تحدّيا الإعاقة بالزواج

مواقع الزواج الإلكتروني, الإعاقة العقلية

15 أكتوبر 2012

كعادتها الحياة لا تأخذ منك شيئا جميلاً إلا وتهبك الأجمل منه. وجميل هو الرضا بالقدَر لأنه دائماً يأتي خِلاف كلّ المعارك، بقدْر استسلامك له تكون مكافأتك بالجميل منه. «الحب» هنا لونه مختلف، شكله أجمل باختلافه عن المألوف، بانتصاره على الصعاب، بمواجهته المستحيل. في قصة يحيى وزينة نرى كيف يتعملق الأمل وكيف ترتدي الصعوبات رداء الأمل والإيمان، وكيف أن النقص والإعاقة هما ما كان في تفكير الإنسان لا في ظاهره. هي قصة لا بد ان نتوقف أمامها ونتأمل تفاصيلها.


فالزواج اشتراك في المسؤوليات، وتكامل مؤسسة روحية بين جنسين. قد يأخذ هذا الزواج منحى آخر عندما يكون الاقتران بشخص قدر الله له أن يكون  فاقدا لإحدى حواسه أو قدراته نتيجة لحادث أو ظرف معين. فهل الزواج من ذوي الاحتياجات الخاصة أكثر صعوبة وتحدياً، ويتطلب مستويات عالية من القدرة على احتراف التعامل مع شخص لديه بعض  المشاكل الصحية، أو الجسدية، واعتبارات كثيرة في التعايش مع ظروف الحياة اليومية؟ أم أن من يُقبل على الزواج من ذوي الاحتياجات الخاصة هو شخص قدم تنازلات معينة في شريك العمر، وانه على ثقة بكيفية التعايش مع هذا الشخص من ناحية تلبية مطالبه وتوفير سبيل المعيشة وإيجاد لغة للتفاهم؟
يحكي لنا يحيى ( 40 عاماً) قصته مع زينة يتحدث عن تجربته قائلاً :»ولدت إنسانا طبيعياً، وعشت طفولة طبيعية وصحية، كنت شابا أصارع الحياة وأفكر في مستقبلي، وأحمل هم الغد.  في الثامنة عشرة من عمري أصبت بمرض نتج عنه شلل نصفي أقعدني على الكرسي المتحرك ولم أتمكن من الشفاء منه».

ننظر هنا إلى عظم الابتلاء، فالذي ولد بإعاقة لا يجد صعوبة في التأقلم مع ظروف إعاقته، ولا في الانسجام مع ذوي الاحتياجات الخاصة، ولكن في حالة يحيى يوجد اختلاف كبير لأنه انتقل من حالة إلى حالة أخرى. فكيف سيسلم ويقتنع  بأن هذا ما سيكمل عليه طريق حياته ويغير بسببه خططه المستقبلية وبعضاً من أهدافه بما يتلاءم مع إعاقته؟ هذا ما كان يفكر فيه يحيى. كم هو مؤلم أن تغمض عينيك بعد أن كنت تبصر ألوان الحياة وجمالها، وكم هو غاية في الصعوبة أن كنت تمشي بقدميك الى ما أردت أن تلتقطه يدك، وأصبحت عجلات الكرسي المتحرّك هي ما ينوب عن ساقيك. فالإنسان الذي يصاب بإعاقة ما بعد ان كان إنسانا طبيعيا أمامه أحد أمرين: إما أن يستسلم ويقبع خلف قضبان اليأس والانهزامية، وإما أن يعلن الحرب على العجز ويقاوم بكل قوة للوصول الى أحلامه واثبات ذاته بكل إصرار وإيمان. هذا ما يشعر به يحيى وما يؤكده حين يقول: «من هذا الكرسي انطلق الطموح وعلا صوت الإرادة. أكملت تعليمي الجامعي والتحقت بالعمل كموظف حكومي في وزارة الصحة وأمين عام المعاقين في لجنة المعاقين في أبها. كما أني مولع بالقراءة وأعمل دائماً على تثقيف نفسي، ولدي قدرة على التعامل مع الآخرين وفهم نفسياتهم».

