سجينات يمنيات
عنف ضدّ المرأة, حبس / سجن, تحرّش جنسي, حقوق الإنسان, المرأة اليمنية / نساء يمنيات, سجينات يمنيات, معاناة السجينات, المنظمات الحقوقية, المحامي عبد العزيز السماوي, منظمة هود, المحامي خالد الانسي, منظمات المجتمع المدني, القاضية امال الدبعي, مركز تنمية ا
06 أبريل 2010فاطمة (٢٢ عاماً) نزيلة السجن المركزي في صنعاء، متهمة بالمشاركة في قتل زوجها. صدر ضدها حكم من المحكمة الابتدائية بالسجن عشر سنوات. لم يكن معها محام في المحكمة الابتدائية، وفي محكمة الاستئناف تطوع المحامي عبد العزيز السماوي بتقديم عون قانوني مجاني لها. وأكدت لنا فاطمة ان أهلها تخلوا عنها منذ لحظة القبض عليها.
- سألناها ماذا ستفعلين بعد خروجك من السجن والى اين ستذهبين؟
تغير لون وجهها كأننا ذكرناها بشيء لم تحسب حسابه بعد، وطأطأت رأسها شاخصة الى الارض بصمت، ثم انهمرت الدموع من عينيها. ادركنا انها لا تدري الى أين ستذهب بعد الخروج وأن تلك الدموع تعبر عن حيرتها وعذابات وحدتها كسجينة تخلى عنها اهلها.
قصة فاطمة تختزل أهم مشكلات السجينات ببعدها القانوني متمثلاً بعدم وجود عون قانوني وبعدها الأسري متمثلاً بتخلي الأهل عنها.
العنف
أما رئيسة مركز تنمية المرأة ومناهضة العنف القاضية امال الدبعي فترى أن السجينات هن النساء الأكثر تعرضا للعنف بسبب القمع الذي يواجهنه داخل السجون أو داخل الأسرة نفسها أو في المجتمع بعد خروجهن من السجن. كما ان موقف الأسرة من المرأة التي تدخل السجن هو عنف بحد ذاته فالأهل يتحدد موقفهم بين خيارين: أما ان يقتلوا ابنتهم التي دخلت السجن واما ان يتخلوا عنها. وفي كلا الحالتين تكون السجينة فريسة للعنف.
وعن دور مركزها كمنظمة حقوقية تقول: «نحاول درس الاوضاع النفسية لكل سجينة ونعمل على تقديم العون القانوني لبعض السجينات المعوزات. كما ان مركز تنمية المرأة ينسق بين بعض السجينات واسرهن لكي يتقبلوهن بعد خروجهن من السجن. وللأسف قلما نجد أهلاً يتفهمون ويقبلون التصالح مع ابنتهم».
تفيد رئيسة اتحاد نساء اليمن رمزية الارياني ان الاتحاد افتتح العام الماضي مركزاً لايواء السجينات واعادة تأهيلهن، وان عدد الموجودات حالياً ثماني عشرة. والمدة التي تمضيها المرأة في المركز لا تقل عن ستة اشهر تتأهل خلالها للاندماج في المجتمع وتستعد لاعالة نفسها.
تواجه السجينات اليمنيات معاناة كبيرة داخل السجن وخارجه، فهن أولا نزيلات القضبان، وبعد الخروج يحملن عبء كونهن متخرجات من السجون. في هذا التحقيق لم نتناول معاناة السجينات داخل السجن فقط، بل بحثنا عن الحلول خارج السجن في أوساط منظمات المجتمع المدني لمعرفة ما الذي تقدمه هذه المنظمات للسجينات والى أي حد تهتم المنظمات الحقوقية بقضاياهن.
تهديد وظلم
أما المحامي عبد الرحمن برمان رئيس منظمة «سجينات» فيقول ان معاناة السجينة كبيرة وتبدأ من لحظة القبض عليها اذ يحصل ذلك بقسوة دون ضمان أي حق من حقوقها كمتهمة. وفي مراحل التحقيق الأولي لدى الجهات الأمنية تتعرض المتهمة لمعاملة غير انسانية وغير لائقة من تهديد وضرب وتعذيب والتهديد، واحياناً تتعرض للتحرش الجنسي.
ويضيف ان المرأة «المتهمة تعامل في مختلف مراحل التقاضي وأمام مختلف الجهات على انها مجرمة قبل صدور حكم قضائي يدينها».
ويضرب برمان عددا من الأمثلة على سوء تعامل القضاة مع السجينات، منها: قاض يحكم على امرأة متهمة بالقتل بالاعدام قصاصاً ويقول في منطوق الحكم «انها قتلت مسلماً معصوم الدم مجهول الهوية». وفي هذه الحالة يكون الحكم باطلا قانوناً لأن الركن الأساسي من أركان الحكم بالإعدام يتوقف على شخص مطالبة أولياء دم المجني عليه، وفي هذه الحالة منطوق الحكم يؤكد ان المجني عليه مجهول الهوية إي إن اولياء دمه غير معلومين، ومع ذلك اصدر القاضي حكمه على المتهمة بالإعدام.
