المرأة اليمنية تحمل شرف القبيلة
إعدام, عنف ضدّ المرأة, حبس / سجن, قضية / قضايا المرأة, جرائم الشرف, عقوبة, المرأة اليمنية / نساء يمنيات, شرف القبيلة, حماية الشرف, د. حسنية القادري, جامعة صنعاء, شرف الأسرة, عادات الجاهلية, قضية / قضايا الشرف, المجتمع اليمني, نبيل قاسم, القيَم الإجتم
29 مارس 2010اختزال
أما الباحث الاجتماعي نبيل قاسم فيرى انه غالباً «ما يتم تناول كثير من المسائل الاجتماعية المعقدة بالتجزئة، على سبيل المثال جرائم الشرف. فما الذي يجعل هذه المسألة مختزلة في غشاء بكارة؟ لماذا لا يصبح الشرف مرتبطاً بالحياة الكريمة الخالية من الفقر والبؤس والهوان اليومي؟ أليس سحق انسانية الانسان بشكل يومي اخلالاً بالشرف؟».
أضاف: «لماذا يتحول غضب الناس على الحاكم وعلى الظروف القاسية التي يعيشونها مرفوضاً، فيما نقبل غضبا يتركز على غشاء بكارة ويؤدي الى جريمة ؟ كيف يمكن التعامل مع القيم الاجتماعية والقيم الإنسانية وكأنها صور مجزأة؟».
دراسة
وقد أجرى المركز دراسة حول جرائم الشرف خلصت الى الآتي:
- لا إحصاءات تبين مدى انتشار جرائم القتل بداعي الشرف
- الاسرة تتكتّم على القتل
- غالبية حالات القتل تكون مدفوعة بالغضب اكثر منها رغبة في الغسل العلني للعار
- تحرم الفتيات في سن المراهقة من الخروج ومن ارتداء أزياء على الموضة خوفاً من أن تتهم في شرفها
- يتسع مفهوم الشرف ولا تقتصر جرائم الشرف على الزنا.
وأهم ما لفت انتباه قادري اثناء تنفيذ دراسة انها قابلت امرأة متقدمة في السن الى حد ما في محافظة إب وسألتها ماذا تفعلين اذا ارتكبت ابنتك خطأ مخلا بالشرف؟ فأجابتها المرأة بكل بساطة: أسقيها السم ولا أتركها تشوه سمعة الأسرة. وتستشهد المرأة بواقعة من التراث الشعبي تقول ان احدى البنات في يوم زفافها صارحت أمها وقالت لها انها تعرضت ذات يوم لاغتصاب وفقدت بكارتها وهي ترعى الأغنام وطلبت من أمها الحل. فقالت الأم بسيطة يا ابنتي سأحضر لك سماً يقتلك على الفور أفضل من الفضيحة. وأحضرت الأم السم وتجرعته الفتاة.
الشرف والعار قيمتان تختزلهما الأسرة أو القبيلة في شخص المرأة، فتصبح هذه مكبلة بالخوف والحذر في كل حركاتها وسكناتها لانها تحمل عبئاً كبيراً. وأياً تكن درجة الحيطة والحذر فإنها غالباًً ما تعاقب باسم الشرف الى حد الإعدام، علما أن مجرد الاشتباه بها يعتبر مبرراً كافياً لإزهاق روحها على يد أحد الغيارى من أفراد الأسرة بحجة حماية الشرف.
ما هي الجرائم التي تحدث على خلفية الشرف في المجتمع اليمني؟ توجهنا بهذا السوال الى الدكتورة حسنية القادري مديرة مركز النوع الاجتماعي في جامعة صنعاء. فقالت ان «لا إحصاءات دقيقة تسمح بتحديد الجرائم وأنواعها، لكنها تحدث في المجتمع اليمني مثل المجتمعات العربية الأخرى ولا يمكن انكارها».
أما لماذا تعاقب المرأة وحدها على جرائم الشرف؟
تجيب القادري ان المجتمع يختزل شرف الأسرة والقبيلة في المرأة، فاذا أبدت في سلوكها أي ممارسة خارجة عن الأعراف الاجتماعية تتعرض للعقوبة، وغالباً ما تكون هذه العقوبة الموت على يد أحد الأهل، وقد تكون عقوبة السجن اذا حاكمتها السلطات القضائية».
والمشكلة ان «ما يحدث للمرأة تحت مسمى جرائم الشرف ليس من الإسلام في شيء وإنما هو من عادات الجاهلية مرحلة ما قبل الإسلام حين كان العرب يئدون بناتهم خوفاً من العار. وما يحدث الآن في جرائم الشرف هو عملية وأد للفتاة ولكن بطريقة مختلفة».
تضيف القادري: «الغريب في الأمر ان هناك ازدواجية في الموقف الاجتماعي من قضايا الشرف، فعندما يقوم الابن بعمل مخل بالإخلاق او يسيء إلى سمعة الأسرة فان الاسرة تتقبله برحابة صدر ويهب افراد الاسرة او القبيلة للدفاع عن ابنهم في حالة وصول قضيته الى الجهات القانونية. أما اذا وقعت البنت في قبضة السلطات القانونية يتخلى عنها أهلها حتى وأن كانت بريئة بل ويسعون الى قتلها، وهذا الموقف يجسده غالبية القضاة عندما تمثل البنت او المرأة أمامهم بتهمة أخلاقية. فالقاضي يفكر بعقلية ابي البنت ويقول في نفسه اذا كانت هذه ابنتي سأقتلها، ومن ثم يصدر ضدها حكمه انفعالياً متأثراً بالموقف الإجتماعي».
