بيت الطاعة حبس قهري للزوجة والإسلام بريء منه
طلاق, د. علي جمعة, د. مهجة غالب, الشيخ يوسف البدري, د. مبروك عطية, د. أحمد عمر هاشم, د. ملكة يوسف, د. سعاد صالح, جامعة الأزهر, فتوى, علماء الدين, عقد الزواج, د. محمد عبد المنعم البري, بيت الطاعة
20 يونيو 2011مواصفات بيت الطاعة
ويؤكد الدكتور محمد عبد المنعم البري، الأستاذ في كلية الدعوة جامعة الأزهر، أن فكرة بيت الطاعة موجودة في الشريعة بشكل ضمني من خلال حق عودة الزوجة الناشز بلا مبرر الى بيت الزوجية، مع إلزام الزوج بالقيام بكل واجباته وتلبية كل مطالبها المشروعة، وذلك من خلال المصلحين من الأسرتين، وهذا ثابت في قوله تعالى: «وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاَحًا يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا» آية 35 سورة النساء. ووظيفة المصلحين التأكد إذا ما كانت الزوجة ناشزاً من عدمه. وإذا فشل المصلحون يُرفع الأمر الى القضاء لإصدار حكمه المنصف بناء على ما استمع إليه من الطرفين.
وبالتالي فإن فكرة بيت الطاعة قائمة، ولكن ليس بالقوة الجبرية والاستعانة بالشرطة، وإذا لم تنفذ الزوجة الحكم فمن حقها طلب الخلع. أما إذا اختارت بيت الطاعة فيجب أن يحتوي على كل المتطلبات التي تجعله مهيَّأً للحياة بشكل مناسب للزوجين دون الإضرار بالزوجة، فمثلاً من حقها أن يكون بيت الطاعة مستقلاً، ليس فيه ضرة لها أو حتى والداه، إن كان بإمكانه توفير منزل مستقل لهما. وأنهى البري كلامه بتأكيد أنه من المقرر شرعاً أن الزوجة تدخل بيت زوجها من باب واحد، وهو عقد الزواج، وتخرج منه من أبواب عدة هي الطلاق أو الفسخ أو الخلع.
مفتي مصر الدكتور علي جمعة: بعض الأزواج يستغلون بيت الطاعة لإجبار زوجاتهم على الخلع وسقوط حقوقهن
يقول الدكتور علي جمعة مفتي مصر: «يرفض الإسلام الإكراه والإجبار في كل شيء، ومنها الأمور المتعلقة بالزواج الذي جعله الله آية من آياته، حيث قال تعالى: «ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون» آية 21 سورة الروم. ولهذا حرص الإسلام في الزواج من بدايته على الاختيار بين أطرافه، وخاصة المرأة، فاشترط لصحة الزواج رضا المرأة، فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «البكر تُستأذَن وإذنُها صمتها، والثيّب أحق بنفسها من وليها»، وأعطاها الإسلام الحق في فسخ عقد الزواج إذا أكرهها وليها على الزواج، حتى تعيش حياتها سعيدة، ولهذا يرفض الإسلام كل أشكال الإجبار في الحياة الزوجية، ومنها إجبار الزوجة على البقاء مع زوجها عن طريق ما يسمى «بيت الطاعة» الذي لم يرد فيه نص في القرآن أو السنة، وخاصة إذا كان بصورته السيئة التي فيها إساءة الى الزوجة بما يخالف الأمر الإلهي بالمعاشرة بالمعروف أو التفريق بإحسان».
