الزواج العرفي غير الموثق لا بد له من طلاق أو خلع
طلاق, الزواج العرفي, د. رأفت عثمان, د. مهجة غالب, الشيخ يوسف البدري, د. عبلة الكحلاوي, مفتي مصر, د. سعاد صالح, فتوى, الشيخ جمال قطب, طلب الخلع
08 نوفمبر 2011لا يزال الزواج العرفي يثير الجدل والأزمات، وكان آخرها ما أفتى به مفتي مصر الدكتور علي جمعة لزوجة تزوجت عرفياً بأنه لا بد من حصولها على الطلاق أو الخُلع من زوجها العرفي حتى وإن لم يكن هناك ورقة تثبت وجود هذا الزواج.
فتوى المفتي استقبلها علماء الدين بحالة من الجدل، فانقسموا ما بين مؤيد يرى ضرورة الطلاق أو الخُلع، وما بين معارض، ولكل أدلته، فماذا يقولون؟
أركان وشروط
تؤكد العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية في جامعة الأزهر الدكتورة سعاد صالح أن الزواج العرفي ما هو إلا زواج شرعي، إذا استوفى أركانه وشروطه، غير أنه لم يوثق في المحكمة، وبما أنه استوفى الأركان والشروط فيقع الطلاق فيه كالزواج الموثق تماماً، غير أنه لا يكون بالمحكمة، ويكفي فيه أن يوقع الزوج على امرأته لفظ الطلاق لتحدث بينهما الفرقة به من الناحية الشرعية، ويتم التفريق بينهما بعد الطلقة الثالثة.
وأشارت إلى أنه على الزوج الذي تزوج عرفياً أن يتقي الله في المرأة بأن يعطيها حقوقها المترتبة على الطلاق، اذ لا تكفل لها المحاكم تلك الحقوق. قال تعالى: «وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا» آية 91 سورة النحل. وقال تعالى أيضاً: «وأخذن منكم ميثاقا غليظا» آية 21 سورة النساء. وعدم التوثيق لا يفسد عقد الزواج، لكنه لا يضمن حقوق المرأة في حالة الزواج والإنجاب والإرث والطلاق، ولهذا يعد التوثيق أمراً مهماً في إثبات تلك الحقوق، وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "يقع الطلاق في النكاح المختلف فيه إذا اعتقد صحته».
زواج سري
وتقول عميدة كلية الدراسات الإسلامية الدكتورة مهجة غالب: «الزواج الذي اشتهر في هذه الأيام باسم الزواج العرفي، هو مغالطة ويجب تسمية الأشياء باسمها الصحيح، لأنه في الحقيقة «زواج سري» وعبارة عن اجتماع الرجل مع المرأة فقط سرًا، مع كتابة ورقة بينهما يعترف فيها الرجل بأنه تزوج المرأة. حتى ولو كان هناك شهود على هذه الورقة فهذه مغالطة لتبرير فعلتهم، بالإضافة إلى أن هذا الزواج لا تترتب عليه آثاره، ولهذا فإن العلاقة بينهما هي زنى ولا يوجد في الزنى طلب للطلاق».
وحملت الدكتورة مهجة أولياء أمور النساء بأنهم السبب الرئيسي لانتشار الزواج العرفي، لأنهم قصَّروا في تعريف بناتهم أمور دينهن، أو بمنعهن من الزواج بمن يرغبن بغير سبب شرعي، وهذا يخالف ما أمر به الله حين قال: «فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف" آية 232 سورة البقرة. وقول رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير». ومع هذا فإنه إذا امتنع الولي من إعطائها حقها في الزواج، بغير عذر شرعي، جاز أن تتجاوزه إلى الولي الأبعد، أو ترفع أمرها إلى القضاء، بدلاً من الزواج العرفي الذي لا يعطيها الحق في طلب الطلاق لأنه غير موثق.
مماطلة الزوج
ويقول عضو مجمع البحوث الإسلامية الدكتور رأفت عثمان: «إذا كان الزواج مستكملاً شروطه وأركانه من ولي للمرأة يتولى العقد وشهود وإيجاب وقبول، فإنه صحيح ولو لم يوثق في المؤسسات الرسمية، لكن توثيقه أفضل. وعليه فإن كان طلاق الزوجة طلاقاً رجعياً وتم استرجاعها قبل انتهاء عدتها فإنها ترجع إلى عصمته بمجرد استرجاعها. ولا يضر عدم التوثيق إذا كان الزوج يتقي الله، لكن المشكلة تحدث عند مماطلة الزوج ورفضه الطلاق إذا أرادته الزوجة أو إعطائها حقوقها الشرعية، ولهذا فإن التوثيق يعد ضرورة وتدفع المرأة ضريبته إذا تهاونت فيه. ورغم ذلك أكد بعض الفقهاء أنه قد يفسد عقد الزواج بدون توثيق، وخاصة بين طلبة الجامعات، أو إذا رغب الزوجان في إخفاء الزواج أو كان الشهود غير عدول».