قاض آخر يدين امرأة في الحكم الابتدائي بتهمة السرقة بناء على معلومات الجهات الأمنية مع إنها اثبتت للقاضي انها تعرضت للضرب حتى اجهضت وكسرت احدى يديها. وقد دان القاضي في منطوق الحكم رجال الامن الذين حققوا مع المتهمة وطلب احضارهم للمحكمة لكن القائمين على الأجهزة الأمنية رفضوا، ومع ذلك فقد اصدر القاضي حكما يدين المرأة.
وذكّر برمان بقضية اثارتها منظمته العام الماضي حين فضحت عملية متاجرة بالأطفال الرضع الذين تضعهم السجينات بواسطة سماسرة يستغلون الوضع المالي المزري لهؤلاء النسوة.
وعن اهداف المنظمة وما تقدمه بشكل عملي للسجينات، يقول: "نحن نسعى لاثارة قضايا السجينات وتسليط الضوء عليها ولفت انتباه الجهات المختصة ومنظمات المجتمع المدني والدولي اليها. ونسعى لتقديم العون القانوني لبعض السجينات.
أما نجيبة سيف مشرفة سجن النساء فتؤكد ان المنظمات لا تقدم أي عون للسجينات داخل السجن «ولا نجد من هذه المنظمات سوى المزايدة بإسم السجينات».
منظمات
من بين المنظمات التي طرقنا أبوابها للبحث عن الادوار التي تقوم بها لتخفيف معاناة السجينات، منظمة «هود». وعنها تحدث الينا المحامي خالد الانسي الذي اورد عددا من الروايات عن معاناة السجينات مستخلصة من نتائج دراسات ميدانية اعدتها منظمته. وقال ان السجينة تتعرض لعنف معنوي كبير باعتبار ان ثقافة القائمين على السجون هي نفسها ثقافة المجتمع. فهم ينظرون الى المرأة التي تدخل السجن على انها ارتكبت خطيئة كبرى بغض النظر عن الظروف والملابسات التي ادت الى دخولها السجن. «كما ان دخول المرأة السجن يعد بمثابة شهادة وفاة لها لأن اهلها يشطبون اسمها من قائمة العائلة كأنها لم تكن واحدة منهم».
وأضاف الانسي ان المرأة عندما تسجن بتهمة أخلاقية مثل الخلوة أو الاشتباه فان أسوار السجن تكون أكثر أماناً لها من خارجه لأن أهلها يريدون قتلها. والأسرة الأكثر تسامحاً هي الأسرة التي تنسى ابنتها ولا تسعى لقتلها.
ولفت الى ان أخطر معاناة تتعرض لها السجينة تكون بعد خروجها من السجن حيث تواجه تخلي الاهل عنها وتتلقى نظرة ازدرائية من بقية المجتمع، بحيث لا يمكنها من الاندماج فيه ولا يتقبلها اهلها، وتكون كل افاق الحياة الكريمة مسدودة بوجهها فلا تجد امامها درباً مفتوحة الا درب الخطيئة فتمضي فيها مجبرة. ثم تعود الى السجن اكثر من مرة، واذا كانت قد دخلت السجن في المرة الأولى وهي بريئة لمجرد الاشتباه فانها تدخل السجن مرة ثانية وثالثة وقد أصبحت محترفة للجريمة والرذيلة.
أما عن دور منظمات المجتمع المدني فيفيد الانسي ان «غالبية المنظمات ما زالت تقدم خطاباً نخبوياً تنظيريا في مجال حقوق الانسان، لا يستهدف عامة الناس بقدر ما يستهدف نخبة حقوقية «بينما القضايا الميدانية لا تجد لها مهتمين للأسف».
وفي ما يتعلق بدور منظمته على وجه الخصوص قال: «حاولنا خلال العامين الماضين ان نسوق لفكرة انشاء مركز تأهيلي للخارجات من السجون بشرط ان لا يكون مركز ايواء، لأن مراكز الإيواء يتخذ منها المجتمع موقفا مثل موقفه من السجن فتجد الناس يشيرون اليه ويقولون هذا المركز يضم سجينات سابقات، فتظل السجينة أسيرة الموقف الاجتماعي نفسه. لذلك رأينا ان يكون المركز تأهيليا للفتيات من داخل السجن وخارجه حتى تتخلص القادمة من السجن من لعنة الوصف بخريجة السجن. ووجدنا ان هناك فتيات شاردات ومطرودات وغيرهن من الأرامل واللواتي ليس لهن عائل. فلماذا لا تجمع هذه الفئات مع الخارجات من السجن في مركز وظيفته تأهيلية تربوية، يعمل على اكساب الفتاة المهارات والقدرات التي توهلها لاعالة نفسها والاندماج في المجتمع».