صراع الفرسان على عروس 'ماطا'...

مهرجان سينما الذاكرة المشتركة المغربي, عرض ازياء تراثية, رشاقة العروس

23 يوليو 2012

ترتبط «عروس ماطا» في التراث الثقافي والحضاري لقبائل جبالة في شمال المغرب، بقيمة فرسان المنطقة وكرامتهم. وهناك يجتمع السكان عند الانتهاء من إنجاز العمل الزراعي التضامني المتمثل في نزع الطفيليات الضارة التي تتم في إطار «التويزة» من أجل الاحتفال بعروس ماطا. وقد جرت العادة أن تسلم الفتيات العروس لفارس مقدام يخترنه بعناية إيذانا ببدء العرس، فيواجه فرسانا آخرين يحاولون أن ينتزعوا منه العروس، وحالما ينجح احدهم يعلن فائزا وسط الأهازيج الشعبية وزغاريد النساء والفتيات اللواتي يتابعن المنافسة وهن يصحن بالصلاة والسلام على رسول الله، ثم توضع العروس فوق حصان الفارس الفائز ليركض بها نحو بيته في القرية التي ينتمي إليها. وعندها يستطيع طلب الزواج من أجملهن، ليصبح حديث كل القبائل طوال السنة حتى موعد عرس جديد في السنة التالية.


أكدت نبيلة بركة، رئيسة جمعية العلمية العروسية للعمل الإجتماعي والثقافي، أن لعبة «ماطا» تظاهرة توارثها أبناء منطقة بني عروس أبا عن جد كرابط بين دينامية حاضر واعد ومستقبل مشرق، مضيفة أن هذا المهرجان يرمي إلى التعريف بلعبة «ماطا» الشعبية التي تشتهر بها منطقة جبالة التي ظلت متشبثة بهذا التقليد الثراتي العريق والذي يرتكز على مباراة في الفروسية تدور في أحضان الطبيعة.

وأبرزت الدكتورة نبيلة أن لعبة ماطا أسس لها الولي الصالح مولاي عبد السلام الذي لم يشأ لها أن تكون فضاء للتسلية واللهو فحسب بل امتدادا مجتمعيا للمدرسة الصوفية المشيشية الشاذلية في حض الناس على التحلي بشجاعة الفرسان. ولفتت من جهة أخرى إلى أن الجمعية التي تحظى بالرئاسة الشرفية للأميرة للا آمنة ، رئيسة الجامعة الملكية المغربية للفروسية، تتوخى أيضا من تنظيم هذه التظاهرة التعريف بالموروث الحضاري والثقافي لقبيلة بني عروس والمؤهلات الطبيعية والاقتصادية التي تتميز بها.


دراسات حول حصان ماطا

من جانبه، أكد عمر الخطيب نائب رئيسة الجامعة الملكية المغربية للفروسية، استعداد الجامعة لمواكبة الجمعية المنظمة لمهرجان «ماطا» ومساندتها على المستويين التقني والإداري. وقال إن الجامعة ستعمل على وضع قوانين وقواعد لممارسة لعبة «ماطا» حتى تتعدى حدود منطقة جبالة لتصبح لعبة وطنية تمارس في مختلف جهات المملكة وفق ضوابط محددة، مشيرا إلى أن فرسانا كثرا نالوا رخصا وطنية للانخراط في الجامعة الملكية المغربية الفروسية مع تمكينهم من التأمين ضد الحوادث المرتبطة باللعبة في أفق إنشاء منتخب وطني، ولافتا الى الدراسات الجارية حول حصان «ماطا» لإبراز خصوصياته، لاسيما أنه خيل صغير موجود في هذه المنطقة بالذات، ويمكنه أن يجري خمس ساعات متوالية، كما يتمتع ببنية قوية تسعفه على التحمل والجري في الأرض المنبسطة والتضاريس الوعرة بما فيها الخنادق وتسلق الجبال. وهذه كلها ميزات ساهمت - بحسب الخطيب - في جعله مشروعاً اقتصادياً وسياحياً أنعش مداخيل بني عروس والمناطق المجاورة والمشهورة في تاريخ المغرب بقيم الفروسية والجهاد ضد الغزاة، وهو ما حدا بالمنظمين بشراكة مع وزارة الثقافة، الى إعداد ملف من أجل تقديمه لمنظمة اليونسكو بهدف جعل «ماطا» تراثاً إنسانياً عالمياً.

