الاكتئاب والكرب...

طب نفسي, محاربة الإكتئاب, المملكة العربية السعودية, د. سعد الخطيب, أمراض نفسية, المجتمع العربي, د. منى الصواف

06 يونيو 2011

عدم التواصل مع الآخرين واستبدال العلاقة بالوسط الاجتماعي بالعلاقة بالكومبيوتر والانترنت، يفقد عدداً كبيراً من السعوديين مهارة التواصل الاجتماعي، فيؤدي استغراقهم في عالمهم الشخصي الى عدد من المشاكل النفسية التي يوضحها لنا د. سعد الخطيب ود. منى الصواف.


الخطيب: 25% من الشباب السعوديين يعانون من العزلة

قال كبير استشاريي الطب النفسي واستشاري الصحة النفسية عند الأطفال والمراهقين الدكتور سعد الخطيب إن أكثر الأمراض شيوعاً هما الاكتئاب والقلق ويشكلان نسبة 85%  أو أكثر من الاضطرابات النفسية التي تُصيب الأفراد في أي مجتمع، وأضاف: «ازدادت في الفترة الأخيرة  اضطرابات ما بعد الصدمة وذلك نتيجة أسباب كثيرة منها السيول التي حدثت في مدينة جدة والأحداث اليومية السياسية التي بتنا نشاهدها على شاشات التلفزيون، وهذا يؤدي إلى نوع من الصدمات النفسية وليس بالضرورة أن يكون الشخص في الحدث ليتعرض لاضطراب الكرب او ما يُسمى بما بعد الصدمة، فمجرد المتابعة لهذه الأحداث يدخل الشخص في نوع من المشاركة مع ما يحدث. ولكن تبقى الدراسات حول هذا المرض قليلة جداً».

وأشار الخطيب إلى وجود زيادة ملحوظة في الإفراط الحركي والتوحد على المستوى العالمي قائلاً: "للأسف تكاد تكون النسبة لدينا قد وصلت إلى النسب العالمية. ونحن نعتقد أن الاضطرابات النفسية لدى الأطفال محدودة جداً لأننا نملك نظام الأسرة الممتدة كنوع من الحماية وليس لدينا مغهوم المعيل الواحد أو الأم العزباء كما هو الحال في الغرب. لكن المشكلة أن الأطفال يُتركون مع المربيات ولهذا نلاحظ ازدياد نسبة الاضطرابات لديهم بشكل عام. أما عند الكبار فقد بتنا نرى أسبابا جديدة بدأت تظهر لتؤثر على الأشخاص، كوجود البطالة والفقر وزيادة عدد الخريجين وقلة الوظائف، إضافة إلى انتشار ظواهر أخرى كالانترنت والمخدرات وابتعاد الشباب عن الالتزام».

وأضاف: «لا دراسات تؤكد زيادة نسبة الوسواس في السعودية إنما هناك مؤشرات تدل على أن نسبة الاكتئاب والقلق ارتفعت. وهناك نوع معين من القلق ازداد وهو الرهاب أو الخوف الاجتماعي، وأسبابه تعود إلى عدم التواصل مع الآخرين وغياب المهارات الاجتماعية بحيث نجد أن كثيرين باتوا ينعزلون مع أجهزة الكمبيوتر والانترنت وهو ما يجعلهم يشعرون بالكثير من الخوف من التواصل الاجتماعي. وهناك دراسات أثبتت أن 25% من الشباب يعانون الاضطرابات والرهاب الاجتماعي وهي نسبة مرتفعة جداً».  

وأوضح الخطيب أن هناك «أمراضا يُطلق عليها الأمراض النفس -جسمية وهي مشتركة بين الأمراض النفسية والجسمية. وعلى سبيل المثال نجد أن مرض الربو مرض عضوي وقد يكون فيه جانب من الأمراض النفس - جسمية فمن يتعرض لغضب شديد يشتد عليه الربو. وكذلك الحال في مرض السكري اذ نجد أن من يتعرض لمشاكل في حياته يحدث معه تغير في نسبة السكري في جسمه. كما أن الأمراض النفسية لها عواقب صحية، فالقلق له جانب عضوي إذ قد يتعرض الشخص لخفقان في القلب او رهاب أو خوف. والحال نفسه ينطبق على من يعاني اكتئاباً شديداً».

وعن العلاج قال: «يجب توفير الاحتياجات الأولية وتقديم الخدمات للأشخاص خاصة ممن يعانون الفقر والبطالة وترتفع لديهم نسبة الإصابة بالاكتئاب والقلق. كما يجب أن نعمل على نشر الوعي الوقائي في حياتنا الاجتماعية حتى لا تستفحل المشكلات وتزيد تلك الاضطرابات ونخرج عن قدرتنا على السيطرة».

