التوائم ونظرة المجتمع

المجتمع السعودي, المدرسة, شهادات حيّة, التوائم, دور الأهل, غرفة الأولاد, إرث, راميا شيبان, مارتين زغبي أبو زيد

17 أغسطس 2010

أن ترى شخصاً ذا ملامح مماثلة بعض الشيء لإنسان آخر، أمر طبيعيّ. كما أنّ الملامح تدخل ضمن الإرث الجينيّ للعائلات. لكن أن ترى شخصاً، فإثنين أو ثلاثة «نسخة طبق الأصل»؟! بالطبع، إنها ظاهرة التوائم. بحيث أنّ هؤلاء مرآة عاكسة بعضهم لبعض. فالتشابه في الشكل دقيق إلى درجة أنك لا تستطيع الفصل بين التوائم للوهلة الأولى.
بيد أنّه من جهة أخرى، لا بدّ لنا من أن ندرك أنّ الشقيقين التوأمين شخصان مختلفان في الجوهر ومن حيث الشخصيّة والطباع والرغبات والأهواء، فلا يجوز لنا أن نختصرهما بشخص واحد. وهذا هو الخطأ الذي يرتكبه الجميع، وحتى الأهل، حينما يصنّفون
«الثنائي» كفرد واحد. فعلى مرّ العصور، ثبُت أنّ كلّ شخص من التوائم له صفاته التي تميّزه عن سواه، وقد يتمتّع بما لا يتمتّع به الآخر من مقوّمات ومؤهّلات، وله أحلام وكيان وطريقة عيش مختلفة. وما نفعله، من حيث ندري أو لا ندري، هو تحطيم للشخصية الفردية، وكبت للتميّز وحرمان للتعبير...

تتحدث المعالجة النفسيّة مارتين زغبي أبو زيد عن الإنعكاسات النفسية عند التوائم، وللمفارقة، هي أيضاً شقيقة تواءم  لريتا زغبي، وقد عانت وأختها كلّ المشقّات التي يتكبّدها الإخوة التوائم بسبب نظرة المجتمع الخاطئة وتعامل الأهل غير المدروس. كما تتكلّم الإختصاصية في علم الإجتماع راميا شيبان عن نظرة المجتمع والناس الى الأمر لا يختبرونه بأنفسهم.

شخصيّة التوأم
على الرغم من التشابه الهائل في الشكل ما بين الأشقاء التوائم، فإنّ الفرد المعنيّ يُدرك بالطبع أنّ له نقاطاً مشتركة ومماثلة مع شقيقه، كما له نقاط إختلاف وتباين. فمن هذا المنطلق، تقول أبو زيد: «يرى الشخص التوائم نفسه كشخص كامل، لكن عندما ينظر إلى شقيقه الآخر، فكأنما هو أمام مرآة. وهذا ما يجعله يريد البقاء الى جانب الآخر، كونه يتفهّمه ويشبهه ويستطيع التواصل معه بكلّ سلاسة وسهولة». هذا، وقد يكون داخل العلاقة الأخويّة اختلاف واضح في الشخصيّة، بحيث يكون واحد هو القائد Leader والآخر هو التابع له Follower، لأنّ الأولّ يتمتّع بعزيمة وقوّة شخصيّة وهو المعطي Active داخل العلاقة، فيما شقيقه هو المتلقي Passive ويلحق بالتالي بأخيه لتحقيق ما يريده.
تضيف أبو زيد: «عندما يكون التوائم صغاراً في السن، تؤثر نظرة المجتمع عليهم كثيراً، بحيث لا يستطيعون الفصل ما بين الصورة التي كوّنها الناس عنهم وعن شخصيّتهم، بمعنى ماذا يجب أن تكون، وما بين ماهيّة شخصيّتهم الحقيقية، أي ما يريدون هم تحقيقه بذاتهم. وقد يتأثر الفرد بطباع شقيقه التوائم  ويحاول جذب الإنتباه لناحيته عبر التصرّف مثله ولكن بطريقة مبالغ بها».

تشابه وإختلاف
تؤكّد أبو زيد أنّ «الأشقاء التوائم المتشابهون في الشكل، لهم أيضاً قواسم مشتركة من حيث الصداقات والإهتمامات والدراسة... فهم من يتمتعون بالطول والملامح نفسها، وقد يلبسون بطريقة مماثلة، ولهم أصدقاء مشتركون ويرتادون المدرسة عينها وهم في الصف عينه... لذلك تنشأ بينهم علاقة وطيدة، خاصة إن كان الأخوان من الجنس الواحد، بحيث يتعلّق الواحد بالآخر ويثق به ويعتاد على وجوده الدائم في جواره». لكن عندما يكون التوأمان بنتاً وصبياً، فقد نرى غيرة من الصبي وهجوماً وعدائية أحياناً لأنّ البنت تنضج قبله عادة وتظهر بوادر الإختلاف بينهما.
وتلفت أبو زيد الى ان للتوأمين عالماً خاصاً بهما. فقد يتواصلان بطرق لا يفهمها سواهما، وقد يصل بهما الأمر إلى التخاطر في الأفكار Telepathy. فللتوائم أحياناً لغة خاصة لا يتوصّل الغير إلى حلّها، والتوأم يفهم متطلّبات الشخص الآخر بسرعة لا مثيل لها ومن دون تكبّد عناء التفسير.  كما تنوّه أبو زيد الى أنّ «الشقيق التواءم يتعامل مع إخوته غير التوائم بكلّ طبيعيّة وأخوّة ومحبّة، لكنه سرعان ما يشكّل مع توأمه جبهة موحّدة ضدّ الغير في حال حاول التدخل في علاقتهما».

