هوس التشبه بالمشاهير!
نانسي عجرم, ساندرا جبور, مادونا, هيفاء وهبي, جراحة التجميل, هوس تغيير الشكل / وسواس المظهر, تقليد المشاهير والفنانين, كارول سعادة
19 أبريل 2010مَن يقع في فخّ التقليد والإبتذال يظهر نافراً للعيان، بحيث يبدو «مركّباً» أو نسخة طبق الأصل عن إنسان آخر، فيكون معدوم الهويّة الفردية والميزة الخاصة والطلّة المبتكرة.
داء التشبه بالغير، وبالمشاهير خصوصاً هو ظاهرة نفسية لا بدّ من العمل على علاجها لأنها تؤثر على مختلف جوانب الحياة وتجعل المرء حبيساً في قوقعة الموضة الضيقة، فلا يعرف سبيلاً للخروج منها.
تعطي الإختصاصية في علم النفس كارول سعادة رأيها المهنيّ في ظاهرة الهوس بتقليد الفنانين والمشاهير. كما تتطرّق الإختصاصية في علم الإجتماع ساندرا جبّور إلى نظرة الناس والمحيط الى الإنسان «المستنسخ»، عارضة لأبرز العوامل والضغوط الممارسة من الغير.
أضحى المشاهير ذوي تأثير كبير على بعض الأشخاص الطيّعين الذين ينبهرون بمكانتهم الإجتماعية ومستواهم الإقتصاديّ. هذا ما يولّد إفتتاناً بظاهرة المشاهير وحياتهم، فيسعى الشخص العاديّ لتقليدهم في الشكل واللبس وتسريحة الشعر، وحتى في طريقة التكلّم والعيش والعلاقات. ذلك أنهم يظنون أنهم يرتقون إلى مستوى أعلى، بينما هم في الحقيقة يخدعون أنفسهم ويمثلون على الآخرين. ولعلّ أبرز الأسباب المتعارف عليها لتقليد الغير والهوس بالتشبه بهم هي أدوات الضغط الإجتماعية والمحيطية، مثل الإعلام بكلّ أطيافه والصورة الجميلة التي يصوّرها عن المشاهير، بالإضافة إلى ضغط الأصدقاء وتوقّعات الأهل، وقلّة الثقة بالنفس بسبب تزعزع القوّة الشخصية والإرادة والتصميم.
ومن الحبّ ما تحوّل هوساً!
ثمة ميزة في أزياء المشاهير وطلّتهم، تسترعي إنتباه الناس، مراهقين كانوا أو كباراً. فنلاحظ دوماً أن الفنان المشهور يرتدي آخر صيحات الموضة وأهمّ الأكسسوارات المتوافرة ويتمتع بتسريحة شعر «خيالية». بيد أنّ الكثير من الطلات المختلفة والLooks تكون لهدف إستعراضيّ بحت، ومن شأنها أن تبقى على منصّات العرض وللمقابلات التلفزيونية والإستعراضات، فلا يجوز استخدامها في الحياة اليومية. ترى سعادة أنّ «الناس يتعلّقون أحياناً بشخصية مشهروة، فيحاولون العيش من خلالها، مقلّدين كلّ ما تقوم به، بدافع الحبّ والتقدير، كعربون وفاء لمن يعتبرونه مثالهم الأعلى في الموضة. لكن سرعان ما يتحوّل حبّهم هذا إلى هوس من حيث يدرون أو لا يدرون، فيصبحون عبيد الموضة العمياء التي لا تليق بهم على الإطلاق، لأنّ ما نراه على صفحات المجلاّت وفي الإعلانات وفي الإستعراضات وعلى المسارح، يكون حكراً على هذه الأماكن بالذات ، ومن غير الممكن تطبيقه وتوقّع أن ينساب بكلّ بساطة في المجتمع من دون نفور أو إستعجاب أو حتى إستغراب!».
