3 حكايات لناشطات لبنانيات في عالم المشاريع الصغيرة
ساره ز باغ / حقائب ساره, حقيبة يد, سيدة أعمال, سارة بيضون حكيم, أعمال يدوية, تمكين المرأة, تفعيل دور المرأة , عباءة, جمعية دار الأمل, المرأة اللبنانية / نساء لبنانيات, دور المرأة, دار أصيلة, نجوى الرفاعي
19 أبريل 2010«حقيبة سارة بيضون» Sarah's Bag
«حقيبة سارة» مشروع نسائي إنساني ولد في لبنان عام 2000 ولم يبدأ ليستمر بل لإستثماره إنسانياً. فسارة بيضون المجازة في شهادة العلوم الإجتماعية تعاونت مع مؤسسة دار الأمل التي خولتها دخول سجن النساء لتدريب عدد من السجينات على العمل اليدوي. كان بحوزتها مبلغ 200 دولار إشترت به قطعاً من الأقمشة والأحجار لترصيعها وحياكتها في ما بعد لتشكيل حقائب. زيارات متكرّرة لسجن بعبدا قرب بيروت وسّعت دائرة العمل مع مواكبة السيدات إثر الإفراج عنهن، فهن بتن جزءاً من فريق عمل «حقيبة سارة» الذي يستضيف أسبوع الموضة الباريسي تصاميمه اليوم.
«عش حلمك» و«بإمكانك الوصول دائماً»، عبارتان معلقتان على جدار مكتب صاحبة متجر الحقائب «حقائب سارة» سارة بيضون التي تحتفظ بأول حقيبة حلم تمّ تصميمها وكانت أول العنقود لعمل أثمر أكثر من عشرة آلاف حقيبة. تقول سارة: «حين تخرج السجينات من الزنزانة كنت أستقبلهن أسبوعياًً لتسليمهن مهمة تشكيل حقائب جديدة. كنت مسرورة للغاية خصوصاًً أنني أدير مشروعاً إنسانياً يتمثل في تغيير نظرة المجتمع إلى السجينة السابقة، فهي باتت إنسانة منتجة ومسؤولة عن مجموعة من نساء محيطها». وتقول إن مشروعها مرّ بمراحل عديدة : «توسّع عملنا ببطء إلى أن نظمنا معارض في السعودية والكويت. كما عرضنا في لبنان مئة وعشرين حقيبة بيعت كلها في يوم واحد.
لقد فاجأني الإقبال مما جعلني أنظر إلى هذا النشاط الإنساني من منطلق مشروع مهني». وبعد ثلاث سنوات من العمل غير الهادف تمّ تشكيل مشروع حقيقي. تضيف بيضون عن بداية المشوار الذي أبصر النور تحت الأرض: «بعد عمل متواصل في موقف للسيارات منحتني إياه العائلة لأعمل فيه وجدنا أن إحتمال الإستمرار كبير. وقد إنتقلنا إلى مشغل قبل الإستقرار في مركزنا الحالي المجاور لوسط بيروت. لقد تطور مشروعي بشكل عضوي ونضج بروية دون التخلي عن الفكرة الجوهرية، وهي تشغيل المعتقلات والسجينات السابقات رغم أنني تلقيت عروضاً كانت لتساهم في توسيع إطار عملي وحصولي على شهرة قياسية». لكن هذه الأخيرة تحقّقت بعد عشرة أعوام، فحقائب سارة تسافر إلى باريس لتشارك في صالون موضة «يحضره روّاد الموضة من أنحاء العالم مما يعزز إنتشارنا خارج الدائرة العربية، كما سيتم في الصيف المقبل الإحتفال بالعقد الأول لولادة هذا المشروع، وقد نجمع السجينات السابقات بالسيدات اللواتي يقصدننا».
من ناحية أخرى، تسرد سارة واقعها: «لقد تلقيت دعم العائلة المعنوي لكن هذا لا يلغي مشاعر الذنب التي تحس بها المرأة- الزوجة والأم». وأثناء هذا الحوار يرن هاتفها والمصدر هو المدرسة التي تعلمها أن طفلها يعاني من الحرارة ويفضَّل إحضاره إلى المنزل. تضيف على عجل: «من الصعب وصول المرأة إلى هدفها فيما تحالف الرجل والنجاح لا تعترضه المعوقات نفسها».
