1119 حالة عنف أسري في السعودية
طلاق, المملكة العربية السعودية, عنف أسري, العناية الصحية, حقوق الإنسان, جمعية حقوق الإنسان, حماية الأسرة, د. مها المنيف, رجل / رجال شرطة, حسين الشريفي
19 ديسمبر 2011الحماية تدرس الحالات... وعدم الترابط بين المؤسسات
أبرز العقبات
هناك جهات عدة في السعودية تستقبل بلاغات العنف، كلجان الحماية في وزارة الشؤون الاجتماعية، والمستشفيات، والجمعية الوطنية لحقوق الإنسان، وهيئة حقوق الإنسان، بالإضافة إلى مراكز الشرطة، ولكن لا توجد آلية محددة للتعامل كما يتبين في كثير من الحالات. فبينما تتعرض بعض المعنفات للتوقيف لدى الشرطة أو تسليمهن الى المعنفين بسبب شكاوى كيدية كالعقوق والتغيب والهروب، يؤكد الحقوقيون والقانونيون أن المعنفة التي تقدمت بشكوى لا يفترض أن تُقبل في حقها شكوى مضادة غالباً ما تكون كيدية، ومع ذلك تقبل الكثير من هذه الشكاوى لأسباب متعددة قد يكون أبسطها غياب التنسيق بين المؤسسات المعنية.
يقول عبدالله آل طاوي المدير العام للشؤون الاجتماعية في منطقة مكة إن لجان الحماية تدرس حالة المعنفة والأسرة دراسة كاملة، إما لتحل القضية بشكل سلمي مع الأسرة مع أخذ التعهدات اللازمة، أو يتم إيداع المعنفة احدى دور الحماية مباشرة. وهناك حالات تستوجب حماية فورية وحالات لا تستوجب ذلك. «تشكّل لجنة أعضاؤها من جهات حكومية مختلفة تحدد إن كانت الحالة تقتضي إيداعها الدار».
وأكد آل طاوي أن لجان الحماية تستقبل حالات العنف إما عن طريق الرقم الموحد 1919، أو عن طريق البلاغات التي تصل إلى الشرطة، أو من خلال لجان الحماية المصغرة الموجودة في المستشفيات.
ويقول الحقوقي والوكيل الشرعي لأمل وليد أبو الخير إن أبرز العقبات التي تعترض طريق قضايا المعنفات من النساء وتسهل وجود البلاغات الكيدية التي يتقدم بها المعنف كالعقوق أو التغيب وغيرهما، تأتي من عدم الترابط والتواصل بين الجهات الحكومية المختلفة كالشرطة ودار الحماية وهيئات حقوق الإنسان.
وأكد أن قضية أمل كانت قد رفعت الى إمارة منطقة الرياض لبتها ورفع بلاغ التغيب عنها، وبعدها لا بد من اسقاط ولاية والدها وتوفير سكن آمن لها تستطيع أن تسكن فيه مع أطفالها.
وشدد على ضرورة توفير مؤسسات دار الحماية سكنا آمنا للمعنفات وأن تكون أكثر تعاوناً في التعامل مع قضايا العنف.
نظام جديد للحد من الإيذاء
يتوقع أن يصدر قريباً نظام للحد من الإيذاء يجرمّه بكل أنواعه بما فيها السب والشتم والاستهزاء واللعن والتحقير. ويتوقع أن يناقَش هذا النظام ببنوده الـ 16 في المستقبل القريب.
