ناشطات متميّزات في مجال العمل التطوعي
نادين نجيم, العمل التطوعي, أعمال خيريّة, مشاهير, مساعدة المنكوبين, العمل الخيري
03 يناير 2011إلتقت «لها» الناشطة في مجال العمل الاجتماعي لينا أبي رافع، وملكة جمال لبنان السابقة نادين نجيم وميليسيا غيلكرست التي انتقلت من العمل في عالم الجمال والأناقة الى العمل الخيري، وأجرت معهن هذه الحوارات.
ميليسا غيلكريست: كل منا يساعد على طريقته الخاصة
- انتقلت من العمل في عالم الاناقة والجمال إلى عالم من الكوارث والصعاب، هل هو نداء للحب ولمساعدة الإنسانية؟
لم يكن أمامي اختيار آخر. أحياناً نشعر أن شخصاً أو أمراً يؤثر في حياتنا دون أن نعرف السبب. قد لا يكون شخصاً نعرفه أو نحن على اتصال به. لكن هذا لا يمنع من أن يؤثر بنا إلى أقصى حد بشكل غير متوقع. عندها نعرف أنه يجب أن نبذل قصارى جهدنا لنساعد ولنكون فاعلين. دمر زلزال هايتي في 12 كانون الثاني/يناير 2010 الجزيرة بمعظم ما فيها من بنى تحتية هشّة وبما فيها من كثافة سكانية. عندما أدركت ذلك، تأثرت بما حصل بشكل يصعب وصفه. ومن ذاك الوقت، بدأت أتابع كل التقارير حول هذه الكارثة وعن سير أعمال البحث والمساعدة والدعم، وحاولت أن أعطي الأشخاص الذين أصيبوا في هذه الكارثة قليلاً من الأمل ليتمكنوا من بناء حياتهم من جديد، فمنهم من بقي دون مأوى ومنهم من فقد عائلته، ومنهم أطفالٌ صاروا أيتاماً.
- ما كان دورك كمتطوعة في الظروف الصعبة التي خلّفتها الكارثة؟
كوني متطوعة، مكثت في دار للأيتام وفي مخيّمي للأشخاص الذين لا ملجأ لهم. يحتوي هذان المخيّمان على أكثر من 3000 شخص خسروا منازلهم نتيجة الزلزال . حاولنا أن نؤمن لهم ما خسروه من عطف وطعام ولباس . كما عملت في تعليم الأطفال، بعد إقفال المدارس أشهراً طويلة. كما عملت ضمن فريق عمل في أبحاث بهدف تأمين كل المعلومات اللازمة والتقارير إلى من هم في المهجر ليحصلوا على الأخبار التي يحتاجونها عن أفراد عائلاتهم في هايتي.
- كيف تصفين الظروف التي عشت بها في هايتي، وكيف تأقلمت مع الوضع؟
كنا كمتطوعين ننام في خيام، بمعدل شخصين في كل خيمة ، على أن يؤمن كل منا أغراضه بدءاً من الفراش إلى الوسادة والغطاء لنحمي أنفسنا من شدة الحر، والناموسية التي تعتبر ضرورية لكثرة البعوض. لا نملك في هذه الظروف إلا الأساسيات مما نحتاجه لضروريات الحياة. حتى أنه لم تكن تتوافر لنا الكهرباء والماء. كنا نعيش في تجمّع خاص للمتطوعين.
- هل تطوّعت مباشرةً للمساعدة عندما سمعت بما حصل في هايتي؟
في الواقع، لم يكن العمل التطوعي من المشاريع التي خططت لها في حياتي. لم أفكر في الموضوع إلا عندما سمعت بالكارثة التي حصلت في هايتي. عندها عرفت انه عليّ أن أذهب إلى أولئك الناس وأساعدهم، ولا خيار آخر أمامي. فكل منا يمكن أن يساعد على طريقته الخاصة ، فالإحسان يتطلب قراراً جد شخصي ولا يمكن لأي كان أن يتخذ هذا القرار الذي قد يكلّف الكثير من المال والوقت والجهد. أعرف أن هذه الرغبة في المساعدة تغلّبت عليّ وشعرت بأن لا اختيار آخر أمامي إلا أن أقوم بكل جهد لأساعد قدر الإمكان.
- قمت بتضحية كبرى، فقد تركت زوجك وعملك الناجح في العلاقات العامة في مؤسسة كبرى لتتطوعي، ما الذي كنت تتوقعينه عندما تعودين إلى ديارك؟
عندما ذهبت، لم تكن لي أي توقعات. لم تكن لي تجربة سابقة في هذا الموضوع ولم اكن أعرف ما ينتظرني عندما أرجع. فالمسألة لم تكن تعنيني وحدي. لم أكن ذاهبة في رحلة ترفيهية وكنت أعتبر نفسي محظوظة جداً لأني سأتمكن من لعب دور ولو صغير في مساعدة أولئك الأشخاص. أنا أملك الخيار، أمام هم فلا. هي حياتهم وهم ملزمون بها. عندما عدت بعد شهر أمضيتها في العمل التطوعي، صرت أرى الحياة بشكل مختلف، وها قد بدأت العمل في بيع قمصان يعود ريعها لمساعدة شعب هايتي.
