زواج الفتاة السليمة بمريض الإيدز حرية أم انتحار؟
علماء الأزهر, قصة حب , الشيخ جمال قطب, د. صبري عبد الرؤوف, د. جمال أبو السرور, قضية / قضايا الزواج, حكم الشرع, مرض نقص المناعة / الإيدز
31 يناير 2011قتل عمد
ويتفق الشيخ جمال قطب، الرئيس السابق للجنة الفتوى في الأزهر، مع ما أفتت به العديد من مؤسسات الإفتاء في الدول الإسلامية من تحريم تزويج مريض «الإيدز» من فتاة سليمة، لأنه من شروط صحة الزواج أن يكون كل منهما خالياً من الموانع الشرعية بالنسبة الى الزوج الآخر، ومنها الموانع المرضية. ولا قيمة لقبول الطرف الآخر بعد إطلاعه على تقرير الطبيب بالحالة كلها، وذلك لكون المرض ينتقل إلى الزوجة ونسلها. وبالتالي تكون المصالح المترتبة على الزواج أقل من أضراره، والقاعدة الشرعية تقول أنه «لا ضرر ولا ضرار».
وأوضح قطب أنه يجب على المصاب بمرض الإيدز أن يمتنع عن الزواج بالنساء السليمات صحياً، لأن المعاشرة الجنسية هي أكثر وسيلة لانتشار هذا المرض. بل إنه حتى إذا أقدم شخص، سواء كان رجلاً أو امرأة، على الزواج من مصاب بالإيدز بعلمه ورضاه واختياره فلا مشكلة من الناحية الشرعية لكنه خطأ كبير. بل إنه إذا تزوج رجل بامرأة ثم اكتشف أحد الزوجين أن صاحبه مصاب بمرض الإيدز، فيرى جمهور العلماء أن لكل واحد من الزوجين أن يفسخ عقد الزواج، لأن الإيدز مرض منفر وضار، ولهذا فهو موجب لفسخ العقد لقوله، صلى الله عليه وسلم، «فر من المجذوم فرارك من الأسد».
بل إنه يجوز للزوج غير المصاب الامتناع عن المعاشرة الجنسية، وليس في هذا معصية، محافظة على النفس لأنه يَحرُم إلقاء النفس في التهلكة. وقد أمرنا الرسول، صلى الله عليه وسلم، بالوقاية من الأمراض العادية، فقال: "لا يورد مُمرض على مُصح"، فما بالنا بالإيدز القاتل الذي لم يتم التوصل إلى علاج نهائي له حتى الآن.
ويؤكد قطب أن «تعمد نقل العدوى إلى الآخرين حرام شرعاً، وإذا أدى نقل فيروس الإيدز إلى موت آخر، ولو بعد مدة، وثبت أن الناقل كان متعمداً في ذلك، جاز القصاص منه من قبل ولي الميت، وإن كان الناقل غافلاً أو جاهلاً يجب دفع الدية كاملة، لأنه لا فرق في القصاص بين أن يكون القتل ظاهرياً أو خفيا».
صحيح شرعاً ولكن
عن حكم الشرع في هذا الزواج قال الأستاذ في جامعة الأزهر الدكتور صبري عبد الرؤوف: «الشاب ليس آثماً شرعاً، لأنه لم يكذب أو يخدع الطرف الآخر، وإنما أوضح قبل أن يتزوج أنه مصاب بمرض الإيدز، ووافقت الفتاة رغم أنها سليمة، وعلم أهلها ذلك ووافقوا، ولو مضطرين.
فهو من الناحية الشرعية صحيح، ولكن ما يخشاه الجميع أن ينتقل المرض من الزوج إلى زوجته وأنجالهما إذا قررا الإنجاب، وشخصياً لا أحبذ هذا الزواج لما فيه من أخطار، والأفضل أن يتزوج مريض الإيدز بمريضة إيدز مثله، لأنه لا يجوز شرعاً للمصاب بالإيدز، وغيره من الأمراض المعدية، نقل مرضه إلى غيره، وللحاكم معاقبة من يخالف هذا الحكم الشرعي، بل يمكن أن نقول تجريم ذلك لأن الحرية لها حدود، وإلا كان الانتحار حلالاً».