أهل ومجتمع
إنّ النظرة الخاطئة التي يكوّنها المجتمع عن التوائم، وتعامل الأهل غير الإعتيادي معهم قد يؤديان إلى إنعكاسات لا تُحمد عقباها. تفسّر شيبان: «إنّ إلباس التوائم ثياباً متطابقة دوماً وإعطاءهم أسماءً متقاربة أو متناغمة ومقفّاة، وإعتبارهم شخصاً واحداً، والمقارنة الدائمة بينهم ومحاولة فرض واقع أنهم متطابقون إلى أقصى الحدود... من شأنها أن تُحبط التوائم وتوقعهم في دوّامة لا هروب منها. فيملّون أسئلة الناس. لذلك قد يحاولون إثبات أنهم أشخاص مختلفون، من خلال التغيير الجذريّ في الشكل والعمل والعلاقات والتصرّفات، أو حتى من خلال الإبتعاد عن الآخر كي لا يظلّ الناس يحدّقون إلى التوائم معاً». لذلك، لا بدّ من التعامل الصحيح مع كل من التوائم على حدة، منعاً لردّة الفعل العكسيّة.
تضيف «من الأفضل أن ينخرط كلّ فرد في نشاط يحبّه هو، من رياضة أو موسيقى أو كتابة وما شابه، بعيداً عن شقيقه. كما أنّه من المفضّل أن يفرّق الأهل ما بين التوائمين في المدرسة، فيضعان كلّ واحد في شعبة صفّ مختلفة، كي يكوّن كلّ شخص إستقلاليّته ورفاقه ويُبدع في دراسته. ولا بدّ من أن يتعامل الأهل بعاطفة وحنان مع الأولاد، بغضّ النظر عن عددهم، وليس فقط لتلبية حاجاتهم من نوم وأكل وإستحمام. بل يجب تكريس وقت فراغ للمرح واللعب والمشاركة».

إيجابيّ وسلبيّ
تقول أبو زيد: «الشقّ الإيجابيّ الناتج عن كون المرء توأماً هو وجود علاقة أخويّة متينة ومختلفة عن سواها، بحيث يفهمك الآخر ويفكّر فيك على الدوام، ويشاركك أفكارك وهمومك. وتصبح المشاركة أسهل بعدها ضمن العلاقة الزوجيّة، بحيث يعتاد التوائم منذ نعومة أظافرهم على المشاركة في الثياب والغرفة والألعاب وغيرها». وأمّا الإنعكاسات السلبية، فقد تصل إلى حدّ الشعور بالذنب عند الإنخراط في أيّة علاقة عاطفيّة، لأنّ الشقيق الآخر ليس مغرماً مثله. لذلك، قد يتعذّر الزواج على التوائم في الحالات القصوى من التعلّق ببعضهما.

شهادات حيّة
- عندما يكون التوأمان صبياً وفتاةً، تكون الأمور مختلفة بعض الشيء، لأنّ الناس يستطيعون التمييز بسهولة بينهما.
ناصيف وفالنتينا أبي حبيب توأمان لهما من العمر نحو أربع سنوات. هما مميّزان ومختلفان عن بعضهما. فالصبيّ قياديّ وقويّ فيما الفتاة ملؤها الأنوثة والنعومة. يلعبان مع بعضهما إلاّ أنّ لكلّ منهما اهتماماته الخاصة. ولم يعمد الأهل إلى تسميتهما باسمين متشابهين أو إلى إلباسهما ثياباً مماثلة. بل يحترمان خصوصيّة كلّ منهما ويوجّهانهما إلى مختلف النشاطات التي ترضيهما. وحسب المحيطين، إنّ التوأمين مقرّبان من بعضهما البعض لكن ليس إلى درجة «الحاجة» أو الإلتصاق. والفضل يعود إلى التربية السليمة والإعتراف بأنهما شخصان مستقلاّن وليسا فقط «التوأمين»!

- عندما يكون عدد الإخوة التوائم أكثر من اثنين، يكون الأمر مضنياً للأهل من حيث التربية. فالأشقاء التوائم من أسرة غصين هم ثلاثة: كارل، رولف وميشال، ولهم شقيق أكبر كليم، وشقيقة ريم! يقول الأهل أنّ الله قد رزقهما التوائم الثلاثة، فكان الأمر نعمة وصدمة في آن واحد. هم متشابهون مثل قطرات الماء، ولا يمكن التمييز في ما بينهم بالعين المجرّدة مع أنهم ليسوا توائم متطابقين. طباعهم متقاربة بعض الشيء بحيث هم أشقياء ودائمو الحركة ويحبّون اللعب المستمرّ وهم يتفقون مع بعضهم البعض كثيراً، لكن لكلّ واحد ما يميّزه من حيث الحنان والقوّة والذكاء. كلّ واحد منهم في شعبة صفّ مختلفة وله أصدقاء خاصون به، وهم لا يلعبون مع بعضهم في المدرسة، كما هم مستقلّون بعضهم عن بعض.