وتشرح فكرة مشروعها الأخير الذي نقش وجه صورة الأسطورة صباح الذي جاء خلفاً للهرم الطربي العربي السيدة أم كلثوم : «هي نجمة تستحق أن تكرّم في عالم الموضة، لأنها كانت سباقة لكل جديد ولافت ولماع وبراق وجريء. لقد زودتنا النجمة صباح بصور من أرشيفها الكبير». وعن مسار العمل الذي أنتج ألاف الحقائب تقول سارة: «بدأنا بحياكة الحقائب بمواد الكانفا والخرز، ومن ثم إنتقلنا إلى الحقائب المورّدة والمرصعة بالترتر التي عرفت أصداء واسعة وصلت إلى حد تقليد النسخ التي صممناها. ومن ثم إقتبسنا حياكة «الكروشيه» من الأشغال اليدوية التراثية القديمة إنما بأسلوب عصري. لقد خبرنا صعوبة مع العمل اليدوي والعامل الإنساني خصوصاً مع صعوبة تمرير الإبر إلى السجينات والمشاكل النفسية التي تعرضن لها». وتصف مشروعها أخيراً: «هو فكرة أصررت على تحقيقها ولم أكن أحلم بالوصول إلى هذا الواقع، لكنني تقيّدت بمقولة وضعتها نصب عينيّ «إخترْ عملاً تحبه ولن تجد ضرورة لأن تعمل جاهداً يوماً في حياتك». هذا ما أحياه اليوم رغم أنني أبقي عينيّ مفتوحتين لأن كل ما يحيط بي قد يمنحني إيحاء لفكرة جديدة قد أدوّنها في دفتري الصغير الذي أضعه إلى جانب سريري. انا دائمة التفكير !».
مشروع التمكين الإقتصادي للنساء Weep
بدعم من السفارة البريطانية في بيروت ومنظمة الصندوق العالمي للنساء، أطلقت مجموعة الأبحاث والتدريب للعمل التنموي مشروع التمكين الإقتصادي للنساء عام 2000، بدعم من السفارة البريطانية في بيروت ومنظمة الصندوق العالمي للنساء. ويهدف هذا المشروع إلى تمكين المرأة وبناء قدرتها لبلوغ أعلى درجة من الإستقلالية الإقتصادية ولكي تصبح قادرة على إدارة مشروعها الإنتاجي والتأهيل القيادي. وذلك من خلال التدريب على التخطيط وتعزيز جهود المعرفة بمحو الأمية الإقتصادية للنساء وتعميم المساءلة ضمن ثقافة المؤسسات الأهلية والإجتماعية.
أين تقع منطقة عرسال البقاعية التي وصلت اليابان إليها قبل الدولة اللبنانية، حين دعمت سفارتها مركز تأهيل المرأة في تلك القرية الواقعة في منطقة البقاع الشمالي؟ أين تقع قرية مشتى حمود العكارية الشمالية لتحظى بدعم السفارة الكندية قبل الدولة اللبنانية؟ وأين تقع «محيدثة» الشيخات المتشحات بالأبيض، التي دعم إنتاجها الحرفي وتصنيعها الزراعي الصندوق الكندي عبر وساطة «مجموعة الأبحاث والتدريب للعمل التنموي»؟ وأين تقع عيتا الشعب الجنوبية، تلك التي أغيث حجرها وأغفل بشرها ؟ لقد وسع البعد الجغرافي دائرة نشاط مشروع التمكين الإقتصادي للنساء ورسم خريطة جديدة، قصدت قرى أُسقطت من حسابات الوطنية بعد هيمنة المحسوبيات.
نتالي الشمالي منسقة برنامج تمكين المراة إقتصادياً
تقول نتالي الشمالي إن برنامج تمكين المرأة إقتصادياً يهدف إلى تمليك المرأة مسؤولية قرارها الإقتصادي عبر دورات تدريبية لإدخال الفكر الإقتصادي وتعميم مفاهيمه بين النساء اللواتي يدرن صندوق العائلة وسط جهل قراءة هذا النشاط، ولذلك حمل البرنامج عنوان «محو الأمية الإقتصادية». لم تكن الدورات كافية وكان لا بد من أعمال تطبيقية في عدد من المناطق الريفية بصفتها المساحة المهمشة، وقد وصلنا إلى القرى الحدودية شمالاً وجنوباً. كان نشاطنا في البدء إستطلاع واقع المرأة التي لايثمّن عملها داخل المنزل، ثم العمل على تنشيط هؤلاء النساء من منطلق واقعهن. تعاونا مع نساء من عرسال اصبحن اليوم جمعية «التعاون النسائي في عرسال»، وساعدناهن في وضع أولوياتهن، فارتأين تأسيس مركز لإستقبال أطفال النساء العاملات وتدريب طلاب المنطقة إستعداداً لتقديم الإمتحانات الرسمية. ورغم المراهنة على فشل مشروعهن نحجن».
