رحلة سينمائية قصيرة تقرأ الذات الإنسانية
السينما السورية, نساء, فيلم قصير, مهرجان بيروت الدولي للسينما, عهد كامل, ياسمين شويخ, سحر الصوّاف
26 أكتوبر 2010يشكّل الإنتقال المكاني والزمني السمّة المشتركة بين ثلاثة أفلام نسائية قصيرة حضرت في مهرجان بيروت السينمائي الدولي، بدورته العاشرة أخيراً. فقد صاغت المخرجات المبتدئات بطولات ضائعة، هوية الأنثى بعد البلوغ («الجن» للجزائرية ياسمين شويخ) والطفولة العراقية اللاجئة («أم عبدالله» للعراقية سحر الصواف) والعزلة العراقية الإرادية إثر الإعتقال («القندرجي» للسعودية عهد كامل).
مخرجات كسبن رهان الدقائق القليلة ورسمن عالماً في متناول الخيال الإخراجي المكثّف عبر «دقائق- حقائق»، من هنّ؟
- الإسم: سحر الصوّاف
- العمر: 25 عاماً
- المهنة: مخرجة وعاشقة للفن التخطيطي
- الجنسية: عراقية، موصليّة
- الإقامة: الولايات المتحدة الأميركية منذ أشهرها الستة الأولى
- أعمالها: «عمو معن» و«أم عبدالله» (نال جائزة التحكيم الخاصة في مهرجان الخليج السينمائي)
«لا أبدو عراقية شكلاً لكن عائلتي لا تزال تقيم في الموصل. رفضَت البقاء في الولايات المتحدة الأميركية. حصلتُ على ماجستير في السينما من معهد CalArts (حيث تتلمذ تيم بيرتون مخرج Alice in Wonderland)»، هكذا تعرّف عن نفسها سحر الصوّاف التي تتكلم «العراقية» بلهجة «أمريكية» طريفة. يعكس شريطها القصير «أم عبدالله» واقعاً شعرت به ولم تعايشه على أرض الواقع، فهي متمسكة بواقع وطنها الذي أورثها «موصله» عادة سيئة. تقول سحر: «الموصلاوي لا يترك ولو فُتاتة في طبقه، وهذه عادة تلازمني مهما اختلفت الوجبات، ضاربة عرض الحائط ما يعرف بلياقات المائدة». يصوّر فيلم «أم عبدالله» قصة أرملة عراقية وأولادها الخمسة المقيمين في الأردن منذ سبع سنوات، بعد أن قتل رب العائلة في العراق. عبدالله (God Slave) وشمس(Sun) وجنة(Heaven) وشهيد(Martyr) ولولو (Pearl)، هكذا تترجم المخرجة أسماء الأطفال الخمسة وأمانيهم المسحوقة بالدم والدمار. ولعل الطفلة الصغرى لولو هي صورة عن سحر المخرجة التي في مستهلّ اللقاء حين أسألها إن كان والديها بمنأى عن الخطر قالت: «لا أمان في العراق في كل مكان». يبدأ الفيلم بمشهد نغمي لنشيد سجّلته المخرجة تلقائياً حين سمعته من راديو سيارة الأجرة التي إستقلّتها في عمان، «قرّرت حينها أنه سيكون المقدّمة الصوتية لفيلمي».
لم تعرف من ينشد وما ينشد بل شعرت بروحانيتها، هي قصيدة «مع الله» للدكتور عبد المعطي الدالاتي. «... فتصحو الحياةُ ويربو النباتُ وتزهو الزهورُ ويحلو الثمرْ. مع الله في الجُرح لما انمحى مع الله في العظم لما انجبرْ مع الله في الكرب لما انجلى مع الله في الهمِّ لما اندثــر»، بهذه الصورة السمعية يبدأ الشريط القصير الذي صوّر في عمان. لمَ إختارت عائلة عراقية مقيمة في الأردن لا بيروت أو أي بلد عربي إستقبل اللاجئين العراقيين؟ تقول انها «منذ التسعينات طبع في ذاكرتي أن الطريق الوحيد لدخول العراق هي عمان. المرة الأخيرة التي زرت فيها العراق كانت عام1994». تطمح اليوم إلى عمل روائي طويل عن العراق، تصوره في العراق. أما عن رأيها في فيلم The Hurt lockerللمخرجة الأميركية كاثرين بيغلو فتقول: «لقد صور عشرات الأفلام عن العراق التي تطمث الحقيقة، لكنني تأثرت بهذا الفيلم كثيراً.
