المرأة تقتحم مجمع البحوث الإسلامية
علماء الأزهر, د. آمنة نصير, د. عبلة الكحلاوي, د. عبد المعطي بيومي, د. سعاد صالح, د. أحمد الطيب, د. حامد أبو طالب, تفعيل دور المرأة , مجمع البحوث الإسلامية
10 مايو 2010مشاركة جادة
وقال العميد السابق لكلية الشريعة والقانون وعضو مجمع البحوث الدكتور حامد أبو طالب: «لا مانع شرعاً من انتخاب المرأة عضواً بالمجمع طالما أن المرشحة تتمتع بالكفاءة، والتاريخ الإسلامي شهد تجارب عديدة لدخول المرأة إلى ساحة العلم الديني ليس كدارسة فقط بل عالمة ومفتية في مختلف القضايا المطروحة على الساحة في عصر أصبحت فيه وسائل الإعلام والتعليم والتثقيف مفتوحة أمام الجنسين. وبالتالي فإن التوجه الجديد للأزهر هو تطبيق عملي للمشاركة الجادة للرجال والنساء في اتخاذ القرارات في القضايا الحيوية، وهذا ما دعا إليه القرآن في قوله تعالى: «والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم * وعد اللهُ المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ومساكن طيبة في جنات عدن ورضوانٌ من الله أكبر ذلك هو الفوز العظيم» (سورة التوبة الآيتان 71 -72).
مواجهة الفكر الذكوري
وطالبت العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية الدكتورة آمنة نصير شيخ الأزهر بأن «يدافع عن توجهه المستنير بشكل جاد وعملي لمواجهة دعاة الفكر الذكوري من أعضاء المجمع، الذين لن يتركوا التجربة تمر بسهولة، وإنما سيحاولون وضع العوائق أمامها لإفسادها حتى يتم إنجاح هذه التجربة الفريدة، لتكون نموذجاً يُحتذى في مختلف المجامع الفقهية الكبيرة في العالم الإسلامي، التي تعاني المرأة فيها الحرمان نفسه من دخول تلك المؤسسات العلمية رغم أنهن يمتلكن الكفاءة العلمية التي قد تفوق كثيراً كفاءة العلماء الرجال. ولكن التعصب الذي يمقته الإسلام يطبقه للأسف بعض دعاة الإسلام الذين لم يحسنوا فهم نصوصه التي تكرّم المرأة وتعلي من شأنها».
أعلن شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب قبول ترشيح عالمات الدين لشغل عضوية مجمع البحوث الإسلامية، للمرة الأولى في تاريخ الأزهر، وهو ما أيده علماء الأزهر الذين أشاروا إلى أن هذا التوجه تأخر كثيراً طوال تاريخ الأزهر الذي تجاهل شيوخه وجود أي عنصر نسائي فيه، وهو ما جعل البعض يصفه بأنه مؤسسة ذكورية يستحيل على المرأة دخولها. وأوضحوا أن هناك فقيهات يحملن أعلى المؤهلات العلمية في العلوم الشرعية، ويمثلن إضافة لأي مؤسسة إسلامية ليس في مصر فقط بل في مختلف المجامع الفقهية في العالم الإسلامي. فما هي تفاصيل تلك الخطوة الجريئة، وماذا عن الآراء المختلفة حولها.
تصحيح أوضاع خاطئة
وأبدت مفتية النساء الدكتورة سعاد صالح العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية في جامعة الأزهر- سعادتها الشديدة بهذا التوجه الجديد للأزهر الذي يُعد كسراً للتعصب الذكوري على هذه المؤسسة طوال السنوات الماضية، مما يُعد إساءة ليس للأزهر فقط بل إلى الإسلام نفسه، رغم أنه كرّم المرأة وهو بريء من ظلمها باسمه وتحت أي حجج مهما كانت، حتى لو تم التأويل الخاطئ لبعض النصوص الدينية، مثل إن المرأة تحكمها العاطفة وأن عقلها ليس مثل عقل الرجل كنوع من الفهم الخاطئ لقوله صلى الله عليه وسلم «النساء ناقصات عقل ودين».
وعرضت صالح لتجربتها السابقة في الترشح لعضوية مجمع البحوث منذ سنوات، حين أعلن شيخ الأزهر الراحل أنه لا يوجد مانع شرعي أو قانوني من ترشح المرأة لعضوية مجمع البحوث، إلا أن المفاجأة كانت في الاتفاقات الذكورية المتعصبة التي جعلت كل أعضاء المجمع يرفضون انتخاب المرأة بمن فيهم شيخ الأزهر نفسه، ولم يصوّت لصالحها سوى صوت واحد، ولهذا تحذر من أن يتم تكرار الوضع نفسه مرة أخرى، مما يُفسد التوجه المستنير لشيخ الأزهر الجديد.
حسن الاختيار
وقالت الداعية الإسلامية الشهيرة الدكتورة عبلة الكحلاوي العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية في بورسعيد بجامعة الأزهر: «هذا التوجه من الدكتور أحمد الطيب يؤكد حسن نيته، وحتى يتم تفعيله لا بد من وضع ضوابط موضوعية، بحيث يتم ترشيح ذوات الكفاءة العلمية والأكثر احتكاكاً بالمجتمع وقدرة على الإفتاء وإبداء الرأي العلمي المدعم بالأدلة الفقهية في مختلف القضايا المعاصرة. وفي الوقت نفسه يجب على من ترشح نفسها أن تكون بعيدة عن أي تعصب أو ضيق أفق أو صدام مع الآخرين، وإذا اختلفت مع الأعضاء في بعض الآراء يجب أن يكون ذلك داخل جلسات المجمع، حتى تكون جزءاً فعالاً في المنظومة العلمية دون إثارة لمعارك أو مشكلات».