في 2009 كانت هيئة الخبراء في مجلس الوزراء قد أقرت مشروع الحماية من الإيذاء والذي تقدمت به مؤسسة الملك خالد الخيرية بعد دراسته من خلال لجنة ضمت مختلف القطاعات، ثم أحيل إلى مجلس الشورى، ودرست لجنة الشؤون الاجتماعية والأسرة والشباب النظام وعدّلته ليعرض على المجلس لإبداء الملاحظات. ويأتي النظام في 16 مادة كما نشر في الصحف المحلية على النحو الآتي:
المادة الأولى: الإيذاء بمختلف أنواعه، الجسدي الذي ينتج عنه ضرر بدني على الضحية، الجنسي في القول والفعل أو إشارة أو استعمال لوسائل التواصل الحديثة، أو اتخاذ موقف يدل على الرغبة في الإيقاع الجنسي بالطرف الآخر، ويستوي في دلالة القول المعدود تحرشا جنسيا، أن تكون صريحة أو ضمنية، كما يستوي في الفعل المعدود تحرشا جنسيا، ما يمارسه المتهم على نفسه أو المجني عليه أو على شخص غيره، والإيذاء النفسي في القول والفعل الذي يراد به إهانة الكرامة الإنسانية مثل (السب، الشتم، الاستهزاء، السخرية، اللعن والتحقير)، كما يدخل في الإيذاء الامتناع عن توفير الحاجات الأساسية لشخص آخر ممن يترتب عليه شرعا أو نظاما إعطاء تلك الحقوق له.
المادة الثانية: يهدف النظام لضمان توفير الحماية من الإيذاء بمختلف أنواعه، تقديم المساعدة والمعالجة، العمل على توفير الإيواء والرعاية الاجتماعية والنفسية والصحية والمساعدة اللازمة، اتخاذ الإجراءات النظامية اللازمة لمساءلة المتسبب ومعاقبته، ونشر التوعية بين أفراد المجتمع حول مفهوم الإيذاء والآثار المترتبة عليه، معالجة الظواهر في المجتمع التي تنبئ عن وجود بيئة مناسبة لحدوث حالات إيذاء وإيجاد آليات علمية وتطبيقية للتعامل مع الإيذاء.
المادة الثالثة: طالبت كل من يطلع على حالة إيذاء بالإبلاغ عنها فورا.
المادة الرابعة: تولي اللجنة المختصة والشرطة تلقي البلاغات عن حالات الإيذاء وإحالتها مباشرة إلى هيئة التحقيق والادعاء العام.
المادة الخامسة: لا يجوز الإفصاح عن هوية المبلغ عن حالة إيذاء إلا برضاه، أو في الحالات التي تحددها اللوائح التنفيذية.
المادة السادسة: إعفاء المبلغ حسن النية من المسؤولية إذا تبين أن الحالة التي بلغ عنها ليست حالة إيذاء.
المادة السابعة: ضرورة قيام الجهة المختصة فور تلقيها بلاغا عن حالة إيذاء، توثيقه، إجراء تقويم للحالة، اتخاذ الإجراءات اللازمة للرعاية الصحية لمن تعرض للإيذاء مع اتخاذ الترتيبات دون استمرار الإيذاء أو تكراره، وتوفير التوجيه والإرشاد الأسري والاجتماعي لأطراف الحالة، استدعاء أي من أطراف الحالة وأقاربهم أو من له علاقة، العمل على إخضاع من يلزم من أطراف الحالة لعلاج نفسي أو برامج تأهيل، بما يلائم كل حالة.
المادة الثامنة: إذا ظهرت خطورة الحالة أو أنها تشكل تهديدا لحياة من تعرض للإيذاء أو سلامته أو صحته، يجب إبلاغ الحاكم الإداري أو الجهات الأمنية المعنية لاتخاذ ما يلزم كل حسب اختصاصه.
المادة التاسعة: إذا تبين للجنة المختصة، أن التعامل مع حالة الإيذاء يستلزم التدخل العاجل أو الدخول إلى المكان الذي حدثت فيه واقعة الإيذاء، يمكن أن تستعين بالجهة الأمنية المختصة وعلى هذه الجهة الاستجابة الفورية للطلب.
المادة العاشرة: إذا رأت اللجنة المختصة أن واقعة الإيذاء تشكل جريمة عليها إبلاغ الجهات الأمنية المختصة نظاما لاتخاذ الإجراءات النظامية اللازمة.
المادة الحادية عشرة: تتابع الجهة المختصة قضايا الإيذاء التي تحيلها إلى الجهة الأمنية.