انتحار متعمد
يصف الدكتور صفوت حجازي هذا الزواج بأنه بمثابة انتحار وهو ما يرفضه الإسلام لقوله تعالى: «وَلاَ تُلْقُوا بِأَيْدِيَكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ » آية 195 سورة البقرة . ومن المعروف أن تشريعات الإسلام تعمل على حماية الضرورات الخمس، ومنها الحفاظ على النفس. ومن الأفضل أن يقيم المريض في مستشفى لعلاجه قدر الاستطاعة، وحماية الآخرين من انتقال المرض إليهم، وخاصة الزوجة باعتبارها الأكثر اختلاطا به.
بل إن الإسلام يلزم الزوجين الانفصال في حالة إصابة أحدهما بأي مرض خطير، وبالتالي فإن منع تلك الزيجات أولى وأفضل، ما دام المرض معدياً وما زالت البشرية عاجزة عن إيجاد الدواء الشافي له. وقد كان عمر بن الخطاب يفرِّق بين الزوج وزوجته في حالة إصابة الزوج بالبرص أو الجذام، سواء كان المرض قبل الزواج أو بعده.
منع الإنجاب
وقال عضو مجمع البحوث الإسلامية في الأزهر والأمين العام للمجلس الأعلي للشؤون الاسلامية الدكتور محمد الشحات الجندي: «لا يجوز للزوجة القبول بهذا الزوج المريض ولوليّ الأمر أن يمنعها من ذلك، لأن اشتراط الولي على طالب الزواج إثبات سلامته من مرض نقص المناعة شرط صحيح، وإذا وافق ولي الأمر أو وافقت الفتاة فهي مخالفة لأحكام الشرع. ومن حق الحاكم منع مثل هذه الزيجات محافظة على صحة المجتمع كله، ولو بالقضاء.
ويجوز للمصاب بهذا المرض أن يتزوج امرأة مصابة مثله، بشرط التأكد من القدرة على منع الإنجاب لكي لا ينقلا العدوى الى طفلهما، وبشرط استشارة الأطباء في ذلك، لأن مريض الإيدز كغيره عنده الغريزة الجنسية، ومنعه من ذلك قد يُلجِئه إلى الفعل المحرم، وفي ذلك زيادة لانتشار هذا المرض».
مرض مدمر
وعن خطورة الإيدز قال العميد الأسبق لكلية الطب جامعة الأزهر الدكتور جمال أبو السرور: «أحذر من زواج السليم صحياً بمريض الإيدز، مع احترامي للمشاعر الإنسانية، لأن الإيدز يدمر جهاز المناعة عند الإنسان، ولا يوجد إلى اليوم دواء يقضي عليه تماماً، خاصة أنه سريع الانتشار منذ أن اكتشفه الأطباء عام 1981.
ويزيد من خطورته، من الناحية الوبائية، أن المريض لا تظهر عليه أعراضه في مراحله الأولى، فقد يبدو المصاب به سليماً ولكنه يكون معدياً للمرض وناقلاً له، وقد تمتد هذه الحالة سنوات لأن الفيروس يوجد في كل سوائل جسم المريض مثل الدم والمني والسائل المهبلي وحليب الأم والقيء والبول واللعاب والدموع، بل وكل أنسجة الجسم وأعضائه، وينتقل عن طريق الاتصالات الجنسية والدم الملوث ومشتقاته، أو الأدوات الملوثة الثاقبة للجلد، ومن الأم الى الجنين. وتكمن الخطورة في أن هذا الفيروس له القدرة على تغيير تركيبة «شيفرته الوراثية»، مما يمكنه من الهروب من وسائل الجسم الدفاعية والاختباء داخل الخلايا، وعدم وجوده في الدم إلا بنسبة قليلة جدًّا يجعل من الصعب على الأجسام المضادة مهاجمته».
