بعد تزايد محاولات قمع المرأة
حقوق المرأة, يوم المرأة العالمي, د. سامية خضر
02 أبريل 2013أول عمدة
ترفض المحامية إيفا هابيل، أول عمدة مصرية، أن تكون الأماني سبيل خروج المصريات من أزمتهن الحالية، وتقول: «لا أتمنى أن أكون رجلاً إطلاقاً، فقد حصلت على مكتسبات الرجال وانتخبني أهل قريتي لتولي العُمدية، رغم كوني امرأة. فما تعانيه المرأة الآن من انتهاكات وسطو على مكتسباتها يعود إلي اتّصافها بالضعف بدلاً من القوة، فوضع المرأة في المجتمع هي التي تقرره، فالرجل ليس أفضل حالاً منها، وإنما هي من تدللـه، فقد اعتادت على فكرة «ظل رجل ولا ظل حائط». يجب أن تتعلم المرأة أنها حرة، ويجب أن تعترف بذاتها ومكانتها وتدافع عن مكتسباتها، بعدما نافست الرجال في مناصب ومهن عرفت منذ قديم الأزل أنها للرجال فقط، فعينت قاضية ووزيرة وعمدة وقبطاناً بحرياً وضابط جيش».
مكتسبات بالجملة
من جانبها، تؤكد الدكتورة سامية خضر، أستاذة علم الاجتماع في جامعة عين شمس، أنه كلما ازداد وعي المرأة وثقافتها اعتزت بجنسها ومكتسباتها، وكلما ازداد جهلها ضعفت حيلتها وتمنت أن تكون رجلاً، كما يزداد لديها ذلك الشعور كلما وجدت نفسها مسلوبة الحقوق التي يتمتع بها الرجل دون أدنى سبب سوى أنه ذكر.
وتضيف: «في الطبقات الاجتماعية الفقيرة تتمنى المرأة أن تكون رجلاً، خاصة إذا كانت أرملة تعول أولادها، أو متزوجة وتعول أولادها وزوجها الممتنع عن العمل، ولكن كلما ارتفع الوعي والمستوى الاجتماعي لا تنظر المرأة إلى الرجل على أنه سند في الحياة التي لا تستقيم من دونه، بل شريك فيها، وترى ذلك بقوة أكثر كلما استقرت مادياً».
وتربط أستاذة علم الاجتماع تدهور أحوال المرأة بتدهور أحوال المجتمع، مؤكدةً أنه لن ينصلح حالها إلا إذا انصلح حال المجتمع، لكن كلما ازداد العنف والقهر في المجتمع انعكس ذلك جلياً على المرأة، فهي جزء من هذا المجتمع ولا يمكن أن تكون في معزل عنه.
أفكار مراهقة
من جانبها تعترف الإعلامية بثينة كامل، المرشحة السابقة لانتخابات الرئاسة، بأن حلم الذكورة قد يراود المرأة في مرحلة المراهقة فقط، حيث ترى أن الرجل يتمتع بحرية أكبر، ولكن بمجرد نضجها تعتز بأنوثتها، مشيرة إلى أنها على المستوى الشخصي فخورة بأنها امرأة وأمٌّ وعاملة تهتم بالشأن العام.
وتقول: «لا أنكر أنني تمنيت أن أكون رجلاً في مرحلة المراهقة في ظل سيطرة أبي عليَّ، لكني الآن فخورة جداً بكوني امرأة، فقد نجحت في عملي وصنعت اسماً لم يستطع الكثير من الرجال صنعه، وكان لي موقف مشرّف في التلفزيون المصري أثناء الثورة لم يجرؤ عليه رجل، فضلاً عن أنني فتحت الباب أمام النساء للترشح لمنصب رئيس الجمهورية، وكنت أول مرشحة في أول انتخابات شعبية. والأهم من ذلك أن تجربة الأمومة لا تضاهيها تجربة أخرى ولا شعور آخر، وبناءً عليه أعتز بنفسي كامرأة متميزة في مجتمع يحابي الرجال».
وتوجه بثينة كامل حديثها إلى النساء قائلةً: «على كل فتاة وامرأة مواجهة العنف الممنهج ضدنا، كما يجب أن نكون فخورات بجنسنا، فالله لم يخلقنا كمالة عدد، بل لنا دور في الحياة علينا تأديته على أكمل وجه. كما أنادي النساء بضرورة تكثيف جهودهنّ وفضح كل من يعتدون عليهنّ أينما وجدوا، فلن تُحل أزمة النساء الحالية إلا بالإفصاح، لا بالصمت كما تقضي تربيتنا الشرقية».