المادة الثانية عشرة: وتتولى المحكمة المختصة النظر في الدعوى المرفوعة ضد المتهم بارتكاب حالة الإيذاء.
المادة الرابعة عشرة: الجهة المختصة تتخذ جميع التدابير الوقائية المناسبة للحماية من الإيذاء، كنشر التوعية بمفهوم الإيذاء وخطورته وآثاره السيئة، اتخاذ ما يلزم لمعالجة الظواهر السلوكية في المجتمع، توفير معلومات إحصائية موثقة عن حالات الإيذاء للاستفادة منها في وضع آليات العلاج، تعزيز برامج تدريبية للتعامل مع حالات الإيذاء بمن فيهم القضاة ورجال الضبط والتحقيق والأطباء والأخصائيون.
المادة الساسة عشرة: النظام سيسري بعد تسعين يوماً من تاريخ نشره في الصحيفة الرسمية.
العنف في الصحف المحلية خلال شهر
مع الاحتفال باليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة في 25 تشرين الثاني/ نوفمبر، رصدت الصحف السعودية العديد من حالات العنف الأسري الذي تنوعت أشكاله ولكن كانت غالبية الضحايا من النساء.
من أبشع هذه القصص جريمة قتل ارتكبها زوج ثلاثيني بعدما عذّب زوجته الممرضة حتى الموت باستخدام آلة حادة، ولم تُعرف أسباب الجريمة بعد.
تلك الحادثة البشعة التي هزت مركز صوير في منطقة الجوف السعودية (في شمال المملكة) كان فيها شاهد واحد هي العاملة المنزلية التي شاهدت الزوج وهو يدخل بالآلة الحادة إلى المنزل، طالباً من زوجته الدخول إلى غرفة رضيعهما. وما أن فعلت حتى خرج بعد هنيهة هارباً وتاركاً زوجته على الأرض غارقة في الدماء، لتستدعي الخادمة الإسعاف وتصل الضحية إلى المستشفى نتيجة تعرضها للطعن والنزف الحاد، وبعد وقت قصير أعلن المستشفى وفاتها متأثرة بجروحها.
وقيل إن الزوج كان قد خرج من السجن قبل فترة بسيطة بعد قضائه فترة محكوميته في قضية تهريب مخدرات، وهو منعزل ومنطوٍ على نفسه منذ خروجه، («الحياة»، 14 تشرين الثاني/ نوفمبر 2011).
وفي حادثة أخرى عن قصة «أم البنات» التي لم تكن تتوقع أن تكون هدية إنجابها الابنة السادسة الضرب على وجهها في المستشفى على يد زوجها الذي كان ينتظر مجيء الولد! («الوطن»، 16تشرين الثاني/ نوفمبر 2011).
قصة أسرة سعودية لا تختلف عن سابقاتها، وهي مكونة من سيدتين مطلقتين وعشرة أبناء يعيشون وضعاً مأساوياً في ظل إصابة الابن الأكبر بأمراض القلب والسرطان والفشل الرئوي والسكري. يضاف إلى ذلك فقدان هويات أبنائهما وحرمانهم من الحصول على الضمان الاجتماعي وعدم استطاعتهما دفع إيجار المنزل المتهالك الذي يعيشون فيه، كما أنهما مهددتان بالطرد... كل هذا يمثّل شكلا آخر من أشكال العنف الذي مارسه زوجاهما عليهما. («الوطن»، 13تشرين الثاني/نوفمبر 2011).
ولثلاث شقيقات في المدينة المنورة قصة مع العنف إذ حرمهن والدهن من الدراسة والعلاج ومارس عليهن العنف النفسي ولم يستخرج لهن أوراقاً ثبوتية تسهل معاملاتهن لدى الجهات الحكومية. كما اتضح تعرضهن للإيذاء النفسي والجسدي. وكانت إمارة منطقة المدينة المنورة قد أنهت هذه المعاناة بعدما تقدمت الشقيقات إلى الإمارة والشؤون الاجتماعية في المنطقة، وأوصت بالسماح لهن بإكمال دراستهن في مدارس التعليم العام. («المدينة»، 27 تشرين الثاني/ نوفمبر 2011).
