الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني
ثقافة, د. عبد العزيز محيي الدين خوجة, شانيل, جمال سليمان, بسمة, قطر السكر, منى واصف, لطيفة, بشار الأسد, أسماء الأسد, غسان مسعود , إحتفالات, الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني, دراما مصرية, أوبريت موسيقي, الشيخة موزة بنت ناصر المسند, سلطان بن محمد القاسمى, ف
11 فبراير 2010تحت شعار «الثقافة العربية وطناً والدوحة عاصمة»، شمل الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني أمير قطر وحرمه الشيخة موزة بنت ناصر المسند برعايتيهما حفلة إنطلاق فعاليات الدوحة عاصمة الثقافة العربية ٢٠١٠ في فندق الشيراتون.
وقد حضر رئيس الجمهورية العربية السورية بشار الأسد وحرمه السيدة السورية الأولى أسماء الأسد والشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى بدولة الإمارات العربية المتحدة، حاكم إمارة الشارقة. في بداية الإحتفال، ألقى وزير الثقافة والفنون والتراث ورئيس اللجنة العليا للإحتفالية الدكتور حمد بن عبد العزيز الكواري كلمة أعلن عقبها الأمير إنطلاق الدوحة عاصمة للثقافة العربية ٢٠١٠. ثم تمّ عرض أوبريت «بيت الحكمة»، وهي عمل درامي موسيقي يقدم ملامح من شخصية الخليفة العباسي عبدالله المأمون.
«بيت الحكمة» والرؤية الفنية
بارك الممثل السوري جمال سليمان في البداية لقطر إختيارها عاصمة للثقافة لعام ٢٠١٠، وعزا السبب إلى «النهضة الثقافية التي شهدتها عاصمتها الدوحة. ثم وقف عند رؤيته تجاه أوبريت «بيت الحكمة»، «لقد أعجبت كثيراً بموضوع الأوبريت. أجد من الرائع أن تكون للدوحة أو أي بلد عربي طموح في تأسيس «بيت الحكمة».
«لقد دشّنا الكثير من بيوت الأزياء ونحن اليوم في حاجة إلى بيوت حكمة»، يضيف متعجباً وكأنه يغمز من قناة بيروت لكننا نفاجأ بسلسلة «لاءات» بأن بيوت الأزياء لم تعد حكراً على العاصمة اللبنانية.
وينفي معارضته لإفتتاح دور الأزياء العالمية في العواصم العربية لكنه يبدي قلقه على المواطن العربي الذي «يعيش تحت وطأة الإستهلاك المادي لا المعرفي». يوضح: «باريس عاصمة الموضة الأوروبية لديها بيت للحكمة. المدن لا تقدّر قيمتها بأسواقها الفاخرة وفنادقها بل بالحركة الفكرية والثقافية والنمو البشري الوجداني والأخلاقي والإنساني».
يقول أخيراً: «إن إختيار «بيت الحكمة» عنواناً لإفتتاح فعاليات الدوحة عاصمة للثقافة العربية إتسم بالتسامي»، كاشفاً من ناحية أخرى عن جديده في الدراما المصرية. وهو المسلسل المصري «حضور وإنصراف» من تأليف الدكتور مدحت العدل وإخراج كمال الحداد وتشاركه البطولة فيه الممثلة المصرية الصاعدة بسمة.
كالعادة تستوقف الفنانة التونسية لطيفة المشاهد ومن يقترب منها بأناقتها المميّزة وإطلالتها اللافتة. وهذه المرة رفلت بتايور بتوقيع دار شانيل من تشكيلة موسم شتاء ٢٠١٠.
تعبّر عن سعادتها اليوم بإيمانها بقطر التي تمثل لها «التميّز والعمق العربي قيادة وشعباً، ويجسّد تسميتها عاصمة الثقافة العربية للعام ٢٠١٠ تجدداً لخلايا الهوية العربية التي باتت منتهكة الحرمة في هذا العصر. الثقافة عام ٢٠١٠ في أيادٍ أمينة».