أحترم هذه المخرجة لأنها إنتزعت الاوسكار وسردت قصة عن موطنها. وأنا اليوم سأقص حكايتي بمنظوري عبر كاميرا عراقية حقيقية. من واجب الكاميرا أن ترصد الحقيقة كما فعلت المخرجة اللبنانية نادين لبكي حين سلّطت الضوء في فيلمها Caramel على حياة سحاقية. لا يمكن إنكار الواقع، وتصويره لا يعني تبنيه». سبق أن صورت المخرجة سحر الصواف فيلماً قصيراً هو «عمّو معن» (4 دقائق)، يجسد رحلة العمر وكان البطل عمّها.
- الإسم: ياسمين شويخ
- العمر: 28 عاماً
- المهنة: مخرجة
- الجنسية: جزائرية
- الإقامة: باب الزوار، الجزائر
- أعمالها: «الباب» و«الجن»
ضاعفت المخرجة الجزائرية ياسمين شويخ دقائق فيلمها القصير الثاني، «الجن» (20 دقيقة). إستثنت لجنة تحكيم مهرجان بيروت السينمائي هذا الفيلم العميق بسرده المشهدي، رغم تألقه في «زاوية الفيلم القصير» في مهرجان كان بدورته المنصرمة. وهو فعلاً فيلم جميل بموقعه وطرحه وإلتباسه المطبوع في العنوان أولاً.
«لقد كبرت في جو سينمائي، خصوصاً أن والديّ محمد ويمينة شويخ مخرجان. لكنهما لم يكونا يوماً المدرسة التي تأثرت بها»، تقول ياسمين الشويخ التي لم تدرس الإخراج بل علم النفس. وقد مكّنتها دراستها من «كتابة السيناريو وبلورة شخصيات لمشاريع أفلام، كما علمتني فن قيادة فريق العمل في مواقع التصوير». بدأت الكتابة في عمر ال14، كتبت الكثير الذي لا يزال على الورق، فهي تعتبر أن الإخراج «قصة صدفة مرتبطة بالتوقيت».
وتقول عن فيلمها الأوّل «الباب»: «كان قصة جزائرية خيالية عن مراهقة «ماكْثة» (تقولها باللهجة الجزائرية) في المنزل تحاول فتح باب يحجب عنها الضوء والموسيقى، وكلما تقدمّت خطوة يقطع طريقها مطلب للمساعدة وتلبي رغبات العائلة». هذه الرمزية، أعادت ياسمين إستخدامها في فيلمها الثاني «الجن»، «لقد إستعَنْت بالخيال والإختلاق لتجسيد فكرة الفيلم الذي صوّر في منطقة تاغيث في ولاية بشار، على مسافة 1100 كلم من العاصمة». تصف ياسمين شريطها ب«الجمالي»، وهو فعلاً كذلك وسط صحراء ساحرة لوّنتها الأزياء الجزائرية النارية وأشجار النخيل وجاذبية البطلة «عنبر».
من هي عنبر التي رصدتها عدسة ياسمين طوال 13 يوماً وكتبت قصتها على مدى سنتين؟ «هي الأنثى التي يتبدّل دورها في المجتمع الصحراوي مع إنتقالها من سن الطفولة إلى سن البلوغ. وقد إخترت الجن، كوننا في بعض المجتمعات نتذرع بما يخالف المنطق لثني المرأة بالمرتبة الأولى عن سلوك معين أو قد يكون اللا منطق بكل بساطة جواباً لإستفسار».
يسحب الفيلم المشاهد إلى رحلة ساحرة بين الكثبان وبين ممرات «القصر»، المكان الأوّل لأهل تاغيث الذي غادروه قبل عقدين. الحرية مرادفة للجن الذي يطارد الجميلات، كما «أمل» التي ينثر أهل تاغيث عليها التراب بعد وفاتها. وهذه المرأة هي كامنة في مخيلة «عنبر» وصورة عنها، فالتراب ينثر على حرية من بلغت أخيراً. توهم «عنبر» مجتمعها بأنها تكيّفت مع دورها الجديد، لكنها تعيش حبيسة ذاتها.
