نزيلات سجن النساء في غزة...
جريمة, حبس / سجن, الشريعة الإسلامية, غزة, نساء غزة
17 أكتوبر 2011رحلة الجريمة
النزيلة فتنة كانت لها رحلة طويلة مع الجريمة، وتخصصت في سرقة الأجهزة النقالة أي الخليوي، وعمرها 23 عاما. تحدثت إلينا عن دخولها في عالم الجريمة فقالت: «كنت أعمل منذ صغري في الاستعطاء مثل أمي، ولكن بعد أن انحسر الرزق توجهت إلى السرقة، ووجدت أن أنجح السرقات هي التي تتم على أساس كل ما خف وزنه وارتفع ثمنه، فكان خياري سرقة الجوالات. وقد تعلّمت هذا العمل من أخي الذي يمارس العمل نفسه، وقد يستغرب البعض أن تمارس فتاة عملا كهذا، إلا أن الظروف التي وصلنا إليها دفعتنا إلى فعل ما هو أفظع، وصحيح أن ما أقوم به خطأ، ولكنه أفضل من أن أتاجر بجسدي».
وتابعت وهي تتنهد بحرقة: «نشأت في أسرة لا يعرف بعضها بعضا، فقد انفصل أبي وأمي في سنّ مبكرة، وكنت أعيش مع والدتي وأخي يعيش مع والدي. وكانت العلاقات بينهما سيئة للغاية، وكل منهما دفعته الظروف الى عمل ما، فكانت أمي تمارس الشحاتة وأبي يعمل ميكانيكي سيارات، وبعد أن أصرّ على ضمّي إلى حضانته كانت صحته قد تدهورت وترك عمله، وتولّيت مع أخي مصروف البيت، ودخلت عالم السرقة». وأضافت تقول: «هي المرة الأولى التي يتم فيها ضبطي فقد كنت في كل مرة أغادر المكان بعد إتمام مهمتي دون أن أترك أي أثر، ولكن في هذه المرة كانت دورية للشرطة بالقرب من المكان بالصدفة، وعندما أعطى صاحب محل الأجهزة الخلوية أوصافي لهم، فتشوا المنطقة وألقوا القبض علي».
الشرطة
من جانبها تحدّثت المقدم ناريمان عدوان مدير عام الشرطة النسائية في غزة عن دور الشرطة في القطاع فقالت: «الشرطة بشر، سرعان ما يتأثروا بما يمرّ به الآخرون، وربما يكونون الأكثر تأثرا نظرا لكثرة ما يمرّ عليهم من أحداث. غير أننا ندرّب السجانات على أن يكن ذوات خبرة واسعة، لكي يستطعن التعامل مع أكثر المواقف صعوبة، بالإضافة إلى ما يمكن أن يكتسبنه من خلال الخبرة التي توفرها الممارسة».
وتابعت: «يتطلّب العمل في قوة أمن النزيلات قوة في الشخصية وجرأة غير عادية لمواجهة الظروف الصعبة للسجينات، واحتكاكا مباشرا مع فئات ذات أبعاد جنائية مختلفة. فدورنا يقتصر على رعاية السجينات، وتقديم الطعام لهن وتسيير أمورهن اليومية. ويفرض التعامل مع النساء وجود شرطة نسائية تحتك بهن بعيدا عن الرجال».
وأضافت: «نقدّم دروساً ومحاضرات للسجينات تتنوع بين الدروس الدعوية والمحاضرات السلوكية، والتوعية حول النظافة الشخصية. ومن ناحية أخرى نحاول أن نتعامل مع السجينات وفق ما تمليه علينا الشريعة الإسلامية بهدف تأهيلهن للعودة إلى المجتمع كمواطنات صالحات».
في المجتمع الفلسطيني معاناة النساء لا تنتهي. وقد تلعب الظروف المحيطة بالمرأة في المجتمع الغزّي الدور الأكبر في دفعها إلى ارتكاب الجريمة التي تقودها في نهاية الأمر إلى سجن النساء في قطاع غزة.
ليس غريباً أن نجد داخل السجن أطفالا برفقة أمهاتهم، وقد أجبرتهم سنهم الصغيرة على أن يكونوا في هذا المكان الذي ألغى طفولتهم. وكان لقاؤنا الأول مع أم سعيد التي كانت تحتضن طفلها الذي لم يتجاوز عامه الثاني، فتحدثت إلينا عن سبب وجودها في السجن قائلة: «لم أفعل ما أستحق أن أسجن عليه، أنا امرأة كانت تعيش حياة عادية إلى فترة قريبة، لم أقترف في حياتي أي ذنب، ولكن الظروف دفعتني لفعل ما لم أكن أتوقع. اقضي هنا العقوبة التي صدرت بحقي، ولكنني لست وحدي، فابني يمضي معي عقوبة إضافية، على فعل لم يرتكبه، وأطفالي الصغار في الخارج يمضون عقوبة من نوع آخر وهي الحرمان والابتعاد عني».
وأضافت: «طلقت من زوجي بعد أن تحملته لسنوات، كان يشرب الخمر ويتعاطى المخدرات، وحوّل حياتي إلى جحيم لا يطاق، وكان يجبرني على أن أجهز له سجائر الحشيش، وكلما رفضت كان يضربني ويهينني. وبعد أن حصلت على الطلاق منه اعتقدت أن الدنيا فتحت لي أبوابها ولم أكن أعلم أني سأدخل معاناة جديدة، حيث تخلى عني الجميع وكان علي أن أعيل ثلاثة أطفال صغار. لم أجد ما أطعمهم به، وفكرت في العمل كثيرا وفي كل مرة كنت لا أستمر لسبب أو لآخر، وعندما اشتدت بي الحاجة فكرت بأي طريقة لأطعم صغاري، فحضر الشيطان بقوة في عقلي، وكانت الغلطة الأولى والأخيرة، فسرقت قطعة ذهبية من إحدى قريباتي التي اكتشفت الأمر سريعا، والقي القبض علي بسرعة، وأنا اليوم أمضي العقوبة الأقصى في حياتي».
سهى نزيلة أخرى في سجن النساء في قطاع غزة تحدثت عن السبب الذي أدخلها إلى السجن: «نحن هنا نتيجة ظلم مجتمع بأكمله. أنا هنا بسبب خطأ غيري...أنا متوسطة الجمال ولم أتزوج حتى سن متأخرة، ولأني من عائلة فقيرة جدا كانت فكرة الزواج تتقلّص في ذهني يوما بعد الآخر. كنت أعمل في مصنع للخياطة قريب من منزلي، وكان صاحب المصنع يمدح عملي، ويتغزل بي بطريقة لطيفة أحببتها، وأصبحت أنتظرها منه، كان سهلاً علي أن أسلّم نفسي له بعد أن وعدني بالزواج، وتكررت لقاءاتنا إلى أن غدر بي وصوّرني بجواله المحمول».
وتابعت سهى حديثها والدموع تتساقط من عينيها فقالت: «اختلفت علاقتي به بعد هذا التصوير حيث بدأ بمساومتي، لمساعدته في إيقاع فتيات أخريات ممن يعملن معي في المصنع نفسه، وكنت أقوم بهذا تحت وقع تهديداته، ولأن لكل بداية نهاية انكشف أمرنا بعد أن روت إحدى العاملات ما نقوم به لأهلها الذين قاموا بإبلاغ الشرطة».
وأضافت: «أنا ضحية مجتمع ظلمني في البداية بحقي في الزواج، وضحية ظلم إنسان وثقت به لاكتشف انه ذئب أفقدني عفّتي وسمعتي، والكثير من أهلي وتعاطف الجميع».