بعدما خبأ الأموال المسروقة في منزله

اليمن, أحمد جمعان المالكي, المملكة العربية السعودية, حبس / سجن, سرقة, الأمير خالد الفيصل, طبيب الجلد, مستشفى, عمليات سرقة, جريمة سرقة, الجهات القضائية, شعية خيري, منطقة جيزان, قضية جنائية, مال مسروق, سارق, حكم الكفالة, الإعسار, نظام الإجراءات الجزائي

25 يناير 2010

لم يكن أبو نايف يعرف أن الأمانة التي أودعت لديه وإن كانت مسروقة قد تُكلفه حريته ومعها ٢٠٠ ألف ريال سعودي. هذا هو حاله اليوم قابعاً في السجن ولا مُعيل لعائلته سواه، فزوجته وأطفاله السبعة (٤ بنات و٣ أولاد) ينتظرون فرجاً من الله لإطلاق سراح معيلهم، ودفع الحق الخاص الذي حكمت به المحكمة عليه. ومع أنه لم يسرق "بحسب رواية الزوجة"  فقد حكم عليه القاضي مناصفة مع السارق بالسجن سنتين ونصف السنة.

الزوجة اليوم تحارب تراب الارض لتحصل على قوت أطفالها، وتطلب من الجهات القضائية الإفراج عن زوجها عله يستطيع العمل وسداد مبلغ الحق الخاص... «لها» استمعت الى  الزوجة  شعية خيري التي ناشدت ولاة الأمر العفو عن زوجها وطلبت مساعدة أهل الخير في إيجاد حلٍ يُنهي معاناتها: وكان لا بد من أخذ رأي قانوني في هذه المسألة.

بدأت شعية خيري (٣٦ سنة) الحديث قائلة: «تعرفت على زوجي بحكم ارتباط اليمن بجنوب السعودية وتحديداً منطقة جيزان. تزوجت شقيقتي الكبرى من شقيق زوجي، ومن ثم تزوجت أنا وأنجبت سبعة أطفال أكبرهم فتاة تبلغ من العمر ١٩ عاماً. زوجي يعمل في شركة خاصة بإنتاج المواد الغذائية وهو يخاف الله ولم يُقصر يوماً معي أو مع أطفاله. وضعنا الميسور لم يحفزه يوماً على السرقة أو أخذ ما ليس له. راتبه المتواضع ٢٣٠٠ ريال سعودي كان يكفينا والحمد لله، ولم يكن ينقصنا شيء. زوجي متهم بقضية جنائية وهي جريمة سرقة. لم يكن هو السارق. جرمه الرئيسي كان تستره على المال المسروق والسارق صديق له يعمل في شركة أخرى بوظيفة مراسل من الشركة إلى العملاء  واستغل هذا الصديق وجود مبلغ كبير معه في السيارة أحد الأيام  ليسرقه هارباً به إلى زوجي طالباً منه تخبئة المبلغ في منزله. وعده بأنه سيعود قريباً لأخذه حتى أنه أعطى زوجي ٥٠ الف ريال من المبلغ المسروق كهدية لأنه احتفظ له بالمال. وبعد مضي ٥ أيام فقط ألقي القبض على زوجي وبحوزته المبلغ الذي  تم استرجاعه  الى الشرطة لاحقاً  بعدما عرفوا من صاحب هذه الاموال التي كانت تُقدر بـ«٢ مليون و٤٠٠ ألف ريال سعودي».

بعد القبض على السارق اعترف في البداية بأن الزوج ليس له علاقة بالسرقة سوى أنه احتفظ بالمال في بيته، لكنه سرعان ما غيّر كلامه أمام القاضي لتُقسم الجريمة على الزوج وصديقه بعدما أخذ القاضي بالبينة وهي ضبط المال المسروق بحوزة الزوج.

