المجتمع والعادات والتقاليد في قفص الاتهام
عنف ضدّ المرأة, عنف أسري, نساء فلسطين, عنف جسدي, عوامل اقتصادية, د. زياد الأشهب, القضاء الفلسطيني, التثقيف الأسري, المحامية حليمة أبو صلب, المحامية سناء عرنكي, رائد عمر, المجتمع الفلسطيني, لبنى الأشقر, صحيفة صوت النساء
22 مارس 2010أكد المدير العام للطب الشرعي في وزارة العدل الفلسطينية الدكتور زياد الأشهب أن العنف هو ظاهرة عالمية لا محلية فقط، فقال: «نحن في فلسطين جزء من العالم حيث يزداد العنف بسبب تأثير أشكال التكنولوجيا المختلفة وخصوصاً وسائل الاعلام المرئية. ولعل الوضع الاقتصادي يزيد هذه الظاهرة انتشاراً. وليس هناك نسبة معينة في موضوع العنف ضد النساء في فلسطين لأن الحالات لا تثبت على رقم معين».
وأضاف: «هناك حالات عنف ضد المرأة لا تصل إلى القضاء الفلسطيني، إضافة إلى أن المرأة تهمل حقوقها. وهناك نساء لا يعرفن أين يتوجهن إذا أردن تقديم شكوى ضد المعتدي. كما أن المرأة غالباً لا تملك مدخولاً ولا تستطيع أن تعيل نفسها بعد الطلاق، ولذلك تصمت عما يحصل لها، إضافة إلى أن حكم المجتمع يقف غالباً بجانب الرجل. وإذا أردنا أن نعمل على الحد من انتشار هذه الظاهرة يجب أن نفرض رقابة على وسائل الإعلام، ويجب على وزارة التربية والتعليم أن تعمل على التثقيف الأسري الذي يشمل التوعية حول العنف النفسي والجسدي في المدارس والجامعات. ويجب أن يكون هناك دور للقضاء الشرعي في مسالة العنف ضد المرأة، إضافة إلى عمل كل من وزارتي الصحة والعدل على إيجاد حلول للحد من هذه الظاهرة».
القوانين والحقوق
من جهته قال الصحافي والباحث في شؤون المرأة رائد عمر: «نستطيع القول إن العنف وصل إلى مرحلة أصبح فيها ظاهرة متفشية في المجتمع الفلسطيني، ويتوجب على المؤسسات ذات الاختصاص القيام بالمزيد لمعالجة هذه الظاهرة من خلال برامج توعية تبين آثار هذه الظاهرة السلبية وتراكماتها على الأجيال المتعاقبة، وما تحمله من أثار نفسية تعيش مع الإنسان لفترات يصعب نسيانها أو الخروج منها. والخطير في الأمر أن تتطور هذه الظاهرة وتصير عادة يمارسها أفراد المجتمع بشكل مستمر».
وعن الأسباب التي تؤدي إلى تزايد العنف قال: «إن الأسباب كثيرة أهمها الأسباب الاقتصادية التي عصفت بأبناء المجتمع الفلسطيني، فعندما لا يكون الإنسان مرتاحاً اقتصادياً تتأثر حالته النفسية وسلوكه. والعنف هو عبارة عن سلوك من شخص ضد شخص أو أشخاص آخرين. وللأفلام العربية دور كبير في تغذية هذه الظاهرة وتحويلها الى سلوك من خلال بعض المشاهد التي يظهر فيها الرجل ينهال ضربا على زوجته أو عشيقته، ثم نشاهدها تزداد به تعلقاً. ومن هنا أستطيع القول إنه يجب العمل على عدم إظهار أي مشاهد لها علاقة بالعنف، وتحديدا العنف ضد المرأة في الأعمال الدرامية، وإنما يجب إبراز النقاط الايجابية في طريقة التعامل مع المرأة كانسان أولا. وهناك سبب آخر من أسباب هذه الظاهرة وهي ضعف القوانين التي تحمي المرأة في مجتمعنا الفلسطيني».
وأضاف: «أنا أعتقد أنه ما لم تكن هناك جرأة كافية للتحدث عن هذه المواضيع وفي ظل عدم وجود قوانين حامية ورادعة لردع المسببين، ستتكاثر هذه الظاهرة».
جرائم قتل
من ناحيتها، أكدت مسؤولة الإعلام المكتوب في طاقم شؤون الأسرة لبنى الأشقر أن قتل النساء في المجتمع الفلسطيني يقترب من مستوى الظاهرة، وقالت: «منذ بداية هذا العام قتل ما يزيد عن ست نساء على خلفية ما يسمى الشرف، وللأسف حالات القتل تزداد لغياب العقاب ضد هذه الجريمة. كما أن العنف في المجتمع الفلسطيني انتشر بشكل كبير، وقد يـأتي كإسقاط للعنف الممارس ضد الشعب الفلسطيني، ففي كل بيت نجد عدداً كبيراً من حالات العنف بأشكاله المختلفة».
وأضافت: «كإعلامية وكمسؤولة عن صحيفة «صوت النساء» التي تعنى بقضايا المرأة أتابع حالات العنف وأشكالها، فنحن نهدف إلى توعية النساء والمجتمع الفلسطيني إلى جانب الحديث عن الظاهرة وأسبابها واليات علاجها.
