هويدا أبو هيف: نعيش في عصر المقارنات وهذه نصيحتي للشابة العربية

حوار: جولي صليبا 23 أبريل 2023

هويدا أبو هيف... اسم حصد شهرة كبيرة في العالم العربي بفضل برنامج «التفاح الأخضر» الذي تم عرضه على شاشة MBC طوال ١٧ عاماً، والذي اعتُبر أطول برنامج صحة شامل على الشاشات العربية.


أبو هيف لديها خبرة طويلة في إعداد البرامج الصحية التوعوية وتقديمها، ونجحت في أن تكون المقدّمة العربية الوحيدة التي أخذت حقوق تقديم برنامج د. أوز Dr. Oz حصرياً في العالم العربي. كما تم اختيارها سفيرة نوايا حسنة للصحة الإنجابية لمنظمة الأمم المتحدة للسكان UNFPA. في هذا الحوار، تخبرنا هويدا عن أبرز التحدّيات ونقاط التحوّل في مشوارها الإعلامي، وتُطلعنا على رأيها في طفرة السوشيال ميديا.

- لماذا اخترتِ العمل في مجال الإعلام؟

أنا خرّيجة قسم الصحافة والإعلام في الجامعة الأميركية في القاهرة، وقد بدأت العمل بعد تخرّجي في مجال الإعلانات، لكنني لم أكن مسرورة به فتركته بعد ستة أشهر فقط، لأعمل مع والدي على نشر أول كتاب في مجال الطبخ العربي الصحي.

وبعد ستة أشهر، أُتيحت لي فرصة عظيمة للعمل في إحدى أوائل القنوات الفضائية العربية التي تمّ إطلاقها في ذلك الوقت. ولكوني من أب مصري وأم إيطالية وكنت أجيد الإيطالية، انتهزت على الفور فرصة العيش في إيطاليا للعمل في محطة تلفزيونية، وقد كنت محظوظة بهذا الوضع. عملتُ في تخصصات عدّة في مجال الإنتاج التلفزيوني قبل أن أكون مقدّمة برامج ومنتجة للمحتوى، وقد أكسبني ذلك التنوّع شخصية إعلامية وإنتاجية جيدة، وجعلني أقدّر العمل أمام الكاميرات وخلفها.

وبصفتي إعلامية، فإن حياتي تشهد تغيّرات عدّة؛ فألتقي باستمرار بأشخاص جدد وأمرّ بظروف جديدة وأتعلّم الاستفادة مما تقدّم لي الحياة، وهذا كله شكّل لي مسيرة تعلّم تخللتها تحدّيات جعلتني أكثر قابليةً للتكيّف وأكثر مرونةً وتقبّلاً للتغيير.

- «التفاح الأخضر» برنامج استمرّ لنحو 17 عاماً. ما الذي أضافه إلى مسيرتك؟

نعم، فقد عملت مقدّمة لبرنامج الصحة والعافية الأكثر مشاهدةً في الشرق الأوسط، والمنتج الأول للمحتوى فيه، لمدة 17 عاماً، وسأظلّ أشعر بالامتنان لهذه الفرصة التي أكسبتني خبرة لا تقدّر بثمن. فتشرّفت بالحديث مع كبار الخبراء في المنطقة وناقشنا موضوعات طبية شائكة، لكن بعد تبسيطها لتصبح مفيدة ومسلّية وجذابة للجمهور. كنت أيضاً أول إعلامية تقدّم العديد من مجالات الطب البديل والتغذية الصحية للعالم العربي. وقد تدرّبت مع دكتور أوز في نيويورك وقدّمت برنامج «دكتور أوز» حصرياً في الشرق الأوسط، وتعلّمت منه كيفية اللجوء إلى وسائل الإعلام لتحفيز الناس وتمكينهم من تغيير عاداتهم السيئة والتكيّف مع عادات جديدة.

