نساء مصريات أعلنّ النضال
سلمى المصري, حبس / سجن, المرأة الجريئة, فتاة مصرية / فتيات, المرأة في العالم العربي, عقوبة السجن, الثورة المصرية
14 مايو 2012إسراء عبد الفتاح: سُجنت مرتين وأمي لم تؤمن بنضالي إلا بعد ثورة «25 يناير»
إسراء عبد الفتاح من ألمع الأسماء الشابة التي أثرت في مصر أخيراً كمناضلة سياسية، فهي التي دعت إلى إضراب «6 إبريل» عام 2008 وتم اعتقالها أكثر من مرة، لتتسلّم أخيراً جائزة سيدة العام في احتفال مجلة «Glamour» السنوي الذي أقيم بـ«نيويورك» في نوفمبر 2011.
تحكي إسراء عن نضالها قائلة: «كانت بداية كفاحي السياسي مع حركة «كفاية» تحت شعار «لا للتوريث»، وكانت أول حركة معارضة حقيقية في مصر، وكنت أنزل في بعض الوقفات على استحياء، ولم أكن عضواً مؤثراً بل كنت عضواً مشاركاً، وفي عام 2005 انضممت إلى حزب «الغد» بقيادة الدكتور أيمن نور، وتعمّقت أكثر في العمل السياسي، وفي عام 2008 وصلتني رسالة على هاتفي المحمول من أحد زملائي يخبرني بأن عمال المحلة ينوون تنفيذ إضراب يوم 6 نيسان/إبريل، وبالطبع كان تضامننا معهم أمراً مفروغاً منه، لكنني فكرت في أن تكون الدعوة عامة، وبالفعل أنشأت أول صفحة سياسية على موقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك» باسم «خليك في بيتك»، هدفها أن يكون الإضراب في مصر كلّها اعتراضاً على سوء الأحوال السياسية والاقتصادية التي نعيشها، وبالفعل نجح إضراب المحلة واستجاب عدد كبير للإضراب العام، إلا أنه لم يمر عليّ مرور الكرام، وتم اعتقالي يوم 6 نيسان/إبريل وأمضيت 18 يوماً في المعتقل عانيت فيها الأمرَّين وأشكالاً متنوعة عن العذاب.
لم تكن هذه المرة الوحيدة التي تسجن فيها إسراء عبدالفتاح، وإنما تكررت التجربة بعد عامين، وتقول: «في عام 2010 بعد حادث قتل عدد من المواطنين المسيحيين في نجع حمادي، ذهبت في صحبة زملائي النشطاء إلى الكنيسة هناك لنقدم لهم واجب العزاء، إلا أنه تم القبض عليَّ في محطة القطار وأمضيت 36 ساعة في الحبس».
وتسرد المشاكل التي قابلتها خلال نضالها السياسي قائلة: «كنت أخضع لمراقبة كاملة حتى اتصالاتي لم أكن أتمتع فيها بخصوصية، كلها كانت مراقبة من قبل أجهزة الأمن، والعذاب الأكبر هو القبض المستمر على زملاء الكفاح وتعذيبهم في المعتقلات، وهذا علّمني أن أكون أكثر حذراً خصوصاً أن أسرتي، وبالأخص أمي، كانت معترضة على نضالي وكانت تراني مخطئة على طول الخط، وكلما يتم القبض عليَّ أو تستشعر خطراً يحيط بي تحاول منعي من العمل السياسي، ولم تقتنع بأنني كنت على حق إلا بعد ثورة «25 يناير».
وتعترف إسراء أنها لن تترك السياسة أبداً حتى لو تزوجت، وتقول: «السياسية حياتي، لن أتركها أبداً من أجل أي فرد في الوجود، ولكن قد تتغير طريقة مشاركتي في وقت من الأوقات حسب ترتيب أولوياتي، فأنا على قناعة أن مساندة زوج سياسي هو عمل سياسي، وأن تربية جيل مناضل من الأبناء يعرف حقوقه وواجباته أيضاً عمل سياسي لا يقلّ أهمية عن تنظيم المظاهرات، ولدينا في مصر العديد من السيدات الناجحات عمليا وأسرياً، مثل بثينة كامل التي لديها ابنة في الجامعة وهذا لا يعوق نضالها».