وأضافت شعية: «ذهبت إلى القاضي عندما علمت أن زوجي أصبح في السجن بتهمة المشاركة في الجريمة، وتوسلت إلى القاضي وأخبرته بأن زوجي ليس له علاقة بهذه الجريمة وليس له علاقة بالشركة التي سُرقت منها الأموال. وأخبرني القاضي أنه وبسبب تستر زوجي على هذه الاموال وهو على دراية  بأنها مسروقة في منزله وقع عليه الحكم. وبعد انتهاء التحقيق ودخول زوجي السجن تم اكتشاف نقص في المبلغ المسترد وأن ما تسلّمته الشرطة هو مليونا ريال سعودي فقط، وصار المتهمان مطالبَين بإعادة المبلغ الناقص وهو ٤٠٠ ألف ريال. عدت إلى القاضي لأخبره بأن زوجي لا يملك هذا المبلغ حتى أن المبلغ الذي أعطاه إياه صديقه تم استرداده، حتى أن صك المحكمة يثبت أن زوجي لا يملك شيئاً من المال. لكن القاضي جزم بأن المبلغ الناقص سيتم تقسيمه بين المتهمين وعلى كل واحد منهما أن يسدد ٢٠٠ ألف ريال سعودي».

صدر الحكم على الزوج بسنتين ونصف سنة. ومر الوقت على الزوجة التي لم تهدأ وواصلت السعي بين أروقة المحاكم ومكاتب المحامين باحثة عن حل يُنصفها ويعيد إليها والى أطفالها الزوج الذي مازال قابعاً في السجن بعد انتهاء محكوميته ومرور أربع سنوات، والسبب عدم دفع المبلغ الذي يُعد من الحق الخاص.

صمتت شعية قليلاً وهي تنظر إلى طفليها الصغيرين اللذين اصطحبتهما معها لتضيف: «طلبت من القاضي أن يُعطينا حلاً لزوجي المريض الذي ينتقل يومياً بسيارة الاسعاف من السجن إلى المستشفى بسبب ارتفاع ضغط الدم. ولو كان يملك هذا المبلغ لكان حرر نفسه منذ البداية. حتى أنني طلبت من القاضي أن يُعسر في المبلغ ليأتي رده بالرفض، ففي هذه القضايا الجنائية لا يتم العسر. وحتى خروجه بكفالة ليعمل ويبحث عن مصدر لتوفير المبلغ المطلوب لا يصح لأننا يجب أن نسدد ١٠٠ ألف ريال سعودي ليخرج بحكم الكفالة.
بعد أن فقدت كل الإحتمالات أمامي لم يبقَ إلا كتابة طلب استرحام للأمير خالد الفيصل علني أجد ضالتي لديه، لكن حتى هذا الباب كان موصداً امامي  ولن يتم الافراج عن زوجي الا عند دفع المبلغ وسيبقى في السجن دون صدور حكم عليه وإن طالت فترة سجنه سنوات عديدة. حتى أن العفو العام لم يشمل أصحاب القضايا الجنائية لأنه  شمل أصحاب الحق العام وليس الخاص».

سعت الزوجة الى العمل إلا أن الرفض هو الكلمة الأولى التي تستقبلها بحكم أنها يمنية وليست سعودية. حتى أنها باعت أثاث منزلها وأخرجت أطفالها من المدارس لسنة كاملة بعد أن رفض الضمان اعطاءها في البداية المال بحكم أن زوجها مسجون. وأمتى أهل الخير وساعدوها واستأجروا لها المنزل الذي تسكنه وأطفالها، ومن ثم وصلت مساعدات الضمان الاجتماعي. وتعيش شعية اليوم من المبلغ القليل الذي يسد جوع أطفالها السبعة من الضمان الاجتماعي وهو مصدر رزقهم الوحيد بمبلغ يُقدر بـ ٢٥٠٠ ريال في الشهر. وتُطالب أهل الخير أو من لديه القدرة على المساعدة في دفع المبلغ، خاصة «أنه لم يقف معنا أحداً من عائلتي او عائلته، ولولا هذا الضمان لما كنّا على قيد الحياة أنا وأولادي».