يخصّص مصمّمو الأزياء زاوية خاصة للمشاهير، إذ يعملون على تفجير كلّ طاقاتهم الإبداعية ليجسّدها الفنان المشهور في حفلة أو مقابلة تلفزيونية. ويكون الهدف لفت الأنظار الى «صرعة» أو إبتكار فريد من نوعه. ومن الجدير بالذكر أنّ الفنان المشهور هو «أكبر من الحياة، بمعنى أنه لا يلبس كالناس العاديين في الفيديو كليب أو الإستعراض أو الحفلة، وإنما عليه أن يلفت النظر ويكون مختلفاً. فإذا حاول أحدهم التشبّه بالفنانة العالمية «شير»Cher على سبيل المثال سوف يبدو مثيراً للسخرية. واذا حاول أحدهم تقمّص شكل الراحل مايكل جاكسون، فسوف يكون محطّ الضحك والهزء.
إنّ طرق تعبير المرء عن الإعجاب بفنان والحبّ لما يقدّمه لا يجوز أن تتجلّى بتقليده بالشكل، وإنما يمكن أن يصبح من المعجبين ويقدّر فنه ويحضر حفلاته وما شابه... لا أن يحاول إنتحال شخصيّته! ترى سعادة أنّ «المبالغة المفرطة بالتسوّق والهوس باللحاق بموضة الفنانين والمشاهير، قد تنمّ عن عدم توازن في شخصية الإنسان الذي يعتبر أنّ شكله الخارجيّ المقلّد لفلان، أو الأغراض التي يشتريها، هي أساس وجوده ومعيار أهمّيّته بين الناس. ويمكن أن تكون خلفيّة ذلك، الإحساس اللاواعي بالنقص والدونية والذي يترجَم بالمبالغة في التعويض. وعندها تتحوّل الهواية هوساً فمرضاً».
ظاهرة «الإستنساخ» والتقليد
كشفت إحصاءات أجريت في الخليج العربي أنّ عمليات التجميل في تصاعد مستمرّ سنوياً بنسبة تراوح ما بين 10% و15%. وذلك بعدما أصيب البعض بهوس تغيير الشكل، وصار التشبّه بالمشاهير ظاهرة رائجة.
تقول سعادة: «يمكن تصنيف التعلّق بشيء ما على أنه هوس حينما يكون هذا التعلّق لا إرادياً، أي أنّ الأمر الذي يتمّ التعلّق به يصبح متحكّماً في الشخص، ويسلبه إرادته وقراره الحرّ، وبالتالي يبالغ المرء في إعطائه الأهمية إلى درجة إعتباره محورياً وأساسياً في حياته. فأحياناً يشعر بأنّ حياته وقف على إقتناء هذا الشيء المعيّن أو الحصول عليه بشتى الطرق. فهو تصرّف إتكاليّ يأخذ طابع الهوس ويسيطر على الشخص ليسبب نوعاً من القلق لا يزول إلاّ عند الحدّ منه عبر تنفيذ ما يدمنه».
صحيح أنّ إتباع الموضة ينمّ عن مواكبة العصر وله نتائج إيجابية، إذ يمكّن الفتاة أو السيدة من الظهور بطلّة رائعة وأنيقة. لكن الأساس هو معرفة إختيار «الستايل» الخاص أو النهج الخاص لإتباعه، كي يكون فريداً، عصرياً، مميّزاً وأنيقاً. تقول سعادة «تبدأ المشكلة صغيرة وما لم يتمّ تداركها تتفاقم لتصبح هوساً لا رجوع عنه. فمن الطبيعيّ أن تُعجب الفتاة بفستان فنانة مشهورة وتحاول أن تلبس على غراره في مناسبة خاصة، أو أن تطّلع السيدة على آخر صيحات الآزياء وتتابع عروض الأزياء، لتشتري ما هو رائج على صعيد اللون والقصة والقماش. لكن غير المقبول هو أن تكرّس السيدة كلّ وقتها للتشبّه بفلانة التي تصير محور حياتها. فتلبس تماماً مثلها وتقلّد تسريحة شعرها وتبدأ بالتكلّم مثلها حتى... وقد يصل بها الحدّ إلى الخضوع لمبضع الجرّاح للتغيير الجذريّ، لا تصحيحاً لشائبة، بل بهدف تقليد الشكل طبق الأصل. فقد تحضر سيدة إلى العيادة ومعها كاتالوغ أو صورة، وتطلب من الطبيب التشبّه بممثلة أو نجمة مشهورة. هنا، لا بدّ من مراعاة الحالة النفسية ومحاولة إقناع السيدة بعدم صواب الطلب. إنتشرت لفترة ظاهرة تقليد الفنانات الصاعدات لشكل نجمة معروفة، طمعاً بالشهرة، لكن سرعان ما ينكشف الأمر وتظهر الحقيقة، فيذبل التقليد ويبقى الأصل.