وأشار المفتي إلى أن إجبار الزوج زوجته على البقاء معه رغماً عنها مرفوض شرعاً، بل إنه من قبيل الظلم الذي حرمه الإسلام، وتوعد الله الظالمين فقال سبحانه: «إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءتْ مُرْتَفَقًا» آية 29 سورة الكهف. ولا شك أن من أشكال الظلم أن يجهز الزوج مسكناً لا يرضى أن يسكنه هو، ويحوله إلى ما يشبه السجن، بشكل يتنافى مع الكرامة الإنسانية، مع أن الله سبحانه وتعالى أمره بإحسان عشرتها في المسكن والنفقة، وحرم الإضرار بها لإرغامها على طلب الخلع ووقتها تسقط حقوقها، فقال: «أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم ولا تُضارُّوهن لتضيقوا عليهن» آية 6 سورة الطلاق.
وأضاف المفتي: «إذا ساءت العلاقة بين الزوجين ولم يعد هناك تفاهم بينهما أوصي الأزواج بالحل الشرعي، فقال اللّه تعالى: «فامسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف ولا تمسكوهن ضرارًا لتعتدوا» آية 231 سورة البقرة.
وإذا فشلت محاولات التحكيم والتوفيق بينهما، فليتفرقا ليغنى اللَّه كلا من سعته، ولا داعي للعناد الذي يوصل إلى ما لا يرضاه الله، وها هو ذا رسولنا، عليه صلاة الله وسلامه، وهو يشاهد الصحابي مغيث، رضي الله عنه، وهو يبكي وراء زوجته بريرة لتبقى معه رغماً عنها، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول لبريرة: «ارجعي إليه، فقالت: يا رسول أشافع أنت أم آمر، فقال: بل شافع، فقالت: لا أريده». واحترم الرسول رغبتها ولم يكرهها على العيش معه.
وإذا كان الزوج هو الكاره، فإن من حقه الطلاق، ويقابله إذا كانت الزوجة كارهة فلها حق الخلع برضاها، مثلما فعل الرسول، صلى الله عليه وسلم، مع جميلة بنت سلول، زوجة ثابت بن قيس، حيث قالت: «والله يا رسول الله ما أعيب عليه في خلق ولا دين ولكني لا أطيقه بغضاً، فقال النبي، صلى الله عليه وسلم: «أتردين عليه حديقته» ثم فرق بينهما قائلاً لزوجها :خذ الحديقة وطلقها تطليقة». أما إذا كان الزوج كارهاً، ويريد إجبار زوجته على الخلع لتسقط حقوقها عليه، ويجبرها على الخلع عن طريق إذلالها ببيت الطاعة، فهو آثم شرعاً ومشكوك في إيمانه، لقول رسول الله، صلى الله عليه وسلم «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه».
رغم أن «بيت الطاعة» منصوص عليه في قوانين دول عربية كثيرة، أفتت الدكتورة سعاد صالح بأنه ليس سوى بيت إهانة للزوجة ومحاولة لحبسها وقهرها، مؤكدة أن الإسلام بريء منه. تلك الفتوى الجريئة أثارت حالة من الجدل بين علماء الدين، ما بين من يؤيد الدكتورة سعاد في ما تقوله ويرفض فكرة بيت الطاعة، ومن يعارض تلك الفتوى ويتمسك بفكرة بيت الطاعة، فماذا يقول الطرفان؟ وما هي أسانيدهما الشرعية؟
في البداية أشارت مفتية النساء الدكتورة سعاد صالح إلى أن "بيت الطاعة" من المصطلحات الدخيلة التي لم يرد فيها نص شرعي، وإنما هو تشريع من تشريعات القوانين الوضعية، ولذا لا يجوز اللجوء إليه. وقد رفضه أهل العلم المعاصرون لأنهم يرون فيه مظهراً لظلم المرأة باسم الدين، حيث يحاول الزوج الكيد لزوجته واتهامها بالنشوز حتى تفقد كل حقوقها، ولا تستطيع الحصول على أي تعويضات، مع أن الدين يرفض إجبار الزوجة على الحياة مع رجل لم تعد ترغب فيه، لأن ذلك يتنافى مع الأهداف النبيلة للحياة الزوجية التي قال فيها الله تعالى: «وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ» آية 21 سورة الروم.
