أقفلت صناديق إقتراع الإنتخابات البلدية اللبنانية 2010
المرأة والسياسة, حقوق المرأة, مساواة الرجل والمرأة, قضية / قضايا المرأة, المجال السياسي, الإنتخابات البلدية, حق الإقتراع, نظام الكوتا
13 سبتمبر 2010في لبنان، الدولة الأكثر إنفتاحاً في العالم العربي، تعدّ نسبة تمثيل النساء ومشاركتهن في الحياة السياسية من بين المراتب الأدنى. ولعلّ السبب يعود إلى سيادة النظام الأبوي والطائفي الأمر الذي يشكّل عائقاً وتحدياً حقيقياً أمام فعالية مشاركة النساء في الحياة السياسية المبدئية، الإنتخابات البلدية. وتتبدى أبرز تجليات هذا الواقع الطائفي-الذكوري، في الإنتخابات البلدية الأخيرة حيث تم تفويض التمثيل السياسي لمؤسسات إجتماعية كانت ترجمة واضحة لنظام الطوائف والعائلات، والذي بموجبه تم تجاهل حقوق النساء والمساواة في الحقوق السياسية بين النساء والرجال. 11424 مقعد في سبع محافظات و536 فائزة؟
شهدت الإنتخابات البلدية اللبنانية لعام 2010 جدلاً حول الحاجة إلى إدخال وتطبيق نظام الكوتا النسائية في القانون الإنتخابي الجديد بنسبة 20 % من أجل ضمان حد أدنى من التمثيل والمشاركة النسائية في الإنتخابات. ورغم التحفظات التي أبدتها بعض الجهات عن قدرة القانون الجديد على ضمان النسبية المقترحة، إلاّ أن هذه التحفظات بقيت في الأدراج نتيجة إعتماد القانون القديم، مع الإشارة هنا إلى أن منتدى عمل بيجينغ كان قد أوصى ب30% كهدف للتحقيق بحلول العام 2015 بغرض رفع مستوى تمثيل النساء في المواقع السياسية.
تشير الإحصاءات التي أجرتها مجموعة الأبحاث والتدريب للعمل التنموي إلى أن عام 2010 شهد إرتفاعاً في نسبة مشاركة وتمثيل النساء سياسياً في البلديات عنها في 2004. إرتفاع مضاعف للنسبة لكن متواضع، (2004 = 2,2% و2010 = 4,7%)، رغم الجهود العديدة التي بذلت بين الفترتين بهدف تفعيل المشاركة السياسية للنساء.
فاطمة سبيتي - مديرة مركز المرأة في الأسكوا طوال 15 عاماً: خوض المرأة معركتها مستقلة يعني أن نجاحها محال
فاطمة سبيتي أستاذة في جامعة كولومبيا حالياً، لها مشوار طويل ومثمر في دعم قضايا تمكين المرأة، فهي مديرة مركز المرأة في الأسكوا طوال أعوام مديدة. "لا معادلة واحدة تقف حجر عثرة في درب المرأة ودخولها إلى المعترك السياسي. فالذهنية الذكورية حاضرة في كل أنحاء العالم مع إختلاف حدّيتها من دولة إلى أخرى، والحل في لبنان لا بد أن يرتبط بواقع لبنان وسياسته"، تقول سبيتي التي تسلّم أن خوض المرأة معركتها مستقلة يعني أن نجاحها محال ومشاركتها يجب أن تكون منبثقة من حضورها الحزبي. تشير إلى أن ثقافة المرأة هي المحفز وكذلكوجودها القيادي في الشأن الخاص، ومن مصلحة الدولة إشراكها بإنصاف في الحياة السياسية، وإستثمار كفاءاتها. وتشبك رؤيتها باقتراح ليلى شمس الدين حين تجد أن نسبة 65 % من النساء اللواتي إقترعن في الإنتخابات النيابية يملكن "الحل والربط" في حسم الإنتخابات، وما على النساء والجمعيات سوى التضامن وتشكيل قوى ضغط لتغيير الموقف المتجاهل لحقوق المرأة. وتجزم أخيراً بأن "مكان المرأة في التنظيمات الحزبية التي هي الحل وبداية الطريق، ولا يمكنها الوثب" من أجل شغل مقعد لن يكون شاغراً بسهولة.
