قبلت الزواج منك بشرط ألا تتزوج عليّ!
طلاق, د. أحمد عمر هاشم, د. عفاف النجار, د. سعاد صالح, جامعة الأزهر, علماء الدين, عقد الزواج, الفتاوى الفقهية
28 مارس 2011وجوب الوفاء بالعقود والعهود
في البداية تقول الدكتورة سعاد صالح: «من حق الزوجة أن تشترط على زوجها ما تشاء بشرط ألا يكون في ذلك أي شبهة غير شرعية، ويجب الوفاء بما تم التراضي عليه والاتفاق بشأنه لقول رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «إن أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج». وبالتالي لا مانع شرعاً للزوجة أن تشترط على زوجها عدم الزواج عليها، لأنها لا تستطيع من الناحية العاطفية تحمل وجود شريكة لها في زوجها دون أن تنكر حكم الشرع الذي يبيح التعدد. وهنا يكون شرطها مع زوجها حقاً من حقوقها الخاصة، ولها أن تتنازل عن هذا الشرط مستقبلاً، كما أن لها أن تتمسك به، وإذا خالف الزوج ذلك فإن لها أن تفسخ عقد زواجها لأن الزوج لم يفِ بالشرط. ويفضل ألا يؤدي الشرط إلى تعكير صفو الحياة الزوجية أو يتنافى مع الأغراض النبيلة التي أوجزها الله تعالى في قوله: «وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ» آية 21سورة الروم.
وأشارت صالح إلى وجوب الوفاء بالعقود والعهود والشروط تنفيذاً لما جاء في الأمر الإلهي: « يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود» المائدة. والآية «وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولاً» آية 34 سورة الإسراء. وجاء في الحديث النبوي قوله، صلى الله عليه وسلم: «أربعٌ من كُنَّ فيه كان منافقاً خالصاً ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا اؤتمن خان وإذا حدَّث كذب وإذا عاهد غدر وإذا خاصم فجر».
تسجيل الشروط
وقال الرئيس الأسبق لجامعة الأزهر الدكتور أحمد عمر هاشم: «رغم وجوب التزام الزوج من الناحية الشرعية بما اشترطته الزوجة عليه يفضل تسجيل ذلك في خانة الشروط في عقد الزواج، حتى تضمن الزوجة حقها وتفادياً لأي تلاعب من الزوج مستقبلاً، اذ يصبح من حقها اللجوء للقاضي لتنفيذ ما اتفقت عليه مع زوجها. ولا مانع شرعاً أن تشترط الزوجة على الزوج عدم الزواج عليها في وثيقة عقد الزواج. وأهمية الوثيقة الزواج أنها ورقة رسمية لا يمكن إنكارها إلا في حالة التزوير، مع التأكيد أنه حتى في حالة عدم توثيق الزواج لا ينقص من الناحية الشرعية قيمة ما اشترطته الزوجة على زوجها، إذ إنه معترف به في كل الأحوال وضرورة التزامه ذلك أمام الله والناس».
الرد على المشككين
وترد عميدة كلية الدراسات الإسلامية في جامعة الأزهر الدكتورة عفاف النجار، على القائلين بأن اشتراط المرأة عدم الزواج عليها حرام شرعاً بقصة رفض النبي، صلى الله عليه وسلم، سعي الإمام علي بن أبي طالب التزوج من ابنة أبي جهل على ابنته السيدة فاطمة التي قالت للنبي، صلى الله عليه وسلم: إن قومك يتحدثون أنك لا تغضب لبناتك وهذا علي ناكح ابنة أبي جهل، فغضب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وخطب في الناس فكان مما قال: يستأذنني علي بن أبي طالب في أن يتزوج على فاطمة ابنتي من ابنة أبي جهل. والله لا آذن والله لا آذن ففاطمة بضعة مني ما أرابها يريبني وما أذاها يؤذيني. فإن أراد علي الزواج عليها فليطلقها، فوالله لا تجتمع ابنة رسول الله مع ابنة عدو الله، وإني بهذا لا أحرِّم حلالاً ولا أحلُّ حرامًا.
