نساء في مهن الرجال ورجال في مهن النساء
عمل المرأة, سلمى المصري, كرة قدم, المجتمع الذكوري, شهادات حيّة, دار الحكمة, الطهو الصحي, تاكسي للسيدات
21 فبراير 2011الشيف حسن كمال: هذا هو سر نجاح الرجال في الطهو
رغم أن المطبخ كان العالم الخاص للمرأة لسنوات طويلة، لكنه لم يعد كذلك. فمهنة الطبخ اقتحمها الرجال، واشتهروا فيها، ويرجع الشيف حسن كمال، «أحد أشهر الشيفات ومقدمي برامج الطهو في مصر»، سر نجاح الرجال في الطهو حسهم الفني، فالطهو، على حد قوله، أقرب إلى الكيمياء، إذا اختلت مقادير الأكلة فشلت، بالإضافة إلى أن الرجل عضلاته قوية، ويتحمل الوقوف في المطبخ لفترة طويلة، فضلاً عن قدرته على الابتكار.
ويحكي الشيف حسن قصة دخوله المهنة قائلاً: «لم يكن احتراف الطهو في حسباني، وإنما كنت أريد الالتحاق بكلية القوات الجوية. ولكن أثناء التقديم سمعت عن معهد الفنادق فاستهوتني الفكرة، وغيرت مسار حياتي وتخصصت في قسم المطبخ، والحمد لله كنت من الذين غيروا فكرة الناس عن مهنة الطبخ في مصر، إذ كان ينظر إليها الكثيرون نظرة دونية. وعملت في أكبر سلسلة فنادق عالمية بعد التخرج عام 1980، وتدربت في فرنسا لمدة 6 أشهر، والآن أصبح لدي سلسلة محلات تحمل إسمي. وهناك رجال كثيرون نجحوا كشيفات، وأثبتوا أن المطبخ ليس عالماً خاصاً بالمرأة حدها».
دعاء العدل: موهبتي في الكاريكاتير فرضتني على عالم الرجال
ظل عالم الكاريكاتير فترة طويلة حكراً على الرجال، إلى أن ظهر جيل جديد من الشباب من بينهم دعاء العدل، خريجة كلية الفنون الجميلة وعاشقة الكاريكاتير، فدخلت عالم الرجال لتعبر عن مشاكل المجتمع بفن ساخر، وكانت أول رسامة تحصل على جائزة التفوق الصحفي من نقابة الصحافيين عام 2009. أكدت دعاء أن حبها للكاريكاتير بدأ بعد دخولها كلية الفنون الجميلة قسم ديكور مسرح وسينما، وزاد حبها للكاريكاتير بعدما لاقت رسومها إعجاب الجميع، عبر المدونة التي نشرت فيها باكورة أعمالها.
وترى دعاء أن موهبتها هي التي فرضتها في عالم الرجال، مؤكدة أن الموهبة لا تفرق بين رجل وامرأة، وأن الرسامين أساؤوا إلى المرأة في الكاريكاتير دون قصد، فهم دائماً ما يبرزونها نكدية أو متسلطة أو قبيحة، وتقول: «لا شك أن الكاريكاتير فن ساخر والرسامين الرجال يرون المرأة من وجهة نظرهم وحدهم، فمنهم من يجدها نكدية ومنهم من يراها قوية ومفترية. ولكن وجود رسامة للكاريكاتير يعكس صورتها ومشاكلها الحقيقية، لذلك لا نستطيع لوم الرسامين الرجال على أسلوب تناولهم للمرأة في الكاريكاتير، لأنهم في النهاية رجال، أما رسومي فأحاول إبراز المرأة فيها بصورتها الحقيقية، دون الاعتماد على جمالها».