وأشارت الدكتورة سعاد إلى أن «ساحات المحاكم، في مختلف الدول العربية والإسلامية، مليئة بآلاف المآسي للزوجات اللواتي يتعرضن لأشد أنواع الامتهان، تحت زعم أن بيت الطاعة هو العلاج الوحيد للمرأة الناشز، رغم أن الإسلام حذر من نشوز المرأة والرجل على السواء، وأنه إذا وقع أحدهما في النشوز يجوز للطرف المتضرر أن يرفع دعوى لدى القضاء. ولكن مع الأسف مجتمعاتنا تحاسب المرأة فقط، وهذا فيه ظلم لأن من يقرأ القرآن سيجد أن كلمة «النشوز» وردت في القرآن مرتين فقط، الأولى في حق المرأة في قوله تعالى: «وَاللاَّئي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيرا» الآية 34 سورة النساء. والثانية في حق الرجل وفيها يقول الله تعالى: «وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً فَلاَ جُنَاْحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ» الآية 128 سورة النساء.
ورغم ذلك، نجد أن بعض رجال الدين يتحدثون فقط عن نشوز المرأة التي تخرج عن طاعة زوجها، ولم نسمع أبداً لهم كلاماً عن الرجل الناشز وعقوبته، حتى ولو كان يمتهن زوجته ويعد لها مسكناً وضيعاً لإهانتها، ونسي هذا الزوج الوصف الإلهي للعلاقة بين الزوجين في قوله تعالى: «هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ» الآية 187سورة البقرة . ولو تأملنا معنى الآية سنجد فيها كل معاني الستر والمودة والحب».
وأنهت مفتية النساء فتواها بوصف «بيت الطاعة» بأنه «بيت الإهانة»، لأن الزوج يعتبر زوجته ناشزاً ويرفض تطليقها، ويطالب باسترجاعها بالقوة بعد أن يحضر لها مكاناً يكون أقرب لسجن يتم أسرها فيه، وعادة ما يقول إن هذا ما يستطيع تقديمه لها، وغالباً ما يكون غرفة متهالكة أقل من المستوى الذي كانت تعيش فيه، مهما كان دخل الزوج الذي يسعى لكسر كبرياء الزوجة، لهذا فبيت الطاعة ليس سوى «زنزانة الحبس القهري للزوجة» والإسلام بريء منه.
امتهان للمرأة
وتتفق الدكتورة مهجة غالب، رئيسة قسم علوم القرآن جامعة الأزهر، مع الفتوى، فتؤكد أن مصطلح «بيت الطاعة» لم يرد في نص شرعي، وإنما هو قانون وضعي حاول البعض به ظلم المرأة بجعله يرتدي عباءة الدين، حتى وصل الأمر إلى جعل الحق للقاضي بالحكم على الزوجة بالرجوع إلى بيت الزوجية ولزومه، فإذا لم تقم بذلك فإن للقاضي تحديد عقوبة لها وإلزامها بالرجوع إلى بيت الطاعة، ولو باستخدام القوة، بحجة أن الزوجة ناشز عن طاعة زوجها، فإن لم تفعل يسقط حقها في النفقة والسكن وغيرهما دون أدنى احترام لكرامة الزوجة ومشاعرها وحريتها.
وتنصح غالب الأزواج بأن يصبروا على زوجاتهم ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً، ابتغاء وجه الله القائل «وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ» آية 216 سورة البقرة.
وأكد المعنى نفسه في قوله تعالى: «فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا» آية 19 سورة النساء. وأن ينظروا إلى الجوانب الإيجابية في زوجاتهم بدلاً من إذلالهن ببيت الطاعة، وأن يستبدلوا الحب بالكراهية، فقد قال صلى الله عليه وسلم: «لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقاً رضي منها آخر».
