أمّهات لكن قاتلات!

طب نفسي, الزواج العرفي, جريمة قتل, الأمير خالد الفيصل, المحكمة الابتدائية في الرباط.

08 نوفمبر 2011

من المؤكد أن المحكمة ستستخدم مع هؤلاء المتهمات أقسى العقوبات لأنهن أمهات قتلن فلذات أكبادهن لأسباب عديدة، فملفات الشرطة تؤكد وجود 100 جريمة قتل تورطت فيها أمهات خلال السنوات الأربع الماضية. رقم يثير الفضول ويدفع إلى فتح الملفات لنرى ما هي الأسباب التي تحول الأمّ  إلى قاتلة لأولادها...


الملف المثير يمكن أن يحمل اسم "الأم القاتلة". المتهمة ليست زوجة الأب التي نشاهدها أحياناً تعامل أبناء زوجها بقسوة، تعذبهم وقد تقتلهم، لكن أن تتحول الأم إلى قاتلة لفلذة كبدها فهذا هو الغريب.
الجريمة الأولى بطلتها أمٌّ في التاسعة والعشرين من عمرها، فيما الضحية ابنتها التي لم تتجاوز عامها الأول، والمتهم الرئيسي هو الزواج العرفي فقد لعبت نذالة الزوج دوراً كبيراً في الوصول بالأحداث إلى هذا الطريق الشيطاني.
وقعت مريم في الخطأ حين استجابت لمشاعرها دون أن تترك لعقلها مساحة للتفكير، فقد غرقت في الحب مع شاب عابث لم يكن يفكر في أي شيء سوى إشباع رغباته.

عرض على مريم الزواج ووافقت الشابة التي اختفت عن أسرتها خوفاً من اعتراضهم وسلمت نفسها لزوجها الذي طلب منها أن يبقي الأمر سراً حتى يرتب أوضاعه. وبعد أشهر من الزواج اكتشفت أنها حامل، فجن جنون الزوج شوقي وفاجأ زوجته بسرقة عقد الزواج العرفي والفرار. فلم تجد الزوجة مفراً من مصارحة أسرتها بالمصيبة التي سقطت على رأسها... مرت الأيام والأسرة كلها تبحث عن الزوج الهارب، ووضعت مريم مولودتها رغدة.

وأخيراً عثرت على زوجها الهارب، فطلبت منه مريم إصلاح الخطأ وإعادة وثيقة الزواج العرفي، لكن شوقي رفض تماماً مؤكداً أنه غير مؤهل لتحمل المسؤولية. واستمرت المفاوضات بينه وبين زوجته أشهراً، واقترح في النهاية التخلص من الابنة نتاج الزواج العرفي، فتجاوبت مريم معه حتى تتخلص من مشكلتها.
هكذا، حبست ابنتها ومنعت عنها الطعام أياما حتى لفظت المسكينة أنفاسها الأخيرة. وتحركت مريم وأمها وشاركهما شوقي في التخلص من جثة الملاك الصغير، لكن أحد الأشخاص لمحهم أثناء محاولتهم التخلص من الجثة وسارع الى إبلاغ الشرطة، فألقي القبض على الأم القاتلة وشريكيها وأحيلوا على القضاء.


أقرب الناس

في أحد الأحياء الشعبية في الجيزة ارتكبت أمٌّ شابة هذه الحماقة من أجل إرضاء زوجها الثاني... كانت طفلتها ابنة السنوات الأربع تذكرها بماضيها مع زوجها الأول وبالأيام التعسة التي أمضتها معه. كانت سحر تريد أن تطوي هذه الصفحة بآلامها، لكن ابنتها مروة ظلت ذاكرة الماضي.
زوجها الثاني كان يكره ابنة زوجته بشدة، ويهدد زوجته دائماً بأنه سوف يطلقها إذا لم تعثر لابنتها على مكان تلقيها فيه. وظلت الحيرة تطارد الزوجة، فهي تحب ابنتها لكنها في الوقت نفسه لا تستطيع أن تستغني عن زوجها، أو تتنازل عن الاستقرار الذي عرفته بعد زواجها الفاشل من محسن.

