جدل ساخن تشهده مصر حالياً
مساواة الرجل والمرأة, د. آمنة نصير, د. عبلة الكحلاوي, د. أحمد عمر هاشم, د. ملكة يوسف, د. سعاد صالح, علماء الدين, د. عبد الحي عزب, آراء الفقه, نهاد أبو القمصان, مهنة القضاء, مخالفة الشرع, ابن حزم الظاهري, كتاب المحلى, كتاب أدب القاضي, ابن قدامة, كتاب
06 أبريل 2010القدامى أكثر إنصافاً
وتستغرب أستاذ الشريعة في جامعة القاهرة الدكتورة ملكة يوسف من يدعو «لحرمان المرأة من تولي القضاء رغم أنها تتولى تدريس القانون في مختلف كليات الحقوق. والأغرب أن هؤلاء أقل استنارة من بعض الفقهاء القدامى الذين أجازوا للمرأة أن تكون قاضية مثل ابن حزم الظاهري في كتابه «المحلى» و الماوردي في كتابه «أدب القاضي»، وكذلك ابن قدامة في كتابه «المغني». وروايات عن ابن جرير الطبري وقبلهم جميعاً الإمام أبي حنيفة، وبعض المالكية، حيث يرى الجميع أن الذكورة ليست شرطاً أو مقياساً للتمييز في تولي القضاء مطلقاً، بل الكفاءة والقدرة على القيام بهذه المهمة هما الفيصل، مع العلم أن القضاء فيه درجات من ابتدائي إلى الاستئناف والنقض، وفي كل الدرجات لا ينفرد قاضٍ واحد بالحكم، بل إنه عضو في هيئة استشارية. فلماذا لا تكون المرأة عضواً فيها مما يجعلنا نثبت للعالم عدالة التشريع الإسلامي لواقع الإنسان سواء كان رجلاً أو امرأة لأنه لا تعارض مع نصوص الشريعة الإسلامية، حيث أوجب الإسلام للمرأة كل الحقوق منذ أربعة عشر قرناً. إلا أن البعض مازال مصراً على إهانتها وعدم إعطائها حقوقها».
عزلة مرفوضة
وتقول مفتية النساء الدكتورة سعاد صالح العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية: «المجتمع الإسلامي ليس مجتمع الرجال وحدهم، ونرفض أن يكون مجتمعاً يفرض عزلة قهرية على نسائه، ومنعهن من مشاركة الرجال في تسيير أمور المجتمع الذي يجمعهما معاً. ولم أجد نصوصاً ثابتة وقاطعة وواضحة في الشريعة تؤكد أن الذكورة شرط لتولي القضاء، ومن يحاول إثبات عكس ذلك يحاول تأويل النصوص أو اقتطاعها من سياقها والمناسبة التي قيلت فيها، مثلما يحدث دائما في الحديث الذي يقول فيه الرسول صلى الله عليه وسلم: «لا يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة»، مع أنه قيل عندما بلغ الرسول أن الفرس اختاروا «بوران بنت كسرى» لتتولى رئاستهم، وبالفعل لم يفلح الفرس. وهذه ليست قاعدة بدليل أن القرآن نفسه ذكر قصة بلقيس ملكة سبأ التي اتصفت بالشورى».
نماذج مشرقة
واستشهد عميد كلية الدراسات الإسلامية في جامعة الأزهر الدكتور عبد الحي عزب ببعض الوقائع التي تؤكد أحقية المرأة في تولي القضاء، فيؤكد أن بعض الفقهاء ذكروا في مؤلفاتهم أن إحدى الصحابيات وهي «السمراء بنت مليك الأسدية» تولت الحسبة في مكة المكرمة في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم. ومن المعروف أن قضاء الحسبة فرع من فروع القضاء. كما أن الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه ولى امرأة اسمها «الشفاء» محتسبة في السوق، فلو كان تولي المرأة للمناصب الكبرى محرماً لما فعل عمر ذلك. ولاشك أن القضاء من أفضل الميادين وأعظم الأمانات. فقال تعالى: «إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل» (آية ٥٨ سورة النساء). وهي آية عامة تشمل الرجال والنساء، وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم: «إنما النساء شقائق الرجال».
وأنهى عزب كلامه بالتأكيد أن القضاء مسؤولية عظيمة أوضحها النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: «القضاة الثلاثة، قاضيان في النار، وقاضٍ في الجنة، قاضٍ عرف الحق وقضى به فهو في الجنة، وقاضٍ عرف الحق وجار عنه فهو في النار، وقاضٍ قضى على جهل فهو في النار».
في البداية أوضح رئيس اللجنة الدينية بمجلس الشعب المصري الدكتور أحمد عمر هاشم أن الإسلام «ساوى بين الرجل والمرأة في الجزاء على الأعمال في الدنيا والآخرة، فقال تعالى: «فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض» (آية ١٩٥ سورة آل عمران). وهو ما يعني أن المرأة تستطيع أن تقوم ببعض المهمات التي يقوم بها الرجل، وهو ما توضحه أيضاً الآية الكريمة: «والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر»(آية ٧١ سورة التوبة). وهذه الآية تؤكد أن الوظائف الاجتماعية، وعلى رأسها الأمر بالمعروف وظائف مشتركة بين الرجال والنساء أو بين المؤمنين والمؤمنات لمواجهة أهل الباطل والظلم، الذين قال عنهم القرآن: «المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف» (آية ٦٧ سورة التوبة) .