إننا نعيش في مجتمع ذكوريّ، يميّز بين المرأة والرجل على أصعدة كثيرة، ويرسم حسب ما يراه مناسباً، أدواراً على قياس الناس، أكان ذلك لتصنيفهم إجتماعياً، أو إقتصادياً، أو ثقافياً أو حتى جنسياً! فالمرأة، حسب البعض، كائن «أضعف» من الرجل، وهي بالتالي لا تماثله قدرةً، جسدية أو فكرية، لذلك لا يمكنها الخوض في غمار مهنة مختصّة بالرجال. والرجل، إنسان ذو قدرة جسدية تحتم عليه العمل في مجالات تستدعي السيطرة والخشونة والقوّة المطلقة. لكن مَن قال أنّ لهذه المهنة أو تلك، جنساً محدّداً للعمل فيها؟ ومَن يمنع المرأة أو الرجل من مزاولة ما يحبّون ويبرعون فيه، بغضّ النظر عن جنسهم؟ نساء كثيرات يبرعنَ في مهن مصنّفة أصلاً للرجال، ورجال كثيرون يقدّمون المواصفات المطلوبة لينجحوا في وظائف تعمل فيها غالبية نسائية. بيد أنّ الأمر لا يمنع أن ينجح الإثنان في مهنة خبرا أصولها وأجادا العمل بها وبذلا مجهودات كبرى في سبيل إتقانها. في هذا التحقيق تجارب وشهادات.
نبدأها من مصر... لم تعد هناك مهنة في مصر مقصورة على الرجل وحده، فالمرأة اخترقت مهناً عدة كان عليها شعار «للرجال فقط»، وفي المقابل اقتحم الرجال مهناً ظلت حكراً على المرأة سنوات طويلة، لكن هل نجحت النساء في مهن الرجال؟ وهل نجح الرجال في المهن النسائية؟ «لها» تحقق.
إيفا: أنا أول امرأة عمدة في مصر
لاختراق المرأة المهن الرجالية وجه آخر غير الحاجة المادية، ألا وهو المهارة والجدارة، كما هو الحال مع المحامية إيفا هابيل أول عمدة في تاريخ مصر.
لقد نافست إيفا الرجال على مقعد العمدية بعد سنوات طويلة، ساعدت فيها أباها العمدة في مهمته، بعدما ضعفت صحته منذ عام 1990، إلى أن توفي عام 2002، وتمنت أن تصبح عمدة بعده، خاصة أن أهل البلد يعرفونها، وكانوا يلجأون إليها في حل مشاكلهم كمحامية. وأفادت إيفا بأنها أحبت العمل السياسي والأهلي منذ طفولتها، وخاصة بعد متابعة والدها عن قرب أثناء عمله كعمدة، وتمنت أن تصبح عمدة في يوم من الأيام، وبالإصرار تحقق حلمها لتصبح أول امرأة تقتحم العمدية في مصر.
تقول: لم «أخش منافسة الرجال المتقدمين إلى العمدية، ولم أخش أن أكون أول عمدة امرأة، فأنا دائماً أقول لنفسي إن الله لم يخلقني ليتمم بي عدد البشرية، بل خلقني لدور معين يجب أن أؤديه في الحياة، ويجب أن أساعد الناس قدر استطاعتي».
شيماء منصور أول حكم مصرية: كرة القدم ليست حكراً على الرجال فقط
لا تؤمن شيماء منصور، أول حكم مصرية لكرة القدم، بأن لعبة كرة القدم للرجال فقط، واستطاعت اختراق الحاجز الذكوري بحبها الشديد للكرة وولعها بالتحكيم، فبدأت ممارسة كرة القدم منذ كان عمرها 11 عاماً، وعندما بلغت الـ15 أصبحت أول حكم مصرية لكرة القدم. تقول شيماء: «لا أرى أن هناك رياضة خاصة بجنس معين، باستثناء الألعاب القتالية مثل المصارعة الحرة التي أرفضها للبنات، أما عشق الساحرة المستديرة فكان مرتبطاً معي في البداية بالحرص على مشاهدة تمرين النادي الأهلي، حتى تطور الأمر وأصبحت ألعب الكرة في المدرسة مع أصدقائي وفي الشارع أيضاً.
وجمعتني الصدفة بالدكتورة سحر الهواري رئيسة اتحاد كرة القدم النسائية، وتوسمت فيَّ خيراً، وطلبت من أبي انضمامي لأول فريق كرة قدم للفتيات بمصر، ودخلنا العديد من البطولات، وعندما بلغت الـ15 خضعت لاختبارات التحكيم في الاتحاد الأفريقي واجتزتها بسهولة، لأنني كنت على دراية جيدة بكرة القدم». وتضيف شيماء: «أنا ضد الأقاويل التي تزعم أن كرة القدم رياضة للرجال فقط، لأنها كأي رياضة أخرى يمكن للجنسين ممارستها، وكذلك التحكيم فيها، فأنا أعترض بشدة على من يرددون أنها لعبة رجالية وتدفع الفتاة للتخلي عن أنوثتها. وقد جاءتني الفرصة للرد على ذلك الادعاء بأسلوب عملي، بعد فوزي بلقب الوصيفة الأولى لملكة جمال العرب 2007، ولقب الفتاة الرياضية بالمسابقة نفسها لهذا العام».