وعن وضع المرأة بعد الثورة، تقول: «على صعيد المشاركة السياسية، المرأة المصرية أثبتت للعالم أجمع أنها واعية جداً، والدليل على ذلك انتظامها في صفوف الانتخابات البرلمانية والاستفتاءات العامة، وإصرارها على اختيار من يمثلها في مجلس الشعب بصورة إيجابية، كما شاركت بقوة في تأسيس ائتلافات الثورة، ولكن على جانب التمثيل السياسي، فإن وضعها متردٍ للغاية وفي تراجع مستمر، لأن ثقافة المجتمع ما زالت لا تستوعبها في المراكز القيادية وصنع القرار»
بثينة كامل: رئاسة الجمهورية وظيفة ليست حكراً على الرجال
الإعلامية والناشطة بثينة كامل تعرّضت لمخاطر كثيرة أثناء رحلتها مع النضال السياسي، والتي وصلت إلى محاولة قتل في إحدى التظاهرات. وتحكي بثينة عن بداية ولعها بالعمل السياسي قائلة: «تضامنت مع أول مظاهرة رأيتها في حياتي وكنت طفلة وقتها، حينها كنت بصحبة أهلي ورأينا مظاهرة للطلبة في السبعينيات بميدان التحرير يطالبون فيها الرئيس الراحل السادات بتحديد موقفه ومحاربة إسرائيل، أما أول مظاهرة شاركت فيها بالفعل وأنا في الجامعة فكانت في معرض الكتاب ضد الجناح الإسرائيلي المشارك به، وأتذكر جيداً أنها كانت المظاهرات الوحيدة التي كنا نشارك بها، لأن السادات كان يمنع النشاط السياسي للطلبة ويجرم المظاهرات داخل الجامعة».
وتضيف: «على الصعيد العملي الناضج بعد تخرجي في الجامعة بسنوات، كانت أول مظاهرة أشارك فيها بتنظيم حركة «كفاية» بتاريخ 25 مايو 2005 ، فيما يعرف بالأربعاء الأسود، وذلك اعتراضاً على هتك عرض الصحفيات والناشطات أثناء الانتخابات البرلمانية لعام 2005، بعدها زادت مشاركتي السياسية وأسست حركة «شايفينكم» للمراقبة الانتخابية والتوعية السياسية وكشف الفساد، وكنت أنزل بنفسي مع أعضاء الحملة لنجمع كل الأدلة ونوعي الشعب بحقوقه السياسية، واستمرت الحركة أثناء ثورة القضاة في عام 2006».
وبسبب نشاطها السياسي وضعت لها العراقيل في عملها، وتحكي بثينة عن ذلك قائلة: «لأنني كنت أعمل في قطاع الإذاعة والتلفزيون كانت توضع لي العديد من العراقيل في عملي، فأوقفوا برنامجي في الإذاعة «اعترافات ليلية»، وانتقلت إلى قراءة نشرة الأخبار بالتلفزيون الرسمي، إلا أنني بعد مزيد من العمل السياسي امتنعت عنها اعتراضاً على الأخبار الكاذبة التي كانوا يرغموننا على قراءتها، بعدها صدر قرار يمنعني من تقديم أي برنامج سياسي، فلجأت إلى قناة «أوربت» وقدمت برنامجاً اجتماعياً بعنوان «أرجوك افهمني»، لكن النظام الحاكم لمصر بعد الثورة لا يزال يعتبر نشاطي السياسي وصمة عار، وتم إيقافي مجدداً عن قراءة نشرة الأخبار، لأنني أديت التحية للشباب وقت الثورة في نهاية نشرة الأخبار، هذا فضلاً عن القضايا التي ترفع ضدي من المجلس العسكري كل حين وآخر وتهديدي بالسجن، خاصة بعد إعلان نيتي للترشح للرئاسة، ومنذ ذلك الحين وأنا أعلنها أن ثورتنا مازالت مستمرة».
تواصل بثينة كامل كلامها قائلة: «رغم ثقتي أنني لن أكسب في انتخابات الرئاسة، إلا أنني كنت مصرّة على أن أجوب جميع المحافظات لأجمع التواقيع، لأثبت أن رئيس الجمهورية وظيفة ليست حكراً على الرجال فقط، بل يمكن للمرأة المشاركة فيها، والتأكيد على حق المرأة في انتزاع جميع المناصب القيادية، وأعلنها أنني سأظل أعمل على جميع مطالب الثورة أينما كنت وأياً ما كان مركزي أو دوري في المجتمع، ومازلت على موقفي بأن شباب مصر هم الأولى بحكمها».
