فتاة حائرة أمام لجنة الفتوى في الأزهر
د. عبلة الكحلاوي, شبكة الإنترنت, د. عفاف النجار, رجل / رجال دين, فتوى, د. حامد أبو طالب, د. سهير عبد العزيز, زواج الإنترنت
29 نوفمبر 2010مرفوض اجتماعياً
وعن رؤية علم الاجتماع لزواج الإنترنت، قالت الدكتورة سهير عبد العزيز، أستاذة علم الاجتماع والعميدة السابقة لكلية الدراسات الإنسانية: «هذه الصورة من صور الزواج، بصرف النظر عن كونه حراماً، تعد صورة هشَّة، وكثيراً ما يتعثر من بدايته، وبالتالي فإن احتمالات الفشل فيه كبيرة جداً لعدم المعرفة الحقيقية بين طرفيه، ووجود احتمال كبير للخداع، فضلاً عن أنه يتم بعيداً عن معرفة الأسر، وخاصة أسرة الفتاة التي غالباً ما تكون ضحية فشل هذا النوع من الزواج غير المستقر منذ بدايته. كما ان المجتمع يرفضه، لأنه يتنافى مع تقاليدنا الاجتماعية التي تفرض على راغب الزواج أن يتقدم لأهل من يريد الزواج منها، وعلى مرأى ومسمع من المجتمع يتم الزواج، وهو ما يطلق عليه الإشهار. ولهذا فإن ما يسمى زواج الإنترنت لا يصلح تطبيقه في المجتمعات الشرقية».
يفتقد الإشهار
أوضح عضو مجمع البحوث الإسلامية الدكتور عبد الله النجار، أن «الزواج سُنَّةُ الأنبياء والمرسلين، وهو، كما وصفه الله سبحانه وتعالى، «سكن»، لأنه قرار مصيري بل هو من أهم القرارات في حياة المسلم والمسلمة، ولما كان الزواج بهذه الأهمية لا بد، قبل الإقدام عليه، من أخذ كل وسائل الاحتياط والحذر، والاستعداد النفسي والبدني، وكل هذا غير متوافر في زواج الإنترنت الذي غالباً ما يكون طرفاه يجهل أحدهما الآخر».
وبرهن النجار على بطلان زواج الإنترنت بعدم «توافر الأركان والشروط التي شرعها الإسلام، ومن أهم أركانه اشتراط وجود الولي للزوجة، لقوله، صلى الله عليه وسلم: «لا نِكاحَ إلاَّ بوليٍّ وشَاهِديْ عَدلٍ». ومن يتأمل سلوك الرجل والمرأة عبر الإنترنت، نجد كل أقوالهما وسلوكياتهما مرفوضة شرعاً، ومرتبطة بالإثارة الجنسية، ويتم ذلك في الخفاء بعيداً عن أعين الناس.، وقد نسيا أن الله مطلع عليهما، وهو سبحانه القائل «يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ» آية 19 سورة غافر. كما أمرنا النبيُّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بإعلان الزواج حتى يكون صحيحاً فقال: «أعلنوا النكاح». وجعل هذا الإعلان علامة تميز النكاح الحلال من الحرام، فقال: «فَصْلُ مَا بَيْنَ الْحَرَامِ وَالْحَلالِ الدُّفُّ وَالصَّوْتُ». وهذه الضوابط لم تتم في زواج الإنترنت، وبالتالي لا قيمة له شرعاً، ويجوز لتلك الفتاة أن تتزوج زواجاً صحيحاً، وأن تندم على ما فعلت، وتتعلم من هذه التجربة المريرة.
إحباط
وعن التحليل النفسي لزواج الإنترنت وأطرافه، قال الدكتور يحيى الرخاوي، أستاذ الطب النفسي في كلية طب قصر العيني: «علاقات الحب والزواج تطورت عبر الأجيال، فلم يعد في زماننا مكان للحب الأفلاطوني أو العذري، لأن الحياة العصرية أوجدت قنوات للتواصل بين الجنسين، في مقدمها شبكة الإنترنت التي تتصف غالبية علاقاتها بالكذب والخداع. أما الحب الحقيقي فهو الذي يخضع لامتحان الحياة، وتكون فيه تضحيات من الطرفين. أما زواج الإنترنت، حتى إذا اكتمل بشكل صحيح، فهو محفوف بالمخاطر، لأنه لا يعطي الفرصة الكافية كي يتعرف كل طرف على الآخر بصورة جيدة، إذ يحاول كل منهما إبراز الجوانب الإيجابية من شخصيته، مدعياً ما لا يمت الى حقيقته بصلة. ولهذا فإن هذا الزواج لا يدوم، لافتقاده عوامل الاستقرار والاستمرار، بل إنه يُبنى في كثير من الأحيان على الكذب».