إحصاءات وأرقام
أورد تقرير الشؤون الاجتماعية في منطقة مكة المكرمة أن هناك 1119 حالة عنف أسري في مختلف مدن السعودية باشرتها لجان الحماية في مناطق المملكة الرئيسة، وفقاً لتقرير صادر من وزارة الشؤون الاجتماعية، نُشر في الصحف المحلية في شهر تشرين الأول/أكتوبر الماضي. وتصدرت منطقة مكة المكرمة قائمة الأكثر تبليغاً عن الاعتداءات بنسبة 15.5 في المئة، ثم منطقة الرياض بنسبة 13.85 في المئة، ثم الإحساء بنسبة 13.58 في المئة. وتبيّن أن غالبية المُعتَدى عليهم من النساء وتراوح أعمارهن بين 21 و30 عاماً، وبلغ عددهن 329 حالة، بنسبة 29.5 في المئة من البلاغات.
وشهدت منطقة مكة المكرمة أكثر من 200 حالة عنف لنساء وأطفال خلال تسعة أشهر فقط تفاوتت أساليب تعنيفهم. ووصلت نسبة السعوديين من إجمالي الحالات المنظورة إلى 93 في المئة، فيما بلغ عدد الحالات التي تعرضت للعنف الجسدي 427 حالة بنسبة وصلت إلى 38.71 في المئة.
وكشف التقرير عن وجود 18 حالة تم استقبالها ليس لها علاقة بالحماية صنفت على أنها حالات خاصة، مشيرا إلى وجود ثماني حالات مودعة حاليا دار الحماية الاجتماعية لتوفير العناية الصحية والاجتماعية لها إلى حين إنهاء قضاياها مع الأطراف ذات الاختصاص.
الشورى: سيصدر النظام بدون عقوبات بسبب تعدد الفئات العمرية والجنسية
وقال رئيس لجنة الشؤون الاجتماعية والأسرة والشباب في مجلس الشورى الدكتور طلال البكري إن «مشروع نظام الحماية من الإيذاء كان أكثر من مشروع، مثل نظام حماية الطفل، ونظام الحماية من الإيذاء، ونظام حماية المرأة من الإيذاء، وبعد الدراسة تم دمج نظام الحماية من الإيذاء ونظام حماية المرأة من الإيذاء في نظام واحد، وخرج قبل ذلك نظام حماية الطفل. وما يُدرس الآن في المجلس هو نظام الحماية من الإيذاء الذي يشمل جميع أفراد الأسرة. ويشمل أيضا كل أنواع الإيذاء الجسدي أو النفسي أو الجنسي. المشروع الآن على وشك أن يُعرض على المجلس، واعتقد انه سيضيف جديداً».
ويختلف نظام الحد من الإيذاء عن نظام حماية الطفل الذي يرمي إلى تجنيب الطفل الأعمال الشاقة أو الخطرة أو استخدامه للتسول والسرقات، وعدم تأهيله تعليمياً، مع الحرص على نضوج الطفل في بيئة صحيحة آخذا حقوقه كاملة.
وحول آلية تفعيل النظام ذكر البكري أنه «يتم أولا عرضه على المجلس، في القريب العاجل، ثم يعاد إلى اللجنة لدراسة مداخلات الزملاء ومناقشتهم للمواد المختلفة، وسنرى حينها ما إذا كنا سنضيف أو نحذف مواد أخرى، ومن الصعب أن نحدد وقتاً لتفعيل هذا القرار».
وفي ما يتعلق بتأخير مناقشة القرار سنتين علق: «الأنظمة تحتاج إلى إجراءات متأنية، واستشارة جهات حكومية وخاصة، وتم التعرف على أنظمة مماثلة في بعض الدول العربية المجاورة وفي بعض دول العالم. لابد من إجراء هذه الخطوات. و كان لدينا نظام آخر اسمه نظام التحرش الجنسي وهو مقدم من احد الزملاء في المجلس ورأينا دمج النظامين مع بعضهما».
