قيادة المرأة للسيارة لا تخالف الشرع ولكن!
حقوق المرأة, عائض القرني , علماء الأزهر, د. مبروك عطية, د. عبلة الكحلاوي, حقوق المرأة السعودية, قيادة السيارة, مخالفة الشرع
27 يونيو 2011هيئة علمية شرعية اقتصادية لدرسها
في البداية أكد الدكتور عائض القرني، في حديثه إلى قناة «العربية»، أنه لا يوجد أي دليل يمكن أن يستند إليه المعارضون لقيادة المرأة للسيارة، لافتاً إلى أنه من المفترض أن تسند هذه القضية إلى هيئة علمية شرعية اقتصادية لدرسها، كما تعودنا عند بروز ظاهرة شرعية يكثر حولها اللغط.
وأضاف: «أطالب بعدم تعميم الاتهامات تجاه الأطراف المؤيدة أو المعارضة لمسألة قيادة المرأة للسيارة. وأحياناً بعض الكُتَّاب عندما يكتبون عن قيادة المرأة يلمّحون إلى أنه إذا حدث هذا سنصبح في عداد الدول المتطورة، مثل الدول الثماني الكبرى، وكأن تلك القضية هي العقبة الوحيدة أمام تطورنا، وفي المقابل نجد من يواجه المسألة بالتشنج والتحريم الغليظ والتزمّت الشديد الذي لا يستند إلى دليل. لذلك يجب ألا نهلِّل ولا نكبِّر، وأن نضع الأمر في حجمه الطبيعي، ويكون ذلك من خلال تشكيل لجنة من هيئة كبار العلماء ومجلس الشورى ووزارة العمل، وغيرها من الجهات المختصة، للخروج برأي واضح، لاسيما أن لدينا تقاليد واضحة، بحكم أننا البلد الذي توجد فيه قبلة المسلمين، ويحكم بشريعة الدين الحنيف».
ودعا القرني إلى إنشاء تلك الهيئة لدرس مسألة القيادة لدى النساء من النواحي الشرعية والاجتماعية والاقتصادية، لأنه «ليس هناك تحريم لمجرد عملية القيادة، بل هناك أخطار، ومن تحدث عن المنع كان يقصد ما قد يحف بالمرأة من أخطار وصعاب بسبب ذلك، لهذا يجب أن تدرس المسألة بطريقة واعية ومتأنية، لأننا نصادف أيضاً أضراراً بسبب عدم قيادة المرأة لسيارتها، كاضطرارها إلى الخلوة مع السائق خلال ذهابها إلى السوق أو العمل، بالإضافة إلى اضطرارنا لجلب عمالة وافدة، بعضها يحمل مبادئ تخالف الدين والأعراف بما يضر بمجتمعنا كثيراً».
وأنهى القرني كلامه قائلا: «أرجو من الكُتَّاب والدعاة التريث، وعدم استعداء السلطة والجمهور، والنظر الى المسألة بعين المصالح والمفاسد، وألا نعطي المسألة حجما أكبر من حجمها».
وجاءت فتوى القرني عقب اشتعال الجدل حول قضية قيادة المرأة للسيارة، بعدما ألقي القبض على السعودية منال الشريف لقيادتها السيارة، وقد أُطلقت بعد عشرة أيام بعدما وقعت تعهداً بعدم قيادتها سيارتها مرة أخرى، وانسحابها من حملة «سأقود سيارتي بنفسي».
أيّد علماء الأزهر رأياً للداعية الإسلامي السعودي الدكتور عائض القرني، أكد فيه أنه لا يوجد دليل شرعي يمنع المرأة من قيادة السيارة، وطالبوا المعارضين بالاحتكام إلى آراء المجامع الفقهية، وتفعيل ما يطلق عليه «فقه الواقع» في التعامل مع مشكلات المرأة التي يتم فيها إلباس العرف رداء الدين.
طبيعة ذكورية
ويشير الأمين العام للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية الدكتور محمد الشحات الجندي إلى أن «موضوع تحريم قيادة المرأة للسيارة ليس جديداً على واقع المرأة في العديد من المجتمعات العربية، فهو يرتبط بالعرف والعادات والتقاليد أكثر من ارتباطه بالدين، وهو امتياز مرتبط بالطبيعة الذكورية لمجتمعاتنا الشرقية، التي قد تبرر ظلماً أو اضطهاداً للمرأة، باعتبارها الطرف الأضعف، ولهذا لا مانع من وأدها معنوياً بعد أن كان يتم وأدها جسدياً».
ضوابط شرعية
وقال الشيخ فرحات المنجي، من كبار علماء الأزهر: «لا شك أن قيادة السيارة، وغيرها من وسائل النقل الحديثة، أمر مشروع في حد ذاته. وقد كانت المرأة العربية في جاهليتها وبعد إسلامها تركب الإبل، بدليل قول رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «خير نساء ركبن الإبل نساء قريش أحنها على ولد في صغره وأرعاها لزوج في ذات يده»، ولهذا واجبنا بدلاً من منعها من قيادة السيارة لنفسها أو أسرتها أن نعرفها الضوابط الشرعية، مثل ضرورة خروجها محتشمة بالحجاب الشرعي الكامل، وألا تخضع بالقول عند مخاطبة الرجال إذا احتاجت إلى ذلك، لقول الله تعالى: «فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً» آية 32 سورة الأحزاب.