وأنهى الدكتور يحيى كلامه بالتأكيد على أن الفشل هو نهاية هذا الزواج، كما أنه يترك آثاراً نفسية كثيرة على المرأة، منها الانكسار الداخلي والاكتئاب والإحباط واليأس.
لم تدرك الفتاة التي لم تتجاوز العشرين عاماً، أن ما فعلته على شبكة الإنترنت، على سبيل اللهو سوف يتحول إلى أزمة تدفعها للذهاب إلى لجنة الفتوى في الأزهر تطلب رأياً، فقد تعرفت على شاب من خلال غرف المحادثة، وقالت له: «زوجتك نفسي على سُنَّة اللهِ ورسولِه»، وحدثت بينهما علاقة من خلال كاميرا الإنترنت، ثم ندمت على ما فعلت، خصوصاً عندما تقدم لها عريس محترم. فالشاب الذي عرفته من الإنترنت أكد لها أنها زوجته ولا يحق لها الزواج بآخر إلا بعد أن يطلقها، مؤكداً أنه كان معه شهود عندما زوجته نفسها من خلال «التشات». وهكذا عاشت الفتاة ندماً وحيرة وأصبحت مأساتها درساً لكثيرات ممن قد يقعن في الورطة نفسه. فبماذا أفتاها رئيس لجنة الفتوى؟ وما هي آراء رجال الدين في زواج الإنترنت؟
عبث
وتؤكد العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية في بورسعيد الدكتورة عبلة الكحلاوي، أن «ما يحدث بين الشباب والفتيات، من خلال الإنترنت من محادثة وتعارف، قد يصل إلى الاتفاق على الزواج وإتمامه، عن طريق إحضار شهود على الزواج في غيبة وليِّ الأمر. وهذا لا يجوز شرعاً لأن عقد الزواج لا بد أن يتم في مجلس العقد، أي بوجود أسرة الطرفين، والشهود العدول، والمأذون الشرعي الذي يعقد العقد لضمان حقوق الطرفين وواجباتهما، وضمان حقوق ثمرة هذا الزواج، أما زواج الإنترنت فلا يترتب عليه أي حقوق شرعية لأي طرف من الطرفين، وإنما هو عبث حرمه الشرع، وما بُني على باطل فهو باطل».
وأشارت الدكتورة عبلة إلى أن «غرف الدردشة تأخذ حكم الخلوة المحرمة شرعاً، لقول النَّبيِّ، صلَّى اللَّهُ عَليهِ وسلَّم: «لا يَخلُوَنَّ رجلٌ بامرأةٍ، إلاَّ كانَ ثالثَهُما الشَّيطانُ». ومن يتأمل العلاقات التي تنشأ عبر الإنترنت، يدرك أنها تستهدف إشباع الغريزة فقط، حتى لو تطورت إلى زواج لن تتحقق فيه ضوابط الزواج المستقر الذي يعرف طرفاه ما له من حقوق وما عليه من واجبات، ولهذا فهو مرفوض شرعاً لقول رسولِ اللهِ، صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «الإِثْمُ مَا حَاكَ فِي صَدْرِكَ وَكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ». وبالتالي على هذه الفتاة التوبة الصادقة إلى الله، والندم على ما فعلت، لأنها فرطت بعفتها وكرامتها، ووقعت ضحية ذئب لا يرحم».
