القسم على قطع صلة الرحم هل يجب الوفاء به؟
د. محمد رأفت عثمان, د. عبلة الكحلاوي, د. نصر فريد واصل, المخرج الشرعي, علماء الدين, د. حامد أبو طالب, د. سامية الساعاتي, خالد عبد الرحمن, د. محمد عبد المنعم البري
14 مارس 2011العقاب الشديد
وحذر الدكتور أبو طالب قاطعي الرحم بالعقاب الشديد من الله في الدنيا والآخرة، بل إنهم قد يجرُّون إلى أنفسهم وأهلهم العداوة والجفاء، فيستحقون اللعنة وزوال النعمة وسوء العاقبة، فقال تعالى: «وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُوْلَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّار» آية 2 سورة الرعد. وقال صلى الله عليه وسلم: «ما من معصية الله شيء أعجل عقوبة من قطيعة الرحم، وإن القوم ليتواصلون وهم فجرة فتكثر أموالهم، ويكثر عددهم، وإنهم ليتقاطعون فتقل أموالهم ويقل عددهم».
مطلوب فتوى شاملة
وتعجبت الدكتورة عبلة الكحلاوي، العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية، ممن يحلف على ارتكاب كبيرة من كبائر الذنوب وهي قطع الرحم، فقد جاء في الحديث القدسي عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «قال الله تعالى: أنا خلقت الرحم وشققت لها اسماً من اسمي، فمن وصلها وصلته ومن قطعها قطعته». ويجب علينا التصدي لهؤلاء المكابرين العاصين لله، لأنهم من ينزل علينا البلاء بسببهم، فقال صلى الله عليه وسلم: «من أشراط الساعة الفحش والتفحش وقطيعة الرحم وتخوين الأمين وائتمان الخائن».
أما الدكتور صفوت حجازي، الأمين العام لرابطة علماء أهل السنة فيقول: «قطيعة الرحم من أبشع وسائل نشر التفسخ والفساد في العلاقات الاجتماعية، لأنها بين أقرب المقربين إلى الإنسان وهم أقاربه، في الوقت الذي يحرص فيه الإسلام على تقوية العلاقات الاجتماعية ونشر المحبة بين البشر جميعاً، لهذا جعل لليمين أو القسم على قطيعة الرحم كفارة فقال صلى الله عليه وسلم: «لا يمين في قطيعة رحم». ومع هذا فإنني أرى ضرورة وجود عقوبة تعزيرية لمن يقسم أو يحلف على قطيعة رحم، أما إذا كان حلفه هنا بالطلاق فأدعو المجامع الفقهية لإصدار فتوى شاملة حول تلك القضية المتعلقة بمعيشة زوجته معه في الحلال أم تجب عليه أحكام أخرى وتحسب عليه يمين طلاق، حتى لا يتهاون الناس في الحلف على قطيعة الرحم بوجه عام والحلف بالطلاق على تنفيذ ذلك».
العقاب
ويوافقه في الرأي الدكتور أحمد عبده عوض أستاذ الدراسات الإسلامية في جامعة طنطا إذ يقول: «إن مجرد قطع صلة الرحم حتى لو بدون يمين حرام شرعاً، وقد جعلها الله من إحدى وسائل الإفساد في الأرض، فقال تعالى: فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم، أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم» الآيتان 22-23 سورة محمد. وبالتالي فإن على من حلف على قطع رحمه أن يحنث في يمينه ويكفِّر عنها ويصل رحمه، أما من عاند وأصر على المعصية فإن عقابه أوضحه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بقوله: «من قطع رحمًا أو حلف على يمين فاجرة رأى وباله قبل أن يموت». وقد أكد صلى الله عليه وسلم المعنى نفسه في حديث آخر قال فيه: «الرحم معلقة بالعرش تقول: من وصلني وصله الله ومن قطعني قطعه الله».