وقد وقع الاختيار عليّ سفيرةً إعلامية للنوايا الحسنة لدى صندوق الأمم المتحدة للسكان، بهدف رفع الوعي في الشرق الأوسط حول الصحة الإنجابية وغيرها. وساعدني هذا الأمر في تدريب الأطباء والمتخصّصين في المجالات الصحية على التحدّث في وسائل الإعلام، وهذا كلّه أعدّني للمرحلة التالية من حياتي المهنية الحالية، حيث أمتلك شركة إنتاج ومنصّة رقمية للصحة والعافية، ولا يسعني القول سوى أن الحياة تحدٍّ جميل نعيشه كل يوم!

- اذكري لنا بعض نقاط التحوّل في مشوارك الإعلامي.

كان العمل مع دكتور أوز نقطة جذب للأنظار حول طريقة الإنتاج والتقديم المبتكرة لمحتوى صحي لا يتوقف عند نشر الوعي، ولكنه يُحدث التأثير والتغيير المنشودين في حياة الناس. نقطة تحوّل أخرى تمثلت في تحويل تركيزي من كوني مقدّمة برامج تلفزيونية إلى امتلاك شركة للإنتاج ومنصّة للإعلام الرقمي تختصّ بمجال الصحة والعافية، والتركيز على إنشاء محتوى مناسب لوسائل التواصل الاجتماعي. وقد أصبحت سفيرةً ووجهاً لعلامات تجارية مرموقة، أحدثها «سِيارا»، بهدف إيصال رسائل مهمّة للجمهور في الشرق الأوسط.

- مَن هو في رأيك الإعلامي الناجح هذه الأيام؟

أرى أن السؤال يجب أن يكون: «ما هو النجاح في الحياة، وكيف نقيسه؟»، هل هو مقدار المال والأشياء التي نمتلكها؟ هل هو عدد الأشخاص الذين يتابعوننا على وسائل التواصل الاجتماعي؟ هل هو مدى سعادتنا ورضانا بما قُسم لنا في الحياة؟ هل هو بعدد الأشخاص الذين يحبوننا ويشعرون بالامتنان لنا لأنهم يرون أننا أضفنا قيمة إلى حياتهم؟ أعتقد أن معنى النجاح يختلف باختلاف نظرة الناس إليه.

قبل وسائل التواصل الاجتماعي، كان الوقوف أمام الكاميرا متاحاً لنخبة محدودة من الأشخاص، الذين يكون على الواحد منهم الذهاب إلى العمل في الاستوديو ووضع المكياج وتحضير المحتوى وقراءة النص، ثم الخروج من الاستوديو والعودة إلى الحياة الواقعية. أما اليوم فقد اختلفت الصورة اختلافاً جذرياً بوجود وسائل التواصل الاجتماعي، وأصبحت الكاميرا جزءاً من الحياة اليومية لدى عدد كبير من الناس الذين يعملون باستمرار لتوثيق حياتهم وعواطفهم وأفكارهم، فالجميع عنده كاميرا، وأي شخص لديه الإرادة للتعبير عن نفسه بأي شكل أو طريقة نجده يمتلك المنصة التي تمكّنه من القيام بذلك.

أما أنا فأرى أن النجاح يُقاس بالتوازن، وأن الإعلامي الناجح هو شخص لديه قيمة يضيفها إلى هذا العالم، ويعرف كيف يواصل العمل مع الاستمرار في احترام حدود الخصوصية والحفاظ على توازن صحيّ بين الحياة والعمل، فأنا أشعر بالسعادة والنجاح عندما أحقق التوازن بين حياتي المهنية والأسرة والأصدقاء، وأخصّص وقتاً أعطي فيه جسدي وروحي وعقلي حقوقها.