حقوق الإنسان: النظام تأخر
من جانبه، قال رئيس لجنة الأسرة في الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان في جدة الدكتور حسين الشريف إن الجمعية ومنذ بداية تأسيسها كان أحد أهم مطالبها وجود نظام لتجريم العنف ضد المرأة والطفل. وأضاف: «هذا النظام هو مبادرة من مؤسسة الملك خالد الخيرية، ثم انضمت الجمعية الوطنية. ومن جهتنا نجد أن هذا النظام تأخر ونأمل سرعة إصداره لأنه سيحقق عدة أهداف».
وعن عدم وجود عقوبات في النظام احتج الشريف قائلاً: «هناك أمور يجب أن تُجرّم، بمعنى أن الشخص الذي يعلم عن عنف ولا يُبلغ هو مساهم في عملية العنف، وبالتالي يجب أن يكون هناك عقاب لأشخاص من هذا النوع. أيضا كما هو متعارف عليه في الواقع العملي، أحيانا كثيرة من يمارَس عليهم العنف هم من يخرجون من المنزل أو يقعون ضحية الهروب من المنزل، والمُعنِف هو من يبقى في المنزل. فمن ضمن العقوبات يُفترض أن المُعنِف هو من يخرج من المنزل وتبقى الأسرة في المنزل حفاظاً على كرامتها. وهي مقترحات أشرنا إليها عند طرح النظام على مجلس الشورى بمشاركة جهات حكومية أخرى. وبالطبع الأمر الآن لدى الجهة المختصة، ونريد أن يصدر هذا النظام ونحن في انتظاره».
المنيف: بنود النظام عامة وعلى مطبّقيه وضع الإجراءات اللازمة
صرّحت المستشارة في مجلس الشورى ورئيسة برنامج الأمان الأسري الوطني الدكتورة مها المنيف أن نظام الحد من العنف والإيذاء بدأ كنظام واحد تحت اسم «نظام الحماية من العنف والإيذاء»، لكن المجلس ارتأى فصله إلى نظامين لأن حماية المرأة تختلف عن حماية الطفل وهما الأكثر عرضة للعنف في الأسرة. فتم تقسيم النظام إلى قسمين، الأول يُسمى حماية الطفل والثاني يُسمى نظام الحماية من العنف والإيذاء. ونظام حماية الطفل احتوى على مواد كثيرة ومتشعبة، فيما يركّز الآخر على مسألة العنف الأسري خاصة الموجه إلى النساء والمستضعفين من الأسرة من المسنين والمعاقين.
ورأت المنيف أن مجلس الشورى لم يتأخر في إقرار النظام، لأنه نظام جديد يحتاج إلى درس المعاهدات الدولية التي وقعتها السعودية بغية أخذها في الاعتبار، إضافة إلى الأنظمة الموجودة في البلاد، كالأنظمة الجزائية والاجتماعية، إضافة إلى كونه سيؤثر على الأنظمة الأخرى لذلك يجب التروي قبل إصداره.
وتعليقاً على عدم وجود عقوبات في القانون ذكرت أن أي نظام يجب أن يكون عاماً وما «يحدد الخصوصيات هي الإجراءات التي تُطبق هذا النظام. وأعتقد أن هذا النظام احتوى على معلومات عامة فبالتالي من يضع تنظيما لهذا القانون هم من يحددون تلك العقوبات».
«وكأني إنسانة مسلوبة الإرادة في كل ما يخص تفاصيل حياتي، فحياتي بكل شؤونها يقررها أخواني الذين سلّمهم والدي حق الوصاية وهو على قيد الحياة ليضربوني ويعذبوني ويحرموني أبنائي»... أمل أم سعودية في منتصف العقد الرابع من عمرها، لها أربعة أبناء أكبرهم شابة تبلغ من العمر 19 عاماً. كل ما أرادته أن تستقل بمنزل يجمعها بأبنائها بعد طلاقها قبل خمس سنوات بسبب خلافات زوجية لم تجد إلى الحل طريقاً، فعاشت تجربة العنف بأنواعه المختلفة البدني واللفظي والنفسي وصولاً إلى محاولة قتلها!
