شهداء الثورة المصرية
هوية المرأة الوطنية, سلمى المصري, تضحيات, شهيد / شهداء
21 فبراير 2011صور تذكارية
ما أجمل أن يُزف العريس إلى الجنة مستشهداً، «أحمد إهاب» مهندس ميكانيكا ميسور الحال يملك منزلاً جميلاً وسيارة وعمره 29 عاماً، حديث الزواج لم يتجاوز الثلاثة أشهر بعد، استشهد بـ6 رصاصات من الخرطوش وطلقات نارية أيضاً أصيب بها في جمعة الغضب.
تؤكد زوجته مها عمارة، أنه قرر الانخراط في المظاهرات يوم جمعة الغضب 28 كانون الثاني/يناير، ليدافع عن حقوق الفقراء رغم أنه ميسور الحال، ولم يرضخ لمحاولات زوجته وأمها لمنعه، وأخبرهما أنه لا يخشى الموت المهم أن يرحل النظام الفاسد، فنزل مع 7 من أصدقائه والتقطوا الصور التذكارية معاً، ولكن سرعان ما تفرقوا فور هجوم الشرطة الوحشي على المتظاهرين بالرصاص الحي وطلقات الخرطوش.
وبإيمان تام بقضاء الله، تقول مها: «تم قطع جميع الاتصالات في جمعة الغضب، ولم يعد أحمد إلى المنزل، وتوقعنا أنه اعتصم في ميدان التحرير مع أصدقائه. فور عودة الاتصالات يوم السبت لم نستطع الوصول إليه، واتصلنا بجميع أصدقائه فأخبرونا أنهم جميعاً تفرقوا ولا يعلمون عنه شيئاً، فنزلنا نبحث عنه في كل مكان، واستمر بحثنا في الأقسام والمستشفيات حتى وجدناه يوم الأحد في مستشفى الحسين الجامعي مصاباً بست طلقات من الخرطوش، وطلقات أخرى من الرصاص الحي، أصابت الطلقات خلايا المخ الجذعي، مما أدى لتوقف عمله، كان زوجي انتهى إكلينيكياً ولم يكن هناك شيء يعمل في جسمه سوى القلب، ووضعه الأطباء لمدة أسبوع كامل على جهاز التنفس الصناعي حتى توفى في 3 شباط/فبراير».
ورغم تماسك مها، إلا أنها انهارت هي وأمه عندما وجدتاه في المستشفى، لأنهما كانتا تعتقدان أن إصابته بسيطة وتفاجأتا بحالته، خاصة أن الأطباء لم يكشفوا وجهه لهما، نظراً الى حالته الحرجة. وتميزت أم الشهيد أحمد بالتماسك التام ورضاها بقضاء الله، فكانت تنزل إلى المظاهرات في ميدان التحرير وتمسك بجريدة بها صور الشهداء وتبكي في صمت تام. وتقول الأم المكلومة: «ما كان يشغلني أن يضيع دم ابني هدراً، وعندما نجحت الثورة شعرت بأن جزءاً من حقه قد عاد».
المشكلة الأكبر التي داهمت مها وأهل الشهيد هي رفض المستشفى إصدار تقرير طبي بحالة وفاته، وكتبوا فيه إنه توفي إثر حادث سير بسبب تعليمات عليا من النظام وقتها، إلا أن أهله وأهل زوجته تدخلوا وضغطوا على المستشفى حتى أخذوا التقرير الطبي الصحيح، وتقدموا ببلاغ إلى النائب العام ضد وزير الداخلية السابق والمتسبب بالمجزرة.
دفاعاً عن الأسر
طوال حياته كان يتمنى عمرو غريب الاستشهاد حتى نال أمنيته يوم الأربعاء 2 شباط/فبراير، وهو اليوم الذي يعرف في الثورة المصرية بمعركة الجمل، حيث اندس عدد من البلطجية في ميدان التحرير محاولين الدخول وإراقة دماء المتظاهرين لتفريقهم فحاصروهم من كل اتجاه . الشهيد «عمرو غريب» لم ينتم في حياته إلى أي حزب سياسي، وشارك في بداية الثورة يوم 25 كانون الثاني/يناير لعل أحداً يستمع إلى صوت الظلم الواقع على الشعب المصري. ويحكي صديقه وليد نور الدين تفاصيل استشهاده: «عمرو ابن 25 ربيعاً لم يخش الموت، وكان متحمساً للدفاع عن المتظاهرين في هذا اليوم، لدرجة أنني وأصدقاءنا توقعنا أنه سيموت في هذا اليوم من شدة حماسته، لم أتركه يذهب وحده وكانت أول مرة لي أنزل إلى المظاهرات.