- ما رأيك في طفرة السوشيال ميديا في الوقت الحاضر؟ وهل ستحلّ مكان الصحافة التقليدية؟

أؤمن بمقولة «التغيير هو الثابت الوحيد»، وهذا ينطبق حتى على حياتنا اليومية. فمَن كان يظنّ أن كل شيء سيتحوّل بهذه السرعة إلى الإنترنت؟ لم يخطر ببالي من قبل أنني في عام 2023 قد أتمكّن من حضور الفعاليات والمواعيد الطبية وغيرها عبر حاسوبي. الأمر نفسه ينطبق على وسائل التواصل الاجتماعي، وهي سلاح ذو حدّين؛ لذلك يجب على المستخدمين التزام الوعي وتوخّي الحذر. فمن ناحية، هي طريقة رائعة ومتاحة للجميع للحصول على الثقافة حول الصحة العامة، ويمكن أن تؤثر بطرق مذهلة في سلوك الناس وعاداتهم، ولا سيما الشباب.

وفي هذا السياق، أرى كيف استطاعت بناتي التعرّف على مفاهيم اللياقة والتغذية والرعاية الذاتية، التي لم نتمكن نحن من التعرّف عليها في الماضي، ومن الرائع أن أراهنّ يطبّقنها فعلاً! لقد تعرّفت شخصياً على العديد من المفاهيم والأفكار الجديدة من خلال أشخاص محترمين ذوي صدقية أتابعهم على وسائل التواصل الاجتماعي، وهؤلاء الأشخاص يذكّرونني ويلهمونني يومياً أن أبقى على المسار الصحيح جسدياً وذهنياً.

لكن في المقابل، تظلّ وسائل التواصل الاجتماعي غير خاضعة للرقابة، وفيها يسعى كثيرون للحصول على أكبر قدر من المشاهدات والإعجابات. لذا، يجب توخّي الحذر من المعلومات والمحتوى المضلِّل الذي يمكن أن يضرّ بصحتنا الجسدية أو الذهنية. ومن المهم اختيار مَن نتابع وممّن نتلقى المشورة الصحية. وهنا أحبّ أن أشير إلى مقال نشرته صحيفة «إندبندنت» جاء فيه أن 8 من كل 9 مؤثرين يقدّمون نصائح صحية وغذائية خاطئة على وسائل التواصل الاجتماعي، وهذا أمر مخيف!

- مَن هو قدوتك في مشهدَي الإعلام العربي والعالمي؟

لا أظنّ أن بوسعي الإجابة عن هذا السؤال! فأنا لم أشعر قطّ بأن هناك نموذجاً يجب الاحتذاء به؛ شخصاً أتطلع إليه وأريد أن أكون مثله، لا لأنني مغرورة أو لشعوري بأنني أفضل من الآخرين، بل على العكس من ذلك، حتى أنني لا آخذ نفسي كثيراً على محمل الجدّ، بل إنني أُكثر من انتقادي لنفسي، ولديّ عقل تحليلي يحب أن يرى الناس على حقيقتهم من دون أن يُضفي على أيٍّ منهم سمات المثالية، لكنني بدلاً من ذلك أقدّر السمات الجيدة في بعض الناس وأحاول التعلّم منها، في حين أراهم بشراً لديهم عيوب ونواقص كما نحن جميعاً. بل إنني قد أُعجب بسمات أشخاص أختلف معهم تماماً، ولكنني سأرى دائماً شيئاً جيداً فيهم وأُعجب به.