الحلف بالطلاق
ويختلف الدكتور محمد عبد المنعم البري، الأستاذ في كلية الدعوة، مع الآراء السابقة حيث يقول عن الحلف بالطلاق على قطيعة الرحم إن يمين الطلاق يختلف عن أي يمين آخر، فإذا كان الله بكرمه وفضله يعفو عن اليمين بقطع صلة الرحم من خلال الكفارة، فإن الأمر يختلف في حالة الحلف بالطلاق على قطيعة الرحم، حيث يرى بعض الفقهاء أن يمين الطلاق ينفذ لقوله، صلى الله عليه وسلم: «ثَلاثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ: النِّكَاحُ، وَالطَّلاقُ، وَالرَّجْعَةُ». وهناك من الفقهاء من يربط تنفيذ يمين الطلاق على النية مستنداً إلى قوله تعالى: «وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم» آية 227 سورة البقرة. ومن هنا فإنه يحرم الحلف على قطع الرحم. والأفضل التوبة وصلة الرحم حتى يكون ممن قال فيهم رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «من أحب أن يبسط له في رزقه وأن ينسأ له في أثره فليصل رحمه».
محارب للشرع
وحذر الدكتور محمد رأفت عثمان عضو مجمع البحوث الإسلامية من قطيعة الرحم لأي سبب، وجعل من يحلف على قطعها كأنه محارب لأحكام الشرع، فقد قال صلى الله عليه وسلم: «ما من ذنب أجدر أن يعجل الله تعالى لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدخره له في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم». وعلى الجانب الآخر رغب صلى الله عليه وسلم في صلة الرحم فقال: «صلة الرحم تزيد في العمر وصدقة السر تطفئ غضب الرب».
ويشير الدكتور محمد رأفت إلى أن «الله حذر من قطيعة الرحم، وأعطى فرصة لمن حلف على قطعها أن يتوب ويرجع إلى الله ويندم على ما حلف عليه، ويقوم بالكفارة من إطعام أو صيام، وخاصة أنه لا يوجد في عصرنا إعتاق الرقاب. وننصح بالامتناع عن الحلف على قطيعة الرحم حتى ولو كانت هناك أحاديث نبوية فيها مخرج لذلك، مثل قوله، صلى الله عليه وسلم: «إني لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرًا منها إلا فعلت الذي هو خير وكفرت عن يميني»».
المخرَج الشرعي
في البداية يوضح واصل أن الرحم يقصد به أقارب الإنسان، وقد أوصى الله ورسوله، صلى الله عليه وسلم، بالمحافظة عليهم ورعايتهم، ولهذا قال الرسول، صلى الله عليه وسلم: «أحب الأعمال إلى الله إيمان بالله ثم صلة الرحم ثم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأبغض الأعمال إلى الله الإشراك بالله ثم قطيعة الرحم». وأوضح أنه يقصد بقطيعة الرحم هجرهم ومقاطعتهم وعدم صلتهم والإساءة إليهم وعدم الرفق بهم وإهمال رعاية أحوالهم. وقال صلى الله عليه وسلم: «إن الله تعالى خلق الخلق حتى إذا فرغ من خلقه قامت الرحم فقال: مَهٍ؟ قالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة، قال: نعم أما ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك؟، قالت: «بلى يا رب، قال: فذلك لك». وأكد صلى الله عليه وسلم المعنى نفسه في حديث آخر قال فيه: «الرحم شجنة من الرحمن قال الله: من وصلك وصلته ومن قطعك قطعته».
وأشار إلى أن التقصير في صلة الرحم حرام، فما بالنا بمن يحلف على قطعها، فهذا بلا شك آثم شرعاً، وقد أعطاه الله وسيلة للتوبة والرجوع عن هذه المعصية بأنه لا يجوز الحلف على قطع صلة الرحم، قال صلى الله عليه وسلم: «من حلف في قطيعة رحم أو فيما لا يصلح فبره أن لا يتم على ذلك». وقال صلى الله عليه وسلم أيضاً: «من حلف على معصية فلا يمين له ومن حلف على قطيعة رحم فلا يمين له».
