى مستنيرة خالف فيها جمهور الفقهاء حين أكد في محاضرة ألقاها أخيراً بمكتبة مصر الجديدة أن دية المرأة مساوية للرجل ومن يحكم بغير هذا فقد ظلم المرأة. وطالب الدول الإسلامية التي تطبق الدية في قوانينها بأن تلغي التفرقة بين الرجل والمرأة في الدية لأن هذا تكريس لدونية المرأة استناداً إلى تقاليد ظالمة أو تأويل وفهم خاطئين للآيات القرآنية أو الاستشهاد بأحاديث ليست صحيحة. وعلى الفور تفاعلت عالمات الإسلام مع اجتهاد المفتي المصري فماذا قال و ماذا قلن؟ وهل تعيد تلك الفتوى حقاً غائباً للمرأة؟
المساواة في حرمة الدم
وتؤكد عميدة كلية الدراسات الإسلامية في القليوبية الدكتورة رجاء حزين أن حرمة دماء المسلمين كافة برجالهم ونسائهم من غير استثناء مكفولة لقوله تعالى: «ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً» آية 29 سورة النساء . وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: «لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل مؤمن بغير حق» وقال أيضاً: «ولا يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً» وأكد المساواة في الدماء صراحة في قوله: «المؤمنون تتكافأ دماؤهم»، وهذا يؤكد مبدأ تكافؤ دماء المسلمين وجراحاتهم لا فرق بين ذكر وأنثى أمام الشرع والقانون، ولما كانت الدية عوضاً للنفس في القتل والخطأ، ولهذا فإن الرجولة والأنوثة لا تؤثران على نقص أو كمال الدية، وبالتالي تكون دية المرأة مساوية لدية الرجل، وبهذا سبق الإسلام الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في المساواة حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: النفسُ بالنفس والثيب الزاني والمفارق لدينه التارك للجماعة».
ومن يخالف ذلك فهو يدعو إلى زيادة دونية المرأة والأفضل قياس دية المرأة ومساواتها بدية الرجل إلى المساواة بينهما في القصاص حيث يقول تعالى: «يأيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى فمن عفى له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان ذلك تخفيف من ربكم ورحمة فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم» آية 178 سورة البقرة.