أزمة رجال
«أتمنى أن أحصل على جائزة عالمية لا أن أكون رجلاً»، بهذه الكلمات استنكرت منى عصمت، مهندسة ديكور، فكرة أن تكون رجلاً، وهي ترى أن موجة العنف الموجه إلى المرأة من قمع واستغلال في الفترة الأخيرة لا يمكن أن تصبح سبباً لتمنّيها التحول لرجل، خاصة أن النساء أثبتن جدارتهنّ في شتى المجالات.
وتضيف: «فضلاً عن كوننا متساويات مع الرجال، فقد تفوقنا عليهم أيضاً، فالمرأة أكثر تحملاً للمسؤولية من الرجل، فلم تعد حواء مفتقرة إلى مساعدة آدم، بل هي التي تساعده في ظل الظروف الاقتصادية الضاغطة. وفيما يمضي وقت فراغه أمام التلفزيون أو في المقهى مع أصدقائه، تتحمل هي أعباء الأعمال المنزلية بعد عودتها من العمل، بالإضافة إلى تربية الأطفال والعناية بهم، فأنا شخصياً أقوم بمجهود لا يبذله زملائي الرجال، إذ أعمل في وظيفة حكومية صباحاً وأبتكر تصاميم ديكور المنازل التي أعشقها».
وتتابع: «كيف لامرأة أن تتمنى ارتداء عباءة رجل فيما هو يخشى ذكاءها؟ فقد أكدت دراسة أجراها مكتب شؤون الأسرة في فرنسا أن 70 في المئة من الرجال، عندما يقدمون على الزواج لا يختارون المرأة الذكية، بل يفضلون المتوسطة الذكاء، ويهربون من المرأة الناجحة والمتفوقة في عملها، لاعتقادهم أنها ستكون بمنزلة كمبيوتر يرصد الأخطاء ويحاسبهم على كل شاردة وواردة، وأعتقد أن هذه الدراسة إثبات لنجاحها رغم أنها من الممكن أن تزيد نسبة العنوسة».
متعة الأمومة
«أعتز بأنوثتي وأمومتي وأكره أن أكون رجلاً»، هذه كلمات مروة كشك، مصممة أزياء، وتضيف أنها لا ترى مميزات للرجال تجعلها تتمنى أن تكون من بني جنسهم، وتقول: «لا داعي لتبادل الأدوار، فكلا الجنسين لديه سلبيات في حياته، ولكني معتزة بشدة بأمومتي لابني يوسف، وأرى أنها حققت لي غايتي في الحياة».
وتؤكد: «اعتزازي بأنوثتي لا يعني أنني راضية عن نظرة المجتمع إلى المرأة، والتابوهات التي يفرضها عليها، ولا التمييز في المعاملة بينها وبين الرجل، فالفتاة إذا تأخرت في الزواج يطلق عليها عانس، ورغم أن اللفظ لغوي يجوز على كلا الجنسين، يلصقه المجتمع بالمرأة كسُبَّة في جبينها. وكذلك المطلقة تحمل وصمة عار اجتماعية لا تلتصق بالرجل على الإطلاق. وفي أي حال، أرى أن المجتمع لا ينصف الرجال أيضاً، فهم مكبلون بالقيود المادية وضعف الإمكانات والموارد الاقتصادية».
عَرَض لا مرض
مع أن رسامة الكاريكاتور دعاء العدل، دفعت ثمن تراجع حريات المرأة تحديداً، حين قُدّم ضدها بلاغ إلى النائب العام بسبب رسومها السياسية، في محاولة لكبت حريات التعبير والصحافة، فهي تعتز بكونها امرأة ولا تتمنى أن تكون رجلاً.
وتقول: «لا أنكر أن نظرة المجتمع الشرقي إلى المرأة على أنها «مكسورة الجناح» وتسهل السيطرة عليها وبث الرعب داخلها، كانت سبب استهدافي بالبلاغ لكي يتم تكميم أفواه زملائي الرجال. وفي المقابل لم أتمن يوماً أن أكون رجلاً، فأنا أرى أن كلينا إنسان، بغض النظر عن النوع الاجتماعي، ولا ينقصني عن الرجال شيء، فهم أيضا يعانون من القهر والظلم. وإذا كان يدبر للنساء حوادث تحرش جماعي في ميادين الثورة، فالرجال ليسوا أفصل حالاً، ويتم سحلهم وتعريتهم، فالهدف ليس رجلاً وامرأة، وإنما قمع مواطن وهضم حقوقه من جانب نظام لا يعترف بحقوق الإنسان».
