ليس من حق الزوج إجبار زوجته على التعقيم
د. علي جمعة, د. مهجة غالب, د. مبروك عطية, د. أحمد عمر هاشم, مفتي مصر, د. عفاف النجار, فتوى, د. جمال أبو السرور, تعقيم المرأة, د. سعيدة أبو سوسو , د. سالم عبد الجليل
30 مايو 2011تعقيم الشعوب
ويتطرق وكيل وزارة الأوقاف المصرية الدكتور سالم عبد الجليل إلى نقطة مهمة مؤكداً أنه إذا كان التعقيم بشكل فردي محرماً شرعاً، فإنه أشد حرمة إذا حاول بعض الحكام فرضه على الشعوب، إذ يرى العلماء أن سياسة منع الحمل مخالفة لتعاليم الإسلام، لأن فكرتها الأساسية تقوم على الخوف من الفقر وقلة الموارد، مع أن الله تكفل بأرزاق كل مخلوقاته، وهيأ لهم وسائل الحصول على الرزق بالسعي الجاد والعمل المستمر، فقال تعالى: «وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ» سورة هود آية 6. وقال أيضاً: «إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيراً بَصِيراً» سورة الإسراء آية 30. وقال الله تعالى أيضاً: «ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم» سورة الأنعام آية 151. وفي آية ثالثة قدم الله ضمانه لرزق الأبناء على الآباء والأمهات، فقال تعالى: «ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم» سورة الإسراء آية 31. ومن هنا أجمع الفقهاء على حرمة التعقيم، ما لم يكن هناك سبب طبي قهري، فهنا يجوز التعقيم.
وأوضح عبد الجليل أن تحريم التعقيم لا يعني أن الأديان السماوية تدعو إلى الإنجاب دون أي تنظيم، بل إن التنظيم مطلوب، أما المحرّم فهو التحديد أو المنع التام بالتعقيم بغير ضرورة طبية. أما القول إن كثرة الإنجاب والفقر وجهان لعملة واحدة، فهو مرفوض شرعاً وعقلاً، لأن البشر ثروة. وقد دعت الأديان إلى التراحم بين الناس، فمثلاً الزكاة فريضة دينية تربط الغني والفقير، وكذلك الصدقات يثاب فاعلها لأنه يعطف على الفئات المستضعفة. بل إن محاولات فرض التعقيم على الشعوب ستؤدي إلى زيادة نسبة الطلاق، فإذا كان الزوج يرغب في الإنجاب ومنعته القوانين سيفكر في التخلص من زوجته بالطلاق والزواج بأخرى، أو يتزوج عليها ويهملها، وهنا تدفع المرأة ضريبة التعقيم الذي تروج له بعض المنظمات النسائية الغربية التي تحارب الإنجاب وتراه سبب مشكلات العالم.
طبياً
وعن تعريف التعقيم للنساء من الناحية الطبية، يقول أستاذ أمراض النساء بطب الأزهر ورئيس الجمعية العالمية لطب النساء والتوليد الدكتور جمال أبو السرور: «يقصد به التأثير على الجهاز التناسلي حتى يفقد قدرته على الإنجاب بشكل دائم، وذلك بقطع قناتي الرحم اللتين تسَمّيان «قناتي فالوب» أو ربطهما، وذلك عن طريق فتح البطن أو المنظار البطني. وكذلك يمكن الوصول إليهما عن طريق عنق الرحم بمنظار رحمي، مع العلم أن عملية استئصال الرحم قد تكون لاستئصال الرحم وحده فقط، أو الرحم مع الأنابيب والمبيضين معاً، وقد تصبح هذه العملية ضرورية في حالة الإصابة بسرطان عنق الرحم أو سرطان الرحم نفسه وسرطان المبيضين. ويفضل استئصال الرحم فقط لدى النساء المصابات بالسرطان اللواتي لا يرغبن في المزيد من الأطفال.
دم ما بعد التعقيم
عن حكم الشرع في الدم الذي قد ينزل على المرأة بعد استئصال الرحم، قالت أستاذة الفقه في جامعة الأزهر الدكتورة إلهام شاهين أنه دم فاسد حكمه حكم الاستحاضة، ويلزم المرأة أن تقضي تلك الصلوات التي تركتها مدة نزول هذا الدم، لأنها دين في ذمتها، وقد قال النبي؛ صلى الله عليه وسلم: «ديْن الله أحق أن يقضى».