تأويل خاطئ
ويؤكد الدكتور مبروك عطية، الأستاذ في جامعة الأزهر، أن تسمية «بيت الطاعة» وردت في كثير من قوانين الدول العربية والإسلامية، استناداً إلى أنه ورد في كلام بعض فقهاء المالكية والشافعية شيء قريب من هذا سموه «مكان الطاعة»، حيث يرون أنه في حالة امتناع الزوجة عن العودة لبيت الزوجية فلا نفقة لها ولا سكنى حتى تعود إليه، لأنها بالامتناع قد أضاعت حق الزوج في وجودها الذي يوجب النفقة فتكون ناشزاً. ولكن المشكلة أن بعض الأزواج يسيئون تأويل النصوص الدينية لتبرير تعصبهم الذكوري ونسبة ذلك الى الدين ظلماً، بل إن بعضهم يفعل ذلك وكأنه عبادة يتقرب بها إلى الله، فيظنون مثلاً أنه كلما كان بيت الطاعة فيه إذلال للمرأة كان ذلك أفضل، وهذا ما يزينه لهم الشيطان كما جاء في قوله تعالى: «وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ» آية 38 سورة العنكبوت.
إساءة إلى الدين
ويرى الدكتور أحمد عمر هاشم، الرئيس الأسبق لجامعة الأزهر، أنه إذا كانت الزوجة ناشزاً عن طاعة زوجها ولا مبرر لديها، فيحكم عليها بالانقياد لطاعة زوجها ولكن بالمعروف والتفاهم، فإن لم تفعل فإنه يسقط حقها في النفقة والسكنى وغيرها. أما نظام بيت الطاعة فهو مرفوض شرعاً لأنه يسقط حق الحرية، والذين وضعوا هذا القانون رجال يبغون إذلال المرأة إذا رفضت العيش معهم. والحياة الزوجية لا تأتي بالإجبار أبداً، وما كان الرسول، صلى الله عليه وسلم، وصحابته الكرام يفعل هذا، وإنما أمر الإسلام بالإمساك بمعروف أو التسريح بالإحسان، حيث يقول تعالى: «الطلاقُ مَرّتان فإِمْسَاكٌ بمعروف أو تَسريحٌ بإحسان وَلاَ يحِلُّ لَكُمْ أنْ تأخذُوا مِمّا آتَيتمُوهُنَّ شيئاً إلاّ أنْ يَخَافَا ألاّ يُقِيمَا حُدودَ اللّهِ فَإنْ خِفتُمْ ألاّ يُقيما حُدودَ اللّهِ فلا جُناحَ عَليهِما فيما افتدَتْ بهِ تِلكَ حُدودُ اللّهِ فَلا تَعتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدودَ اللّهِ فَأُولئكَ هُمُ الظّالِمونَ» آية 229 سورة البقرة.
وكذلك يعد بيت الطاعة مخالفة صريحة للنصيحة والأمر النبوي، حيث قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «استوصوا بالنساء خيراً فإن المرأة خلقت من ضلع أعوج وإن أعوج ما في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته وإن تركته لم يزل أعوج فاستوصوا بالنساء خيراً». وبالتالي فإن نسبة بيت الطاعة للإسلام إساءة إليه.
القوة الجبرية
واستغربت الدكتورة ملكة يوسف زرار، أستاذة الشريعة الإسلامية، من طلب الزوج لزوجته رغماً عنها في بيت الطاعة، قائلة: «الزوج الذي يطلب زوجته لبيت الطاعة ماتت فيه عزة النفس، حين يرغم إنسانة على العيش معه رغماً عنها وهي لا تريده. وبيت الطاعة أصله من القانون الفرنسي، وبالتحديد المادة 212، وهو ما يتناقض مع نصوص الآيات القرآنية التي تحث على العشرة الزوجية الحسنة».
وكشفت أن فكرة بيت الطاعة مستمدة في جذورها من القانون الروماني في ظل ما يطلق عليه «الزواج التوافقي» الذي هو أقرب إلى العرفي حالياً ولا توجد فيه أي حقوق وواجبات متبادلة بين الزوجين.