وعن ضرورة إصدار قانون يحد من هذه الجرائم تقول: «لا نستطيع ان نطالب الدولة بتدخل قانوني في ظل غياب المعلومات الموثقه. مثلا صدرت قوانين جرائم الشرف في بعض الدول العربية مثل الاردن وسورية لأن الأب أو الأخ الأكبر في المجتمع الأردني او السوري يقدم على قتل البنت في وضح النهار أمام الناس بحجة غسل العار، فتسجل هذه الأحداث وتوثق رسميا. لكن في المجتمع اليمني معظم الحالات التي يتم فيها قتل البنت تتم بطرق سرية، ويعلن الأهل فجأة وفاة ابنتهم ولا أحد يدري ما سبب موتها. لكن الناس يتكلمون سراً ويتداولون الحديث عن هذه الجرائم. فالمفروض ان تصدر الجهات الرسمية شهادة وفاة وأن لا يدفن الميت حتى يتم استخراج شهادة وفاة تبين أسباب الوفاة الحقيقية. وفي هذه الحالة سنحصل على معلومات صحيحة ونبدأ البحث عن معالجات مناسبة».
جرائم تبدأ بالضرب وتنتهي بالقتل
يرى أستاذ علم الاجتماع في جامعة صنعاء الدكتور عادل الشرجبي ان أنواع الجرائم التي تحدث على خلفية الشرف والعار متعددة ومتدرجة تبدأ بالضرب وتنتهي بالقتل. ويعيب على القضاة إصدار احكام جائرة مثل القاضي الذي «حكم بالسجن لمدة سنة على امرأة بتهمة الخلوة مع العلم ان الشريعة الاسلامية لم تحدد عقوبة للخلوة. حتى القوانين لا تحد جرائم الشرف فنجد المادة ٢٣٢ من قانون العقوبات تجيز للزوج أو الأب او الأخ ان يقتل المرأة اذا وجدهما تمارس الزنى».
عاهات واصابات على خلفية الشك
توكد الباحثة الاجتماعية رودينا الرداعي ان جرائم الشرف في المجتمع اليمني من اكثر اشكال العنف ضد المرأة خطورة، «والغريب في الأمر ان هذه الجرائم يتم ارتكابها عند ورود الشك أكثر مما هي مدفوعة بوقائع حقيقية. وغالبا ما تبرر هذه الجرائم بانها حالات انتحار أو موت فجائي خوفا على سمعة العائلة».
وتضيف الرداعي ان هذه الجرائم «غالباً ما تأخذ طابعاً جندرياً لأن ضحاياها هن من النساء والجناة غالباً رجال. ومن الجرائم التي تحدث على خلفية الشرف، جهل بعض الشباب الحديثي الزواج بالثقافة الجنسية، فهناك عدد من الزوجات تعرضن لاعتداءت من ازواجهن افضت الى عاهات واصابات على خلفية الشك في انهن فقدن عذريتهن ويتبين بعد الفحص الطبي انهن ما زلن عذارى».
لا يعاقب الرجل لعدم كفاية الأدلة
عن الرأي القانوني يقول المحامي صقر السماوي إن قانون العقوبات اليمني تناول تلك الجرائم في الباب الحادي عشر منه تحت عنوان جرائم الزنا وهتك العرض وفساد الاخلاق. وأوضح أن «القانون اوجب فرض العقوبة على الرجل بمفرده اذا ما ارتكب الجريمة بالاكراه وبدون رضاء الأنثى. كما اوجب معاقبتهما معاً اذا كانت الجريمة قد تمت برضائها ودون اكراه. وما يحدث في الواقع العملي وفي حالات نادرة ان تضبط امرأة فتعترف بارتكاب جرائم زنا او غيرها من هذا النوع من الجرائم، في حين ينكر من اعترفت هي بانه من ارتكبت معه هذه الجرائم أو يلوذ بالفرار ولا يتم العثور عليه. فتؤاخذ هي باعترافها باعتباره حجة قاصرة عليها في حين لا يعاقب الرجل لعدم كفاية الأدلة أو لعدم القبض عليه. أما اذا توفرت الادلة قبله فيعاقب هو الآخر ولا جدال في ذلك».
ازدواجية
أما مسؤولة برنامج الدراسات الاجتماعية في مركز الدراسات الاستراتيجية سهير عاطف فتبدي استغرابها لازدواجية الموقف الأبوي والقضائي من قضايا الشرف. وتقول ان ظلم المرأة باسم الشرف يبدأ بالمنزل وينتهي بالمحكمة.
وتقول انها قامت بزيارة للسجن فوجدت ان غالبية السجينات بتهم أخلاقية صدرت ضدهن أحكام بالسجن لسنوات، في حين اطلق الرجل الشريك في التهمة. وكل فتاة تودع السجن أول من يتخلى عنها هم أهلها حتى وان كانت بريئة.