وعن طرق الوقاية للمخالطين للمريض قال أبو السرور: لابد من الامتناع عن المعاشرة الزوجية الطبيعية، واستعمال العازل الطبي، وأن تتخذ الاحتياطات والوسائل التي تحول دون منع الحمل، وخاصة أن معرفة الإصابة بالإيدز تتم بعد العدوى بالفيروس بفترة، حيث يختفي بسرعة داخل بعض الخلايا ويأخذ في التكاثر تدريجياً وتدمير هذه الخلايا، مما يؤدي إلى تناقص عددها حتى تصل إلى المستوى الحرج الذي لا يستطيع معه المصاب مقاومة جراثيم الأمراض أو الخلايا الضارة، مثل الخلايا السرطانية».
وسائل الحماية
وعن إمكان استخدام الواقي الذكري، كوسيلة للحماية من الناحية الشرعية، قال أستاذ الدراسات الإسلامية في جامعة طنطا الدكتور أحمد عبده عوض: «القضية هنا ذات شقين، الأول يستشار فيه الأطباء باعتبارهم أهل الذكر الذين أمرنا القرآن بسؤالهم حين قال: «فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون» آية 7 سورة الأنبياء. فإذا أكد الأطباء أنه وسيلة حماية كافية، فلا مانع شرعاً من الزواج، وفي هذه الحالة لن يكون هناك إنجاب.
وللعلم فإن الحياة الزوجية ليست جماعاً فقط، ولكن يمكن الزواج إذا اتفق الزوجان على ألا يكون بينهما جماع، لأن حاجة الرجل الى المرأة وكذلك حاجة المرأة الى الرجل ليست فقط حاجة جنسية، وإنما هناك الرعاية والحماية والنفقة والأنس والإعانة على الطاعة. بل قد تكون رغبة أحد الطرفين أن يرثه الآخر من دواعي هذا الزواج، فلا مانع من أن يكون بينهما زواج واتفاق على عدم الجماع. أما الشق الثاني فهو موافقة الطرف الآخر وهي الزوجة على ذلك، وقد تم هذا في تلك القضية».
قبل الندم
وقال وكيل وزارة الأوقاف الدكتور سالم عبد الجليل: «رغم أنه يجوز من الناحية الشرعية للمصاب بمرض الإيدز الزواج من المرأة السليمة، وكذلك العكس، مع علم السليم منهما بإصابة الآخر، ويمكن أن تكون المعاشرة الجنسية من خلال استعمال الواقي الذكري لعدم الإضرار بالآخر، أو إيقاع النفس في التهلكة المنهي عنها عقلاً وشرعاً، إلا أنني أتحفظ على ذلك حفظاً للنفس. ولست مبالغاً إذا طالبت بعزل مريض الإيدز وتوعية المجتمع بكيفية التعامل معه منعاً لانتقال العدوى، لا سيما إذا كان ممن يحاولون الانتقام من الآخرين بالدخول في علاقات محرمة شرعاً، وخاصة أن نفسيته تكون محطمة.
ولهذا يجب أن نحفظ المجتمع ونقيه من انتشار هذا المرض الخطير، والمصلحة العامة مقدمة على المصلحة الخاصة. وفي الوقت نفسه على المريض شرعاً أن يتجنب طرق العدوى للآخرين لحرمة الإضرار وإلقاء أنفس الناس بالتهلكة، ولو كان عن طريق قصة حب سرعان ما تخمد بمرور الوقت، وقد تندم الفتاة بعد نقل المرض إليها وهنا تكون آثمة شرعاً، لأنها لم تحافظ على نفسها، ووقتها لا ينفع الندم».
ممارسات ممنوعة
وعن مكافحة الإسلام للإيدز والحد من انتشاره، ولو بتحريم الزواج من حامله، قال رئيس قسم الشريعة في حقوق الاسكندرية الدكتور محمد كمال إمام: من عظمة الإسلام أنه منع كل الممارسات الجنسية التي قد تؤدي إلى حدوث مرض الإيدز، ومنها تحريم الزواج المثلي، وتحريم إتيان الرجل لزوجته من دبرها، وتحريم السحاق بين النساء، وتحريم البغاء أو تجارة الجنس، بل وتحريم كل وسائل إشاعة الفاحشة بمنع المقدمات التي قد تؤدي إلى الوقوع فيها، ومنها أمر النساء بعدم الخضوع بالقول كي لا يطمع بهن الفاسقون، وتحريم خلوة الرجل بالمرأة الأجنبية عنه.
