هل العنف ضد المرأة الفلسطينية يدفعها إلى الإنتحار؟
القانون والمرأة, إنتحار, عنف ضدّ المرأة, علم النفس, إختصاصي نفسي, نساء فلسطين, عنف نفسي, إختصاصي إجتماعي, عنف جسدي
28 فبراير 2011يرتفع منسوب العنف ضد المرأة في فلسطين بشكل ملحوظ. ومن أنواع العنف ضد النساء مثلاً العنف النفسي (واللفظي)، والعنف الجسدي، والعنف الجنسي، والعنف الاقتصادي، والعنف السياسي. «لها» حاورت عدداً من الاختصاصيين النفسيين والاجتماعيين والإعلاميين والحقوقيين.
ظاهرة إنسانية
أما الأستاذ في علم النفس يوسف أبو سمرة، فقال: «نحن نسمع عن العنف ضد النساء في كل مجتمعات العالم. في الهند مثلاً نسمع أن هناك عدداً كبيراً من النساء المنتحرات. وهناك حالات حسب الصحافة الفلسطينية تقدر بعشرين حالة وفاة لنساء فلسطينيات لأسباب غير معروفة، ويرجح الاختصاصيون في علم النفس والاجتماع والصحافيون أن السبب يعود إلى الانتحار. ولأن مفهوم الانتحار مرفوض في الثقافة الفلسطينية من الناحية الاجتماعية والدينية فهم لا يذكرون سبب الموت. وأنا أقول انه كلما ازدادت ثقافة الإنسان يميل إلى حل مشاكله بنفسه. والناس الذين يحملون ثقافة متواضعة لديهم وازع ديني، وقد يميلون أكثر إلى الحفاظ على حياتهم والقبول بالضغوط أو التعايش معها على حساب صحتهم النفسية والجسدية. وأنا أرجح أن من يمتلكون ثقافة عالية تزايد لديهم الرغبة في الانتحار أكثر من البسطاء».
وأضاف: «كل العوامل المحيطة بنا قد تدفع البعض إلى الانتحار كملاذ أخير، وعندما تكون هناك مشكلة عنف لا نستطيع أن نفصل العوامل الاجتماعية والاقتصادية والعاطفية والنفسية عن بعضها، وإذا أدت في النهاية إلى أن الفرد لا يتحمل للضغوط ستنهار شخصيته. وانصح النساء بالتوجه إلى المراكز المتخصصة. وهناك اختصاصيون يجمعون على أن الكلام والحديث عن المشكلة هو 50 في المئة من الحل. وأي إنسان يتوتر ولا يتكلم لمدة ساعة يصاب بالضغط، وأي مشكلة صغيرة يتعرض لها تؤدي إلى الانفجار في النهاية. أما التعبير اللفظي عن هذه القضايا فيؤدي إلى أن يتفهمها الشخص ويتعامل معها، لأن الشخص عندما يروي مشكلته يكون قد بدأ يتفاعل معها بطريقة إيجابية. وأخيراً أقول إن زيادة عدد السكان تزيد عدد المشاكل، وأيضاً تغير أساليب الحياة يزيد المشاكل».
اللجوء إلى القانون
أول لقاءاتنا كان مع الاختصاصية الاجتماعية ختام زهران التي تعمل منذ سنين في جمعية المرأة العاملة الفلسطينية للتنمية في رام الله. قالت: «الوضع المادي للأسرة، قد يكون احد الأسباب التي تؤدي إلى تعنيف المرأة. فالأب أو الزوج الذي لا يعمل قد يفرغ غضبه على المرأة أو على الأطفال. وأرى أن التربية هي أهم الأسباب التي تؤدي إلى تعنيف المرأة، إذ يزرع الأهل في الذكر أنه صاحب سلطة ومتميز عن الفتاة. وألفت إلى إن بعض الحالات قد تقدم على الانتحار نتيجة العنف الذي تعرضت له، وخاصة إذا كان العنف جنسياً. وهناك حالات انتحار مسجلة في فلسطين للنساء بسبب العنف. وخلال العام 2010، تم توثيق ثلاث حالات انتحار، على خلفية الشرف». وعما إذا كانت المرأة المتعلمة تقدم على الانتحار أحيانا أكثر من المرأة ذات الثقافة البسيطة، قالت: «المرأة المتعلمة تكون على وعي أكثر من المرأة غير متعلمة، وحالات الانتحار التي تمّ توثيقها هي الحالات الثلاث خلال العام المنصرم، واللواتي أقدمن على الانتحار كن من المستوى التعليمي المتدني.
