لا تعيدي إلى طليقك هدايا الزواج!
طلاق, د. علي جمعة, سلمى المصري, د. مهجة غالب, د. آمنة نصير, مواقع الزواج الإلكتروني, د. مبروك عطية, د. عفاف النجار, علماء الدين
01 أكتوبر 2012فرق
أما الدكتورة فايزة خاطر، رئيسة قسم العقيدة جامعة الأزهر، فتختلف مع المفتي في تعميم الحكم الشرعي، وفرقت بين حالتين في رد الهدايا أو الهبات من الزوجة لزوجها، قائلةً: «إذا كنا ننظر إلى الهدية على أنها هبة عبر بها الزوج عن حبه وتقديره لزوجته، فيجب عليها أن ترد له هذا الجميل طواعية إذا كان يمر بظروف مالية أو صحية صعبة، حتى إن كانت الحياة الزوجية في طريقها إلى الطلاق، لأن المبدأ الإسلامي الذي أقره الشرع مقابلة الإحسان بالإحسان وليس بالجحود والإنكار والقسوة، لقوله تعالى: «هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ» آية 60 سورة الرحمن. ولهذا يستحب للزوجة أن تعطي زوجها ما أهداه لها وترجع له ما وهبه لها، لأنه في موطن حاجة وفاقة وضيق وكرب، وقد قال صلى الله عليه وسلم: «من نفَّس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفَّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة».
وأضافت خاطر: «أما الحالة الثانية فهي مختلفة تماماً، إذ يكون فيها الزوج مفترياً وظالماً لزوجته ويريد أن يسترجع ما أهداها إياه أثناء الحياة الزوجية بعد الطلاق، فإن هذا غير جائز شرعاً وليس من حقه المطالبة به، والزوجة ليست آثمةً إذا امتنعت عن رد هداياه إليه، لأنه بمجرد إهدائه لها أصبحت في حكم الهبة للزوجة ولا يجوز له الرجوع فيها أو المطالبة باستردادها، لأن القاعدة الشرعية حددها الرسول صلى الله عليه وسلم في قوله: «الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ، إِلا شَرْطًا أَحَلَّ حَرَامًا، أَوْ حَرَّمَ حَلاَلاً»، وقولُ الفاروق عمرَ بن الخطاب «مَقاطِعُ الحقوقِ عندَ الشُّروطِ».
بدأت القضية بقيام أب لزوجة مطلقة بتقديم طلب لدار الإفتاء المصرية عن حكم رجوع الزوج عما وهبه، فقال في طلبه لمفتي مصر: «ابنتي متزوجة منذ عشر سنوات، ومنذ شهرين ونصف الشهر قال لها زوجها: «أنتِ طالق أنتِ طالق»، ثم ترك الشقة وأخذ علبة الذهب الخاصة بها، والتي تحتوي على ما اشتراه لها أثناء حياتهما الزوجية، خاصة عندما كانا معاً في إحدى دول الخليج، عندما كان يشتري لها ذهبًا من جيبه، بالإضافة إلى ما توفره هي من المصروف وتعطيه إياه ويكمل عليه. وعند مطالبته برد الذهب رفض وقال إنه كان يشتريه لها بنية مؤخر الصداق، علمًا بأنه لم يُعلمها بذلك أثناء الحياة الزوجية. فما حكم الشرع في ذلك؟».
تعجب الدكتور علي جمعة من هذا السلوك من الزوج، ثم أجاب بقوله: «من المقرر شرعًا أن الهبة عقد مالي ينعقد بالإيجاب والقبول، ويصير لازمًا بالقبض من الموهوب له، وليس للواهب أن يرجع في هبته إلا بعذر مقبول ما لم يكن والدًا، لقول النبي، صلى الله عليه وسلم: «لا يَحِلُّ لأَحَدٍ أَنْ يُعْطِيَ الْعَطِيَّة فَيَرْجِعَ فِيهَا إِلا الْوَالِدَ فِيمَا يُعْطِي وَلَدَهُ».
وأوضح جمعة أنه نص الأحناف على أن العلاقة الزوجية مانع من موانع الرجوع في الهبة، وأخذ القانون المدني المصري بذلك في مادته 502 التي نصت على الآتي: «يرفض طلب الرجوع في الهبة إذا وُجد مانع من الموانع الآتية: إذا كانت الهبة من أحد الزوجين للآخر، ولو أراد الواهب الرجوع بعد انقضاء الزوجية. وبناء على ذلك فبشراء الزوج الذهبَ لزوجته وتسليمه لها على أنه هبة لها أصبح الذهب ملكًا لها، فإذا عاد الزوج بعد ذلك وادعى أنه كان يشتريه بنية مؤخر الصداق فإن دعواه هذه غير مسموعة، لأن الهبة قد لزمته بالإيجاب منه والقبول والقبض منها، والنية أمر باطن لا يُطَّلَعُ عليه فجُعِل الإيجاب والقبول دليلاً عليها ومُظهرًا لها، وأصبحت صحة العقد ونفوذه منوطين بالإيجاب والقبول الظاهرين، لا بالنية الباطنة، وإلا اضطربت أحوال الخلق وضاعت حقوق الناس».