أمل هي حالة من مئات الحالات التي تسلط الضوء على العنف الأسري في المجتمع السعودي. هي نموذج لآلية التعامل مع قضايا المرأة والعنف التي تتزايد أعدادها بشكل ملحوظ بغض النظر عن الأسباب. هي قضية كثيرات يتعرضن للعنف ولا يجدن ملجأ أو يستطعن معاقبة معنفيهنّ لأنه ببساطة ولي أمرها والوصي عليها!
نسمع عن نساء لا يستطعن التبليغ عن العنف من خلال مراكز الشرطة لعدم وجود ولي الأمر الذي قد يكون هو المعنف. نسمع عن نساء يسلَّمن إلى معنفهن بعد التبليغ لأنه ولي الأمر. نسمع عن الكثير من القصص المؤلمة بعضها يحل بقرارات عن طريق إمارات المناطق وبعضها يبقى معلقاً.
حتى الآن لم يخرج قانون واضح وصريح وملزم يجرم العنف الأسري بشكل عام، ولكنْ هناك جهود تبذل للخروج بقانون يحد من الإيذاء. ويفترض أن يناقش مجلس الشورى في المستقبل القريب و«العاجل»، كما قال أحد الأعضاء، نظام الحد من الإيذاء بمختلف أنواعه، ولكنه لن يتضمن عقوبات محددة.
في هذا التحقيق تفتح «لها» ملف العنف ضد المرأة في السعودية من جديد وتناقش النظام المنتظر.
بدأت حياتها تأخذ منعطفاً مختلفاً عندما قررت أن تنفصل عن زوجها، ابن عمها، والذي رد على طلبها بدعوى لردها إلى بيت الزوجية، وهددها بسلب حقها في رؤية أبنائها. لم يتقبل والدها تصعيد الزوج وابن الأخ للقضية، واعتبره إهانة له، فأقام قضية «خلع» مضادة رداً لكرامة العائلة، كما قالت أمل. «حاولت في هذه الأثناء أن أتواصل مع زوجي للوصول إلى حل حتى لا أخسر أبنائي، وكنت مستعدة لإنهاء الخلاف والعودة إليه بدلاً من القضايا والمشاكل». غير أن والدها اعتبر اتصالها بزوجها تعدياً عليه شخصياً وخيّرها بين الطلاق وعلاقتها به وبالعائلة، فاختارت الطلاق. وأجبر الزوج على التطليق لاعتبارات عدة منها أن شقيقته متزوجة من شقيق أمل.
وقعت أمل في «الفخ» على حسب ما وصفت عندما وافقت على الطلاق واختارت رضا والدها، فبعد ما وفرت لها والدتها سكناً منفصلاً تعيش فيه مع أبنائها أرغمت على ترك سكنها الخاص، وسلبت حضانة أبنائها، وأجبرت على تركهم لوالدهم، بعد شهر من وفاة الأم، وذلك بقرار من شقيقها الذي رفض أن يربي أطفال غيره، على حد تعبيرها. استنجدت بوالدها الذي تجاهل كل اتصالاتها. «والدي متزوج عدة زوجات وكل ابنة له يكون لها أخ مسؤول عنها، فوالدي يهتم بزوجته الجديدة وأبنائه منها ويوفر لهم الرعاية والحنان ويتركنا البنات من زوجاته السابقات لمواجهة ظلم إخواننا. لقد حرمني أخي من أولادي مكرراً أنه لن يربي أولاد غيره، علماً بأني أنفق عليهم وأقوم بجميع متطلباتهم، ولكنه يرفض أن يتركني أستقل بمنزل خاص بي معهم».