المالكي: الإعسار يُطبق على المتهمين في القضايا الحقوقية لا الجنائية
من جهته، أوضح المحامي والمستشار القانوني احمد جمعان المالكي أن القضايا الجنائية التي يترتب عليها حق خاص كقضايا السرقة وخيانة الأمانة أو القتل الخطأ، تتضمن شقين في عقوبتها، «الشق الأول يتعلق بالحق العام وينحصر عادةً  في إيقاع عقوبتي السجن والجلد وفق ظروف وملابسات كل قضية، والشق الثاني يتعلق  بالحق الخاص المنصوص عليه في المادة ١٤٨ من نظام الإجراءات الجزائية  والتي تنص على «لمن لحقه ضرر من الجريمة ولوارثه من بعده أن يطالب بحقه الخاص مهما بلغ مقداره أمام المحكمة المنظورة أمامها الدعوى الجزائية في أي حال كانت عليها الدعوى، حتى لو لم يقبل طلبه أثناء التحقيق». كما وأنه في حال صدور عقوبة في الحق العام وثبوت الحق الخاص في ذمة المتهم فإن المتهم يقضي عقوبة الحق العام ولا يتم إطلاق سراحه إلا بعد سداد الحق الخاص ولا تشمله تعليمات العفو التي يصدرها الملك عبد الله سنوياً باعتبار أن الحق الخاص لا يملك التنازل عنه إلا مالكه، وحتى المحكمة لا تملك إسقاط الحق الخاص أو التنازل عنه».

وبيّن المالكي أن مصطلح إطلاق السراح المشروط مقرر حكماً في نظام المرافعات الشرعية في باب الحجز والتنفيذ ولكن لا يتم تطبيقه إلا في القضايا الحقوقية الخالصة وليس القضايا الحقوقية المنشقة من فعل جنائي محرم وقال: «يُقصد بإطلاق السراح المشروط موافقة قاضي التنفيذ أو القاضي الذي أصدر الحكم ضد المتهم على إطلاق سراح المتهم من السجن بشرط إحضار كفيل غارم للمتهم  أو تقديم ضمانة عقارية تكفي للوفاء بالمبلغ المحكوم به، أو إطلاق سراح المتهم لمدة محددة في أمر الإطلاق على أن يعاد إلى السجن إذا عجز عن الوفاء خلال هذه المدة. وفي بعض القضايا تتولى بعض الجهات الخيرية أو لجان المعسرين السداد عن المتهم ولكنها تكون في حدود المبالغ البسيطة لكونها تستهدف إطلاق سراح أكبر عدد من السجناء بمثل هذه المبالغ».

ولفت إلى إن «عدم وضوح آلية إطلاق سراح المحكومين في القضايا الجنائية وعدم وجود نصوص نظاميه تحكم عملية إيقافهم يتسببان بتكدّس السجون بالمئات  من الذين لا يملكون القدرة على الوفاء بما حُكم عليهم به وعدم شمولهم بدعاوى الإعسار التي تطبق على الموقوفين في القضايا الحقوقية الخالصة، وهذا من شأنه أن يحمل الدولة مصاريف باهظة على رعاية هؤلاء السجناء. بينما لو وجدت أنظمة خاصة لتشغيل هؤلاء السجناء في المصانع والشركات الخاصة أو في بعض المؤسسات الحكومية لحُسم من رواتبهم ما يكفي للوفاء بما عليهم».

العُثيم
سداد الحق الخاص دين برقبة المتهم وإن طال بقاؤه في السجن ...

قال رئيس المحكمة الجزائية في جدة الشيخ عبد الله العُثيم إن من عليه حق خاص يجب أن يدفعه حتى وإن طالت فترة بقائه في السجن سنوات. وأضاف: «ليس كل من يتقدم للمحكمة بحجة انه غير قادر على سداد الحق الخاص يُعسر له ذلك، بل يجب التأكد من حالته المادية والسؤال عن الأموال المطلوبة منه  وأين ذهب بها من جانب القاضي. وإن كان لا يملك بالفعل هذا المال فلا مانع من وجود من يدفع عنه. وفي ما يتعلق بإطلاق السراح المشروط  فهو فقط يتم في القضايا الجزائية وليس الجنائية، وإن كان المتهم يرغب في الخروج بكفالة فعليه دفع نصف المبلغ المطلوب منه قبل سداد المبلغ المتبقي عليه للمحكمة. وإن لم يكن هناك من يدفع عنه أو يساعده من أهل الخير فليس له مكان غير السجن حتى وإن طالت فترة بقائه فيه».