وأشارت إلى أن الإسلام حث على زيادة النسل باعتباره نعمة إذا أحسنت الأمة توظيفها، لأن كثرة البشر تعد من قبيل الثروة والخير في الدنيا والآخرة، فقال، صلى الله عليه وسلم: «تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة». ولهذا لا يجوز للزوج أن يجبر زوجته على التعقيم أو استئصال الرحم، ما لم تكن هناك ضرورة صحية يؤكدها الأطباء الثقاث الذين يخشون الله.
الأصل والفرع
ورأى أستاذ الدراسات الإسلامية في جامعة طنطا الدكتور أحمد عبده عوض أنه لا يجوز شرعاً استئصال القدرة على الإنجاب مطلقاً، سواء كان عند الرجل أو المرأة، إلا في حالات الضرورة التي يقدّرها أهل العلم الثقات من الفقهاء والأطباء. وبالتالي لا يجوز إجراء عمليات التعقيم ولا ربط قناتي الرحم أو استعمال أي وسيلة أخرى، حالياً أو مستقبلاً، تؤدي إلى التعقيم. وقد أفتى الفقهاء القدامى والمعاصرون بتحريم منع المقدرة على الإنجاب بلا مبرر طبي يؤكد أن الحمل خطر على حياة الأم.
وبالتالي فإن المحافظة على الأصل، وهو الأم، أهم من إنجاب الأطفال، وهم الفرع. وقد أكدت كل النصوص الشرعية من القرآن والسنة أن القول بتحديد النسل أو منع الحمل مصادم للفطرة الإنسانية التي فطر الله الناس عليها. وبالتالي لا يجوز منع الحمل إذا كان القصد من ذلك خشية الفقر مثلاً، لأن الله تعالى وصف نفسه بقوله: «هو الرزاق ذو القوة المتين» . وقال الرسول، صلى الله عليه وسلم: «لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصاً، وتروح بطاناً».
الضرورات والمحظورات
يؤكد الرئيس الأسبق لجامعة الأزهر الدكتور أحمد عمر هاشم أن الأصل في مسألة استئصال الرحم أنه لا يجوز، وذلك لأن «كل عمل يقطع الإنجاب مرفوض شرعاً، إلا إذا خيف على حياة المرأة من ضرر محقق قد يأتي على نفسها أو يشق عليها مشقة عظيمة تهدد حياتها، لأن حفظ النفس من المقاصد الرئيسية للشريعة الإسلامية. أو تكون قد استنفدت وسائل العلاج لمرض ما، وأخبرها الأطباء الثقات أنه لا علاج لما تعانيه إلا باستئصال الرحم، لهذا فإنه يجوز لها أن تعمل ما يزيل عنها الضرر الدائم، لأن من قواعد الشريعة أن «درء المفسدة مقدم على جلب المصلحة»، وكذلك «الضرورات تبيح المحظورات».
نصيحة للأزواج
وتؤكد عميدة كلية الدراسات الإسلامية في جامعة الأزهر الدكتورة عفاف النجار أن الإسلام أباح تنظيم النسل، أي التباعد بين مرات الحمل محافظة على صحة المرأة، أما القطع الدائم فهذا غير جائز بل إنه محرّم شرعاً، وليس من حق الزوج إجبار زوجته عليه، وإلا تضررت ورفعت أمرها للقضاء إذا فشلت محاولات إقناعه بخطأ ما يريده، عن طريق حكم من أهله وحكم من أهلها لقوله تعالى: «وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها إن يريدا إصلاحاً يوفق الله بينهما إن الله كان عليماً خبيراً» سورة النساء آية 35.
وبالتالي ليس من حق الزوج إجبار زوجته على فعل ما تكره، متجاهلاً فطرتها ورغبتها في الأمومة. ومن هنا من حقها رفع الضرر، لقول رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «لا ضرر ولا ضرار». وإذا كان بعض العلماء قد أباحوا تأخير الإنجاب للحفاظ على جمال المرأة وقوامها، فإنهم حرَّموا منع الحمل نهائياً بالتعقيم أو الإجهاض لأنه حرام شرعاً.
وتنصح النجار الزوج الذي يريد تعقيم زوجته باستئصال رحمها بأن يتذكر نعمة الله عليه بالإنجاب بينما يعاني الملايين من العقم، ويتمنون أن يكون لهم أولاد.
أصدر مفتي مصر الدكتور علي جمعة فتوى جريئة بتحريم التعقيم أو ربط الرحم للمرأة أو استئصاله، دون عذر، مؤكداً أنه ليس من حق الزوج فرض ذلك عليها دون ضرورة طبية قهرية. وأيده الفقهاء في فتواه التي دان فيها تجبّر بعض الأزواج وتسلّطهم على زوجاتهم بمنعهن من الإنجاب، عن طريق التعقيم أو غيره من الوسائل دون احترام لفطرة الأمومة.