الخبير الإنتخابي ومدير "مكتب الإحصاء والتوثيق" كمال فغالي :"كوتا" وزارة الداخلية "خدعة جندرية"
مناصر لقضايا المرأة، هو كمال فغالي الذي ساهم في إعادة النظر في القوانين الإنتخابية وخصوصاً الكوتا النسائية. بنظرة نقدية لحضور المرأة في الإنتخابات البلدية الأخيرة يقصّ حكاية "الكوتا" مع الأداء الرسمي : "بدأ الحديث جدياً عن الكوتا عام 2005 خلال تولي الوزير السابق سليمان فرنجية حقيبة الداخلية، وكنا بصدد تحضير مشروع قانون لتعديل قانون الإنتخابات، لكن إغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري حال دون ذلك". وقد قورب الموضوع في إنتخابات ال2009 "دون مناقشة والأخذ في الإعتبار ما أعدّته لجنة المرأة النيابية بالإشتراك مع الجمعيات". أما في الدورة الأخيرة من الإنتخابات البلدية فوصف دخول الكوتا ضمن مشروع قانون قدّمته وزارة الداخلية ب"الخدعة الجندرية". يقول فغالي : "هي خدعة جندرية من خلال مادتين متعارضتين، المادتان 5 و14 تنص الأولى على أنه يجب على المجلس البلدي المنتخب ألا يقلّ عدد أعضائه من كلا الجنسين عن الـ20%، لكن من جانب آخر لا تلزم الثانية اللائحة عند تقديم ترشيحها بأية نسبة، مما يجعل تطبيق هاتين المادتين مستحيلاً. كما تنسف المادة 12 مضمون المادة 5، التي حدّدت شروط ترشيح اللوائح متجاهلة الكوتا الجندرية، فيما تحصر المادة 14 إحتساب الكوتا الجندرية ضمن اللائحة". من جانب آخر، يعارض فغالي شعار "أيتها النساء صوّتن للنساء !" : "لست مع إنتخاب المرأة بالمطلق، لقد حضرت إنتخابات الكونغو الرئاسية حيث ترشحت خمس نساء دعمهن برنامج الأمم المتحدة للتنمية UNDP عبر هذا الشعار الذي إرتفع على علو عشرة أمتار. وهذا الشعار ليس الأمثل لضمان مشاركة نسائية أكبر أو تأمين وصول المرأة إلى القرار السياسي المبدئي أو تبوؤ مركز القرار". وبالعودة إلى لبنان يجد أن الحل الأمثل هو بالضغط على الأحزاب التي تتلو "خطابات رائعة مناصرة للمرأة الغائبة داخل تنظيماتهم، رغم أن تقويماً لنشاط المرأة والرجل في شتى المجالات أظهر أن أداء المرأة تخطى 65% فيما لم يتجاوز أداء الرجل 50% في أي مجال".
خديجة شاهين
ضحية النظام العائلي الذي يفرش الطريق بالورود أمام الرجل وإن كان جاهلاً في الكويخ ما قبل آخر قرية في شمال شرقي لبنان، تقيم السيّدة خديجة شاهين التي تنصت إليها بذهول. هي عضو مجلس بلدي سابق حيث شغلت مناصب أمينة السر ورئيسة لجنة التربية والصحة ورديفاً للجنة البيئة في بلدية الكويخ الواقعة في قضاء الهرمل (قرية زوجها). ماذا أيضاً ؟ تمضي في التعريف عن نفسها : "أنا عضو في وزارة الزراعة في لجنة النباتات العطرية والطبية وعضو في إتحاد بلديات الهرمل سابقاً وعضو في جمعية توزيع القروض العالمية في لبنان. أستاذة مجازة في التاريخ ومرشدة في معهد للأشغال اليدوية وقد أنشأت داراً خاصة بهذه الفنون. رئيسة تعاونية "السنديان"... هذا تعريف مقتضب عني إلى جانب كوني ربة منزل".
تضيف شاهين أنها اليوم تنجز "مشروعاً جديداً تحت عنوان "الوعد"، الذي يمتدّ على مساحة خمسين دونماً مزروعاً أشجاراً عضوية، كذلك إنشاء قرية سياحية صغيرة تعتمد على الطبيعة والنباتات البرية والغذاء الصحي".
أما مشوارها مع العمل البلدي فلم يأتِ من فراغ. فقبل دخولها هذا المجال السياسي، إذا صحّ التعبير، إنخرطت منذ الصغر في العمل مع "الفاو" (منظمة الأغذية والزراعة) ومؤسسة الإسكان التعاوني. وقد شاركت في مؤتمرات عدة أيام الدراسة، حين كانت لا تزال تقيم في مسقط رأسها، قرية القصر التي كان لها تحرّك خجول في مجلس بلديتها. لكن بعد زواجها وإنتقالها إلى قرية الكويخ، وبعد سنتين من هذا التاريخ قرّرت الترشّح وخوض الإنتخابات البلدية.
"كان التصويت حقيقياً، زرت بيوتاً عديدة وحرصت على أخذ تواقيع مَن وعَد بالإقتراع لصالحي. لم أكن الغريبة، نشاطي كان يعرّف عني". (قريتا الكويخ والقصر متجاورتان). كانت حالة فريدة وأدركت إن صدق 70 % ممن وعدوا بإنتخابها ستفوز حتماً، أن في رصيدها أصواتاً فائضة حسب ما جمعت !