ملكة جمال لبنان السابقة نادين نجيم: لا يمكن أن أرفض شيئاً يُطلب مني
وهذا حوار مع ملكة الجمال السابقة نادين نجيم بدأناه بالسؤال عما جذبها للعمل التطوعي فأجابت: كانت عمتي تعمل مسعفة في «الصليب الأحمر»، ولا تزال. كذلك كان والدي يعمل مسعفاً في أميركا. تأثرت من طفولتي بما يقوم به أبي وعمتي. كنت أعشق الحياة التي يعيشانها، خصوصاً في حالات الطوارئ وكنت أحسدهما عليها. نمت هذه الرغبة لدي شيئاً فشيئاً إلى أن بلغت سن 18 سنة وتابعت دورة في «الصليب الأحمر» وبدأت العمل مسعفة.
- هل من ظروف معينة يمكن أن ترفضي الوجود فيها بسبب الخوف أو الخطر الذي يمكن أن تتعرضي له؟
لا يمكن أن أرفض شيئاً مما قد يطلب مني، فكل ما يطلب مهم لعملي.
- ألا تشعرين أحياناً بالخوف في بعض المهمات التي تقومين بها؟
على العكس، أشعر بحماسة أكبر في الظروف الصعبة. فهنا يبرز الدور الحقيقي للمسعف. لا أشعر بالخوف لشدة الحماسة التي أشعر بها. أثناء العمل وعندما نرى أننا فاعلون على الأرض كمسعفين ونلعب دوراً كبيراً في إنقاذ الأشخاص، ننسى الخوف ولا يكون له أي وجود.
- ما أصعب الظروف التي عشتها كمسعفة في «الصليب الأحمر»؟
ذهبت كمسعفة في أحداث «نهار البارد» التي حصلت في لبنان. أيضاً قمت بمهمات كمسعفة بعد عدد من الانفجارات التي حصلت.
- هل شعرت بأن هذه التجارب كانت أكثر صعوبة نظراً إلى الخطر الذي تواجهينه فيها؟
لم تكن هذه التجارب أصعب من غيرها. فالعمل هو نفسه أياً كانت الظروف والهدف من وجودنا هو إسعاف الناس بغض النظر عن الظروف التي نكون فيها. فحتى إذا تغيّر الظرف الذي نحن فيه ، لا نفكر في الحرب بل في ما نقوم به فحسب.
- ما أصعب المواقف التي واجهتها؟
أصعب المواقف كان في المرة الأولى التي ذهبت فيها في حالة الطوارئ كمسعفة وتوفي مريض بذبحة قلبية أمام عيني دون أن نتمكن من إنقاذه. كان الأمر شديد الصعوبة علي وأحسست بالمسؤولية الملقاة على عاتقي.
- هل أنت بطبيعتك تعشقين المخاطرة وتتحلين بالشجاعة؟
نعم، بطبيعتي أعشق الوجود في مواقف تتميز بالمخاطرة. أحب الخطر أكثر من الروتين. كما أعشق التحدي في العمل وكل ما يتطلب جهداً. وبالتالي لا أحب النجاح السهل والخالي من التحدي.
- ما الشعور الذي يطغى لديك عندما تكونين في ظروف خطرة وطارئة؟
أشعر بالحماسة لأني أحب أن أشعر بأني فاعلة على الأرض وأساعد الآخرين. هذا شعور من داخلي يناديني وأعجز عن وصفه بوضوح. في الواقع، هذا الشعور نفسه هو الذي يدفعني إلى العمل التطوعي.
- هل تطمحين إلى التطوع في أعمال أكثر صعوبة؟
كنت سأذهب في هذا العام كمتطوّعة في إرسالية الأم تيريزا إلى الهند. لكن لم يتحقق ذلك. إن شاء الله، سأذهب بعد مدة. هذا حلم لي وأتمنى تحقيقه. سيكون دورنا كمرسلين مساعدة الأطفال الفقراء والاهتمام بهم. لا تؤثر فيّ الظروف الصعبة التي سأكون فيها. أعرف أن أموراً كثيراً لن أجدها لأني سأعيش كما يعيشون هم في ظروف صعبة. أنا متحمسة جداً للفكرة. نحن نعيش برفاهية ونريد دائماً أكثر مما لدينا. في الواقع، نحن نبحث عن أمر نقوم به ويشعرنا بالفخر كتلك الأعمال التي نقوم بها ونساعد فيها الآخرين الذين يعيشون في البؤس وفي ظروف صعبة جداً.