وتضيف: «المرأة هي التي تضع نفسها في القالب الذي ترى ذاتها فيه، إما أن تساعد الطغاة من الساسة أو من المجتمع في مزيد من العنف الموجه لها، وإما أن تقاوم وتثور على مجتمع يستغل الخطاب الديني المشوه، والذي صدرته شاشات القنوات الفضائية على لسان رجال ليسوا شيوخاً أو علماء، وليسوا ممثلين لأي هيئة علمية، إلا أنهم يتحدثون عن المرأة وكأنها عورة، إلى الحد الذي وصف فيه أحدهم أن «وجه المرأة كفرجها»، وإذا أقدمت على المشاركة السياسية يعتبرون «صوتها عورة»، وإن تعرضت لتحرش أو مضايقات «ممنهجة» يعتبرونها «مسؤولة وليست ضحية»، في حين أن كل هذا الكلام المشوه بعيد عن مذهبنا الوسطي المعتدل. لذا عليها أن تقاوم بكل ما أوتيت من قوة، وتستمر في طريقها وعملها ومشاركتها السياسية، فلو لم تكن ناجحة وتشكل قوة لا يستهان بها في المجتمع لما لجأ البعض إلى إخماد صوتها».
وسط محاولات قمع وقهر المرأة وتقييد حرياتها، بل وسحب مكتسباتها منها، هل تتمنى بعض النساء لو كنَّ رجالاً؟ أم يتمسكن بأنوثتهن؟ سؤال صادم، لكن إجابته تكشف لنا كيف تفكر المرأة في مجتمعات ذكورية تنظر إلى المرأة أحياناً كثيرة على أنها مواطنة درجة «ثانية»!
تتمسك الدكتورة جورجيت قليني بكونها امرأة، مؤكدة أن نضال النساء ليس بجديد ويتجلى في أوقات الأزمات والثورات، فلولا نفي زعيم الأمة سعد زغلول لما حصلت صفية زغلول على لقب أم المصريين، ففتحت بيت الأمة للشعب وأكملت مسيرته في الثورة.
وتقول: «رغم مذبحة الدستور الذي أهدر حقوقاً اكتسبتها المرأة على مر العصور، مثل طمس مادة المساواة في المواطنة بين الرجل والمرأة، ورغم ما تتعرض له حالياً المرأة من عنف ممنهج على أيدي ميليشيات الجماعات المتطرفة فكرياً ودينياً، ورغم حالات التحرش الجماعي التي شهدتها ميادين الثورة للمرة الاولى في تاريخ مصر، أرى أن المصريات أقوى من الهروب من مواجهة الأزمة والتمني أن يكنَّ رجالاً».
مشكلة الأنوثة
من الجانب النفسي، يقول الدكتور أحمد عبد الله، أستاذ الطب النفسي في جامعة الزقازيق، إن المرأة لا تتمنى أن تكون رجلاً إلا عندما تمثل لها الأنوثة عائقاً في السفر لنيل منحة دراسية، على سبيل المثال، أو العمل في دولة أجنبية أو التأخر خارج المنزل، فيما عدا ذلك فإنها تعشق الاستفادة من وضعها كأنثى، خاصة أن المجتمعات بشكل عام توقر المرأة وتفرض الآداب العامة طقوساً معينة عند التعامل معها. فمثلاً إن لم يكن هناك مكان شاغر في المواصلات العامة يترك لها أي رجل مقعده، خاصة إذا كانت حاملاً أو تحمل طفلاً، فضلاً عن أنها تعشق الجانب المرموق في المجتمع الذي يرسم لها شكلاً عاماً مطعماً بالرقة تارة والضعف أخرى، فهي الصديقة الرقيقة والأخت الحبيبة والأم الغالية والزوجة الوفية.
ويؤكد أستاذ الطب النفسي أنه تكثر أمنيات الفتاة في فترة المراهقة بأن تكون رجلاً وتقل كلما تقدمت في العمر، خاصة مع دخولها عالم الأمومة وما يصاحبها من فخر وتكريم في مجتمعنا. ولكن منحنى الأمنيات يبدأ الصعود مرة أخرى بعد تجاوز الأربعين، حين تشعر بأن الرجال كلما يتقدمون في العمر يزدادون وقاراً، بينما تشعر بأنها ليست الأجمل، فحتى التجميل لا يحل مشكلتها، ذلك أنه يصلح الشكل الخارجي ولكن يبقى شعورها الداخلي كما هو، فتتمنى في قرارة نفسها لو كانت رجلاً يزيدها التقدم في العمر وسامة ووقاراً ولا تضطر لاستخدام صبغات الشعر لتخفي آثار العمر.
ويفسر الدكتور عبد الله سر ازدباد معدلات العنف ضد المصريات، في الفترة الأخيرة، بازدياد معدلات العنف في المجتمع بأسره، ومن ثمَّ انعكاسها على المرأة لأنها الأكثر تضرراً، ولأن البعض ينظرون إليها كالجانب الأضعف وبالتالي الأسهل في ممارسة الإسقاط عليه.