"خضت الإنتخابات البلدية مستقلة حتى الدقائق العشر الأخيرة حيث لا مجال للإنسحاب، وإنضممت إلى لائحة توافقية". من خلال وجودها في البلدية لم تجلس أمام 11 رجلاً حسب ما تقول بل 11 منهج عمل وفكر. كانت المتألقة ! وهذا حقّها فهي الوحيدة المجازة جامعياً. تقول ممازحة : "حتى لو كان خّطي متعرجاً". وكونها إمرأة، إتجهت نحو السيّدات اللواتي أشركتهن في حملات تشجير وتنظيف، الخطوات الأولى لمشروعها "السنديان". وعن الأخير تقول " لقد نجحت في إرساء نموذج من واقع أرضنا وطبيعتها، إستثمرنا النباتات البرية، لدينا أكثر من 350 نبتة يمكن الإستفادة منها طبياً وعطرياً. لقد قدّمت بحثاً إلى وزارة الزراعة على أمل أن يلقى الإهتمام الذي يستحقه. ومن خلال نشاطي في هذه التعاونية، زرت أفريقيا كممثلة للمرأة المزارعة في لبنان حيث حضرت مؤتمراً دولياً يعقد كل عشر سنوات". من جانب آخر وبكل فخر، تشير خديجة إلى أنها حاضرت في الجامعة الأميركية في بيروت كونها خاطبت الحضور بأوراق متعلقة بالتغذية فيما إختصاصها تاريخ. وتضيف أن أكثر من ثلاثين طالباً جامعياً تخرجوا من خلال أبحاث أنجزت على أرضنا.
- لكن ما الذي حصل في دورة الإنتخابات البلدية الأخيرة؟
تعرضت لغيرة الرجل والمرأة، كانت وطأة خبر ترشيحها من جديد فظيعاً في أنحاء الكويخ التي شعرت بأنها غريبة عنها لأول مرة. تقول: «ساد إجماع على إستبعادي، فالكويخ هي 75 % عائلة واحدة، كانوا يتساءلون عما أنجز ... لوين رايحة؟». وكان قرار التزكية الذي إستبعدها باعتبار خوضها الإنتخابات مجدداًً سيجعل منها المرأة «الفتنة والمخرّبة الطامعة بنفوذ في قرية الكويخ». قصة سيّدة إستثنائية تعلّمت الكثير من والدتها الأمية السبعينية التي تعمل في محل صرافة، لكنها وقعت ضحية الجهل والنظام العائلي الذي يفرش الطريق بالورود أمام الرجل وإن كان جاهلاً.
6 نساء "نسويات" وعضوات في بلديات لوكيميا نسائية في البلديات اللبنانية، داء ودواء ...
ليلى شمس الدين - دراسات عليا في التنمية المحلية والخدمة الإجتماعية: لائحة "حزب الله" الإفتراضية والمقتصرة على نساء مؤهلات أو غير مؤهلات ستنجح دون أدنى شك
باحثة عن حلّ يضع حدّاً لإقصاء المرأة وعن المشاركة الخجولة للمرأة في الإنتخابات البلدية في دورتها الأخيرة تقول ليلى شمس الدين ببساطة : " حين يقرّر حزب الله أن تضم لائحته الإنتخابية نساء فقط مؤهلات أو غير مؤهلات، هل ثمة أدنى شك في أن اللائحة لن تنجح؟". تضيف برؤيتها المعرّية للواقع الذكوري :" قبل إستحقاق الإنتخابات البلدية، قدّمت إقتراحاً لجمعية تنظيم الأسرة طارحة تساؤلاً : لمَ لا تدعو الجمعيات النسائية - طالما أن نسبة الكوتا غير كافية - النساء المقترعات إلى مقاطعة الإنتخابات، خصوصاً أنهن يشكلن أكثر من 60 % من التصويت". من ناحية أخرى، تؤيد مسألة عدم إنتخاب المرأة كونها إمرأة بل من تستحق الفوز.
