فتوى جريئة: إجبار الزوج زوجته على ترك عملها مخالف للدين
عمل المرأة, الخدمة الإجتماعية, د. آمنة نصير, د. مبروك عطية, د. عبلة الكحلاوي, د. نصر فريد واصل, د. سعاد صالح, ضوابط شرعية, فتوى, علماء الدين, العمل الخيري
11 أكتوبر 2010تحذير شرعي
ورغم تأييد الدكتور نصر فريد واصل، مفتي مصر السابق، حق الزوجة في العمل، فإنه يحذر الزوجات العاملات من إساءة استخدام هذا الحق الذي أباحه لهن الإسلام، في معصية الله الذي كرمهن.
ويطالب المرأة العاملة بأن تلتزم بالضوابط الشرعية في العمل، مؤكداً أنه إذا وجد الزوج زوجته غير ملتزمة في عملها، يكون من حقه أن يطالبها بترك العمل ومنعها عنه، مع العلم أن كل حالة من النساء لها حكمها الخاص، وليس هناك حكم عام، حتى لا يسيء الأزواج تفسير ذلك لظلم المرأة، ومنعها من العمل دون ضرورة، لأنها شريكة الرجل في الحياة، وأعطاها الإسلام حقها كاملاً.
نصف المجتمع
وتتفق العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية في الإسكندرية الدكتورة آمنة نصير، مع الدكتورة عبلة الكحلاوي في فتواها، «لكون المرأة نصف المجتمع، ولديها طاقات عظيمة، وإمكانات هائلة لم تُستغل بعد. ومنعها من العمل يعني أن المجتمع يتنفس برئة واحدة، بالإضافة إلى أن لعمل المرأة قيمة اقتصادية، وزيادة لدخل الأسرة، ويُوسِّع آفاقها، ويبرز وينمي مقوماتها الشخصية، وكذلك يشغل وقت الفراغ لديها بعمل مفيد، لها ولأسرتها ولمجتمعها».
وتقول: «ليس من حق الزوج منع زوجته من العمل، خاصة إذا تزوجها وهي عاملة. أما من يحرِّمون عمل المرأة، أو يطالبون الأزواج بمنع زوجاتهم من العمل، فهؤلاء ينسبون الى الإسلام ما ليس فيه، لأنه لا يوجد نص يمنع المرأة من العمل، خاصة إذا احتاجت اليه أو احتاج العمل إليها».
وتستشهد الدكتورة آمنة بأم المؤمنين السيدة خديجة، رضي الله عنها، بأنها كانت صاحبة أموال وكذلك السيدة عائشة، رضي الله عنها، «كانت تُعلِّم الصحابة المسائل الفقهية، حتى أن أحد الصحابة قال عنها: ما رأيت أحداً يُعلِّم الفقه والطب والشعر، غير السيدة عائشة»، أليس هذا نوعاً من العمل؟
وتضيف: «أؤيد تمسك المرأة بحقها في العمل، والاستعانة بالحكماء من أهلها وأهل زوجها في حالة الاختلاف، وأتحفظ نسبياً عن اللجوء الى القضاء إلا للضرورة القصوى».
عمل المرأة مباح شرعاً
في البداية تقول الدكتورة عبلة الكحلاوي: «ليس من حق الزوج إجبار زوجته على ترك عملها، لأن عمل المرأة مباح شرعاً، بل وموجود منذ أيام الرسول صلى الله عليه وسلم. والإسلام يقدر العمل باعتباره عبادة، وفضيلة أخلاقية وقيمة اقتصادية، وهو الأمر الذي جعل المرأة تحمل على عاتقها جزءاً كبيراً من ميزانية الأسرة».
وأضافت: «العمل أحد فروض الإسلام، وأحد أضلاع مثلث القوة، الذي يضم أيضا العلم والإيمان، ومن هنا تأتي أهمية إباحة الإسلام عمل المرأة ، لكونه يعبر عن شخصيتها وتطور مركزها الاجتماعي».
وترى الدكتورة عبلة أن المرأة تتفوق على الرجل في بعض مجالات العمل، وتضرب مثالاً بعالم البيزنس، وتقول: «لست مبالغة إذا قلت إن المرأة أفضل من الرجل في هذا المجال. ومن الأفضل للمرأة، إذا كانت سيدة أعمال، أن تتزوج من رجل على الدرجة نفسها حتى يتفهم عملها. والأفضل أن يكون هناك اتفاق بين الزوجين قبل الزواج على عمل الزوجة، وأن يُدوَّن هذا الشرط في عقد الزواج».
وتكمل: «إذا كان هناك ضرر بالغ على أولادها من خروجها للعمل، وزوجها يستطيع توفير احتياجات الأسرة، فالأفضل شرعاً اهتمامها بأسرتها، وعلى زوجها أن يُقدِّر تضحيتها بعملها من أجله هو وأولاده، لكن دون أن يجبرها على ذلك».
الأعمال المناسبة
ويرى الأستاذ في جامعة الأزهر الدكتور مبروك عطية أن عمل المرأة قد يكون «ضرورة حياتية»، ولا يجوز للزوج منعها منه، خاصة في الأعمال التي تمس حاجة المرأة. ويوردأمثالاً عن هذه الأعمال: «التوليد، وتطبيب النساء، وتعليمهن في مختلف مراحلهن العمرية، باعتبار المرأة أقدر على ذلك من الرجل».