ومن جانبه يتصف القانون الفلسطيني بالرجعية والجمود، وذلك لأن بعض القوانين التي تطبق في فلسطين البعض منها مصري والآخر أردني، لا تناسب مجتمعنا الفلسطيني. ففي قانون العقوبات، هناك «العذر المحل والعذر المخفف». وأيضاً هنالك القانون المدني الذي لا ينصف المرأة، لأن شهادة المرأة غير مقبولة في العقود والأمور المالية. وهناك أيضا قانون الأحوال الشخصية، والأمور المتعلقة بالحضانة والوصاية والولاية وغيرها من القوانين. وأخيراً أقول إن المرأة عليها أن تدرك أن لها حقوقها وعليها واجباتها، لذلك يجب أن تعلم ذلك. لكن إذا تعرضت لعنف رغم ما تقدمه لزوجها وبيتها فان عليها أولاً حماية نفسها من الخطر الذي تتعرض له، وذلك إما عن طريق توجهها إلى الأهل والأقارب وطلب المساعدة منهم، وإذا لم يجدِ ذلك نفعا فان عليها أن تتوجه إلى المؤسسات التي تقدم خدمات الإرشاد والاستشارة النفسية المناصرة للمرأة والمدافعة عن حقوقها. وإذا بقي العنف مستمراً رغم المحاولات التي أقدمت عليها فعليها أن تلجأ إلى القانون، وهو الطريق والخيار النهائي والوحيد الذي سوف يخلصها من العنف الذي تتعرض له باستمرار».
أنواع ومصادر
في لقائنا الثالث تحدثنا إلى اختصاصية الإرشاد النفسي دانا نسيبه التي تعمل في جمعية المرأة العاملة الفلسطينية للتنمية في رام الله، وتعمل في مجال الإرشاد النفسي منذ أربع سنوات. قالت: «تتعرض المرأة الفلسطينية لأكثر من نوع من العنف: جسدي يتمثل بشكل رئيسي في الضرب، وتعاني الزوجة، الأخت، الابنة أو حتى في كثير من الأحيان الطفلة. كما أنها تتعرض للعنف النفسي الذي يعبِّر عنه لفظيا ويمكن أن يكون إهانة أو شتماً أو أي ألفاظ تؤذي المرأة كالإنقاص من حقها أو إذلالها. كما أنها تتعرض أحيانا لأشكال عنف يكون أثرها مشتركاً ما بين اللفظي والجسدي ويكون ذلك بشكل خاص في العنف الجنسي الذي تتعرض له لأسباب مختلفة و الذي يشترك أثره ما بين النفسي والجسدي ويكون أكثر إيلاما من أي شكل أخر للعنف.
وتتعرض المرأة للعنف من أكثر من جهة، كالأسرة سواء النووية أو الممتدة، فالأب يمارس العنف بعض الحيان على زوجته أو ابنته، كما أن الأخ أيضا يعنف الأخت أو الأم في أحياناً أخرى. وهذا لا يعني أن العنف فقط يكون من ذكور العائلة بل قد يكون في بعض الحالات من الأخت للأخت أو من الأم للابنة. ويمكن أن تتعرض المرأة للعنف من الأسرة الممتدة، فالخال والعم والجد قد يكونون مصدر العنف على الفتاة أو الكنة أو الابنة. ويمارس المجتمع العنف بتجاهل أصوات النساء، أو عدم إعطاء المرأة حقها في الميراث وغيره. وتختلف أسباب العنف من امرأة إلى أخرى، فيكون في بعض الأحيان حرمان المرأة من الميراث، وذلك بحجة أن المال الموروث هو للعائلة وإذا أعطيت المرأة حقها منه يخرج من العائلة، وأحياناً أخرى يكون سبب العنف هو عدم قبول المرأة بالإنصياع لأوامر الرجل».