يبقى أنّ الحدّ الفاصل ما بين التشبه والتقليد أو الشبه والإستنساخ هو قدرة الشخص الذاتية على التمييز وقوّة الشخصية والثقة بالنفس، ليظهر، كما هو، ويتقبّله الغير».
من الملاحظ أنّ ظاهرة التشبه بالمشاهير تطال النساء بنسب أعلى. ولعلّ أبرز مَن يسعينَ لتقليدهن هن الفنانات أمثال هيفا وهبي ونانسي عجرم وبريتني سبيرز ومادونا. بيد أنّ الرجال أيضاً يقلّدون المشاهير وإن بشكل أقل. فعلى مرّ التاريخ وعبر الثقافات، برزت شخصيات كثيرة أحبّها الناس وتعلّقوا بها وحاولوا تقليدها.
إنّ مطلب الفتيات العصريات والسيدات الأنيقات هو التحلّي بالقوام الممشوق والطلّة البهية الخالية من العيوب. لذلك، تكرّس النساء قسماً كبيراً من الوقت ومجهوداً واسعاً للسعي الى تحقيق مأربهنّ. بيد أنّ ما لا يُدركنه هو خطر الوقوع في فخّ التقليد والإبتذال وإتباع الموضة العمياء، بما لا يتناسب مع الشكل والسنّ والمستوى الإجتماعي والحياة الشخصية والثقافة. إذ إنّ طريقة اللبس وتسريح الشعر هي من أبرز السمات التي تدلّ على الشخصية وتبيّن حقيقة المرء الباطنية. فلا يجوز إذاً «إستنساخ» مظهر فنانة مشهورة لمجرّد أنها من المشاهير. وإنما يجب معرفة إنتقاء ما يليق بالجسم والشكل والتكاوين، آخذين بعين الإعتبار كل التفاصيل للتمكّن من الظهور بمظهر عصريّ مناسب وأنيق.
تأثير المجتمع
من جهتها تفسّر الإختصاصية جبّور أنّ «الأشخاص الذين يقلّدون المشاهير من حيث الشكل إلى أقصى حدّ ومن دون وعي أحياناً، هم أشخاص ينمون في بيئة معيّنة حيث يتعلّمون أنّ المظاهر هي مهمّة للغاية، وهم يشكّلون عدداً لا يُستهان به في مختلف الفئات الإجتماعية التي تعتمد الشكل مقياس الأهمية والقيمة للإنسان. فالإنسان المهووس هو إبن بيئته ووليد ظروفه وضحيّة تنشئته الخاطئة. إذ يشعر على الدوام بالحاجة إلى تأكيد جماله وأناقته وتميّزه للغير ويسعى للحصول على موافقتهم المستمرّة، وهو يعتمد كلياً على نظرة الآخر ليشعر بقيمته كإنسان. وهو كائن ضعيف، لا يملك سوى سلاح الإعتناء المفرط للفت الأنظار حتى يحسّ بتقبّل المجتمع له».
يكون هذا الشخص ضائعاً في تحديد هويّته وشخصيّته لأنه لا يستطيع إتخاذ القرارات الحاسمة والمصيرية التي تحدّد موقعه على خريطة المجتمع، فيلجأ إلى نوع من التعويض عن بعض النواقص في الجوانب الأخرى من شخصيّته. فالمجتمع الذي يشدّد على القشور الخارجية يُنتج أشخاصاً تتفاقم عندهم مشكلة الإهتمام الزائد بالمظهر. ومردّ ذلك النظرة الإجتماعيّة التي تكرّس الأهمية المطلقة لذلك».