محاذير شرعية
تؤكد عميدة كلية الدراسات الإسلامية في جامعة الأزهر الدكتورة عفاف النجار، رفضها زواج الإنترنت قائلة: «رغم تعاطفي مع مأساة هذه الفتاة، أحمّلها جزءاً كبيراً من المسؤولية، لأنها لم تسأل عن حكم الشرع في ما تفعل من البداية، حينما رضيت التحدث عبر الإنترنت مع شاب لا تعرفه، واستخدمت المايك والكاميرا لتظهر له جسدها، بعدما أوهمها بأنها زوجته. ومع هذا فإن زواج الإنترنت باطل شرعاً لما فيه من محاذير شرعية، منها على سبيل المثال لا الحصر، محادثة المرأة للرجل الأجنبي عنها، وخضوعها له بالقول، وهذا محرمٌ في الشريعة، لأن الله عز وجل نهى أطهر نساء الأمة، وهن زوجات النبي، صلى الله عليه وسلم، عن الخضوع بالقول، فقال سبحانه: «يَا نِسَاءَ النَّبيِّ لَسْتُنَّ كَأحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلاَ تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفًا» الآية 32 سورة الأحزاب. «فما بالنا إذا كانت هذه العلاقة قائمة، بشكل أساسي، على الميوعة والخضوع بالقول».
وأوضحت الدكتورة عفاف أن المحادثة بالكتابة عبر الإنترنت تأخذ حكم القول، وقد يمتد الكلام حتى يطلب الشاب رؤية من يحادثها، وهذا مرفوض شرعاً، لكونه خلوة محرمة نهى النبي، صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، عنها. بل إنه نوع من اتباع خطوات الشيطان حتى يقع الحرام، وقد نهانا الله عن ذلك، حيث قال سبحانه: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَاء وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ» الآية 21 سوره النور.
تصحيح الأوضاع
عن إمكان تحول زواج الإنترنت من الحرام إلى الحلال، قال عضو مجمع البحوث الإسلامية الدكتور حامد أبو طالب: «لا بد من معالجة مواطن النقص في الزواج عبر الإنترنت حتى يكون عقداً شرعياً، ولا بد من وجود الوسيط الأمين الذي عُرِف عنه الديانة والأمانة، والذي يحاول التوسط بين راغب الزواج وأهل المرأة، حتى يأخذ الزواج طريقه المعتاد، من وجود الولي والإيجاب والقبول، وهي شروط الزواج الشرعي الصحيح وأركانه. ولا قيمة لتهديدات الطرف الآخر، لأنه ليس زواجاً شرعياً، أصلاً، حتى تترتب عليه آثاره الصحيحة، وإنما هو خداع حاول ارتداء عباءة الشرع».
وأشار إلى أن هناك «اجتهادات فقهية ترى أن زواج الإنترنت قد يدخل ضمن «زواج الشبهة»، وهو الذي تكون فيه إجراءات الزواج غير كاملة، أو يعتقد طرفاه أنها كاملة، وفيه ينسب الولد إلى والده، وله الحق في الميراث إذا تم استكمال إجراءات النقص فيه، حتى تكون كل خطواته شرعية، ولكنني أرى أن هذا الزواج باطل، لقول الرسول، صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل». ويجب أن تتعلَّم الفتيات من هذه التجربة القاسية التي بدأت بالعبث والتسلية، حتى تطور الأمر إلى ما لا تحمد عقباه».
ما تم عبر الإنترنت خطأ وحرام شرعاً
في البداية نعرض لرد الشيخ عبد الحميد الأطرش، رئيس لجنة الفتوى في الأزهر، على تلك المأساة. يقول: «ما تم عبر الإنترنت خطأ وحرام شرعاً، إلا أنه ليس زواجاً شرعياً صحيحاً، لأنه يشترط لصحة الزواج عند جمهور الفقهاء، وجود ولي المرأة، لقول النبي، صلى الله عليه وسلم: «لا نِكاحَ إلاَّ بوليٍّ وشَاهِديْ عَدلٍ»، وقوله، صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «أيُمَا امرأةٍ نُكِحَت بغير إذن ولِيِّها فنكَاحُها باطلٌ، فنكاحُها باطلٌ، فنكاحُها باطلٌ».
وبالتالي فإن ما تم عبر الإنترنت ليس زواجاً صحيحاً مكتمل الشروط والأركان، لعدم وجود الولي والشهود أو المهر والإشهار، وما يقوله هذا الشاب من وجود شاهدين لا يعتد بشهادتيهما شرعاً لأنهما ليسا شاهدي عدل، وإنما هما عابثان اجتمعا مع ذئب عابث لا يحترم شرع الله، وغرر بالفتاة وخدعها. ولهذا أحذر الفتيات من الوقوع فريسة للذئاب البشرية التي لا تحترم الأعراض، وتعتدي على عفة البنات باسم زواج الإنترنت، وما هو بزواج، ولهذا يجوز لتلك الفتاة الموافقة على من تقدم للزواج بها من خلال أسرتها».