من جهته كشف نبيل بركة، نائب رئيس الجمعية العلمية العروسية للعمل الاجتماعي والثقافي، أن اللعبة تمّت هيكلتها لتدرج ضمن البطولات الوطنية، مشيراً إلى أن تظاهرة هذه السنة عرفت مشاركة 16 فرقة تتكون من 165 خيالاً، لتصبح بذلك لعبة عصرية دون أن تفقد أصالتها، مجسّدةً فرادة ألعاب الفروسية المغربية والعالمية، على غرار مسابقة «البولو» الأرجنتينية.


إعداد العروس

تقول الناشطة نبيلة بركة إن كرة عروس ماطا هي من إبداع المرأة القروية في الشمال المغربي، إذ تجتمع بنات القرية في وقت محدد للمشاركة في» تويزة» نتف الأعشاب الضارة من الأراضي الزراعية بشكل جماعي وتضامني وتلقائي، فيتم ذلك في أجواء من البهجة والسرور. وأثناء ذلك يكون شباب القرية الذين وصل إليهم الخبر، يستعدون للالتحاق بجموع الفتيات بعد إعداد الخيول لحضور مراسم إعداد عروس ماطا. وفي وقت الغداء تتجمع النسوة من أجل الالتحاق بمنطقة التويزة، بعد أن يكن قد أعددن مأدبة الغداء التي ترسل إلى المزارع مرفقة بالتهليل والزغاريد. وبعد تناول وجبة الغداء، يتم اختيار ثلاث نسوة لهن دراية بإعداد عروسة ماطا التي تصنع من الورق ونبات البرواق الشديد التحمّل الذي تنبت أزهاره الصفراء الشاحبة والبوقية الشكل في عناقيد خفيفة بالأراضي المزروعة، أما جذوره فهي سميكة وبدينة، ولها أوراق طويلة ورفيعة تنمو في شكل مجموعات تشبه إلى حد كبير أوراق النرجس البري، فيقمن بتزيينها ب «قفطان» و«تكشيطة» و«المجدول» و«الخرقة».

وعند حلول وقت العصر، يحضر شباب القرية، فيظلون يطالبون بتسليمهم العروس، إلا أن البنات يتفقن على اختيار شاب ذي مواصفات معينة كأن يكون سريع الحركة بالفرس ويتقن فن الخداع والمراوغة أو صاحب فرس قوية وسريعة، فتتم المناداة عليه من أجل منحه العروس وتزويده النصح وتوصيته بالحفاظ عليها، وتحذيره من مغبة ضياعها منه حتى لا تسقط في أيدي القبائل الأخرى المنافسة. فيمد الفارس المختار يده إلى جيبه ويخرج مبلغاً من المال ليمنحه تكريما للفتيات، ثم ينطلق السرب الخاص بشباب القرية موحدا والنساء يزغردن ويهتفن بأعلى أصواتهن بقول الصلاة والسلام على النبي، وجموع النساء والرجال والأطفال والشباب يحيونه بالهتاف. وعند الوصول إلى ميدان المنافسة، يحضر أعيان القرية وشيوخها، فتبدأ عملية توزيع الأدوار، وتوزيع الفرق، وتحضر أسراب من قبائل أخرى تطالب أيضا بحقها في عروس ماطا ليحتد التنافس والصراع.
صراع الفرسان على العروس

يقول الحراق البشير المسؤول عن فرقة الحصادة إن العروس تكون من نصيب الفارس الذي سينجح في الاستئثار بها حين يستطيع نزعها من أيدي أمهر الفرسان الذي كان محط ثقة الفتيات اللواتي اعددن العروس، ويعمل على حملها الى الدوار الذي ينتمي إليه،. ويجمع هذا العرس الاحتفالي فرساناً تراوح أعمارهم بين 13 و50 سنة، وينتظم الفرسان ضمن فرق وفق القرى التي ينتمون إليها. المتنافسون أو المتصارعون يتضامنون داخل فريقهم لمنافسة ومصارعة فرسان القرى الأخرى المطالبة بحقها في العروس ومساعدة زميلهم الذي ينجح في الفوز بالعروس والاحتفاء به في الدوار وسط الغناء والزغاريد التي تؤديها الفتيات، مصحوبة بأنغام موسيقى الطقطوقة الجبلية، وذلك بغية تكريمه كأفضل فارس في القبيلة أو القرية بحيث يستطيع وقتها الإقدام على طلب الزواج من أجملهن.