وقد كانت الزوجة تعود لبيت والديها عند النزاع وليس لزوجها أي سلطة عليها، لذلك ابتكر الحاكم القضائي فكرة تسلطية ذكورية تتمثل في دعوى قضائية تمكن الزوج من استرداد زوجته إلى بيته بالقوة الجبرية، ودون أي احترام لمشاعرها أو موقف أسرتها، وكان يطلق عليها دعوى الاسترداد. وقد نقلت مجموعة نابليون القانونية فكرة إرجاع الزوجة إلى منزل الزوجية بالقوة الجبرية، ثم نُقلت من القانون الفرنسي إلى العديد من الدول العربية والإسلامية، وتناولتها الأعمال الفنية العربية القديمة، رغم ما في بيت الطاعة من ظلم وتعسف ضد المرأة، وانتقاص لإنسانيتها. ومن المؤسف أن المؤسسة الدينية المتعصبة للذكورية استطاعت أن تقتنص من الإسلام ما يناسب أهواءها، فتركت الأسباب الحقيقية لظلم الزوج لزوجته وركزت على حقه في مطالبتها بالعودة إلى بيت الطاعة ليستكمل مسيرة إذلاله لها.
نص شرعي
وعلى الجانب الآخر هناك فريق يؤكد أن بيت الطاعة لا يتعارض مع الإسلام، فيوضح الشيخ يوسف البدري، عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، أن عبارة "بيت الطاعة" تسمية تركية الأصل، ولكن لها أصل في نص شرعي من خلال قوله تعالى: «أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مِّن وُجْدِكُمْ وَلا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِن كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُم بِمَعْرُوفٍ وَإِن تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى» آية 6 سورة الطلاق.
ويشير إلى أن بيت الطاعة ركن من أركان الحياة الزوجية، فإذا شقت الزوجة عصا الطاعة وفارقت بيت الزوجية، وجب أن ترجع إليه كما قال الفقهاء، وهنا يكون العقاب إسقاط النفقة عنها، لأن النفقة شرط الاحتباس. فإذا رفضت العودة إلى مألوف حياتها الزوجية تقطع نفقتها، وتكون هناك محاولات لإعادتها، سواء بالترغيب أو الترهيب دون عدوان مادي عليها بالضرب أو الشرطة مثلاً. وإذا ثبت للقاضي أنها ناشز تركت بيت الزوجية من غير مبرر، فإنه يحكم بسقوط جميع حقوقها المادية، وتدخل هذه الإجراءات في إطار قوله تعالى: «واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع وأضربوهن فإن أطعنكن فلا تبغوا عليهن سبيلاً».
حياة بالإكراه
ويرى الدكتور محمد كمال إمام، رئيس قسم الشريعة في كلية الحقوق جامعة الإسكندرية، أنه «من المؤسف أن بعض الأزواج يعتقدون أن الإسلام يعطيهم حق إلزام الزوجة بالعودة إلى بيوتهم بالقوة، رغم أن الشرع لا يلزم بذلك، وتناسوا أن نصوص الشرع تعطي الزوجة الحق الكامل في أن ترفض العودة، إذا كرهت الحياة بكل صورها مع زوجها، بل إن لها أن تلجأ الى الخلع من دون إبداء الأسباب. ومن ثم فإن بيت الطاعة الكيدي يكون أشبه بالأسر، ويعيد النساء إلى زمن الجواري والظالمين الذين لا يتقون الله في زوجاتهم».
ويشير الدكتور محمد كمال إلى أن الزوجة، إذا كان زوجها فاسداً أو غير صالح ورأت استحالة العشرة معه، من حقها أن ترفض الاستمرار معه. ومن يتأمل السيرة النبوية والتاريخ الإسلامي سيجد أن الرسول وصحابته لم يجبروا المرأة الكارهة الناشز على العودة إلى بيت زوجها، وإنما أعطاها حق الخلع، أما بيت الطاعة فهو عودة إلى الجاهلية».