مع مرور الأيام بدأت العلاقة تتوتر بين أمل وأخيها وزوجته، وكأنها كانت محاولات لتطفيشها وتضييق الخناق عليها. فتارة يقولان إنها مسحورة، وتارة يصفانها بالمضطربة نفسياً، وتارة يهمشانها ويبعدانها عن الحياة الاجتماعية بوصفها بأنها منطوية، إضافة إلى حرمانها أبسط حقوقها وحجبها عن كل المناسبات والتجمعات العائلية. وحتى عندما فكرت في الزواج لإنهاء معاناتها في منزل أخيها، راحا يرفضان المتقدمين لخطبتها. وازدادت حدة الخلافات في السنة الأخيرة عندما بدأ الأخ يقيد حركتها بشكل أكبر ويتدخل في كل خصوصيات حياتها حتى وصل الأمر إلى مراقبتها.
وفي يوم الخميس25 رمضان خرجت أمل إلى أحد المستشفيات لتفاجأ بأخيها يلاحقها ويراقبها ومن ثم تهجم عليها في الشارع وأجبرها على الركوب معه في سيارته. وعندما وصلا إلى المنزل انهال عليها بالضرب وتلقت أول لكمة منه في وجهها ولحقتها لكمات أخرى في وجهها وأماكن متفرقة من جسدها. «لا أعلم ما الذي حدث في ذلك اليوم، كنت أسمع صوت جلد وجهي يتقطع ويتمزق، فخرجت مسرعة أحاول الفرار».
وبعدما شاركته زوجته ضربها، هجم عليها بسكين محاولاً قتلها. في هذه اللحظة استوعبت الزوجة أن ما يحدث بدأ يتخذ منعطفا آخر فتدخلت لمنع زوجها من ارتكاب جريمة قتل. عندها خرجت أمل راكضة في الشارع هاربة وهو يلاحقها حتى وصلت الى منزل احدى قريباتها ومن هناك نُقلت الى المستشفى الذي أبلغت إدارته الشرطة.
هنا ظهر الأب الغائب الذي اقنع أمل بالتنازل عن البلاغ ضد أخيها واعداً إياها بأنه سينهي الموضوع وسيكف يده عنها وسيمكنها من العيش مع أولادها في مسكن منفصل. فتنازلت أمل عن البلاغ وعادت الى منزل قريبتها بجروح وكدمات متفرقة في وجهها. وما هي إلا ساعات قليلة حتى انهالت عليها مكالمات التهديد من إخوانها بأنها عاقة وتستحق العقاب، وما هي إلا أيام قليلة حتى ظهر الوالد مصطحباً أمل إلى منزله. هناك تم حبسها وضربها ولا تتذكر إلا كلمات التهديد والوعيد والإهانة.
تقول: «عرفت أن الباب مغلق، ولكني توكلت على الله وقلت أحاول فلن يصيبني أكثر مما حدث. توجهت الى الباب فوجدته مفتوحا». خرجت تركض بلا وجهة أو خطة محسوبة، كل ما كانت تفكر فيه أن تنجو من المصيبة التي وقعت على رأسها، فهي لا تأمن لحياتها مع أهلها بعد الآن.
توجهت الى منزل صديقة حيث انتظرت أياما حتى توجهت الى الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان وتقدمت بشكوى هناك، والجمعية بدورها حولت قضيتها إلى الحماية الاجتماعية من العنف والإيذاء الأسري. أجريت معها المقابلات اللازمة وأبلغتها الاختصاصية أن حالتها لا تستدعي حماية مباشرة، ونصحتها بأن تغير مقر سكنها إلى سكن جامعي مع طالبات حتى يستدعوا أهلها ويتم التفاهم معهم. وتؤكد أمل في حديثها أن التقرير الذي رفعته الموظفة في لجنة الحماية للإشراف الاجتماعي حمل كثيرا من المعلومات غير الصحيحة والمغالطات، ولم تحول أوراقها إلى الشرطة، ومازالت حبيسة في سكن الجامعة لا تتمكن من ممارسة عملها، فيما تقدّم ذووها ببلاغ تغيب وهروب ضدها!