- كيف توفّقين بين حياتك المهنية وحياتك العائلية؟

هذه هي المهمة الأصعب والتحدّي الأكبر لأية امرأة عاملة. ولكن، أقول مرة أخرى إن المسألة كلها تتلخص في «التوازن»، فقد لا نتمكّن دائماً من تحقيق كل أهدافنا المهنية أو كامل قدراتنا، أو قد لا نكون دائماً حاضرين من أجل أطفالنا أو أزواجنا، ولكننا نبذل قصارى جهدنا، ونعمل بوعي يومياً على إيجاد التوازن. وقد أصبحت هذه المسألة من شواغلي اليومية فأفكر كم من الوقت سأعطي هذه المهمة أو تلك، وهذا الشخص أو ذاك، وكم من الوقت سأمنح نفسي، وأنا أحاول بوعي عدم الانغماس في شيء على حساب شيء آخر، حتى أنه كان يتعيّن عليّ أحياناً رفض اتخاذ خطوات مهمة في مسيرتي المهنية، وفي أحيان أخرى لم أكن في المنزل فيما أطفالي مرضى طريحو الفراش. ولكنني حتى اليوم، أحرص على الاستيقاظ يومياً في السادسة صباحاً لإيقاظ ابنتي ذات الـ 17 عاماً لتناول الإفطار معها قبل ذهابها إلى المدرسة، بغض النظر عن مدى شعوري بالإرهاق. كذلك أدفع نفسي بقوّة مرتين أو ثلاثاً في الأسبوع لممارسة التمارين الرياضية، حتى عندما يغالبني الشعور بالاستسلام ورفض الشيء الوحيد الذي أريد أن أفعله، ولكنني أشعر بأن كل ذلك قد آتى أُكله عندما أنظر الآن إلى حياتي المهنية وإلى أسرتي وإلى نفسي، وأجد أنني ممتنة لذلك.

- نصيحتك لكل شابة عربية.

أشعر بقلق شديد حيال ما تمرّ به الشابّات هذه الأيام، لا سيما مع استحواذ وسائل التواصل الاجتماعي على حياتنا؛ فنحن نعيش في عصر المقارنات لكثرة ما نتعرّض له في مشاهدة ما تمتلكه النساء الأخريات وما يفعلنه، فيشعر بعضنا بأنهنّ أقلّ من الأخريات. وهنا أنصح كل شابة بأن تعرِف نفسها وتكون كما هي، لا كما يُراد لها أن تكون، وأن تعرف ماذا تريد، لا ما يُراد منها، وأن تسعى لتحقيق قدراتها وألاّ تتخلّى عن أحلامها، التي لا ينبغي بالضرورة أن تكون كبيرة، بل بسيطة وممكنة التحقيق. ومن المهمّ أن تدرك كل شابة أنها مختلفة وأن كلاً منا يختلف عن الآخر، فيجب ألاّ نقارن أنفسنا بالآخرين، فقط ابحثي عما يجعلك سعيدة وابدئي في تحقيقه!

- ما هي مشاريعك المستقبلية؟

أشغل حالياً منصب المؤسّس المشارك والمدير التنفيذي لاستوديو الإنتاج «إيماغو»، وهو شركة إنتاج متخصّصة في البرامج التلفزيونية لشبكات التلفزة العربية، تنتج محتوى للإعلام الرقمي. كما أنني المؤسّس المشارك ومنتج المحتوى والوجه الإعلامي لمنصة «عيشوها أحلى» الرقمية المختصة بالصحة والعافية في الشرق الأوسط، على كل من «فيس بوك و»إنستغرام» و»يوتيوب» و»تيك توك».

كذلك وقع الاختيار عليّ لأصبح وجه علامة «سِيارا» التجارية في المنطقة وسفيرةً لها. وقد أطلقنا حملة «سِيارا» الإقليمية الجديدة في الكويت والمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات بعنوان «وقت التغيير»، وأنا مسرورة بتعييني وجهاً لهذه العلامة المميزة. الكل يعلم بأن التغيير ليس سهلاً أبداً، ولكنني تعلّمت من تجربتي الخاصة، ومن تجارب الآخرين، أن هناك دائماً مكسباً مهماً بانتظارنا مع التغيير. وحملتنا الإقليمية هذه تحتفي بالنساء اللواتي تبنّين التغيير وتشجّع أولئك اللواتي يحتَجن إلى الدعم لتحقيق مرادهن والوصول إلى أحلامهن. إنها حملة جميلة وعزيزة عليّ.

- ما هي حكمتك في الحياة؟

اعرف نفسك، فقط عندها سوف تجد السعادة والسلام.