وفرض على المرأة ستر جسدها بملابس لا تشف ولا تصف، ما عدا الوجه والكفين، ونهى المرأة عن التبرج والتكسر ومشية السوء والسير في الطرق متعطرة، وأمر بغض البصر لكل من الرجل والمرأة عن الآخر. وقد جمع الله ذلك كله في قوله تعالى: «قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ» آية 33 سورة الأعراف».
وعن تحفظ البعض عن هذا الزواج باعتبار أن المقبل على الزواج هنا في حكم الموت المحقق قال: «هذا الزواج صحيح مادامت قد توافرت شروطه وأركانه الشرعية، وترثه زوجته حتى ولو مات عقب عقد القران،لكن المؤكد أن الوقاية خير من العلاج».
فجَّرت قصة حب وزواج بين شاب مصاب بالإيدز وفتاة سليمة في تونس جدلاً فقهياً بين علماء الأزهر، فرأى بعضهم أن هذا الزواج سليم شرعاً ولا يجوز منعه، في حين رأى آخرون أنه محظور شرعاً لكونه أقرب الى الانتحار الذي يجب على ولي الأمر والحاكم منعه بل وتجريمه بقوة القانون، ولكل من الفريقين أدلته الشرعية، فماذا قالوا؟
بدافع الشفقة
بدأت القضية عندما أبلغت فتاة تونسية، تبلغ من العمر 33 سنة، أهلها بأنها ترغب في الزواج من الشاب شمس الدين، الذي يحمل فيروس فقدان المناعة المكتسبة، المعروف اختصاراً بـ«الإيدز»، وأنه كان صريحاً معها منذ البداية. عارضها أهلها ووصفوا خطوتها بأنها مخاطرة بالحياة عندما ينتقل المرض إليها أثناء العلاقة الزوجية، إلا أنها أصرت على الارتباط به، مؤكدة أنها ستتخذ كل الاحتياطات اللازمة لمنع انتقال الفيروس إليها من خلال المتابعة مع الأطباء المتخصصين. ولم تكتف الفتاة بذلك بل أكدت أنها مستعدة للتضحية بحياتها وشبابها من أجل حبها.
أمام تصميم الابنة لم يملك الأهل إلا التسليم برغبتها، وتم بالفعل عقد القران.
وقال الشاب شمس الدين: «ظننت في البداية أن القرار الذي اتخذته هذه الفتاة كان بدافع الشفقة حين ظهرتُ عبر شاشة أحد البرامج التلفزيونية للتعبير عن مأساتي وقصتي مع الإيدز وحالتي المادية والنفسية الحرجة، ففوجئت بها تتصل بي وتوطد علاقتها معي، وبدأنا قصة حب حقيقية، وليس شفقة كما كنت أظن، بدليل أن قصة الحب انتهت بالزواج، رغم محاولاتي الكثيرة لإقناعها بالعدول عن قرار الزواج. وحذرتها من مغبة تعرضها للإصابة بالفيروس، لكنها كانت مصممة ومقتنعة بقرار الزواج. ومسألة الإنجاب لم نفكر فيها، لإمكان إصابة الجنين بالمرض. وقررنا بدء التجربة ونسأل الله التوفيق لأن الزواج مشاعر إنسانية راقية وليس مجرد علاقة جنسية وإنجاب».
والدة الشاب أكدت أن حب الفتاة لابنها وشغفها به، بعد أن شاهدته يروي قصته عبر إحدى الفضائيات، تغلبا على عائق "الإيدز"، وأكدت سعادتها بأن ابنها عقد قرانه وأن العروس اشترت بنفسها الخاتم كتعبير منها عن مدى رغبتها في الزواج.