وعن المخرَج الشرعي لمن حلف على قطيعة الرحم قال: عليه كفارة اليمين وهي إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعم الأهل أو كسوتهم أو تحرير رقبة، فإن لم تجد فصيام ثلاثة أيام متتابعة أو متفرقة وذلك لقوله تعالى: «فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُواْ أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ» آية 89 سورة المائدة.
كيفية الإطعام
وعن كيفية الإطعام في الكفارة قال الدكتور نصر فريد واصل: «رغم اختلاف الفقهاء في كيفية الإطعام، فإن الراجح أن الإطعام يأتي بثلاث طرق، أولاها أن يطعمهم بالفعل بأن يغديهم ويعشيهم وجبتين كاملتين إلى درجة الشبع من أوسط ما يطعم أهله مع تنوع الطعام. وثانيتها أن يعطي كل واحد من العشرة نصف صاع من بر أو تمر ونحوهما. وقال الإمام أبو حنيفة: نصف صاع من بر وصاع كامل من غيره مثل صدقة الفطر. وثالثتها: أن يدفع قيمة الطعام إلى المساكين نقدًا. وهذا جائز شرعاً عند أبي حنيفة وأنا أرجح الطريقة الأولى بالإطعام المباشر، لأنها أقرب إلى لفظ القرآن الكريم مع التقيد بالعدد الذي ذكره القرآن وهو العشرة وعدم إعطاء طعام العشرة أو قيمته لمسكين واحد».
أسباب
وعن أسباب قطيعة الرحم، تقول الدكتورة سامية الساعاتي، أستاذة علم الاجتماع في جامعة عين شمس: «أسباب تلك الظاهرة السلبية كثيرة، ومنها الجهل بأحكام الدين، وضعف التقوى، والانقطاع الطويل عن زيارة الأقارب مما يسبب الوحشة والنسيان، وكثرة العتاب الشديد من بعض الأقارب مما يسبب النفرة بينهم، وقلة الاهتمام بالزائرين من الأقارب، والبخل ممن وسع الله عليه في الدنيا، فنجده لا يواصل أقاربه حتى لا يخسر بسببهم شيئاً من المال. ولهذا يجب تجنب الخصام وكثرة الجدال العقيم، وأن يتذكر الإنسان أن الأقارب جزء منه، وأن معاداتهم شرٌّ وبلاء، والرابح في معاداة أقاربه خاسر والمنتصر مهزوم».
ليس مبرراً
ودعا الدكتور حامد أبو طالب، عضو مجمع البحوث الإسلامية، الأقارب إلى إصلاح ذات البين بينهم بدل القطيعة والحلف على ذلك الذنب الكبير، وذلك تنفيذاً لقوله، صلى الله عليه وسلم، «ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة، إصلاح ذات البين، فإن فساد ذات البين هي الحالقة». وليس مبررًا لقطيعة الرحم أن الأقارب مقصرون أو حتى معادون، فقد قال رجل: يا رسول الله إن لي قرابة أصلهم ويقطعونني وأحسن إليهم ويسيئون إليَّ، وأحلم عنهم ويجهلون عليَّ، فقال صلى الله عليه وسلم: لئن كنت كما قلت فكأنما تسفهم الملَّ ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك «ومعنى تسفهم أي تطعمهم، المل: بفتح الميم أي الرماد الحار أي كأنك تطعمهم الرماد الحار.
أعلن الدكتور نصر فريد واصل، مفتي مصر الأسبق، أن القسم على قطع صلة الرحم لا ينطبق عليه حكم الوفاء بالقسم، لأنه لا يجوز أصلاً، وبالتالي ليس على صاحبه الوفاء به. وجاءت فتوى المفتي الأسبق لتثير حالة من الجدل حول الوفاء بمثل هذا القسم. فما هي أسانيد المفتي الأسبق في فتواه؟، وماذا يقول علماء الدين؟