ربى فارس - مساعدة إجتماعية وعضو في بلدية بينو العكارية: بكل محبة، رئيس البلدية كان يفضل ترشّح زوجي
ربى فارس، مسؤولة القسم الإجتماعي في الشبكة اللبنانية للتنمية. هي عضو في مجلس بلدية "بينو" مسقط رأس زوجها. وهذا الواقع كان سبب تردّدها في الترشح كونها ليست من أبناء القرية، وهذا قد يكون سبباً إضافياً في فشلها، كما أن "رئيس البلدية كان يفضل ترشّح زوجي بكل محبة (مدير جامعة في بكفيا) بدلاً مني". لكنها وضعت ثقتها بما حقّقته للبلدة طوال ثلاث سنوات من العمل الميداني وتنظيم الدورات التنشيطية لأكثر من مئة وخمسين طفلاً، "مما يعني أن نشاطي أدركته الكثير من العائلات، وهذا مهّد لي طريقاً للفوز". من البداية كانت ربى تملك برنامج عمل يتشابك وحاجات البلدة الخدماتية، "إقترحت خطة عمل توعوية على مدة سنة تحاكي واقع الشباب وما يمكن أن يعترضهم من مواقف حياتية سلبية".
سميرة بغدادي - أستاذة جامعية وعضو مجلس بلدية طرابلس: مفهوم التنمية غير مكتسب لدى المرأة ووصول الرجل إلى البلدية لا يسلّم بفهمه في كنف مجتمع ذكوري
خلال الإنتخابات النيابية الأخيرة، فوجئت سميرة بغدادي بالتجمعات النسائية التي "جمعت المرشحين والمرشحات وسألتهم عن رؤيتهم لنظام الكوتا النسائية، فمن المعيب ألاّ تكون هؤلاء المناضلات مؤثرات". ومن خلال نشاطها في الحقل الإنمائي مع المجتمع المدني لمست بغدادي "عدم إكتساب المرأة التنمية بمفهومها الشامل، ووصول الرجل إلى البلدية لا يسلّم بفهمه لهذا الأمر في كنف مجتمع ذكوري". تقر أن المرأة غير مهيأة حتى اليوم لخوض معركتها الإنتخابية وولوجها السياسي المبدئي هش بمعزل عن مظلة التحالفات. من ناحية أخرى، تتطرق إلى الجانب المادي في حملة المرأة الإنتخابية، وهذا عنوان إضافي ضالع في إحجام المرأة وثنيها عن خوض المعارك النيابية والبلدية. لكنها ومن خلال تجربتها كإمرأة متمكنة في مجالها التربوي والتنموي وكذلك ترشحها المديني لا الريفي الذي تحكمه بعض "اللدغات العائلية"، ترفض مقولة أن حضور المرأة صوري في المجلس البلدي. تسرد تجربتها التي عزّزها شعار "آن الأوان" (الذي أطلق في دورة 2004) وخروج بلدية طرابلس من عباءة آل كرامي بعد نصف قرن : "لقد أثبتّ وزميلاتي الثلاث عبر دورتي 2004 و2010 بخلفية تمكّننا في مجالاتنا أن وجودنا متساوً مع زميلنا الرجل، يجب ألاّ نختبىء خلف هويتنا الأنثوية لتبرير فشلنا أحياناً في متابعة أي ملف". تضيف: "لقد نجحت أخيراً ودون لصق صورتي على جدران المدينة، بل بإيجاد مكان من خلال دعم الصحة الإجتماعية لمنطقة النزاعات الواقعة بين باب التبانة وجبل محسن، ومشاريع ريادية تتكافل والمجتمع المدني، فأنا لم أراهن يوماً على الأصوات العائلية". وتجزم أخيراً ب"أن الفائزات بمقاعد بلدية هن أكثر ثقافة ومن الرجل، وبمستوى مهني أرقى". فيا إمرأة إخترقي "السقف الزجاجي" Glass ceiling (مصطلح عالمي) !
المحامية دنيز كرم أبو معشر - عضو في بلدية جونيه: حوربت وسط 17 رجلاً وللتيار الوطني الحر الفضل في وصولي
دنيز كرم، عضو في بلدية جونيه، إنتخبت عن التيار الوطني الحر الذي دعمها وعزّز إحتمال وصولها. لا تنكر كرم أن "للتيار الفضل في وصولي لكن هذا لا يعني أن وصولي هو الهدف، فأنا مسؤولة الشؤون الإجتماعية في البلدية". وعن حضورها في المجلس تقول: "لا أنكر انني حوربت كإمرأة وحيدة بين 17 رجلاً زميلاً في ظل مجتمع ذكوري، لكني فرضت وجودي رغم أنها دورتي الاولى في الترشح". من ناحية أخرى : لا تبدي كرم أي طموح إلى تخطي إطار البلدية والسياسة المبدئية لأن الأمر "سيتطلب جهداً إضافياً إلى جانب المسؤوليات العائلية والمهنية (كمحامية) وكعضو فاعل في البلدية. فأنا أدقّق بكل صغيرة في البلدية". وتروي حادثة واجهتها أخيراً: "لقد كنت وراء إلغاء مشروع بناء حديقة للمغتربين في جونيه تم تلزميها إلى جمعية بمفهوم غير قانوني يتطلّع إلى الربح أولاً".