تبسيط تدفع المرأة ثمنه
وتحذر أستاذة علم الاجتماع في لمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية الدكتورة عزة كريم وسائل الإعلام من تغيير اتجاهات أفراد المجتمع تجاه الزواج العرفي الذي أصبح منتشراً في المدارس والجامعات، بمحاولة تبسيطه والتأكيد أنه مشكلة يمكن حلها بالاعتراف القانوني بها ولو بعد سنوات، إذا أقر الزوج بذلك، ويتم نسب الأطفال إليه وإيقاع الطلاق منه إذا كانت الزوجة لا تريد الاستمرار، لأنه بهذا التبسيط للقضية تزداد حالات الزواج العرفي، ولهذا يجب تخويف المراهقين والمراهقات من نتائجه بدلاً من تبسيط الأمور والترويج للزواج العرفي الذي تدفع المرأة وحدها ثمنه في النهاية».
حق شرعي
تفرق العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية في جامعة الأزهر الدكتورة عبلة الكحلاوي بين الزواج الشرعي وغيره من الزيجات غير الشرعية بقولها: «يرى الفقهاء أن الزواج شرعًا هو عقد يبيح حل الاستمتاع للرجل بالمرأة، وأركانه إيجاب وقبول، أي موافقة ولي الزوجة ومن يريد الزواج بها على هذا الزواج وشاهدان ومهر، وشروطه أن يكون العقد على امرأة خالية من الموانع، وألا تكون المرأة من المحرم على الزوج نكاحها، وأن يكون النكاح معلناً، وألا يكون سرًا فإن ذلك يكون زنى».
وأضافت: «اتفق الفقهاء جميعًا على أنه لا نكاح إلا بولي في المرأة الصغيرة والكبيرة، إلا أبا حنيفة في زواج الكبيرة. قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «لا نكاح إلا بولي» وقال صلى الله عليه وسلم: «أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل». وقد أخذ الأئمة الثلاثة بهذا الحديث فاشترطوا الولي، فإن كانت المرأة بالغةً أو ثيباً فزوجت نفسها فزواجها صحيح مع استيفاء بقية الشروط، وإذا أرادت الطلاق، ولو كان الزواج عرفياً مكتمل الأركان وليس زواج «لعب العيال» في المدارس والجامعات، فهذا من حقها شرعاً إذا كانت هناك أسباب تستدعي ذلك، وإن رفض فمن حقها الخلع بالتفاهم بين أهل الزوجين، وليس بالقضاء الذي لا يعترف بغير الزواج الموثق».
إثبات قانونية هذا الزواج
بدأت القضية بسؤال المرأة للمفتي: أعيش مع شاب تزوجته عرفياً دون إجراء عقد رسمي، وكل ما هنالك أننا كتبنا ورقة ولكنها غير موجودة الآن. فما حكم علاقتي به؟ وهل لابد أن أحصل على الطلاق أم أن الانفصال يكفي؟
سألها المفتي: هل أتيتم بشهود وقال لك: زوجيني نفسك. وقلت له: قبلت، ثم كتبتم الورقة التي فُقدت؟
السائلة: نعم وبعد ذلك حدثت مشاكل كثيرة بيننا، ثم طلب مني بعد أن هدأت الأمور أن يتزوجني بشكل رسمي، لكن أمي رفضت رفضاً نهائياً، فهل اطلب الطلاق منه؟ وهل هذا من حقي شرعاً أم أن حياتي معه زنى؟
المفتي: عليك أن تطلبي الطلاق منه، وحياتك معه ليست زنى، وذلك لأنك تزوجته أمام شاهدين وعلى سنة الله ورسوله، صلى الله عليه وسلم، ولذا فقد اكتملت أركان الزواج. لذلك إذا أردت أن تتزوجي غيره فيجب أن يطلقك، أما إذا كنت تحبينه وتريدين أن تبقي عشرته فعليك أن تذهبي إلى المأذون لتوثيق هذا الزواج بالطريقة الرسمية، حتى ندرأ عنك الخطأ الذي تم بضياع الورقة التي تثبت هذا الزواج. وعندما تتزوجين رسمياً يمكنك أن تستمري في حياتك معه إن أردت، أما إذا أردت الانفصال عنه فيمكنك أن تطلبي ذلك منه، وإن صمم على الرفض فإنه يجوز أن تطلبي الخلع منه.
وأنهى مفتي مصر كلامه بقوله: عليك أولاً أن تحاولي حل تلك المصيبة الكبرى التي وقعت فيها، وهي زواجك من ذلك الرجل زواجاً غير موثق رسمياً، مع التأكيد أن هذا الزواج شرعي اكتملت فيه الأركان، وهي الإيجاب والقبول والشهود، ولكن مصيبته أنه غير موثق ولا إثبات عليه. لذا عليك أولاً إثبات قانونية هذا الزواج قبل كل شيء، لأن توثيق الزواج والطلاق أمر مهم وضروري. ونحن في دار الإفتاء نقابل كثيراً من تلك المشكلات، إن شئت قولي المصائب التي تترتب على عدم التوثيق، ويأتي إلينا يومياً أناس ويقولون: لقد طلقت زوجتي مرة أو اثنتين أو ثلاثاً، ونسأله هل طلقت عند المأذون؟ فيقول: لا.