حاول 30 فرداً من المتظاهرين منع البلطجية من الدخول إلى ميدان التحرير خشية منا على النساء والأطفال الموجودين معنا، فقد كان هناك العديد من الأسر داخل الميدان، وحدث العديد من المواجهات بيننا وبين البلطجية وانتصرنا عليهم في أكثر من مدخل للميدان وتم تأمينه، إلا أنه في إحدى المواجهات وأثناء انقضاضنا على البلطجية سمعت صوته يصرخ، وعندما نظرت إليه وجدته ملقى على الأرض ويمسك جنبه بيديه، ونفذ أمر الله في وقت قصير فور صعودنا إلى سيارة الإسعاف. ويتابع: «مات عمرو متأثراً برصاصتين واحدة كبيرة الأرجح أنها من قناصة والأخرى صغيرة، واحدة في بطنه والأخرى في ظهره وقد اخترقت القفص الصدري وارتكزت أسفل القلب».
رصاصة الغدر
الشهيدة «رحمة محسن» هي الابنة الكبري لأسرة مصرية متوسطة الدخل، تساعد أمها في إعالة الأسرة، ورغم أنها كانت تدرس الحقوق في الجامعة المفتوحة، فإنها كانت تدير مركز اتصالات صغير هي وشقيقها لأنه الدخل الوحيد لأسرتهما المتواضعة. إلا أن رصاصة غدر من أحد القناصة في جمعة الغضب 28 كانون الثاني/يناير حرمت أمها وإخوتها منها إلى الأبد.
وتقول أمها إنها أصرت على دراسة الحقوق في الجامعة المفتوحة بعد إنهاء دراستها بمعهد الخدمة الاجتماعية لتكون نصيرة الغلابة والمظلومين، وحتى لا يتعرض أحد للظلم الذي تعرض له والدها في يوم من الأيام.
وتحكي قصة استشهاد ابنتها قائلة: «كان يوم جمعة الغضب 28 كانون الثاني/يناير 2011 يوماً لن أنساه طالما حييت، كعادتها في الصباح ذهبت رحمة لإحضار الإفطار لنا جميعاً وتجهيزه، وبعد أن تناولناه ذهبت لتؤدي صلاة الجمعة في المسجد القريب لنا، وبعد عودتها سمعنا صوت المظاهرات في الشارع، فخرجت رحمة لترى ماذا يحدث، وعادت لتقول إن المظاهرات هذه المرة قوية وغير عادية، ولكن الأكثر غرابة أن رد الأمن عليها قوي جداً، وأنهم يستأسدون على الثوار العُزّل، فقلت لها يا ابنتي احترسي لنفسك يبدو أن هذا اليوم سيكون يوماً فاصلاً، ولم أكن أتوقع أن يكون رد الأمن بهذه القساوة والشراسة، وأنه سيكون آخر يوم في حياة ابنتي، وبعد مرور حوالي ساعة أو ساعتين لاحظت أن رحمة ليس لها صوت في حجرتها، فذهبت لأطمئن إليها فلم أجدها فأسرعت إلى شقيقها إبراهيم وأخبرته أن أخته ليست موجودة في المنزل، فارتدى ملابسه ونزل مسرعاً إلى الشارع للبحث عنها.
وهنا يلتقط إبراهيم خيط الحديث ويقول في حزن شديد: «أخبرني أحد الجيران أنه رأى رحمة تتجه صوب الشارع الذي توجد فيه المظاهرات، فهرولت إليه وأخذت أبحث عنها حتى وصلت، وكنت خائفاً عليها جداً وأخذت أحثها على العودة إلى المنزل، ولكنها رفضت، بل كانت تحثني على الاندماج أكثر في صفوف الثوار. وفجأة وجدتها ترتمي على الأرض والدماء تخرج من رأسها وتغطي وجهها، فأخذت أصرخ وأمسح الدماء من على وجهها وأنا لا أدري بالضبط ماذا حدث لها، وعندما نظرت إلى رأسها وجدت فتحة من أثر الرصاصة التي أطلقت عليها غدراً من أحد القناصة الذين كانوا يختبئون فوق أسطح المنازل، وكانت أختي إحدى ضحاياهم، وسحبتها إلى مدخل إحدى العمارات لأبعدها عن مرمى الضرب، وبعد ثوانٍ سمعت صوت صافرة الإسعاف فحملتها بمساعدة صديق لي وهرولت بها مسرعاً إلى سيارة الإسعاف، وذهبنا بها إلى مستشفى قصر العيني».
ويلتقط إبراهيم أنفاسه ويقول: «أجرينا لها عملية ولكن أمر الله كان أسرع، واستشهدت أختي ولفظت أنفاسها الأخيرة بعد خروجها من غرفة العمليات بأقل من ساعة».
وضع إسمها على إحدى المركبات الفضائية المتجهة إلى المريخ
أشهر شهيدات الثورة المصرية هي الشابة «سالي زهران»، التي تم ضربها على رأسها بالشوم وهي في اتجاهها لدخول ميدان التحرير، حتى أصيبت بنزيف في المخ ونالت الشهادة.
«سالي» تربعت في قلوب جميع المصريين بابتسامتها النقية، وقال عالم الفضاء المصري، الشاب عصام حجي، إنه حصل على موافقة وكالة «ناسا» الفضائية على طلبه بوضع اسم «سالي زهران»، التي استشهدت في مظاهرات المصريين في ميدان التحرير، على إحدى المركبات الفضائية المتجهة إلى المريخ، تكريما لها، وكنوع من مشاركته كشاب مصري خارج وطنه في هذا الظرف التاريخي لمصر.