ولاء: فشلت في المهن النسائية واحترفت الجزارة وقيادة الميكروباص
النساء أيضاً اخترقن المهن التي ظلت حكراً على الرجال سنوات طويلة، وتؤكد ولاء أنها فشلت في بعض المهن النسائية، كالتطريز والخياطة والطهو، ولم تجد نفسها إلا في المهن الرجالية، كقيادة الميكروباص والجزارة.
وتؤكد أنها منذ استيعابها للحياة لم تجد شيئاً ناعماً رقيقاً حولها لتقتدي به، وتتعلم منه معاني الأنوثة، فقد كبرت مع أشقائها الرجال، تلعب معهم ويحيطونها في كل الأوقات والتصرفات، وبالتالي أصبحت تحب الألعاب الذكورية، مثل كرة القدم والأعمال الذكورية، أيضاً فوقعت في غرام مهنة قيادة الميكروباص، وتعلَّمتها بالفعل وأتقنتها، حتى عملت بها أسابيع كانت أجمل فترات عمرها، على حد تعبيرها.
ولكن ولاء لم تسلم من نقد المجتمع ولا اعتراض إخوتها الرجال، وتقول: «ثار إخوتي لعملي بشدة، ووصموني بالتخلي عن أنوثتي، وطلبوا مني التوقف فوراً عن القيادة. ومع أول عريس دقّ على الباب ألقوني إليه ليتخلصوا من عبئي عليهم ومشاكلي. ولكن لم تستمر حياتي معه أكثر من عام، فلم أعرفه قبل الزواج بمدة كافية، وكان رجلاً مختلفاً معي في الأفكار والميول وكل شيء، ولم أطق الحياة معه. وعدت إلى بيت أهلي من جديد، ولكني رفضت أن أكون «عالة» على أحد، وقررت أن أنفق على نفسي لأتلافى نظرات الشفقة في عيون الجميع.
وتحكي ولاء أنها بعد بحث طويل عن فرصة عمل وجدت وظيفة مندوبة مبيعات في «سوبر ماركت»، ومنذ أول يوم لها في العمل كانت تتأمل زملاءها الرجال العاملين بمهنة الجزارة، وتمنت أن تكون مثلهم في أحد الأيام، رغم أن الجزارة مهنة رجالية جداً. وتحققت أمنيتها ذات يوم، حين تغيب أحد زملائها الجزارين، ولعبت الصدفة دورها مع إقبال الزبائن الكبير على الجزارة في «السوبرماركت»، فعرضت ولاء على صاحب المحل أن تحل بديلاً لزميلها المتغيب، فعارضها بشدة في البداية، ولكن مع تكدس الزبائن اضطر للاستجابة، فغمرت ولاء السعادة لتحقق حلمها، ووقفت بشموخ واعتزاز وسط نظرات الزبائن الذين اندهشوا لمكانها، ولكنها عملت بكل بسالة وسط غمزات ولمزات الزبائن المحيطة بها، ونسجت نجاحها مع اللحم بالسكين والساطور .
وتحول الاندهاش إلى إعجاب وتشجيع، وأطلقوا عليها لقب «المعلمة ولاء». لكن الحظ العاثر لازم الفتاة، فأصيبت بقطع عميق في يدها اليسرى ومنعها الأطباء من العمل في هذه المهنة حفاظاً على صحتها. ولكنها لم تستسلم، وأصرت على عمل ما تحب، واكتفت بالعمل بيدها اليمنى. حتى اقتنع إخوتها وأهلها بموهبتها في الجزارة وأصبحوا يقولون عنها «بنت بمليون رجل».