أما ضياع العروس من يد الفارس المختار والسرب المكلف حمايتها فيمثل وصمة عار على جبين القرية التي تكون ملزمة باسترجاع العروس من القرية الظافرة، وهو ما يقتضي من الأعيان القيام بمساعٍ حميدة تتمثل في الانتقال إلى قرية الفارس المظفر مع تقديم فدية مكونة من الدقيق والزيت والسكر وعلف الخيول وذبيحة. وبعد أن يرحب بهم أهل تلك القرية ، يتم ذبح الشاة ويتناول الجميع الطعام وتُقرأ الفاتحة وتسلَّم العروس إلى أهلها ليعودوا بها إلى القرية، فتحفظ إما في ضريح، أو عند أحد أعيان القبيلة.


بدون سروج بدون بنادق

يجسد مهرجان عروس»ماطا»، بحسب نبيلة بركة، الثراث الثقافي الغني الموجود في جباله، فعلى عكس «المحرك» و«التبوريدة»، لا يستعمل الفرسان «البارود» ولا البنادق، ولا السروج ، وهذا ما يميزه عن الفنتازيا. وتتمثل خصوصية هذا المهرجان ايضا في سباق «ماطا» الذي يعرف مشاركة عشرات الفرسان المنتمين الى مختلف قبائل المنطقة، في كون الفرسان يمتطون أحصنتهم من دون سروج، قبل الانطلاق ضمن مجموعات، فيتمكن الزوار وجموع المتفرجين من التمتع بجمال هذه الحيوانات التي تعد منبع افتخار قبائل جباله.

وعلى نغمات الزغاريد التي تتخللها لازمة «هلالو هلالو ماطا» يؤديها صوت نسائي مصحوب بالأنغام الشجية للطقطوقة الجبلية، يتجمع المتنافسون لتقديم العرض المتمثل في اللعبة المسماة «ماطا»، في جو من الغبطة والسرور وأصوات الزغاريد التي تعلو من الحناجر، وذلك خلال يوم يبدأ في الصباح الباكر لينتهي عند منتصف ما بعد الزوال. وعلاوة على سباق ولعبة «ماطا» يكون للمتفرجين موعد مع عرض فولكلوري يؤديه «الحصادة» الذين يتقدمون بخطى بطيئة على إيقاع الأنغام المحلية، مسلحين بمناجلهم وهم يستعرضون رقصات حزم السنابل في كومة كبيرة ووضعها في شبكة مصنوعة من ألياف نبات «الدوم» ليتم نقلها إلى مكان الدرس.


الدفاع عن شرف القبيلة

وأثارت «ماطا» انتباه الباحثين الإنتربولوجيين، إضافة الى انها لعبة حربية من الدرجة الأولى ذات مناورات قتالية وتكتيكية دفاعية وأخرى هجومية سريعة لانتزاع العروس من أيدي الفرسان وكسب ثقة أهل العروس، ممزوجة بمعاني الحب و الكرم والوفاء والتضامن والتطوع من أجل خدمة الآخر. والدفاع عن عروس ماطا يختزل بالتالي معاني الدفاع عن شرف القبيلة وقيمها وتقاليدها، ويكون الصراع بين فرق تتنافس على العروس. هذا الاحتفال هو أيضا مناسبة للاحتفال بالحصان الذي احتل مكانا بارزا في حياة السكان المحليين في الشمال المغربي ويرتبط أيضا بمعركة الملوك الثلاثة باعتبارها رمزا للوطنية والدفاع عن القيم والتاريخ العسكري المجيد، بحسب الباحث عبد المولى الزياتي.