وأوضحت النجار أن الاشتراط في عقد الزواج حق للطرفين ويجب الوفاء به، وإلا من حق الطرف المتضرر فسخ العقد، أما مجالات الشروط فهي بلا حدود. فقد روي أنَ رَجُلاً تَزَوَجَ امرَأةً وَشَرَطَ لَهَا دَارَهَا ثُمَ أرَادَ نَقلَهَا فَخَاصَمُوهُ إلى عُمَر بن الخَطَاب َفقَالَ الفاروق عُمَرُ: «لها شَرطَهَا مَقَاطِعُ الْحُقُوقِ عِنْدَ الشُّرُوطِ». جاء أيضاً أن رجلاً قال للفاروق عمر: «إني تزوجت هذه المرأة وشرطت لها دارَها وألا أسافر بها وإني أجمع أمري على السفر إلى أرض كذا وكذا. فقال له عمر: لها شرطها المؤمنون على شروطهم». ومن هذا يتضح أن المانع الوحيد لتلك الشروط أن تحلل حراماً أو تحرم حلالاً أو ما يخالف غايته أو مقاصده، كأن يشترط الزوج عدم الإنفاق على زوجته فهذا الشرط باطل ويجب إلغاؤه وعدم الالتزام به ولكن يظل عقد الزواج صحيحاً، لأن الإنفاق واجب على الزوج لزوجته.
مضاد لحق التعدد
وقال عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية الشيخ يوسف البدري: «لا يحق للمرأة الاشتراط على زوجها ألا يتزوج عليها، لأنه شرط مخالف للأحكام الشرعية، فالشرع أجاز الزواج بأكثر من واحدة. ولكن يحق لها أن تشترط أن يطلقها إذا تزوج عليها ومن حقها التراجع عن شرطها إذا تزوج عليها، وهنا يجب عليه أن يعدل بينهما لأن هذا أمر إلهي لأن من حق الرجل أن يتزوج باثنتين أو ثلاث أو أربع، ولكن بشرط القدرة على أن يعدل بينهن في النفقة والمبيت والكسوة، وأنه يجب عليها عدم اتباع عاطفتها أو الاعتراض على شرع الله القائل في الآية 36 من سورة الأحزاب: «وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُّبِينًا».
وحذر البدري الزوجات من تعطيل أحكام الشرع أو الاعتراض عليها أو تخريب بيوتهن بطلب الطلاق إذا خالف الزوج شرط عدم الزواج عليهن، «سواء كان هذا الشرط مكتوباً أو شفهياً، لأن ما بني على باطل فهو باطل، وأراه شرطاً حرَّم الحلال، وهو التعدد، ودافعهن في ذلك الغيرة فقط».
شرط غير شرعي
من جهته، يؤكد الأستاذ في كلية الدعوة بجامعة الأزهر الدكتور محمد البري، أنه لا يحق للمرأة اشتراط عدم الزواج عليها بإطلاق، اذ اختلف الفقهاء في تلك القضية، ففريق يرى عدم صحة أو جواز هذا الشرط لأن الله تعالى أباح للرجل أن يتزوج بأكثر من زوجة، فإذا شرطت المرأة ذلك كان هذا مضاداً للشرع، وذلك استنادا لقوله، صلى الله عليه وسلم: «كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل»، ويقول بهذا فقهاء الحنابلة. أما الفريق الثاني من العلماء فيرى صحة اشتراط المرأة على زوجها ألا يتزوج عليها، وذلك لقول الله تعالى: «يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود».
وأضاف البري: «أرى أن شرط عدم الزواج عليها من الشروط التي لا اعتبار لها ويحرُم الوفاء بها، لأن هذا الشرط قد يؤدي إلى طلاق الزوجة الثانية إذا كان قد تزوجها بالفعل ويلحق الضرر بها، وهذا يتعارض مع قوله، صلى الله عليه وسلم: «لا يَحِلُّ لامْرَأَةٍ تَسْأَلُ طَلاقَ أُخْتِهَا لِتَسْتَفْرِغَ صَحْفَتَهَا فَإِنَّمَا لَهَا مَا قُدِّرَ لَهَا» وقول أَبِي هُرَيْرَةَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، أَنْ تَشْتَرِطَ الْمَرْأَةُ طَلاقَ أُخْتِهَا».