نهاد أبو القمصان: تحديت 20 قانوناً ظالماً للمرأة
نضال المرأة لا يقتصر على النشاط السياسي فقط، فأينما كانت المرأة تواجه تحديات كثيرة خاصة لو كانت تعمل في المجال الاجتماعي، نهاد أبو القمصان اسم ترك علامة في حقوق المرأة المصرية، ودافع عنها أينما كانت.
وعن سبب اختيارها النشاط في مجال حقوق المرأة، تقول: «نشأت في أسرة متدينة خالية من التمييز بين الولد والبنت، أبي كان يعمل مدرّساً ويزرع فينا أن الزوجة ليست خادمة، فأمي تقريباً كانت لا تخدمنا، وكان لدينا تراث كبير من الكتب الذي توارثه أبي عن أجداده، وكنت أقرأ كثيراً، لكن معاملة البيئة المحيطة هي التي جعلتني أفهم أن هناك تمييزاً بين الرجل والمرأة، بداية من المدرسة وعائلات أصدقائي، فكان ذلك يزيدني إصرارا على القراءة والبحث لأفهم سبب التمييز، ومع دخولي الجامعة كان عمري 16 عاماً، بدأت أقرأ لنوال السعداوي وأتعرف عليها وعلى جمعيتها، فاهتممت بالعمل العام، وأدعي أن حظي كان حسناً لدخولي كلية الحقوق بجامعة القاهرة، والتي كانت ملتقى السياسة بداية من الناصريين والإخوان، وصولاً إلى حزب الوفد والتجمع، فتعرفت عليهم وشاركت في العمل السياسي وتنظيم المظاهرات، إلا أن العمل السياسي لم يعجبني لأنني وجدت أن به درجة كبيرة من اللا أخلاقية».
وتضيف: ظللت شغوفة بالعمل العام، ووجدت أن ما يتناسب مع شخصيتي وحبي للعدل غير القابل للتشكيل هي منطقة حقوق الإنسان، وتطوعت بالفعل بالمؤسسة المصرية لحقوق الإنسان عام 1992، وفي عام 1994 كنت أشارك في مؤتمر السكان، وحضرت ورقة لوضع المرأة في القانون المصري، ووجدت أنه وضع مزرٍ للغاية، بعدها تقلّدت منصب مدير لجنة المرأة بالمؤسسة المصرية، وكبر المشروع، فاقترح عليَّ الزملاء تأسيس مؤسسة موازية تعمل على حقوق المرأة فقط، خاصة أن المؤسسة المصرية سياسية في المقام الأول، وبالفعل أسست مع مجموعة من زملائي المركز المصري لحقوق المرأة الذي أصبحت رئيسة، وقررت أن أعمل فيه على الحقوق القانونية والسياسية للمرأة، هذا بالتوازي مع عملي كمحامية، فأنا تعلّمت أن النشاط الاجتماعي شيء مكمل للإنسان، ويجب أن يكون تطوعياً وليس مصدراً لرزقه، فالطبيب النشط سياسياً يجب أن يحافظ على عيادته ويتطوع في المظاهرات لعلاج المصابين، والمحامي كذلك».
عملت أبو القمصان من خلال المركز القومي لحقوق المرأة والعديد من مؤسسات المجتمع المدني، على تعديل أكثر من 20 قانوناً مصرياً ظالماً للمرأة، على رأسها قانون الجنسية والخلع، وتغيير المادة 291 من قانون العقوبات التي تقول إن المغتصب بعد الزواج من ضحيته تسقط عنه العقوبة، ولو أن عشرة أشخاص اغتصبوا فتاة وتزوجها واحد منهم تسقط العقوبة عن العشرة، وتقول: «تلك القوانين كانت في منتهى القسوة، وتشعرني بأن المرأة مجرد منديل ورقي تُمحى به أخطاء الغير، حفاظاً على شرف العائلة دون النظر إلى كونها ضحية».
وعن المعوقات التي قابلت أبو القمصان في عملها تقول: «المشكلة التي كانت تقابلني وتعوق مسار العمل لفترة طويلة هي الأمية العالية وتفشي الجهل الحقوقي في جميع طبقات المجتمع، فحتى الكثيرات من المتعلمات يفقدن الثقة في أنفسهنَّ، ومؤمنات بأن المرأة مواطنة درجة ثانية، والأمر نفسه كان يقابلني عند التعامل حتى مع صفوة المفكرين، فكنت أجدهم يفتقدون ثقافة المساواة، رغم ادعائهم الإيمان بحقوق الإنسان، ولذلك مازال أمام المرأة المصرية شوط كبير للحفاظ على مكتسباتها القانونية ومكانتها كمواطنة كاملة الأهلية وليست جارية».