كانت المبادرات حلولاً لواقع النساء الريفيات وتقديم فرص لإستثمار مهاراتهن. وقد إنتقل مشروع التمكين إلى دعم التعاونيات النسائية في المناطق الريفية التي تديرها النساء «اللواتي كنّ في حاجة إلى من يدقق في دفاتر الحسابات. كما كنا لقد حلقة الوصل بين نساء المحيدثة في قضاء راشيا والصندوق الكندي لدعمهن في إطار التصنيع الزراعي. وقد دعمنا قدراتهن على صعيد المحاسبة والإدارة. وواكبنا الشق التسويقي لبعض التعاونيات النسائية التي كان تعاني قصورا في تصريف السلع، وذلك عبر مشروعنا الخاص «النمليّة» حيث نعرض المونة الريفية الصحية والخالية من المواد الحافظة، شعارها الدائم «كيف نطعم أولادنا نطعم زبائننا، غذاء صحي إفتقدناه طويلاً». وقد أرست منتوجات عشرات المناطق اللبنانية قواعد «التجارة العادلة» وكفلت حقوق المنتجات التي فتحت أمامها الأسواق خصوصاً العاصمة بيروت، مما ولّد معوقات مرتبطة بحاجات السوق «حين يطلب منا منتوجات من مواد موسمية لا يكمن تصنيعها طوال العام».
مها نمور مسؤولة مشروع التمكين الاقتصادي في جنوب لبنان
هناك مؤسسات كبيرة تشتري صابون غار «عيتا الشعب» وتعيد بيعه بغلاف وتوقيع جديدين لا تزال صناعة وسادات الجلسة العربية وتصغير الملابس رائجة لدى العائلات المتواضعة الدخل تروي مها نمّور مسؤولة مشروع التمكين الإقتصادي للنساء في منطقة الجنوب حكاية عيتا الشعب التي قصّت نساؤها المتقدمات في السن حكاية الغار الذي كانت تستحم بزيته الملكة كليوباترا. يدعم المشروع صناعة السيدات الجنوبيات اللواتي أسقطن من بال المعنيين إثر حرب تمّوز /يوليو 2006 خصوصاً بعدما خسرن أدواتهن وسط الدمار الذي حلّ بالقرية. تقول مها نمور: «لقد تعرفنا إلى السيدات وبادرنا إلى تطوير مشروعهن وفتح أسواق جديدة لصنعتهن النادرة اليوم.
لا نستطيع القول إنهن سيجمعن ثروة من جراء هذا النشاط، إلاّ انهن مكتفيات وبتن سيدات قرارهن الإقتصادي. في حين إنصبت إهتمامات المؤسسات الأخرى على ورشة إعادة إعمار المنشآت والبيوت، فكرنا في مشروع التمكين بالمهارات النسائية الصغيرة التي نسفها القصف الإسرائيلي».
وتلفت نمّور إلى أن «ثمة مؤسسات كبيرة تشتري هذا الصابون وتعيد بيعه وتغلفه بتوقيع جديد. وقد طورّت النساء صناعتهن، ومزجن العسل بالصابون كما ينوين تصنيع شامبو خصوصا مع موجة العودة إلى الطبيعة والإقبال على الصناعات التقليدية».
إلى جانب صناعة صابون الغار، تقول نمّور إن الدراسة التي أعدها مشروع التمكين رصدت واقع الخياطة النسائية في الجنوب، وتمّ تزويد السيدات بماكينات خياطة إثر الحرب، «فلا تزال صناعة وسادات الجلسة العربية وصناعة تصغير الملابس رائجتين لدى العائلات المتواضعة الدخل».
وتختم نتالي الشمالي أن «عمل السيدات هو عمل تقليدي مطوّر يلتقي مع عودة الإنسان إلى الطبيعة، فنحن ننظم أيضاً معارض الضيافة التي تعدّها سيدات من اطباق غابت عن الذاكرة. وثمة مشروع في طريق الإنجاز يهدف إلى تعزيز الحقوق الإقتصادية للسيدات، لإرساء المساواة على مستوى النوع الإجتماعي خصوصاً للمرأة العاملة التي تعاني من معوقات المسافة والفرص والمردود المادي».
مشروع دار «أصيلة» التراثي للعباءات العربية
نجوى الرفاعي إبنة بعلبك، مدينة الشمس التي إشرقت من متجرها «أصيلة» من خيوط الطرق الذهبية. تروي مشوار مشروعها الذي تشرف عليه بدعم شريكها الرجل.
يناهز عمر مشروعها العقد الثالث، تقصّ نجوى الرفاعي حكاية مشروعها الذي ولد في مهب الحرب. تقول نجوى إن «بعلبك مشهورة بالأعمال اليدوية كالكروشيه والأويا والطَّرق البعلبكي الذي كان يُهدى للعروس عبر فستان مطرّز باللون الفضي أو الذهبي. في البيوت البعلبكية تختبئ مهارات تراثية. وقد فكرت في إعادة تنمية هذه الحرف القديمة وجمع السيدات لإحياء القديم بلمسة «أصيلة العصرية». كان هدفنا جمع التاريخ الشرقي ليس فقط في بعلبك، فنحن الأجدر بإعادة تصميم تراثنا من دور الأزياء العريقة العالمية التي إقتبست الساري و«الصرمة» والحرير، فيما نحن أهملنا ما أسسه الأجداد».