- الإسم: عهد كامل
- العمر: 30 عاماً
- المهنة: مخرجة وممثلة
- الجنسية: سعودية مولودة في جدة
- الإقامة: نيويورك منذ 12 عاماً
- أعمالها: «رزان» و«القندرجي» وKingdom
عهدٌ كاملٌ قطعته هذه المخرجة السعودية للواقع العربي الذي خرجت منه لتتمرّس مهنتها في مدينة نيويورك. هي عهد كامل، المخرجة والممثلة التي فاز فيلمها القصير «قندرجي» في مهرجان بيروت السينمائي الدولي بدورته العاشرة بالجائزة الذهبية لأفضل فيلم شرق أوسطي قصير (16 دقيقة). «قندرجي»، لن تدرك معنى هذه الكلمة إلاّ حين تقرأ الترجمة «الأمريكية» للكلمة، Shoemaker. ف«القندرجي» التي يبدو للوهلة الأولى أنه فيلم عن مغني المقام العراقي الشهير رشيد القندرجي، هو «الكندرجي» أو الإسكافي صابر. وهذا الأخير مواطن عراقي اعتقلته القوات الأميركية في العراق وأطلقت سراحه بعد سنتين، ليعود إلى زوجته (عهد كامل بدور «نضال») وطفله بحالة تنزع إلى العزلة. طريق العودة إلى العائلة مظلم، والمنزل مظلم والشريط بكامله مظلم كما حجرة الإعتقال التي اعتاد صابر على عتمتها.
يحجب النور بإرادته هذه المرة، وينام في سريره مغلفاً رأسه بكيس أسود. ويختتم الشريط بأغنية «لكل صابر نضال»، قفلة رائعة أحكمت الحبكة القصصية هذه المرّة في المشهد الأخير. سعيدة بمشاركة فيلمها في مهرجان بيروت السينمائي ومشاركته المرتقبة في مهرجان أبو ظبي، تروي ل«لها» سبب إختيارها للممثل المصري عمرو واكد لتجسيد دور بطولة في قصة عراقية : «أنا معجبة جداً بأداء هذا الممثل الموهوب الذي جذبني دوره في فيلم «ليلي» للمخرج المصري مروان حامد (مشروع تخرج مروان حامد، فيلم قصير). كما أنني لا أكترث بجنسية الممثل بل ببراعته في تجسيد الدور، لقد أتقن عمرو واكد اللهجة العراقية في هذا الشريط الذي صوّر خلال ثلاثة أيام في القاهرة». أما اليوم، فعهد مقبلة بحماس إلى الخطوة السينمائية التالية : «سأبدأ قريباً بتصوير فيلمي الروائي الطويل «إبتسم أنتَ في جدة» من إنتاج شركتها Odd Camel Films.
تتمنى أن تتمكن من تصويره في وطنها، «سبق أن شاركت المخرج الأميركي بيتر بيرغ في تصوير فيلم Kingdom، لكننا صورنا مشاهده في ولاية أريزونا وأبو ظبي رغم أن الأحداث تدور في المملكة العربية السعودية». وتروي عهد في شريطها الجديد «حكاية ثلاث نساء سعوديات من عائلة واحدة يجسّدن ثلاثة أجيال. أريد أن أصحّح صورة المرأة السعودية، لقد سئمت وتعبت من نظرة المجتمع الغربي لي. يتساءل الأميركيون: «أنت سعودية؟ لكنك غير متّشحة بمنديل؟». المرأة السعودية أمامها خيارات، قد تكون ضيّقة لكن ذلك يمنحها فرصة الإبداع بما هو متاح. سيكون فيلمي مرآة تعكس حقيقة حياة السعوديات المغلوطة». وتنطلق من واقعها فتقول: «لم يكن التمثيل والإخراج من الخيارات المتاحة في السعودية، ولكنني تلقيت دعماً جماً من عائلتي حين قرّرت الدراسة في الولايات المتحدة الأميركية».