وحول الحلول للحد من انتشار ظاهرة العنف الجسدي قالت الأشقر: «يجب أن يكون هناك دور للسلطة في حل مشاكل العاطلين عن العمل، وتوفير فرص العمل لهم لأن تردي الوضع الاقتصادي يشكل عاملاً من عوامل تنامي العنف المجتمعي، إضافة إلى أهمية وجود قوانين رادعة لتكون الخط الدفاعي الأول عن المرأة».
وصلت إلى غرفة الطوارئ على حمالة، وعندما وُضعت على السرير بدأت تصرخ متألمة من رجلها التي كسرت حسب قولها نتيجة تزحلقها. واللافت أن المرأة كانت حاملا في شهرها التاسع، ووضعت مولودها بعد أيام وكان الجبس لا يزال موضوعا على رجلها المكسورة، وبقيت في المشفى لان رجلها لم تشفَ. وقد باحت لصديقتها المحامية بأن من كسر رجلها هو زوجها، ولكنها لم تذكر هذا الشيء للشرطة خوفا على زوجها من السجن، ولان ما حصل هو سر من أسرار بيت الزوجية.
هذه حالة من حالات العنف الجسدي الكثيرة في فلسطين التي تدل على هيمنة الفكر الذكوري والموروث الثقافي على المجتمع في غياب الرادع القانوني. «لها» التقت عدداً من الباحثين والمهتمين والاختصاصيين في مناطق مختلفة من فلسطين.
القوانين والحقوق
من جهتها، شددت المحامية حليمة أبو صلب على وجوب العمل على الحد من العنف الجسدي الذي تتعرض له المرأة من خلال التدريب والتوعية على القوانين والحقوق مع الفئات المعنية، وهي صناع القرار في المجلس التشريعي والوزارات المختصة والجامعات وديوان قاضي القضاة والشرطة.
وقالت: «إن العنف ظاهرة عالمية، وفي فلسطين هناك تقرير عن العنف صدر عن جهاز الإحصاء المركزي في العام ٢٠٠٥ تطرق إلى حالات الضرب التي وصلت الشرطة الفلسطينية، والمؤسسات الاجتماعية التي تابعت حالات عنف ضد النساء. لكن هناك نساء لا يستطعن التحدث عن ضربهن أو تقديم الشكوى الى الشرطة، وهناك نساء ضُربن كثيراً وبأشكال مختلفة. وحتى الآن هناك سبع حالات قتل في شهر ونصف منذ بداية العام ٢٠١٠ ».
وأضافت: «إذا أصبح القتل ظاهرة، فكيف لا يصبح الضرب والعنف الجسدي ظاهرة؟ ولأن الزوجة لا تملك شهوداً على أن زوجها ضربها في بيت الزوجية، لا تستطيع أن تثبت انه ضربها حتى و لو أحضرت تقريراً من الطبيب، وذلك لأن الطبيب يكتب في تقريره أنها تعرضت للضرب ولكن لا يكتب اسم من ضربها لأنه لم ير زوجها وهو يضربها. وقد يتمكن القاضي أحيانا من إثبات العنف ضد الزوجة أو المرأة».
وأسفت لأن «المفهوم العام للسلطة الذكورية يقوم على أن المرأة ملك للرجل وانه يستطيع أن يسيطر عليها. وهناك أسباب كثيرة لتزايد حالات العنف ضد المرة، منها: عدم وجود نصوص قانونية رادعة، إضافة إلى أن إجراءات المحاكم بطيئة، وعملية إحضار الإثباتات في حالة العنف صعبة. كما أن التربية الأسرية تلعب دورا كبيرا في طريقة نشأة فكر الرجل والمرأة في المجتمع الفلسطيني، فالأول يعتقد عموما أن له الحق في تأديب زوجته، والثانية تسلّم أحيانا بأنه يملك هذا الحق».
ورأت أبو صلب أن الحد من العنف يتم باتخاذ خطوات عدة، هي: «إيجاد قوانين وتشريعات تحمي المرأة، وتأهيل الأزواج الشباب وتثقيفهم ليفهموا حقيقة العلاقات الزوجية المبنية على الاحترام، توعية النساء على حقوقهن والمطالبة بها والدفاع عنها، وأيضا رفع سن الزواج والعمل على تعليم المرأة لكي تتمكن من العمل في حالة طلاقها».
من جانبها قالت المحامية والناشطة النسوية سناء عرنكي إن «هناك تزايدا في حالات العنف ضد النساء نتيجة الأوضاع القائمة، وهذه الأسباب تنعكس على الأسرة مباشرة. كما أن المرأة لم تكن تتكلم عن الموضوع، فهي لم تكن تقول لأمها أو أختها أنها تعرضت للضرب، وان هذا سر البيت ويجب أن لا تفشيه. ولكن الآن مع تطور الإعلام والنقاشات واللقاءات أصبحت المرأة أكثر وعياً وأكثر جرأة، وصارت تذهب إلى المؤسسات التي تهتم بشؤون المرأة، وهذا أدى إلى اظهار الزيادة في نسب العنف الجسدي. وعندما يتعرض الرجل للاضطهاد في العمل أو غيره فانه يعكس ذلك على المرأة. وحتى المرأة العاملة عندما تعود إلى بيت زوجها وتعمل في البيت وتكون تعبة وفي مزاج سيئ، يقدم الزوج على ضربها».
وأضافت: «إن احد أسباب العنف هو مفهوم «سي السيد» وان المرأة وصاية الرجل الذي يقرر في كل شيء، وهذا يحرم المرأة من قرارها. وللأسف هناك نساء يدافعن عن حقوق المرأة يتعرضن للعنف النفسي والجسدي».