لينا ابي رافع: أنا محظوظة لأنني أحب عملي في مساعدة الغير
- اخترت مجالاً يتطلب منك الكثير من التفاني والتضحية والشجاعة، كيف قمت بهذا الاختيار؟
أبحاثي كانت مبنية على العنف المرتكز على التفرقة الجنسية في الظروف الطارئة كما يحصل في الحروب وفي الكوارث الطبيعية. لطالما عملت بجهد كبير لأحدّ من أنواع العنف هذه قدر الإمكان. لكن في الوقت نفسه، أعمل أيضاً لأخفف من الأضرار التي تلحق بالأشخاص الذين يعيشون في ظل هذه الظروف والذين يتعرضون لهذا النوع من العنف. هذا، مع الإشارة إلى أن المرأة هي التي تعاني بشكل خاص من هذا النوع من العنف كونها تتعرض له بكثرة. لكن هذا لا يعني أن الرجل قد لا يواجه مثل هذه الحالة. لذلك، أعمل مع رجال ونساء ومع مجموعات محلية وعالمية بجهد للحد من مختلف أشكال العنف المرتكز على الجنس(الجندر)كالاغتصاب والعنف المنزلي وغيرهما.
- هل كنت تبدين اهتماماً بهذا المجال قبل أن تبدئي العمل فيه؟
أبديت اهتماماً بهذا النوع من العمل منذ أن كنت في سن 13 سنة. حتى أني درست في أحد الصفوف في الثانوية عن تاريخ المرأة وتناولنا فيه مختلف أنواع العنف الذي يمكن أن تتعرض له المرأة في حضارات متنوعة وفي حقبات مختلفة من الزمن. تعلّمت أموراً كثيرة في ما يخص المرأة والتقاليد المتنوعة، كالعادة الهندية التي تدفن فيها المرأة نفسها مع زوجها بعد موته وختان الفتيات والأضرار التي نلحقها بأجسامنا نتيجة الخلل المرضي في التغذية وتكبير حجم الثديين وغيرهما... تأثرت كثيراً بكل ذلك في ذاك الوقت. بعدها، ركزت كل جهودي لفهم هذه الأمور وتوجهت كل أبحاثي الأكاديمية ودراستي وتجاربي المهنية في هذا الاتجاه.
- كيف كانت تجربتك الأولى في بنغلادش؟ هل تمكنت مباشرةً من التأقلم مع الظروف الصعبة التي عشتها؟
تجربتي الأولى كانت بالفعل في بنغلادش عام 1997. لا شك أنها كانت صعبة، أعترف بذلك. لكني كنت قد حضرت نفسي مسبقاً لرؤية بعض الأمور التي قد تشكل صدمة لي. أعتبر أن بنغلادش شكلت البداية المثلى لي. عرفت من خلال هذه التجربة وجهات نظر أولئك الأشخاص الذين يعيشون في ظل هذه الظروف وأهمية فهمهم لنتمكن من إحداث تغيير لديهم ولنتمكن من مساعدتهم. صحيح أنه كان من الصعب رؤية كل ذاك الفقر، لكن في الوقت نفسه تعلّمت الكثير من الأمور المهمة التي ساعدتني لأتحضر لتجربة أخرى.
- بعد تجربة بنغلادش، هل شعرت مباشرةً بأنك تودين خوض تجربة أخرى مماثلة، أم أنك كنت متخوّفة من ذلك؟
بالطبع كنت متحمسة. فهذا كان كل ما أتمناه. أنا محظوظة لأني أحب عملي وأتعلّم الكثير منه. وأملي أن اعطي في كل تجربة بالمقدار الذي أتعلمه منها.
- أين كانت التجربة الفضلى لديك؟
أعتبر كل تجربة فريدة وأكسب الكثير منها. عشقت بنغلادش لأنها كانت لي التجربة الأولى وتمكنت فيها من التأسيس لأمور من بدايتها ورأيتها تنمو شيئاً فشيئاً للتحوّل إلى شيء مهم وتحدث تغييراً في حياة تلك الشعوب. كما أحببت دولة سييراليون لأنها كانت الدولة الأفريقية الأولى التي أزورها. كما يتميز شعبها بالحيوية والنشاط والقوة. عشقت أيضاً جزيرة Papua New Guinea التي تتميز بثقافتها المختلفة عن كل ما رأيته في أي مكان آخر. وبالطبع كانت تجربة هايتي مذهلة فعلاً لأن ظروف العمل في حالة من الطوارئ تبدو مختلفة تماماً وتعرف فيها من أنت وتتعرّف إلى قدراتك الفعلية. قد أستمرّ بتعداد كل ما يميّز الأماكن التي زرتها، لكن لا شك أني تعلّمت الكثير من كل مكان قصدته لأن لكل تجربة ما يميّزها.