وتجده يعيش مع زوجته لأنه لم يوثق ذلك، وهذه جريمة في القانون والشرع، لأن الرجل الذي يقول لزوجته: أنت طالق ولا يوثق هذا الطلاق عند المأذون يكون قد ارتكب جريمة يعاقب عليها القانون بسبب تأخير إثبات الطلاق. ومثل هذا يأتي ليسأل فنقول له: هذه الزوجة قد طلقت منك، ولابد أن توثق هذا حتى يمكنها أن تتزوج من آخر، أو تحدد كيف تسير حياتها، هذا إن كانت الطلقة بائنة.
لا تقنين ولا تطليق
ويطالب عضو مجمع المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية الشيخ يوسف البدري بعدم الاستجابة لتقنين هذا الزواج العرفي ما دام قد تم في السر، لأن هذا «معناه أننا نقنن لإباحة الزنى، وفي هذا ما فيه من خطر على المجتمع وكثرة الأبناء غير الشرعيين ويساعد على تفكك الأسر».
ويناشد أجهزة الإعلام «توضيح أخطار هذا النوع من الزواج، وأن تبيّن للناس كيف يكون سببًا في ضياع حق المرأة وهيبتها وكرامتها هي وأسرتها، وأن يشرح العلماء والخطباء على المنابر ضرورة التمسك بتعاليم الإسلام وترسيخ مبادئه في نفوس الناس. كما إنني أهيب بالعلماء ألا يصدروا كلامهم بكلمة «حلال»، ثم يضعوا الشروط في هذه العلاقة الآثمة التي تسمى الزواج العرفي».
ويختم: «لا يقول قائل إن هذا الزواج صحيح، لأنه أخذ الشكل الرسمي للعقد أو أنه يصح على بعض المذاهب، فليس هناك مذهب يجيزه على هذا الصورة المهينة التي تستبيح الأعراض وتساعد على انتشار الرذيلة في المجتمع، وضحيته الأولى المرأة وأسرتها. ولهذا أطالب بتوقيع عقوبات قانونية بالحبس والغرامة على من تزوج عرفياً، لأن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن. وقد قال صلى الله عليه وسلم: «لا ضرر ولا ضرار»، ولهذا فهو غير مباح لما يترتب عليه من ضياع الحقوق والآثار المترتبة عليه».
مشكلات
وأكد الرئيس الأسبق للجنة الفتوى في الأزهر الشيخ جمال قطب أنه لا طلاق في الزواج العرفي الذي لا يعتبر زواجاً، بل هو علاقة غير شرعية تمت بعيداً عن الأسرة فهذا حرام شرعاً، أما ما يتم برضا ولي الأمر والشهود فهذا حلال شرعاً، حتى ولو لم يوثق، ولكن ستكون هناك مشكلة في الطلاق أو النسب أو الإرث. وقلة الوعي الديني هي سبب المشكلات المترتبة على الزواج العرفي بشقيه الحلال والحرام، ولهذا قال عمر بن عبد العزيز: «تحدث للناس أقضية بقدر ما أحدثوا من الفجور». ونص العلماء على أن للحاكم تقييد المباح مراعاة للمصلحة العامة، وله أن يستحدث من القوانين الشرعية ما يحفظ على الناس حقوقهم وأمنهم واستقرارهم، مثل اشتراط التوثيق في الزواج المعترف به، وقد قال العلماء: «الفرق بين الحلال والحرام كلمة».
أخطار
ويقول أستاذ الفقه في جامعة الأزهر الدكتور عطية فياض: «إذا حصل الإيجاب والقبول والشهود والإعلان للزواج، وحالت ظروف قاهرة دون توثيق عقد الزواج، فإنه إذا حدث حمل ينسب إلى الزوج حتى وإن قال بعض الفقهاء إنه زواج غير مكتمل الأركان وفيه مخاطرة بعدم توثيقه. وكذلك من حق المرأة طلب الطلاق من الناحية الشرعية، ولكن المشكلة من الناحية القانونية أن الزوج قد يرفض الطلاق أو يطلق ولا يعترف بعدد الطلقات وتكون معاشرته للمرأة حراماً فضلا عن المشكلات الأخرى مثل النسب والإرث».
وأضاف الدكتور عطية: «أنا أميل إلى من يحذرون من الزواج العرفي من أساسه، ويصلون به إلى درجة الباطل، وخاصة إذا كان غير مستقر وبين المراهقين والمراهقات في الجامعات، والذي يتم بعيداً عن الأهل ودون إعلان، فهذا ليس زواجاً في الحقيقة، لأنه لم يشتمل على أركان الزواج وشروطه».