أما عن خلفية ثقافتها التي أغدقت بها متجرها تقول: «لم أدرس مجال تصميم الأزياء، بل كنت أطلي البورسلين وأرسم اللوحات. لكني أثريت ذائقتي الفنية للعباءات عبر الإطلاع المكثف وزيارة المتاحف العالمية والسفر الدائم وجمع القطع القديمة لترميمها ومن ثم تعريف الزبونة بمسقط رأسها سواء كانت تركية أو يمنية، إضافة إلى فك بعض الطلاسم التي تحملها كرموز الأمومة والحب والحياة».
بعد الإنطلاق من بعلبك ذاع صيت «أصيلة» حتى بات الوطن العربي يقصدها طلباًً لقطعة مميزة إلى حين تم إفتتاح المركز الكبير في وسط بيروت، والذي جمع تراث الشرق ما تجده نجوى نقطة القوة التي عززت مشروعها خصوصاً مع دمج أكثرمن تراث في قطعة واحدة لم تقترب منها الآلة.
من مسرح جان بيار دوليفر ونضال الأشقر إلى المشاركة في معارض أوروبية وأميركية، لمست نجوى الرفاعي أن «العالم الغربي يقدر قيمة العمل اليدوي معنوياً، فيما السيدة العربية تقدر جماله الذي يضفي عيها سحراً لا مثيل له خصوصاً حيث ترتديه صاحبة الشعر الأسود والملامح الشرقية».
من ناحية أخرى ومن باب تشجيع المرأة على اتخاذ خطوة مماثلة، تستقبل أصيلة تلاميذ في عالم تصميم الأزياء لتدريبهم على الخياطة اليدوية. وتلفت إلى أن هذا المجال «تفوّقت المرأة فيه على الرجل رغم الصعاب خصوصا مشروعي الذي يحمل طابعا وطنيا وتراثيا، فالحكومة لا تدعمنا رغم أن نساء الرؤساء يلبسن من توقيع «أصيلة». المواد التي نشتريها ثمنها مرتفع خصوصاً تلك التي نرمم بها العباءات، كالصرمة العثماني الذي قد يصل الينا في حالة سيئة. فنحن غالباً ما نقص الثوب لحياكته على قطعة جديدة». وتلقي الضوء على صعوبة أخرى هي المنافسة في التسويق «وسط التقليد إلى جانب صعوبة البحث عن خيط الطرق العربي الذي بات موطنه ألمانيا أو فرنسا، والبيع الذي يبقى رهن الأوضاع المتأزمة التي يخبرها لبنان باستمرار».
لكن «أصيلة» بقيت وفية لأصالة الماضي وأصرت على مواصلة المشوار وباتت اليوم مقصداً للشيخات العربيات وزوجات الرؤساء اللبنانيين والعرب و«السيّدة نازك الحريري حين تريد إهداء قطعة تراثية تلجأ إلينا. كما أننا إفتتحنا في إمارة أبو ظبي دارا تحت إسم «بيت الأصايل». وحين قدمت مغنية الأوبرا الأميركية جون أندرسون إلى بعلبك إنجذبت إلى الطّرق وأحيت حفلتها وهي ترتديه».
وعن إسهامات «أصيلة» المحلية والعربية تقول إن «أصيلة هي أول دار تحظى بعرض أزيائها في الجامعة الأميركية في بيروت، وقد ذهب ريعها إلى أطفال لبنان إثر الحرب الأخيرة، إضافة إلى عرض مماثل في واشنطن ومشاركتنا في مهرجان «القفطان العربي» في المغرب. وقد ساهم ذلك في إنتشارنا حين رحبت باعمالنا سفارات عدة». وتشير أخيراً بفخر إلى أن «المصمم العالمي إيلي صعب يقول لي انني إنسانة غير طبيعية ويتساءل هل يمكن أحدا اليوم أن ينسج القُطب يدويا بأسلوب ال«هوت كوتور» القديم؟ يعتبر عملي جنوناً لأنه مضنٍ ولا يزودنا بمردود مادي كبير. ويبقى همي الأساسي الحفاظ على التراث وتوريثه للأبناء والأحفاد، ولا يعنيني تصميم ألف عباءة في وقت قياسي حتى لو تطلّبت مني العباءة مجهوداً لا يقل عن شهر ونصف الشهر».