ورفض مفتي مصر ادعاء الزوج بجَعْل هذا الذهب مؤخر الصداق قسرًا، مؤكداً انه أمر لا يصح، لأن مؤخر الصداق جزء من المهر، وهو دَيْن على الزوج تستحقه الزوجة بأقرب الأجلين، الطلاق أو الوفاة، والدَّيْن لا يسقط إلا بالأداء أو بالإبراء، والأداء لا يصح إلا بمال يملكه الزوج، والإبراء لا يكون إلا بطيب نفس من الزوجة، كما قال تعالى: «وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا» آية 4 سورة النساء.
وأنهى جمعة كلامه بقوله: «إذا كان الحال كما ذُكِر في السؤال، فإن الذهب حق خالص للمرأة، وليس للرجل أن يأخذه منها رغمًا عنها أو يجعله مقابل مؤخر الصداق على كره منها».
التراضي
وتتفق الدكتورة عفاف النجار، العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية جامعة الأزهر، مع فتوى مفتي مصر، وأوضحت أنه «لا يحق للزوج شرعاً أن يسترجع الهدايا التي قدمها لزوجته أثناء قيام الحياة الزوجية، لأنها بمثابة الهبات التي وهبها لها، وذلك لعموم الأدلة التي تقضي بالمنع من رجوع الواهب في هبته لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا يحلُّ لرجل أن يعطي عطية، أو يهب هبة فيرجع فيها إلا الوالد فيما يعطيه ولده، ومثل الذي يعطي العطية ثم يرجع فيها كمثل الكلب يأكل، فإذا شبع قاء ثم عاد في قيئه».
وأشارت الدكتورة عفاف إلى أن جمهور العلماء من المالكية والشافعية والحنابلة يرفضون استرجاع الزوج للهدايا التي قدمها لزوجته، أما أتباع مذهب الأحناف فإنهم قالوا بصحة رجوع الواهب، بوجه عام، عما وهبه مع الكراهة، بشرط أن يكون ذلك بتراضٍ أو حكم حاكم، إلا أنهم جعلوا الحياة الزوجية مانعاً من جواز الرجوع في الهبة، لأن المقصود فيها الصلة أي الإحسان إلى الزوجة، ولهذا فإنه لا يحل للزوج استرجاع ما وهبه لزوجته، لأنه وقت تصرفه في الهبة كان أهلاً للتصرف وصادف تصرفه محله، فلم يجز له الرجوع.
هدايا الخطوبة وما قبل الدخول
وعن حكم الشرع في الهدايا والهبات التي أعطاها الزوج لزوجته أثناء فترة الخطوبة تحديداً، يقول الدكتور مبروك عطية، الأستاذ في جامعة الأزهر: «يتوقف هذا على العرف السائد في البلد أو المنطقة التي يعيش فيها الزوجان، فإذا كانت الهدايا التي قدمت للزوجة زمن الخطوبة من المهر، فإنه يتم تنصيفها بينهما إذا تم الطلاق قبل الدخول مثل المهر، فتأخذ نصفها وترد نصفها. أما إذا كان العرف أن الهدايا ليست من المهر وإنما هي هدايا يقدمها الخاطب إلى مخطوبته أو الزوج إلى زوجته من غير شرط، فإنها حينئذ تكون ملكاً للزوجة ومن حقها ألا ترد منها شيئاً، سواء وقع الطلاق قبل الدخول أو بعد الدخول، لأنها في حكم الهبة بغير عوض تم قبضها ولا يجوز الرجوع فيها عند جمهور الفقهاء، لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا يحل لرجل أن يعطي عطية أو يهب هبة فيرجع فيها إلا الوالد فيما يعطي ولده». وبالتالي إذا تم الدخول وكان طلب الطلاق من الزوج فإنه لا حق له في استرجاع ما قدمه من الهدايا».
وفرق عطية بين حالتين، إذا كان الطلاق من جانب الزوج فلا يحق له استرداد هداياه، على عكس الوضع في حالة رفع الزوجة قضية خلع، فمن حق الزوج المخلوع أن يطالب بهداياه مع ضرورة التأكيد على فحص أسباب الخلع، هل بسبب سوء سلوك الزوج أم افتراءً من الزوجة. ويرتبط رد الهدايا والهبات بما يقرره القاضي الذي يفحص كل حالة، وبالتالي لا يكون الحكم عاماً.