ونصحت الدكتورة عبلة من ترشح نفسها لعضوية المجمع أن تكون علاقتها طيبة بمختلف أعضاء المجمع، وخاصة أن اتخاذ القرارات في المجمع يخضع للتصويت وترجيح رأي الغالبية، وبالتالي فإنه إذا افتقدت الذكاء أو اللياقة والديبلوماسية في علاقتها بالآخرين فإنه لن يكون له تأثير، وسيجعلها سبباً في إفشال التجربة بدلاً من دعمها بزيادة عدد عضوات المجمع. ولهذا فإن نجاح أو فشل التجربة ليس بيد الرجال فقط، بل إنه في يد النساء أيضاً، فهل تحسن المرأة استثمار الفرصة الذهبية التي أتيحت لها بعد سنوات طويلة من الحرمان، وبقدر نجاحها في مصر سيكون الإقبال عليها في مختلف الدول الإسلامية التي تنظر للأزهر على أنه القبلة العلمية للمسلمين، وإذا اتخذ خطوة فإن الآخرين سيقلدونه.
في البداية فسّر شيخ الأزهر أسباب هذا التوجه بأن النساء يمثلن نصف المجتمع وراعيات للنصف الآخر، ولهذا لا يمكن تجاهل وجودهن في هيئة كبار العلماء المسماة «مجمع البحوث بالأزهر»، والتي تضم خيرة علماء الأمة الإسلامية وليس من مصر فقط.
وأشار إلى أن الترشح والاختيار سيجريان بشفافية مطلقة لاختيار الأفضل «حتى نضمن نجاح هذه التجربة الفريدة، خاصة أنه لا يوجد مانع شرعي من توليها أي منصب باستثناء الخلافة الكبرى للأمة الإسلامية، بالإضافة إلى عدم وجود مانع قانوني».
وقال: «يضم الأزهر مجموعة كبيرة من الفقيهات اللواتي حصلن على أعلى الدرجات العلمية، ولهن مؤلفات قيمة ونشاط ووجود إعلامي، مما يؤكد دورهن في نشر الوعي الديني بشكل قد يفوق بعض العلماء من الرجال.
ورفض الدكتور أحمد الطيب اتهامات المعارضين له بأن هذا التوجه يحمل مجاملة وخضوعاً للمنظمات النسائية، وأن هذا سيؤثر سلباً على مصداقية المؤسسة الأزهرية التي تستجيب للضغوط النسائية، مؤكداً أن هذا التوجه نابع من داخله وعن اقتناع تام، بل إن هذا القرار تأخر كثيراً لأن الوضع السابق يتجاهل من وصفهن الرسول صلى الله عليه وسلم بـ«شقائق الرجال»، حين قال: «إنما النساء شقائق الرجال». ولا يمكن أن يتجاهل الرجال شقيقاتهم في الحياة وينفردوا بمناقشة كل القضايا حتى ما يتعلق منها بالنساء، فهل يُعقل أن نناقش قضايا المرأة ونتخذ فيها قرارات وهي غائبة؟
خطوة جريئة
ويؤيد الدكتور عبد المعطي بيومي عضو المجمع هذا التوجه الجديد لشيخ الأزهر، مؤكداً أنها خطوة جريئة وتصحيح لأوضاع خاطئة وانصاف للمرأة، التي تُشارك الرجل في كل أمور الحياة بل إنها تقود كثيراً من الأسر ودورها في التربية أكثر من الزوج لأنها مربية الأجيال. ولهذا لابد أن يكون لها صوت مؤثر وفعال داخل الأزهر بوجه عام ومجمع البحوث بوجه خاص باعتباره أعلى وأول هيئة علمية في العالم الإسلامي.
ودعا بيومي شيخ الأزهر الجديد الدكتور أحمد الطيب إلى الحرص على إنجاح التجربة بأن «يكون الاختيار لمن تتمتع بالكفاءة وشروط العضوية، وأنه شخصياً سينتخب أي امرأة تتمتع بالكفاءة لشغل المنصب، لأن الكفاءة والأهلية هما المعياران الوحيدان لانتخاب أي سيدة تنال هذا الشرف وحتى تمثل إضافة حقيقية تًُشجع على تكرار التجربة في مختلف الدول الإسلامية، وفي الوقت نفسه زيادة عدد عضوات مجمع البحوث وعدم الاقتصار على واحدة أو عدد قليل منهن».
انصاف للمرأة
ودعا وزير الأوقاف المصري السابق وعضو مجمع البحوث الدكتور محمد الأحمدي أبو النور إلى محاربة وجود أي مجاملات في انتخاب أول سيدة عضواً بالمجمع، ويكون هذا تطبيقاً عملياً لتوصية الرسول صلى الله عليه وسلم بالنساء حين قال للرجال في كل العصور: «استوصوا بالنساء خيرا». بل النساء كن صحابيات للرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا شرف عظيم، ولهذا فمن باب أولى أن يكن عضوات بالمجمع. وأنا شخصياً سأكون حريصاً على اختيار الشخصية الأكثر علماً واتزاناً وكفاءة ومعايشة لمشكلات المرأة وقدرة على التعبير عنها.