انتشار العنف ضد النساء
أما المحامي والناشط الحقوقي عثمان غرابة، وهو من مدينة قلقيلية، فتحدث عن مدى انتشار العنف ضد النساء في فلسطين، فقال: «انتشار العنف ضد المرأة في فلسطين موجود، ولكن بشكل اقل مقارنة بنظيراتها من الدول العربية. وفي كل الظروف وجود العنف يعني ظلماً يحل بجزء لا بأس به من المجتمع. وأنواع العنف هي العنف الجسدي والجنسي والنفسي الذي يقع في إطار العائلة بما فيه الضرب والإيذاء والإساءة الجنسية للأطفال الإناث في الأسرة، والعنف الكلامي، وما يسمى جرائم الشرف والاغتصاب في إطار الزوجية وختان الإناث والعنف المتصل بالاستغلال، إضافة إلى التمييز بين الذكور والإناث في الحقوق المالية والنفسية والمتعلقة بالرعاية والتربية. وغالباً ما يقع العنف على المرأة من الرجل سواء كان هذا الرجل يقوم بدور الأب أو الأخ أو الزوج أو احد الأقارب من الدرجات الأخرى. وإضافة إلى الرجل يقع العنف أيضاً من السلطة في الدولة من خلال الاستغلال المادي والمقايضة على الشرف من قبل الأشخاص أصحاب النفوذ في الدولة، وأيضاً ما يحدث من استغلال للمرأة في السجون لغياب الرقابة ووسائل الإعلان من الجهة المعارضة في الدولة».
ولاحظ غرابة قوله: «إن المرأة قابلة للعنف وخاضعة من باب التسامح أو من باب الخوف، بالإضافة إلى النظرة القديمة الخاطئة التي لا ترى أهلية حقيقية وكاملة للمرأة».
واختتم غرابة حديثه بقوله: «بالنسبة إلى القانون الفلسطيني بشكل خاص والقانون في الدول العربية بشكل عام هو قانون ضد المواطن، ولا علاقة للموضوع بالتمييز بين الرجل والمرأة. كما أن الغالبية العظمى من حالات العنف تبقى طي الكتمان ولا يمكن معرفتها. كما أن القانون الفلسطيني مأخوذ من القانون الأردني الذي يسمح بالعذر المحلل في حال قتل الأخ أخته إذا ساءت سمعتها، وبالتالي فان الأخ يمضي وقتاً محدوداً في السجن وهذا ما يشجع القتل على خلفية الشرف. ويبيح القانون للزوج إذا فاجأ زوجته في الفراش مع شخص آخر أن يقتلها دون أن يمضي أي يوم في السجن بينما لو فعلت المرأة الشيء نفسه فإنها تواجه الإعدام. وأنا انصح كل من تتعرض للعنف أن تدافع عن نفسها بأسلوب يحفظ لها حياتها، ولذلك يجب أن تذهب إلى مؤسسات تحفظ لها السرية وتحل المشكلة دون أن يكون لها أي أطماع، ففي فلسطين هناك العديد من المؤسسات التي تعنى بالدفاع عن المرأة التي يقع عليها أي نوع من أنواع العنف».
عنف متوسط؟
والتقينا الإعلامي سعيد البيطار الذي يعمل في تلفزيون فلسطين في قطاع غزة. وتحدث عن طبيعة العنف الواقع على النساء في فلسطين فقال: «العنف الذي يقع بحق النساء هو متوسط، وبنسبة خمسين في المئة. كما أن ابرز أنواع العنف ضد النساء هو الضرب المبرح الذي يدفع إلى ارتكابه الفقر والحاجة، وقسوة الواقع السياسي، والاختناق المجتمعي والواقع الاجتماعي الذي لا يعطي المرأة في كثير من الأحيان حق التعليم والعمل».