من الجميل أن يواكب المرء الموضة وأن يتمثّل بالمشاهير ويتأثر بأناقتهم. لكن الأجمل هو إختياره ما يلائمه ويكون ضمن إمكاناته حتى يتلذذ بما إشتراه ويستفيد منه أيضاً. «فعلى قدر بساطك مُدّ رجليك»، بمعنى أنّ الشخص القدير والواعي هو الذي يستطيع التنسيق ما بين حاجاته وقدراته، وهو الذي يعرف حتماً كيفيّة الإختيار فيكون الرضى الذاتي موجوداً وتشتدّ الثقة بالنفس ويرتفع التقدير للذات.
فالشخص المهووس بتقليد المشاهير لا يهتمّ سوى بشكله، وقد يغضّ النظر عن الأمور الجوهرية الأخرى. فيكون واضحاً كقرص الشمس، نافراً عن سواه، متأنقاً أكثر من اللزوم، ويرتدي آخر صيحات الموضة بشكل مبالغ ليتباهى بكلّ جديد. فهذا الإنسان يظهر مسلوب الحرية الشخصية في إنتقاء ما يبغيه، إذ يطبّق الموضة عشوائياً، وقد يكون إختياره مؤذياً للعين وغير مريح أيضاً. ذلك أنّه قد يصل به الحدّ إلى الإبتذال والإرتهان للموضة، إذ يختزل من شخصيّته ويستهلك بإفراط الموضة السائدة وإن لم تكن تليق بمقاييس جسمه وملامحه وسنه ومركزه الإجتماعيّ. كما قد يعمد إلى انتعال أحذية غير مريحة البتة أو ارتداء قطع ثياب ضيقة عليه لأنهّا رائجة وهي ما يرتديه الفنان الشهير، من دون أن تلائمه. فكم من «الجرائم» تُرتكب بإسم الموضة.
يمكن ملاحظة التشابه من حيث اللون والطلّة والمظهر عند جميع المهووسين بالتسوّق، رغم الإختلاف بالمقاييس والأنماط والأطباع بين الناس أجمعين. وهنا يأخذ «الإستنساخ» خيّزاً جديداً بعيداً عن عمليات التجميل، بحيث يكون ضحّية الموسم هو المتابع لآخر صيحات موضة المشاهير بطريقة عمياء وبنمط هوسيّ مَرَضيّ.
نصائح وحلول
للأشخاص القلائل الذين لا يعرفون بعد: معظم الفنانين يخضعون لعمليات تجميل وتحسين في الشكل. وأغلبهم لا ينتقون حتى بأنفسهم ملابسهم إبّان الحفلات والإستعراضات. كما أنّ البعض يروّجون لمصمّم أزياء أو مزيّن شعر معيّن. فلا يمكن أن نتكلّف عناء تقليدهم وندفع المال الوفير مقابل ذلك من دون فائدة. إذ ما أرادت السيدة أن تبدو أنيقة وللفتة للنظر، يمكنها ببساطة أن تتعلّم كيفية الإنتقاء من الخيارات المتوافرة في الأسواق، وأن تختبر تقنيات التنسيق ما بين الصرعة والكلاسيكية، والموضة واللباقة، حتى تستطيع التوفيق ما بين متطلّبات الحياة والموضة السائدة.
تختم جبّور «إنّ نظرة المجتمع القاسية غالباً ما تكون الدافع الأوّل لتغذية شعور قلّة الثقة عند المرء. كما أنّ الإنصياع الأعمى لوسائل الإعلام والإنبهار بطلّة كلّ فنان من شأنهما أن يدفعا كلّ شخص إلى محاولة تحسين شكله، حسب ما يظنّ هو، عبر التقليد! لكن يبقى أنّ التفرّد والتميّز وإمتلاك حسّ إنتقاء سليم وقدرة على التمييز بين الصواب والخطأ هي السلاح الأهمّ الذي يجب أن يتحصّن به كلّ إنسان».
لا يمكن أن ينعزل الشخص عن مجتمعه ويضرب عرض الحائط بكلّ الإنتقادات، حتى البناءة منها. لذلك، قد تكون أحياناً التعليقات الإيجابية التي نسمعها من المحيطين والمقرّبين، تصبّ في مصلحتنا الشخصية بغية عدم المبالغة في التقليد والإنجراف للوصول إلى حدّ «الإستنساخ» الكامل للمشاهير، ليس عن حبّ وتقدير، بل عن جهل وعدم إدراك.