قال جمعة في رده على سائلة يريد زوجها إجبارها على ربط المبايض أو التعقيم، بقوله: «عملية الربط النهائي للرحم، إذا كان يترتب عليها عدم الصلاحية للإنجاب مرة أخرى، هي حرام شرعاً، إذا لم تدعُ الضرورة إلى ذلك، لما فيه من تعطيل الأنسال المؤدي إلى إهدار ضرورة المحافظة على النسل، وهي إحدى الضرورات الخمس التي جعلها الإسلام من مقاصده الأساسية. ولا يجوز للزوج شرعاً أن يمنع زوجته من الإنجاب عن طريق التعقيم أو الربط النهائي للرحم دون ضرورة طبية أو رغماً عنها».
وأشار إلى أنه إذا وجدت ضرورة لذلك، كأن يخشى الزوج على حياة الزوجة من الهلاك إذا ما تم الحمل مستقبلاً، فالذي يحكم بذلك هو الطبيب الثقة، فإذا ما قرر أن الحل الوحيد لهذه المرأة هو عملية الربط الدائم فهو جائز ولا إثم فيه.
حرام شرعاً
ويشير الأستاذ بجامعة الأزهر الدكتور مبروك عطية إلى أن الدعوة إلى زيادة الإنجاب ليست مقصورة على الإسلام، بل إن هذا أمر مشروع في كل الأديان السماوية، وكان من دعاء الأنبياء والصالحين في كل العصور، وسجله القرآن في قوله تعالى: «ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماماً» سورة الفرقان آية 74. ولا شك أن تمني الإنجاب ورفض التعقيم، أو استئصال الرحم دون مبرر طبي، يتوافق مع الفطرة الإنسانية السليمة بدليل قوله تعالى: «المال والبنون زينة الحياة الدنيا» سورة الكهف الآية 46.
ومن هنا حرصت الشريعة الإسلامية على الإنجاب وحفظ النسل وحرّمت الإجهاض، فما بالنا بالتعقيم الذي هو المنع النهائي للإنجاب؟ ولهذا من حق الزوجة التي يريد زوجها إجبارها على التعقيم، طلب الطلاق للضرر إذا فشلت في إقناعه بأن ما يطالب به حرام شرعاً.
التحريم بالإجماع
واستشهدت رئيسة قسم علوم القرآن الدكتورة مهجة غالب بما جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي بشأن التعقيم أو المنع النهائي للحمل، قائلة: «لقد أفتى علماء المجمع، وهم من كبار العلماء بمختلف الدول الإسلامية، بأنه يحرم استئصال القدرة على الإنجاب في الرجل أو المرأة، وهو ما يعرف بالإعقام أو التعقيم، ما لم تدعُ إلى ذلك الضرورة بمعاييرها الشرعية، وأن الدعوة إلى تحديد النسل أو منع الحمل بصفة عامة لا تجوز شرعاً».
وأشارت إلى أنه يجوز التحكّم الموقت في الإنجاب بقصد المباعدة بين فترات الحمل، أو إيقافه لمدة معينة من الزمان، إذا دعت إليه ضرورة يقرّها الشرع، وذلك عن طريق التشاور بين الزوجين والتراضي والاتفاق بينهما، شرط ألا يترتب على ذلك ضرر للأم، وأن تكون الوسيلة المستخدمة في المنع الموقت مباحة شرعاً، وليس فيها عدوان على حمل قائم بالفعل.
نفسياً
وعن التأثيرات النفسية للتعقيم بعد استئصال الرحم، قالت رئيسة قسم علم النفس في جامعة الأزهر الدكتورة سعيدة أبو سوسو: «تختلف الآثار النفسية من امرأة إلى أخرى تبعاً لاستجابة المرأة للعملية ومدى تقبلها لها والأسباب التي دفعتها إليها. فمثلاً المرأة التي تم استئصال رحمها بسبب مرض سرطاني تكون أقل تأثراً من النساء السليمات صحياً وأجبرهن أزواجهن على التعقيم، فيشعرن بأنهن فقدن عضواً مهماً. ولهذا من استؤصل رحمها لسبب مرضي أو تحت إجبار الزوج، يمكنها أن تتحدث بما في نفسها من مشاعر وأحاسيس لأحد أقاربها أو لطبيبها أو صديقتها، لتفريغ الشحنة النفسية السيئة قدر الإمكان، مما يقلل من احتمالات إصابة المرأة بأمراض نفسية كالاكتئاب بمختلف درجاته.