تضيف بوجدانها العربي أن «علاقتي بدولة قطر قوية جداً وأشعر بأني في حياة أخرى عشت في هذا البلد مع عائلتي. كما أن ألبومي الأخير «أتحدى» تمّ توقيعه بالتعاون مع فنانين وكتاب وشعراء قطريين. لقد زرت قطر أيام فعاليات الفاخورة لدعم أطفال غزة، فدور قطر الإنساني لا يغيب عن أي بلد عربي عرف المعاناة». وتلفت إلى خطوات الشيخة موزة التي تعتبرها «مدرسة لكل إمرأة عربية لأن إنجازاتها مباشرة جداً خصوصاً التربوية والإنسانية ووقوفها القانوني بوجه من هدّم مدرسة الفاخورة في فلسطين».
بضحكتها القديرة وحضورها الجميل تهمّ الممثلة السورية منى واصف إلى التصريح أنها توقّعت أن يكون إفتتاح فعاليات الدوحة عاصمة للثقافة العربية لهذا العام مميّزاً، تقول: «لقد شاركت في مهرجان «تريبيكا السينمائي في الدوحة منذ شهرين وعلمت حينها أن العاصمة القطرية ستكون عاصمة للثقافة العربية. لقد ذهلت بالعرض الدرامي والإستعراضي في «بيت الحكمة» الذي حمل مغزى عميقاً يفيد بأن أي حاكم يهتم بالعلم ويحث على الحلم والإختراع يرتقي بشعبه، وهو إنسان عادل وقيادي حقيقي.
ترابط الأمة يكون بالحفاظ على تراثها واللغة العربية التي يتعمّد البعض تغييبها، مع العلم أن فرنسا شنّت أخيراً حرباً على البنوك التي إستخدمت مصطلحات باللغة الإنكليزية. لنتكلم بلغتنا، لغة القرآن والأمة الإسلامية ونتقن لغات العالم».
من جانب آخر تقول أنها تعرفت «على الشيخة موزة في دمشق أثناء إعلانها عاصمة للثقافة العربية عام ٢٠٠٨. وكنت قد قرأت لها مواقف إنسانية وثقافية مرتبطة بالمرأة العربية التي تشجعها على العلم والعمل. كما أنها ستشمل برعايتها معالجة ملف شديد الأهمية قريباً هو الإتجار بالبشر».
«بيت الحكمة».. رؤية الحاضر القطري بعد إثني عشر قرناً
توّجت قطر العشرية الأولى من الألفية الثالثة بإعلان الدوحة عاصمة الثقافة العربية للعام ٢٠١٠. وإرتأت أن تكون قاطرة للثقافة بفاتحة أوبريت «بيت الحكمة» بعد إثني عشر قرناً من الإنجاز العلمي والمعرفي والرؤية التنويرية في الأمة الإسلامية. في فندق الشيراتون وعلى مسرح الدفنة، تقاطر المدعوون من كل الوطن العربي للمشاركة في إنطلاق فعاليات الدوحة الثقافية. وافتُتِح الإحتفال بكلمة لوزير الثقافة والفنون والتراث رئيس اللجنة العليا لإحتفالية الدوحة عاصمة للثقافة العربية ٢٠١٠.
وقد شبك الوزير الكواري ماضي الأمة الإسلامية بحاضرها قائلاً :«إنه لشرف كبير لدولة قطر أن تكون »دوحة الثقافة العربية« لهذا العام، وعمقاً معرفياً قدّم للبشرية أعلاماً طوّروا العلوم والفنون في سائر أنحاء العالم. حيث كان لبغداد وعصر المأمون الذهبي أكبر الأثر في هذا التأسيس العلمي المعرفي، من خلال «بيت الحكمة» الذي كان إنشاؤه ثمرة رؤية حضارية ناضجة وتقدير واعٍ لدور العلم في حياة الأمم.
وأكد الوزير الحاجة العربية إلى إحياء تجربة «بيت الحكمة» التي صنعت عصوراً من التقدّم والإزدهار، «هذا العمل الفكري الفني «بيت الحكمة» يمثّل تلك الرؤية التي تنهض بها وزارة الثقافة والفنون والتراث في دولة قطر. وهي تطمح لأن تكون هذه المناسبة إحياء ً لمفهوم بيت الحكمة التاريخي العريق، وكم نحن بحاجة كعرب معاصرين إلى أمثال هذه التجربة العلمية الرائدة».