عاطفة المرأة
ورفضت العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية في الإسكندرية الدكتورة آمنة نصير «التعميم في اقتطاع جزء «ناقصات عقل ودين» من الحديث الصحيح الذي قيل في مناسبة انتهاز الرسول فرصة تجمع الناس في الاحتفال بصلاة العيد ليجمع الصدقات وأمر بلال بجمعها، وقال «تصدقن يا معشر النساء فإني ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم منكن»، فقامت إحداهن وقالت: «وما نقصان عقولنا يا رسول الله؟» فأجاب «أليست شهادة إحداكن على النصف من شهادة الرجل؟»، قالوا: «بلى. ولكن ما نقصان ديننا يا رسول الله؟»، قال: «أليست إحداكن إذا حاضت لا تصوم ولا تصلي؟»، قالوا: «بلى» فقال: «ذلكن من نقصان دينكن». ولهذا فإنه من حق المرأة تولي منصب القضاء، خاصة أن نظام القضاء الآن يختلف عنه في الماضي حين كان قاضياً واحداً، أما الآن فهناك هيئة قضائية استشارية مكونة من قضاة ولا يجوز للمرأة ولا للرجل الانفراد بالقضاء سواء كان القاضي رجلاً أو امرأة، بل إن الحكم يكون للجنة القضائية بعد درس القضية والتشاور فيها، وهذا يبطل حجة المعترضين بأن النساء أكثر عاطفة من الرجال، لأن الكل يُطبق نصوصاً قانونية ثابتة تتضمنها كتب القانون. وبالتالي فإن القاضي الآن لا يبتكر حكماً من عنده بل إنه يصدر حكمه بالأدلة القانونية التي استند إليها».
حاكمة لا قاضية فحسب
ورفضت أستاذ الدراسات الإسلامية الدكتورة عبلة الكحلاوي «حرمان المرأة من القضاء استناداً إلى أمور خاصة بفطرتها وما خلقها الله عليها من الحيض والنفاس والولادة، خاصة أنها لا تخلق حكماً بل تطبق نصوصاً قانونية بالتشاور مع غيرها من القضاة. ومن يتأمل كثيراً من الآيات الكريمة بالقرآن الكريم يجد أنها ذكرت لنا للعبرة قصة ملكة سبأ التي حكمت اليمن بحكمة وحُسن سياسة وتدبير، وطبقت الشورى فقال تعالى: «يا أيها الملأ أفتوني في أمري ما كنت قاطعة أمراً حتى تشهدون» (آية ٣٢ سورة النمل). مع العلم أنها تحكم رجالاً أقوياء وصفهم القرآن بـ « قالوا نحن أولو قوة وأولو بأس شديد والأمر إليك فانظري ماذا تأمرين» (آية ٣٣ سورة النمل). فإذا كان هذا في حكم الدولة الذي هو أكبر من القضاء، ولاشك أن الأصل هو المساواة بينهما وأنه ينطبق على المرأة القاضية ما ينطبق على القاضي».
جدل ساخن تشهده مصر حالياً حول حق المرأة في الوصول إلى منصة القضاء، فرغم قرار رئيس مجلس الدولة بأحقية المرأة في القضاء جاء في المقابل قرار الجمعية العمومية للمجلس التي تضم مئات من القضاة، برفض تعيين المرأة قاضيةً ليُزيد من حالة الجدل والتي وصلت إلى تنظيم النساء تظاهرات للدفاع عن حقهن في الوصول الى منصة القضاء. وسط هذا الجدل كان لا بد أن نستطلع رأي علماء الدين، فماذا يقولون؟
مخالفة للدستور والمواثيق
وتشير رئيس المركز المصري لحقوق المرأة نهاد أبو القمصان إلى أن موقف قضاة مجلس الدولة يتناقض مع مبادئ المواطنة التي أقرتها المادة الأولى من الدستور، حيث تنص المادة على أن مصر دولة نظامها ديمقراطي يقوم على أساس المواطنة، بل إنه موقف يخالف نصوص الدستور المصري، حيث تنص المادة ٤٠ على أن المواطنين لدى القانون سواء، وهم متساوون فى الحقوق والواجبات العامة، ولا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة، ويتناقض مع أسس العدالة والقانون حيث إن القاعدة القانونية في الفقه القانوني عامة مجردة، وكذلك المادة ٣ من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، حيث تتعهد الدول الأطراف بكفالة تساوي الرجال والنساء في حق التمتع بجميع الحقوق المدنية والسياسية المنصوص عليها في هذا العهد. كما أنه يُخالف ما وقعّت عليه مصر في اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة بموجب المادة ٧ التي تُلزم الدول بالقضاء على التمييز ضد المرأة في الحياة السياسية والعامة على قدم المساواة مع الرجل في شغل الوظائف العامة على جميع المستويات، وبالتالي لم يعد مقبولاً استبعاد السيدات من أي منصب من مناصب القضاء».