وكذلك لا يجوز لها ركوب السيارة مع أجنبي عنها بمفردها منعاً للخلوة. وألا تسافر مسافة طويلة إلا بإذن الزوج، وضرورة وجود محرم معها، وخاصة إذا كان في هذا السفر خطر عليها، لقول النبي، صلى الله عليه وسلم: «لا يحل لامرأة أن تسافر ثلاثاً إلا ومعها ذو محرم منها»، وألا يكون خروجها إلا لضرورة، وبالتشاور والتفاهم مع أهلها، بهذه الوسائل نمنع المفاسد التي يروج لها من يحرمون قيادة المرأة للسيارة. وإذا التزمت المرأة بتلك الضوابط فإنه لا يجوز منعها من قيادة السيارة، لأنها تطبق عملياً قول الله تعالى: «فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ» آية 16 سورة التغابن.
الخوف من المرأة
وعلق الأستاذ في جامعة الأزهر الدكتور مبروك عطية على منع المرأة من قيادة السيارات باسم الدين، بأن هذا ناتج عن خوف من المرأة أكثر من الخوف عليها، لأنه لا يعقل أن نخاف على المرأة فنسلبها حريتها، مع تأكيدنا أن الحرية تعني المسؤولية، فتركنا لها مسؤولية تربية الأطفال ورعاية الأزواج، ثم نخاف منها ونتعامل معها على أنها مواطن درجة ثانية، وأنها كلها عورة يجب حبسها حتى لا تفتن الرجال أو يفتنوا بها، ولا مانع من ظلمها لأنها تمثل الضلع الأعوج من أضلاع آدم.
وطالب المجامع الفقهية في العالم الإسلامي بدرس «القضية بشفافية وموضوعية، وإصدار الحكم الشرعي حولها، على أن تلتزم كل الدول العربية والإسلامية منح المرأة حريتها المنضبطة التي وهبها إياه الله، ولأنه لا شرف لمجتمعاتنا إلا من خلال تكريمها للمرأة، ومنحها الحرية التي كفلها الإسلام دون تفرقة بينها وبين الرجل».
المنع مخالف للشرع
وتؤكد أستاذة الشريعة في جامعة القاهرة الدكتورة ملكة يوسف زرار، أن «الإسلام ينادي برعاية المرأة وتقديرها، وأن مبادئ الإسلام ترفض منعها حقاً لا يتعارض مع النصوص الشرعية، مثل قيادة السيارات بضوابطها التي تمنع الاختلاط المشين بالرجال أو الخلوة.
وأشارت إلى أن التربية السليمة للمرأة على الأخلاق الفاضلة خير حماية لها، وليس منعها من حقها في قيادة السيارات، فمثل هذه التربية تحميها من الخلوة المحرمة التي حذرنا منها النبي، صلى الله عليه وسلم، بقوله: «ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما». وهذا ما يتخذه المعارضون لقيادة المرأة ذريعة لمنعها، في الوقت الذي يسمحون لها بالركوب مع سائق أجنبي عنها، سواء كان سائق العائلة أو غيره.
حرية المرأة بضوابط
وأيدت العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية الدكتورة عبلة الكحلاوي فتوى الدكتور القرني قائلة: «لا يوجد نص ديني يُحرِّم على المرأة قيادة السيارة، لأن المرأة في عهد الرسول، صلى الله عليه وسلم، كانت تركب الدواب التي تتناسب مع طبيعتها، والدواب كانت وسيلة من وسائل النقل آنذاك من الناحية الاجتماعية. وقياساً على ذلك فإن من حق المرأة التنقل لأي مكان كأي إنسان له الحرية بالحركة، وتمثل قيادة السيارة وسيلة من وسائل النقل المتاحة، التي تتلاءم مع عصرنا وظروفنا الاجتماعية.
أما من يُحرِّمون قيادة المرأة للسيارة فهم لا يستندون إلى أدلّة شرعية قطعية، وإنما هي اجتهادات منطلقة من العادات والتقاليد، بدليل أن كل الوسائل التكنولوجية الحديثة، مثل التلفزيون والإنترنت والمحمول، يمكن أن تكون أشد ضرراً من قيادة المرأة للسيارة إذا ما أُسيء استخدامها، فلماذا لم يتم تحريمها وحرمان الرجال والنساء منها؟».
الأصل هو الإباحة
وأكد أستاذ الدراسات الإسلامية في جامعة طنطا الدكتور أحمد عبده عوض أنه يجب ألا «تكون أحكام التحريم هي الأصل، لأنه لا تحريم إلا بناءً على نصوص شرعية، وليس مجرد رأي أو عرف بذريعة جلب المصالح أو درء المفاسد في قضايا مختلف فيها أصلاً، ومنها قيادة المرأة للسيارة. والأفضل أن نُعرِّف المرأة بوجه عام، وليس من تريد قيادة سيارة فقط، بأحكام الشرع، وذلك لأن الجهل بالأحكام الشرعية وبالعواقب السيئة التي يفضي إليها التساهل يؤدي للمنكرات، ولا شك أن قيادة المرأة للسيارة، مع علمها بأمور دينها، أخف ضرراً من ركوبها مع السائق الأجنبي».
وحذر عبده من اتخاذ باب سد الذرائع لمنع بعض الحلال خشية أن يؤدي إلى ظلم المرأة، حتى وإن كان في الظاهر حلالاً. ومن الغريب أن هذا التشدد مذموم في كل الأديان، والفيصل في ذلك حكماء الأمة من علماء المجامع الفقهية في مختلف الدول الإسلامية، ليصدروا فتوى شرعية شاملة توضح ما للمرأة وما عليها في ما يتصل بقيادة السيارات.