سميرة إبراهيم: لن أتهاون في قضية كشف عذريتي
وجه مصري أصيل، رسمت شمس الجنوب ملامحه السمراء، وأضافت الطبيعة الجنوبية لشخصيتها الإصرار على الموقف في الحق، إنها سميرة إبراهيم صاحبة قضية « كشف العذرية»، والتي رفعت دعوى ضد المجلس الأعلى للقوات المسلحة، لتكون أول من يقف أمام النظام الحاكم بعد ثورة «25 يناير»، كما اختارتها مجلة «تايم» الأميركية كواحدة من أكثر الشخصيات المؤثرة في العالم لعام 2011، بسبب الضجة التي أثارتها الدعوى التي رفعتها ضد المجلس العسكري، اعتراضاً على اختبارات كشف العذرية التي أجراها على عدد من الفتيات أثناء اعتصام 9 آذار/مارس.
تحكي سميرة تجربتها مع النضال قائلة: «تم القبض عليَّ والكثير من الشباب الثائر المعتصم في ميدان التحرير أثناء فضّ اعتصامنا يوم 9 آذار/مارس، هذا اليوم تعاملت معنا فيه الشرطة العسكرية بعنف مبالغ فيه، وتم ترحيلي إلى السجن الحربي، وهناك رأيت ما لا يتحمّله بشر من العذاب، وتم انتهاك أعراضنا أنا و17 فتاة ممن قُبض عليهن بكشوف فحص العذرية، رغم أن هذا ليس من اختصاص أي جهة أمنية في مصر، ويعتبر هتك عرض يعاقب عليه القانون».
وتضيف: قررت ألا أستسلم ووافقني أبي وساندني لرفع قضية ضد المجلس العسكري، فهو صاحب الفضل الأول في دعمي، إلا أن منظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام المصرية خشيت الاصطدام مع المجلس العسكري في تلك المرحلة الحرجة، فلجأتُ إلى منظمة «هيومن رايتس ووتش» الدولية، وبالفعل ساندتني وسجلت معي فيلماً توثيقياً لشهادتي، وعوّلت حينها على الشعب في مساندتي، وبالفعل لم يتخل أحد عني من الشعب المصري بمختلف تياراته الفكرية والسياسية، إلا أنه بعد قبول المحكمة للدعوى التي قدمتها ضد المجلس العسكري، أصدرت حكماً قضائياً يحظر بموجبه إجراء فحص كشف العذرية على أي فتاة يتم احتجازها في أقسام الشرطة، فكان ذلك بمثابة نصر لجميع الفتيات المصريات، ثم حولت المحكمة الدعوى للقضاء العسكري، حيث إنه المختص فيها، فغير جائز قانوناً أن يمثل العسكريون أمام القضاء المدني، إلا أن القضاء العسكري لم ينصفني كما توقعت وحكم ببراءة الطبيب المتهم».
وتتابع: «الخطوة التي سألجأ إليها الآن هي التحكيم الدولي، ولن أترك حقي مهما حدث، ولن أخضع لأي تهديدات، فبعد رفعي للقضية في المرة الأولى تلقيت العديد من التهديدات لأتنازل عنها، لكنني أدافع عن كرامتي وعرضي في المقام الأول، وعن حق جميع النساء في التظاهر وعدم المساس بأعراضهنّ، لذا أكررها ثانية، لن أستسلم ولن أترك حقي».
رغم محاولات البعض تصوير المرأة على أنها مخلوق ضعيف، وأنها تستسلم لأي عقبات أو مشاكل أو تحديات يضعها أمامها المجتمع، إلا أن وجود فتيات وسيدات يقمن بأشكال مختلفة من النضال السياسي والاجتماعي يؤكد خطأ هذا التصور، ويدل على أن المرأة قادرة على أن تلعب دوراً مهمّاً لا يقلّ بأي حال عن دور الرجل، بل وقادرة على مواجهة كل التحديات حتى لو كانت ستؤدي بها إلى أسوار السجن. «لها» التقت عدداً من هؤلاء المناضلات ليحكين لنا تجربتهن والتحديات التي واجهتهن.