الفضل والعدل
وتتفق معها في معارضة التعميم في فتوى المفتي الدكتورة آمنة نصير، العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية في الإسكندرية، حيث تؤكد أن الإسلام فيه من الرفق والرحمة، خاصة بين الزوجين، مما يجعل الفضل، وهو أكبر من العدل، سائداً بينهما حتى في حالة نشوب الخلافات الزوجية ولو أدت إلى الطلاق، فقال تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ» آية 8 سورة المائدة. وأمر الله الزوجين في حالة نشوب الخلافات بينهما ووصولهما إلى الطلاق بألا ينسيا الفضل بينهما، فقال تعالى: «وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إَلاَّ أَن يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَن تَعْفُواْ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلاَ تَنسَوُاْ الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ» آية 237 سورة البقرة.
ولفتت نصير إلى أنه «من الملاحظ في الآية السابقة أن الأمر بعدم نسيان الفضل يكون في حالة عقد الزواج ثم حدوث الطلاق قبل الدخول، فما بالنا إذا تم الدخول وكانت بين الزوجين عشرة وأبناء؟ أليس الزوج هنا أولى بالفضل بأن ترجع له، برضاها، هداياه كلها أو بعضها إذا كان في حاجة شديدة إليها للعلاج مثلاً أو سداد دين أو غرامة أو دية قتل خطأ مما يهدده بالحبس أو القتل؟ وهي هنا تكون ذات فضل يعطيها الله عليه من الحسنات الكثير، ويرحمها في الدنيا والآخرة، لقوله صلى الله عليه وسلم: «الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى, ارْحَمُوا مَنْ فِي الأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ».
وأنهت نصير كلامها بالتأكيد أنه لابد أن يسود الرفق والإحسان بين الأزواج والزوجات، حتى ولو كانوا على أعتاب الطلاق. ولكل حالة طريقة للتعامل معها، بمعنى أن الزوج الذي كان رحيماً كريماً كثير الهدايا والهبات، غير الزوج الذي لم يتق الله في زوجته وأذاقها صنوف العذاب وسوء المعاملة، بلا شك أن الأول يحتاج الرفق والرحمة ورد الجميل له برد بعض الهدايا أو كلها حسب رغبة الزوجة، أما الثاني فلا يستحق أن ترد له شيئاً من الهدايا أو الهبات التي قدمها لها.
الهدايا المتبادلة
وتكشفت الدكتورة مهجة غالب، عميدة كلية الدراسات الإسلامية جامعة الأزهر، جانباً مهماً من القضية، بتأكيدها أن الأحكام الشرعية للهدايا بين الزوجين ومطالبة أحدهما باسترجاعها هي أحكام عامة يخضع لها الرجل والمرأة معاً، بمعنى أنه إذا أهدت الزوجة زوجها هدية أصبحت هبة له، وليس من حقها مطالبته بها إذا وقع الطلاق أو حتى الخلع، وهذا تأكيد للمساواة والعدل بين الزوجين اللذين أقام الله بينهما أشرف علاقة إنسانية وجعلها آية من آياته، فقال: «وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ» آية 21 سورة الروم.
وطالبت الدكتورة مهجة الزوجين في حالة حدوث الطلاق بألا يفضحا أسرارهما سواءً أمام الناس أو حتى أمام القضاء، وأن يتصفا بالرفق والاحترام عند إنهاء الحياة الزوجية، وخاصة إذا كان بينهما أولاد ينظرون إليهما على أنهما قدوة. وخاطب الله رسوله، صلى الله عليه وسلم، وخاطب معه أمته بقوله تعالى: «فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ» آية 159 سورة آل عمران. كما أنصح الزوجين بأن يلتزما بقول رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «ألا أخبركم بمن يحْرُم على النار؟ أو بمن تَحْرُم على النار؟ تَحْرُم النار على كل قريب هين لين سهل».
أثارت فتوى جريئة للدكتور علي جمعة مفتي مصر بعدم حق الزوج في استرداد هداياه لزوجته في حالة وقوع الطلاق جدلاً فقهياً، فأيده بعض علماء الدين مؤكدين أنها في حكم الهبة التي لا تسترد، في حين عارضه آخرون مؤكدين وجود حالات من حق الزوج فيها استرداد هداياه، وفرقوا بين الطلاق قبل الدخول أو بعده، وبين الطلاق والخلع... فماذا يقول المؤيدون والمعارضون؟