 

الصوّاف: اضطرابات الاكتئاب النفسية منتشرة بين النساء

من جانبها، ذكرت الخبيرة الدولية لمكتب الأمم المتحدة في مجال علاج الإدمان عند النساء واستشارية ورئيسة قسم الأمراض النفسية في مستشفى الملك فهد في جدة الدكتورة منى الصوّاف، أن الأمراض النفسية في المجتمع العربي شبيهة إلى حد كبير بالأمراض النفسية المنتشرة في العالم لسببين، «الأول أن معظم الأمراض النفسية، خاصة الذهنية منها، لها درجة الحدوث نفسها، فمرض الفصام موجود بنسبة ثابتة في كل المجتمعات تقريباً وربما يقع الاختلاف في شدة المرض وحِدته ومدى الاستجابة للعلاج. ومسبباته تعود إلى العوامل الوراثية وتأثير البيئة فيها. أما السبب الآخر فهو أن هناك بعض الأمراض غير الخاصة لكنها أكثر وضوحا في بعض المجتمعات كالاضطرابات الناتجة عن الكرب أو اضطرابات ما بعد الصدمة،  وهي لها علاقة بإصابة فرد أو أفراد في المجتمع لظروف قاسية جداً فوق قدرة الإنسان العادي على التحمل.

البعض منها قد يكون ظروفاً طبيعية كالإعصار والبراكين والزلازل كما حدث في اليابان، ومن المؤكد أن هناك مجموعة منهم سيتعرضون لهذا الأمر، وبعض منها قد تكون ظروفاً من صُنع الإنسان وهي نتيجة الحروب والاغتيالات والحوادث والاغتصاب. والملاحظ الآن أن المجتمع العربي يشهد انتشار الاضطرابات النفسية في ظل عدم الاستقرار السياسي مع مشاهد القتل والعنف والدمار. وأورد هنا أن لدي حالة لطفل مريض بالهلع بعد أن ربط شارة الأخبار بصورة استشهاد الطفل محمد الدرة وأصبح يعانين حالة فزع شديدة جداً، ومنطقتنا العربية من أكثر المناطق سخونة في العالم لذلك نتوقع أن تحدث اضطرابات متعددة بعد هذه الأحداث».

وأشارت الصواف إلى أن «الاضطرابات التي تكثر في السعودية هي القلق، واضطرابات النوم الناتجة عن أسباب غير نفسية. والدليل على ذلك وجود مرضى بأمراض عضوية تظهر على هيئة اضطراب في النوم. على سبيل المثال، هناك حالات مما يُسمى حالات انقطاع التنفس أثناء النوم، فيبدو له أنه على علاقة بالقلق أو الاكتئاب، لكن حقيقة الأمر هو يعاني من متلازمة انقطاع التنفس أثناء النوم. وهي من الأمور الأكثر شيوعاً في السعودية، وذلك بسبب عدم دراية كافية في المحافظة على الصحة. وفي كل بلدان العالم أكثر مرض منتشر هو الاكتئاب، وهو يصيب 15% من عامة الناس خاصة النساء، فهو أكثر مرض منتشر في العالم، ونحن جزء لا يتجزأ من العالم. ونسب الاكتئاب في السعودية كباقي النسب في العالم العربي، لكن قد تختلف الأسباب والمتغيرات الحياتية التي تؤدي إلى زيادة هذا المرض. وهناك علاقة وثيقة بين الاستعداد الجيني الوراثي والظروف البيئية المحيطة، من بينها الغلاء والطلاق والقهر والفقر والبطالة».

وقالت: «أي مشكلة تتعلق بالمزاج تصاب بها النساء أكثر من الرجال. فالقلق أكثر انتشاراً بين النساء بنسبة اثنين إلى واحد. وتكثر هذه النسبة في حالات الحمل والولادة. أما في ما يخص مرض الفصام فالنسبة متساوية بين الرجل والمرأة لكن أعراضه عند النساء أشد منها عند الرجال، والأمر ذاته في الوسواس القهري. إلا أن الرجال لديهم أمراض أخرى كإدمان الكحول والمخدرات والجنس والقمار».

عن سُبل العلاج أردفت الصواف تقول: «هناك أمور نستطيع الوقاية منها وهناك أمور يمكن معالجتها. وما يدخل ضمن الوقاية هي اضطرابات الكرب (او ما بعد الصدمة. كما علينا العمل على زيادة الوعي والثقافة خاصة للعاملين في القطاع الصحي، وذلك لمعرفة الحالات مبكرا وتشخصيها وبالتالي علاجها في أسرع وقت ممكن. ويجب توعية المعلمات في المدارس أيضا. ولعل أكبر مشكلة نواجهها هي أن المفاهيم السائدة عن الأمراض النفسية أصبحت عُرضة للفتاوى من أي شخص. لذا أرجو المسؤولين أن تخضع هذه العملية للتقنين».