 كثيرا ما نسمع أن الإعاقة ليست نهاية الحياة. كلمات نرددها دون استشعار منا بها، ولكن قلما نجد مثالا حياً على هذه الجملة. وكما عزم يحيى على الاستمرار في حياته وتقبلها بما كتب الله له، قرر أن يكمل مشوار حياته كأي انسان يريد أن يؤسس أسرة.
يتذكر يحيى لحظة اتخاذه قرار الزواج  قائلا: «ذهبت خاطبا لزوجتي بخلاف كل رجل يريد أن يطلب فتاة للزواج يذهب بنفسه الى والدها، فالسيناريو هنا كان مختلفا لأن إعاقتي منعتني من الوقوف والسير على قدميّ خاطبا لابنته». 
كان يتحدث والابتسامة لا تفارق شفتيه، يسترجع هذه الذكريات ولسان حاله يقول:» أنا أستطيع، أنا لست عاجزاً، أنا لست مختلفاً، أنا استحق أن أكون كما أريد. ليس لنظرة الناس عليّ سلطة ولا لفكر المجتمع أن يحد من عزيمتي في الحياة».

ويستطرد وهو يعيش هذه اللحظة من جديد: «قبل ثماني سنوات اتجهت إلى أحد المحلات التي يملكها والد زوجتي وتوقفت بسيارتي أمامه وقمت بمناداته، أقبل إلي ببشاشة، ثم صارحته بالأمر دون خوف أو تردد فقلت له: هل تقبل بي زوجاً لابنتك؟ تهلل وجهه مرحبا بي، ولم أرَ في عينيه نظرة انتقاص أو مجاملة. رد أنه سيستشير ابنته والأمر متروك لها».
يضيف: «قبلت زينة بالزواج مني، وتزوجنا وعشنا حياة سهلة وجميلة بعيداً عن الخلافات العادية. والآن مرت علينا ثماني سنوات لم نرزق خلالها أطفالاً».

صمم يحيى منزل الزوجية بما يتلاءم مع احتياجاته وتحركاته حتى في أبسط الأمور كي يكون اعتماده على نفسه بالمقام الأول. لم يقف طموحه عند إكمال التعليم، والوظيفة والزواج، بل نشط في حقوق المعاقين يساهم ، ويدعو، ويحاور، لنشر الوعي وخلق تفاهم بين ذوي الاحتياجات الخاصة وفئات المجتمع، حتى يكونوا يداً واحدة للتطور والتقدم وبناء المجتمع. ويعمل يحيى حالياً على مشروع إعداد دورات تطويرية لتهيئة ذوي الاحتياجات الخاصة للزواج.


زينة: قبلته بكامل إرادتي

«ثمانية أعوام أمضيتها معه بالحب والود والتفاهم. رأيت فيه الطموح، والأحلام، والزوج، والصديق، والوالد الحنون. ثماني سنوات لم أنم فيها ليلة وأنا أخشى الغد معه، بل انتظره بكل فرح وطمأنينة».
هكذا بدأت زينة تروي قصة زواجها من يحيى، وهي الإنسانة التي لا تعاني أي إعاقة، ولم تكن موافقتها اضطراراً أو تحت الإجبار بل أتت من قلب حدثها بأنه الرجل المناسب.

تقول: «قبلت بيحيى زوجاً لي بكامل اقتناعي واختياري، ولم تقيّد إعاقته حياتي. فأنا أمارس حياتي بشكل طبيعي كما تمارسها الكثير من الزوجات. لم يكن هناك صعوبة بالغة أو عائق أمامي في حياتي الزوجية ولله الحمد، ولم أشعر بلحظة أن زوجي عاجز أو مقعد».
بهرت زينة بعقلية يحيى وتفكيره ونظرته إلى الحياة: «صارحني بكامل وضعه الصحي وظروف إعاقته، وهذا أهم أساسيات الزواج الناجح. الصدق في تعاملك مع الشريك».
زينة لم تكن تعرف الكثير عن ذوي الاحتياجات الخاصة وكانت تظن انهم فئة معزولة تماما عن المجتمع، وأن دورهم شبه معطل، ولكن بعد زواجها من يحيى فوجئت بقوة الإرادة لديهم.

تقول: «أنا ولله الحمد في غاية السعادة. إن الزواج من شخص مقعد ليس تنازلا أو مغامرة، ولكن هو اتفاق روحين وانتصار للإنسانية، ونتاج ثقافة تسامح، وعدم النظر إلى ذوي الاحتياجات الخاصة بدونية أو انتقاص».
وتؤكد أنهما يمضيان يومهما كغيرهما من الأزواج، فيحيى يستطيع قيادة السيارة وهذا ما ساعدهما كثيراً في الاستقلالية في تنقلاتهما.
في تجربة زواج يحيى وزينة دروس عظيمة تعلّمنا كيف ننبذ العجز ونستغني عن التردد، وكيف أن ما يعيق البشر هو في عقلياتهم.