صوت الشيطان كان يدوي في أذنيها: لماذا لا تتخلص من ابنتها؟ هذه الفكرة هاجمت عقل زوجها هو الآخر وظل يوحي بها إلى زوجته التي حاولت في البداية أن تقاومها بشدة، لكنها بدأت تضعف. رسم لها زوجها الخطة الشيطانية، واقترح عليها دسّ سمٍّ لابنتها في الطعام وإلقاء جثتها في مقلب قمامة.
تحركت سحر كالمسحورة. نفذت تعليمات زوجها، وتركت منزلها حتى لا تشاهد ابنتها وهي تحتضر وعادت تكمل فصول قصتها الملعونة. لفظت الملاك الصغيرة أنفاسها وسارعت الشيطانة وزوجها وألقياها في مقلب قمامة حيث عثر عليها أحد سكان المنطقة وأبلغ الشرطة وتولّت النيابة التحقيق. اكتشف الطب الشرعي حقيقة الوفاة، وتمكن رجال المباحث من تحديد أسرة القتيلة، وألقي القبض على الأم القاتلة التي اعترفت بجريمتها التي شارك فيها الزوج.


تعذيب

وفي الإسكندرية شاركت فاتن زوجها في التخلّص من ابنها الشقي الذي لم  يتجاوز عمره سبع سنوات، لكنه تجاوز الحدود بتصرفاته، وفشلت أمه في السيطرة عليه بسبب هروبه المتكرر من المنزل نتيجة ضعف الرقابة وعدم اهتمام والديه، ولم تكن والدته قدوة يحتذى بها، فهي لا تعرف معنى للأمومة، لا تهتم بأي شيء سوي نفسها، رغم أنه ابنها الوحيد، فهي تعمل مندوبة مبيعات في إحدى الشركات تسعى وراء هدف واحد هو جمع المال.
أحس الطفل الصغير بأنه لا مكان له بين والديه، فبدأ الهرب من واقعه، وترك المدرسة، وكيف يبقى فيها وهو لا يجد من يهتم به؟

جن جنون الأم وهي تستمع الى عبارات الاستنكار من جيرانها الذين اتهموها بالتقاعس عن تربية ابنها.
عثرت فاتن على ابنها ماجد بعد رحلة هروب، فحبسته في غرفته وشارك معها زوجها في تعذيبه. فلم يتحمل المسكين ما فعله أبواه، ولفظ أنفاسه الأخيرة وسط ذهول فاتن وزوجها. وسارعت الزوجة إلى إبلاغ الشرطة وأكدت أن ابنها سقط من فراشه على رأسه فأصيب، لكن الطبيب الشرعي تمكن من إثبات كذب هذه الرواية، وأكدت تحريات المباحث وشهادة الشهود تورط الأم وزوجها في تعذيب الابن حتى الموت، فقررت النيابة حبسهما.


شكوك

أكدت أرقام الشرطة وجود 100 جريمة قتل بطلاتها أمهات خلال السنوات الأربع الأخيرة. ويقول مدير مباحث وزارة الداخلية السابق اللواء فادي الحبشي أن رجال المباحث يتحرون الدقة خلال بلاغات العثور على الأطفال قتلى، فلا تكفي رواية الأم أو الأب وحدها لإقناع الشرطة بأن الوفاة قضاء وقدر.

يضيف: «شكوك ضباط المباحث تأتي في محلها غالباً حين نكتشف أن الأم صاحبة بلاغ وفاة ابنها أو ابنتها هي نفسها القاتلة، وذلك لأسباب عديدة تم اكتشافها خلال التحقيقات. فهناك أمهات قتلن بسبب خوفهن من الزوج الثاني الذي كان يصرّ على التخلص من ابن الزوج الأول، وهناك أمهات قتلن بسبب الزواج العرفي، وأمهات قتلن بسبب اكتشاف أطفالهن خيانتهن، وأمهات ارتكبن جريمة القتل أثناء تأديبهن المبالغ فيه لأطفالهن».


علاج نفسي

ويقول استشاري الطب النفسي الدكتورعصام عبد العزيز: «الأمهات القاتلات يحتجن إلى علاج نفسي لأنهن معقدات نفسياً، وجرائمهن  نتاج مشكلات نفسية واجتماعية عشن فيها سنوات، والضحية أقرب الناس، ومن المستحيل أن تكون أمٌّ في كامل قواها العقلية وهي تقوم بنفسها وبكامل إرادتها بقتل ابنها، فيما تسعى أمهات أخريات إلى تقديم أرواحهن فداءً لأبنائهن».
ويضيف: «المتهمات بهذه الجرائم غالباً من الأمهات الصغيرات السن غير الناضجات، ويعانين من رغبة مكبوتة في تدمير أقرب الناس إليهن. وقد يكون وراء هذه الرغبة الظروف القاسية التي عاشتها هؤلاء الأمهات».