ويذهب الدكتور مبروك إلى أن المرأة الأفضل في الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لبنات جنسها، والمشاركة في الخدمة الاجتماعية والعمل الخيري في المجتمعات النسائية، وغيرها من الأعمال التي تتناسب معها في ضوء الشريعة الإسلامية.
ويرفض لجوء الزوجة الى القضاء إذا ما اختلفت مع زوجها في أمر عملها، لأن هذا قد يقضي على حياتها الأسرية في ظل تعنت الزوج، ولكن الأمر يستلزم الحكمة في المعالجة.
ويضيف: «الإسلام يرفض نظرة بعض الأزواج الى المرأة على أنها مخلوق درجة ثانية، أو تابعة للرجل، دون أن يكون لها شخصية أو كيان، وإنما اعتبرها الإسلام مثل الرجل، كائناً لها إرادة واختيار، وتتكامل مع الرجل دون الدخول في صراع، ولذلك خاطب الله تعالى الرجل والمرأة معاً، في بيان واحد، في كل الآيات التي تبدأ بقوله تعإلى (يا أيها الناس... ويا أيها الذين آمنوا) وقال موضحا نظرة الإسلام إليهما وما يقومان به من أعمال «مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ» آية 97 سورة النحل.
فيما يرى رجال كثيرون أن منع الزوجة من العمل أحد حقوقهم، أصدرت الدكتورة عبلة الكحلاوي فتوى جريئة قالت فيها: «لا يحق للزوج إجبار زوجته على ترك عملها أو منعها من العمل، ما دامت ملتزمة في عملها بالضوابط الشرعية»، بل ذهبت العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية، إلى حد «تأثيم الزوج المتعسف مع زوجته في هذا الأمر»، فما هي الأسانيد الشرعية، التي اعتمدت عليها الكحلاوي في الفتوى؟ وما هي الآراء المختلفة لعلماء الدين حولها؟
تفسيرات خاطئة
وترد العميد السابق لكلية الدراسات الإسلامية - جامعة الأزهر الدكتورة سعاد صالح على الأزواج الذين يسيئون تفسير بعض النصوص الدينية، لتبرير حرمانهم المرأة من العمل بقولها: «اهتم الإسلام منذ ظهوره بقضايا المرأة، إذ أباح عملها في الوظيفة الصحيحة والمناسبة، بالتفاهم مع زوجها، فإن لم يتفاهما، فلها أن ترفع أمرها الى القضاء لإنصافها، خاصة إذا كانت اشترطت ذلك عليه أو كان تزوجها وهي عاملة».
وتتعجب من حبس بعض الأزواج زوجاتهم وحرمانهن من العمل، مستندين إلى قوله تعالى « وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا»آية 33 سورة الأحزاب.
وترد على ذلك قائلة: «من يرجع إلى سبب نزول الآية سيجد أنها خاصة بزوجات الرسول، صلى الله عليه وسلم، من حيث عدم خروجهن، وليس عدم التبرج، الذي هو حكم عام لكل المسلمات.
ومن يقرأ التاريخ الإسلامي، ابتداءً من العصر النبوي، يجد أن الإسلام لم يحرِّم عمل المرأة بشكل عام، بل جعل لذلك ضوابط عديدة، أهمها أن يكون العمل موافقاً لطبيعة المرأة وأنوثتها، ويقارب فطرتها اللطيفة الرقيقة، ويمنعها من الاختلاط بلا ضوابط، مما يعد مخالفة للشرع، وكذلك ألا يتعارض عملُها مع وظيفتها الأساسية في بيتها، وواجبها تجاه زوجها وأطفالها، بأن لا يأخذ العمل كل وقتها، وأن يكون خروجها للعمل بإذن زوجها، وخلو عملها من المحرمات، كالتبرج والسفور، وأن تتحلى بتقوى الله ويكون سلوكها منضبطاً، وخلقها قويماً، مما يحميها من الفتن، وأن تلتزم بالحجاب الشرعي ولا تبدي شيئاً من زينتها لأجنبي، وأن تلتزم بقوله تعالى: «وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء وَلاَ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ» آية 31 سورة النور.
وأضافت: «الإسلام ساوى بين الرجال والنساء في الحق في العمل، والكسب الحلال، بالإضافة إلى العبادات. ولهذا فإن أي عمل تؤديه المرأة، وتخشى الله فيه وتحافظ على حقوق زوجها وأولادها، فهي مثابة عنه شرعاً، مثل الرجل، لقوله تعالى «فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُواْ لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَابًا مِّن عِندِ اللّهِ وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ» آية 195 سورة آل عمران. وقوله صلى الله عليه وسلم «إنما النساء شقائق الرجال». وبالتالي ننصح الأزواج بعدم التعسف مع زوجاتهم بمنعهن من العمل طالما كان شريفا ولا تترتب عليه آثار ضارة على الأسرة والمجتمع».
وتؤكد الدكتورة سعاد حق الزوجات في العمل الشريف وضرورة تفهم الأزواج لذلك، قائلة: «كان النسوة في عهد الرسول، صلى الله عليه وسلم، في الغزوات يمرِّضن ويداوين الجرحى، بل وشاركن فيها بالقتال، وساعدن رجالاً في الجيوش بالسقيا والإطعام والعلاج. وقد قالت الصحابية الربيع بنت معوذ: «كنا نغزو مع رسول الله، نسقي القوم، ونخدمهم، ونردّ القتلى والجرحى إلى المدينة».