ابتزاز الزوجات
وقال رئيس قسم الشريعة في كلية الحقوق جامعة الإسكندرية الدكتور محمد كمال إمام: «يحق للزوجة أن تشترط على زوجها ألا يتزوج عليها من أخرى، استنادا إلى أن هذا الشرط لا يتصادم مع إباحة التعدد الذي جاء في كتاب الله، باعتبار أن التعدد لم يرد على سبيل الوجوب أو الندب، الأمر الذي ينفي حالة التعارض مع اشتراط عدم الزواج عليها، لأن فائدة هذا الشرط تعود إليها ومنفعتها فيه، وهو لا يخل بمقاصد النكاح. ولا يفهم من هذا الشرط أن الزوج يحرم عليه الزواج، ولكن إذا أراد الزواج بعد ذلك فللزوجة أن تطلب الطلاق وأخذ كل حقوقها غير منقوصة طالما أنها اشترطت على الزوج في العقد ألا يتزوج عليها».
وحذر الأزواج من ابتزاز الزوجات إذا طلبن الطلاق لعدم الوفاء بما اشترطنه في عقود الزواج من عدم الزواج عليهن، لأن الزواج قائم على الحقوق والواجبات المتبادلة بين الزوجين، ولهذا وصف العقد الذي يربط بينهما بالميثاق الغليظ فقال تعالى: «وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقاً غليظاً» آية 21 سورة النساء.
والأصل في آثار عقد الزواج أنها أمرٌ شرعي أمرَ الله به المتعاقدين اللذين يقتصر دورهما على إرادة إنشاء العقد، أما تنفيذه على أرض الواقع فيرجع إلى مسؤولي الشرع والقانون الذين عليهم تنفيذ ما اشترطته الزوجة من عدم الزواج عليها، ولها حق فسخ عقد الزواج في حالة عدم وفاء الزوج بهذا الشرط، وليس عليها في ذلك إثم، بدليل أنه لما خالف نبي الله موسى، عليه السلام، ما اشترطه عليه الخضر فارقه الخضر قائلاً «هذا فراق بيني وبينك» آية 78 سورة الكهف. ولم ينكر سيدنا موسى عليه السلام ذلك.
اختلاف الفقهاء
وأكد الأمين العام للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية الدكتور محمد الشحات الجندي، اختلاف الفقهاء في حق الزوجة التي اشترطت على زوجها عدم الزواج عليها في طلب الطلاق، فيرى فقهاء الحنابلة أن هذا جائز إذا ما أخَلَّ الزوج به وتزوج بأخرى لتخلِّيه عن الوفاء بشرطه، أما فقهاء المالكية فيرون أن الوفاء بهذا الشرط مستحب وليس واجبًا، ولا يترتب على الإخلال به أي حق للزوجة باعتبار أنه من الشروط التى لا يقتضيها العقد، كما أنه لا ينافي عقد الزواج ولكنه غير ملزِم له.
ويضيف: «يعتبر عقد الزواج من العقود الرضائية التي ترتكز على مبدأ حرية التعاقد بين طرفيه، ومن ثم يحق لكل من الزوجين أن يشترط على الآخر ما يشاء من الشروط طالما أنها لا تحل حرامًا أو تحرم حلالاً لقوله، صلى الله عليه وسلم: «المؤمنون عند شروطهم إلا شرطًا أحل حرامًا أو حرم حلالاً وإن أحق ما وفيتم به من الشروط ما استحللتم به الفروج ».
عندما تقول الزوجة لزوجها: «وأنا قبلت الزواج منك»، هل يمكن أن تكمل العبارة قائلة «بشرط ألا تتزوج عليّ في أي وقت». وهل يمكن وضع هذا الشرط في عقد الزواج؟ وهل تتأثر صحة الزواج إذا خالف الزوج هذا الشرط؟ مفتية النساء الدكتورة سعاد صالح أفتت بصحة هذا الشرط، وقدمت الأسانيد الشرعية التي تؤكد رأيها، فماذا تقول؟ وما هي آراء علماء الدين الآخرين؟