أحمد لطفي: غيرة النساء وراء اقتحام الرجال لمهنة التجميل
مهنة التجميل كانت لسنوات طويلة خاصة بالمرأة، وكانت من تعمل بها تعرف بـ«الماشطة»، وهي المرأة ذات الخبرة في التجميل، والتي كانت مسؤولة قديماً عن تجميل العروس في الريف المصري. ومع تطور العصر دخل الرجال مجال التجميل، ولمعت أسماؤهم بل وتخصصوا أكثر في مهنة التجميل.
ويرى مصفف الشعر الشهير أحمد لطفي أن سر تألق الرجال في عالم التجميل، خاصة تصفيف الشعر، أنهم دخلوه كهواية بدافع حبهم للجمال، أما المرأة، فرغم حسها العالي، إلا أن الغيرة النسائية تجعلها تبخل بخبرتها على الزبونة، خاصة إذا كانت جميلة، لأن المرأة لا تحب أن ترى امرأة أجمل منها.
ويؤكد أحمد لطفي أن مهنة «الكوافير» استهوته منذ كان عمره 6 سنوات، حين كان يمر على «كوافير» في طريقه إلى المدرسة، وعمل بالفعل مع محمد الصغير، أكبر اسم في تصفيف الشعر، وذلك في الإجازات الصيفية إلى أن أنهى دراسته الثانوية وقرر احتراف المهنة وعدم استكمال دارسته، مما أثار غضب أسرته، خاصة أن إخوته في مراكز مرموقة.
ويتابع لطفي: «كانت النظرة إلى مصفف الشعر وقتها نظرة دونية، ولكن حبي للمهنة جعلني أحترفها وأبحث عن كل جديد فيها، وتميزت في الحوار مع العملاء حتى أصبحت صاحب ثاني أكبر مركز تجميل في مصر، بعد «محمد الصغير»، وكان عمري وقتها 21 عاماً فقط».
ويفيد أحمد لطفي أن الرجال ليسوا متميزين في هذا المجال فقط، بل باحثون عن التجديد دائماً، وهذا سر نجاحه ويضيف: «أنا أول من أدخل علاج الشعر بالكيراتين إلى مصر عام 2005، واستوردته من البرازيل، وأخدت كورسات في علاج الشعر بالكيراتين على أيدي خبراء برازيليين وأميركيين، وكان هذا من أهم أسباب تألقي في عالم تصفيف الشعر وعلاجه».
فاطمة: قيادة التاكسي لم تعد مهنة خاصة بالرجل وحده
في محاولات حواء المستمرة لإعالة أسرتها بعد هجر الزوج أو وفاته، قد تغزو العديد من المهن الرجالية. نزلت فاطمة، ابنة الـ28 ربيعاً إلى الاحتكاك المباشر بالناس، وعملت سائقة تاكسي لتعيل نفسها وابنتها بعد طلاقها.
وعن سبب عملها بهذه المهنة تقول: «كان لا بد لي أن أجد مصدر رزق نعيش منه أنا وابنتي، فلا أقبل أن يعولنا أحد طالما أنني أستطيع العمل الشريف. ولأنني طالبة بكلية الحقوق في الجامعة المفتوحة، فمصاريفي كثيرة ولا يمكنني تحملها إلا بالعمل. وبحثت طويلاً عن عمل صباحي، شرط أن يكون مجزياً مادياً، ولا أمضي فيه يومي كله، فاهتمامات يومي الأولى هي العمل ورعاية ابنتي بعد العودة منه مبكراً، إلا أنني لم أجد عملاً مناسباً في القطاع الحكومي نظراً لضعف العائد المادي، ولا حتى القطاع الخاص الذي يتطلب الحضور طوال اليوم، إلى أن قرأت إعلاناً في إحدى الصحف عن اختبارات قيادة من أجل وظيفة سائقة تاكسي للنساء.
وبالفعل تقدمت ووجدت أن مواعيد العمل تتيح لي استكمال اليوم في رعاية ابنتي ودراستي، فازداد حماسي وأعجبني العمل، وبالفعل نجحت في الاختبار، واستخرجت رخصة القيادة المهنية، وعندما بدأت أقود كان البعض يتخوف من قيادتي، لكن بمرور الوقت اعتدت على الأمر، واعتاد الناس في الشوارع أن يروا المرأة تقود تاكسياً، فلم تعد القيادة مهنة خاصة بالرجل وحده».