«بيت الحكمة».. يتقاطر من بغداد إلى قطر
«بيت الحكمة» أوبريت تاريخية أسرت الحواس وإسترجعت الماضي البعيد وطرحت الحاضر. بدأت الأوبريت بظمأ الخليفة العباسي هارون الرشيد الذي يرويه الإنجاز العلمي. وها هو حكمه يشهد ولادة إسطرلاب مائي أكثر دقة مما توصّل إليه الإغريق. هو هارون الرشيد المشبّع جوداً معرفياً والذي يجازي العلماء ويتباهى بإشراقة التنوير العلمي التي سطعت بها أمته. يُهدي الإسطرلاب إلى ملك الفرنجة شارلمان الذي تساروه مخاوف من الرفعة الإسلامية العلمية في تلك المرحلة والتي تجسّد تهديداً بشن حرب عمادها التفوّق العلمي.
يقول شارلمان لأحد حراسه فور تلقي الهدية : «هل رأيت ما وصل إليه العرب؟». رخاء معرفي يرسمه الإستعراض الذي أدته فرقة «إنانا» السورية ولفيف من الممثلين السوريين على رأسهم الممثل غسان مسعود بدور الخليفة العباسي هارون الرشيد وعبد المنعم عمايري بدور نجله المأمون، تداخل فني ولوني في بوتقة واحدة مع فناني قطر. فراشات بنفسجية تارة وجنود بجسارة السيف تارة أخرى المعزّزة بمشاهد الشاشة السينمائية التي نصبت فوق ديكور متحرك ينقّل الحواس إلى الحقبة الذهبية تارة وإلى «الحماقة التي أعيت من يعانيها» حين يحطم الروم الإسطرلاب بحجة أن بداخله جنّياً.
يسلّم هارون الرشيد الخلافة لنجله المأمون بوصية هي عدم رؤية المُلك إلاّ تكليفاً لا تشريفاً. يرغب في الزواج بمن خفق لها قلبه وإمتثل لها رشده، فتدقّ الطبول الصاخبة التي تمتزج مع الليلة البيضاء والمرحلة الناصعة والطموح الذهبي.
عقب الزواج وتسلّم الخلافة يُطالب بتوسيع خزائن الكتب في بغداد، تلك التي خطّت بحروف ذهبية، وبإعداد الكتاب الثمين في المعنى والمبنى. لكن المأمون يباغته إنقسام قومه والفتن ل«إنشغاله في ما لا يهم الرعيّة». حرصاً على إرتقاء أمته، يمضي المأمون بأمانة الإرث الذي أسسه والده. كما الرشيد الذي يقدّر العلماء كان مؤمناً بأن العقل هو درّة الإنسان وإن المعرفة هي أداته وأن الناس لا يمكن أن ينعموا بالسلام ورغد العيش إلاّ إذا تمكنوا من أسباب العلم والمعرفة.
تحاكي كتب بقاع الأرض التي عرّبت ونسجت ونسخت بترف الحرف ووجعلت في متناول طلاب العلم، حاضر قطر الذي حضن جامعات ومعاهد من العالم. وقد لفت مخرج العمل الممثل السوري جهاد سعد إلى أن «بيت الحكمة ليس ماضياً فحسب بل هو حاضر حولنا في كل شيء... ها هو يولد هنا من جديد». هذا ما عكفت على إستثماره قطر بجهود الشيخة موزة نائب رئيس المجلس الأعلى للتعليم. تساؤل طرحته الأوبريت كانت إجابته شافية ومشرّفة من دولة قطر التي أغلقت محارتها على عالم إختزل تاريخ الشعوب في متاحفها وإختزن قرون راقية خبرتها الأمة الإسلامية في متحفها البحري للفن الإسلامي واخترقت مُسلمة الحاضر بالنموذج التربوي النخبوي الذي أرسته، فلن يغادر القطري أرضه إلى الخارج ليتابع تحصيله العلمي، فقطر هي «بيت الحكمة» اليوم.