نشأت سالي زهران في القاهرة مع عائلتها، وعاشت في محافظة سوهاج في صعيد مصر لمدة أربع سنوات فقط، حيث التحقت بقسم اللغة الإنكليزية في كلية الآداب. وعُيِّن والدها، وهو أستاذ جامعي، من قبل الجامعة في سوهاج، وعائلتها لا تزال تقيم هناك.
عند الانتهاء من دراستها، انتقلت سالي إلى القاهرة مرة أخرى، وعملت مترجمة. ومنذ بدء الاحتجاجات في 25 كانون الثاني/يناير، كانت تمضي الوقت مع أسرتها في سوهاج ولكنها جاءت إلى القاهرة وخرجت إلى الشارع لأول مرة يوم جمعة الغضب 28 كانون الثاني/يناير.
ويقول علي صبحي أحد أصدقائها: «سالي كانت تشعر بأنها ستكون في مأمن بالانضمام الى الاحتجاجات، خاصة بعد أن خرج كثيرون آخرون في يوم جمعة الغضب، وأنه لم يكن لها أي انتماءات سياسية، كما لم تكن ناشطة سياسية، إنما كانت فتاة متحمسة من الشباب الذين كانوا ينتقدون الظروف المعيشية في مصر. وأوضح صبحي أنها لم تنضم إلى احتجاجات من قبل، ولكن كثيرًا ما انضمت إلى مجموعات على الفيس بوك تدعو إلى إصلاحات اجتماعية واقتصادية، مثل رفع الحد الأدنى للأجور.
ففي شهر أيار/مايو 2010، انضمت إلى مشروع كورال الشكاوى، وهو مشروع فني يدعو الناس للحضور والغناء بشكاويهم الجماعية في مدن مختلفة في جميع أنحاء العالم. وفي تشرين أول/أكتوبر 2010، شاركت في ورشة العمل وأداء مشروع الجوقة، والمشاركون فيه كتبوا وغنوا عن عدم كفاية الخدمات العامة والفساد فى الدولة.
«سالي زهران كانت مسالمة تحب الحياة وتريد أن تصبح الأمور أفضل في وطنها». ومثل غيرها من الشابات فى سنها كانت تطمح إلى أن يكون لها الحياة الكريمة، العائلة والأطفال، ودفعت حياتها ثمناً لإيمانها بضرورة الحرية، لتكون واحدة من أبرز شهداء الثورة.
الطفلة الشهيدة
لم يقتصر الاستشهاد على من شاركوا في ثورة الشباب، بل امتد إلى المواطنين في بيوتهم خاصة في منطقة المعادي، ولم يفرّق قناصة الشرطة بين طفل أو كبير، فأسقطوا برصاصتهم الطفلة «هدير» 13 عاماً، أثناء مشاهدتها للمظاهرات وهي في شرفة منزلها، يوم جمعة الغضب الدامية، حيث اخترقت الرصاصة رقبتها فسال الدم من فمها، أمام إخوتها الثلاثة، بكى الصغار وصرخت الأم، وهرول والدها عادل سليمان محاولاً وقف نزف الدم الذي تدفق بغزارة مخضبا ملابس الأسرة جميعا، حملها مسرعاً في محاولة لإنقاذها، لكن الوقت كان قد فات لتُسلم هدير روحها إلى خالقها.
بسالة أم
من رحمة الله على عباده أنه ينزل الصبر على بعضهم، وهذا هو حال أم الشهيد «مصطفى الصاوي»، الذي استشهد على أيدي أحد القناصة في ميدان التحرير يوم الخميس الموافق 3 شباط/فبراير، وهو الشهيد الذي تخشبت يده عند النطق بالشهادة، لم تستسلم أمه إلى أحزانها، ونزلت مكانه في الميدان ممسكة بلافتة كبيرة مكتوباً عليها «ألا إن نصر الله قريب»، لتقف أمام صورة كبيرة له، وتشد أزر المتظاهرين، وتحثهم على الصمود وعدم الاستسلام، وتقول لهم: «مصطفى أخوكم يبشركم من الجنة ويقول لكم «ألا إن نصر الله قريب»، ثم تتلو بعض آيات القرآن». إن بسالة هذه الأم جعلت البعض يطلق عليها خنساء التحرير، كان الفيديو الذي تحث فيه المتظاهرين على الصمود من أكثر مقاطع الفيديو مشاهدة على موقع «يو تيوب».
شباب وفتيات ضحوا بأرواحهم من أجل نجاح ثورة 25 يناير في مصر، كان إيمانهم بما يدافعون عنه ويطالبون به أقوى من الرصاص والقنابل التي لم تنجح في إرجاعهم عما يحلمون به من تغيير. إنهم شهداء الثورة الذين دفعوا حياتهم ثمناً لها، ووراءهم حكايات تمتلئ بحب وطنهم وإصرارهم على تغييره للأفضل، حتى لو كانت حياتهم هي المقابل.