- في البداية، كان ما تقومين به يشكل جزءاً من عملك، كيف تحوّل لاحقاً ليصبح نوعاً من العمل التطوعي؟
لطالما كان كل ما أقوم به عملاً بالنسبة إلي ومهنة. بدأت لعمل التطوعي عندما كنت في الثانوية لأنها كانت الطريقة الوحيدة لي لأكسب الخبرة من التجارب التي أعيشها. لكني بدأت أتقاضى أجراً عن عملي الأول وأنا مستمرة بذلك. وبالتالي أنا لا أقوم بعمل تطوعي، بل هذا جزء من حياتي المهنية.
- كيف تشعرين عندما تكونين مع أشخاص يعيشون في الفقر والبؤس؟
كل يعيش في البؤس بدرجات متفاوتة. الأهم أن تستوعب تجارب أولئك الأشخاص وتحترم وجهات نظرهم. علماً أنه ثمة نقاطاً مشتركة بين الناس أينما وجدوا. ولا يمكن أن ننظر إلى الناس على أساس أنهم يختلفون عنا. كلّنا متشابهون ونتعامل مع الظروف المؤلمة والصعبة التي نواجهها بالطريقة نفسها. من المهم أن نستمع إليهم وأن نعرف وجهات نظرهم وأن نتقرب منهم. أعيش معهم لأعمل معهم وأدعم وجهات نظرهم الخاصة لعيشوا حياةً فضلى. لا يمكن أن ندّعي أننا نعرف أكثر منهم أو بشكل أفضل مما هم يفعلون. تعلّمت أيضاً أنه من الضروري أن أعتني بنفسي إذا كنت أسعى إلى مساعدة الآخرين. لا يمكن أن أحسن إلى الآخرين إذا كنت عاجزة عن أن أحسن إلى نفسي وأن أهتم بنفسي. هذا درس مهم تعلّمته في هذه التجارب لأنه يسهل فيها أن نرهق أنفسنا بسبب الضغط الناتج عن ظروف العمل. هذا يختلف تماماً عن أي مهنة عادية. إذ يجب أن أعيش هذا الوضع يومياً وطوال ساعات النهار والليل، وهو يحدد لي المكان الذي أنام فيه والطعام الذي يمكن أن أتناوله والظروف التي تحيط بي...هذا ليس عملاً أتركه خلفي في آخر النهار وأعود إلى منزلي.
- ألا تشعرين بأن عملك هذا يسلبك حياتك الشخصية ويبعدك عن عائلتك؟
لا شك في ذلك. لكن أحاول أن ألتقي الذين أحبهم قدر الإمكان. كما أحاول أن أبني صداقات في كل مكان أزوره، فهذا ضروري لأتمكن من العيش والمتابعة بشكل صحي في ظل الظروف التي أعيش. ثمة تضحيات كثيرة يجب أن أقوم بها في عملي هذا، وأعرف أنه في أحد الأيام قد يحكم علي بأن أقوم بنوع من التوازن. لكن حتى هذه اللحظة أواصل ما أفعله. أنا متأكدة أني سأدرك حين يأتي اليوم الذي يجب علي فيه أن أخفف، لكن أعلم جيداً أني لن أتوقف يوماً بالكامل عن القيام بما أقوم به.
- ما هي البلدان التي زرتها ضمن عملك؟
هي كثيرة ويصعب تعدادها وتختلف التجارب في كل منها، واهمها بنغلادش والهند وباكستان وأفغانستان وسري لانكا والسودان وتانزانيا وأوغندا وكينيا وجنوب أفريقيا وسييراليون و Papua New Guinea وفيجي وهايتي والمغرب وسنغافورة وتايلاند...
- كيف تعيشين في هذه الظروف؟
تختلف الظروف بحسب البلاد التي أكون فيها. فكل منها مختلف ويجب أن أتأقلم في المكان الذي أكون فيه في كل مرة. كانت التجربة الأخيرة لي في هايتي حيث عشت في خيمة لمدة 5 أشهر. كنت أعرف إلى أين أنا ذاهبة وأدرك الظروف التي سأكون فيها. حضّرت نفسي قبل أن أذهب. في الواقع، كل منا يسيء تقدير ذاته عندما يفكر انه عاجز عن تحقيق أمر معين. فكل منا قادر على تحقيق الهدف. يكفي أن نتقبل الظرف الذي نحن فيه ونتأقلم ونستفيد بالطريقة الفضلى مما توافر لدينا. صحيح أنه جميل أن أعود إلى سريري المريح وإلى الخصوصية والرفاهية، لكني أفتقد أحياناً خيمتي الصغيرة أيضاً.