الطلاق بالأمر...
طلاق, الطب الشرعي, د. مبروك عطية, د. عفاف النجار, د. محمد عبد المنعم البري
10 ديسمبر 2012طاعة وليّ الأمر واجبة
وأشار الدكتور محمد عبد المنعم البري، الأستاذ في كلية الدعوة جامعة الأزهر، إلى أن طاعة ولي الأمر واجبة شرعاً لقوله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إن كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً» آية 59 سورة النساء. وينبغي للمؤمنين أن يتجنبوا قدر الاستطاعة مخالفة ولي الأمر، وإنما يجب مناقشته في طلبه ووزن الأمر بما يرضي الله ورسوله، فإذا كان طلبه منطقياً ومتوافقاً مع الشرع، فهنا تجب طاعته بقياس فقه المصالح والمفاسد، فإذا اقتنع بوجهة نظر ولي الأمر وجب طاعته لأن المصلحة العامة مقدمة على المصلحة الخاصة، بشرط أن يعطي الزوجة إذا قرر تطليقها كل حقوقها وزيادة تعويضاً لها.
ونصح الدكتور البري الزوج الذي يكون في مثل هذا الموقف ووجود آمر له بتطليق زوجته أن يستخير الله في الأمر، وأن يدعوه أن يشرح صدره لما فيه الخير، حتى وإن كان لا يتوافق مع هوى نفسه، لقوله تعالى: «وَعَسَى أن تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أن تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ» آية 216 سورة البقرة. أما إذا كان طلب الآمر جائراً وظالماً فله اللجوء إلى الحاكم أو القضاء، بعد أن يوازن المصالح والمفاسد من القرار، لأن الضرر الأخف لا يزال بضرر أكبر منه.
في البداية توضح الدكتورة سعاد الشرباصي، أستاذة الفقه في كلية الدراسات الإسلامية جامعة الأزهر، أن الطلاق أمر شرعه الله تعالى رأفة بالناس وحلاً لمشكلاتهم، رغم أنه أبغض الحلال إليه، لما فيه من هدم بيت الزوجية وإنهاء للزواج الذي جعله الله آية من آياته لتعمير الأرض، فقال تعالى واصفاً الزواج الشرعي الذي هو أحب الأشياء إليه: «وَمِنْ آيَاتِهِ أن خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً أن فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ» آية 21 سورة الروم.
وأوضحت أن الطلاق هو هدم لكيان الأسرة، حتى ولو لم يتم الدخول أو بعد ساعات أو أيام قليلة من الدخول، لهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ما أحل الله شيئاً أبغض إليه من الطلاق»، وقال في حديث آخر: «ما من شيء أحب إلى الله عز وجل من بيت يعمر بالنكاح، وما من شيء أبغض إلى الله عز وجل من بيت يخرب في الإسلام بالفرقة».
وأشارت إلى أن من وسائل الإسلام في محاربة الطلاق وأسبابه جعل القرار فيه للزوج وحده، ولا يجوز له طاعة أي إنسان فيه حتى ولو كان ولي الأمر أو الحاكم، ما لم يكن هناك مبرر شرعي متفق عليه بين العلماء لجواز الإجبار على الطلاق، لكثرة المفاسد المترتبة عليه، سواء على الشخص أو الأمة، ولهذا أفتى العلماء بعدم وقوع الطلاق الذي يتم تحت الإكراه، ولا يصح طلاق المكره حتى وإن رضي به بعد ذلك.
وأنهت كلامها بالتأكيد على أن قيام أي رئيس أو قائد أو ولي أمر بإكراه من يعمل تحت يده على تطليق زوجته أمر مخالف للشرع وتدخل في ما لا يعنيه، وليس في مخالفته أي معصية شرعية، لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق». ولا شك أن تطليق المرأة بدون ذنب جنته هو نوع من المعاصي والضرر، وقد قال صلى الله عليه وسلم: «لا ضرر ولا ضرار»، ويكفي في الإكراه وقوع الطلاق من دون رضىً به بعد مقاومة شديدة فاقت طاقته، إلا أنه لم يفلح في رفض الأمر الذي قد يصحبه تهديد ووعيد لا يستطيع منعه، أما إذا أوقع الطلاق راضياً به لتجنب مشاكل الآخرين فليس ذلك من الإكراه ويصح الطلاق حينئذٍ.
لا طاعة في الظلم
أشار الدكتور مبروك عطية، الأستاذ في جامعة الأزهر، إلى أن الطلاق من غير سببٍ يبيحه الله، أمر مكروه شرعاً لما فيه من هدر لنعمة الزوجية وتعريض الأسرة للضياع والأولاد للتشتت، بالإضافة إلى ما قد يكون فيه ظلم للمرأة، وعلى هذا لا تجب طاعة ولي الأمر، أياً كان مركزه، في طلاق الزوجة ولا يعتبر هذا من قبيل المعصية على عدم طاعة ولي الأمر، لكن ينبغي أن يكون الرفض للطلاق بتلطف ولين وعقلانية، فقد ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال، «إنما الطاعة في المعروف». ومن المؤكد شرعاً وعقلاً أن قيام إنسان بأمر من يعمل تحت يده بتطليق زوجته ليس من المعروف أو الطاعة الواجبة شرعاً.
ورفض الدكتور مبروك استناد البعض في ضرورة موافقة الابن على أمر والديه بتطليق زوجته إلى أمر الرسول لعبد الله بن عمر بن الخطاب بطاعة والده بتطليق زوجته، قائلاً: «هذا أمر استثنائي وليس تشريعاً ملزماً لكل الأبناء، فقد سئل الإمام أحمد بن حنبل عن هذه القضية بالتحديد، حيث جاء رجل إليه وقال: إن أبي يأمرني أن أطلّق زوجتي، قال له الإمام أحمد: لا تطلّقها، قال: أليس النبي صلى الله عليه وسلم قد أمر ابن عمر أن يطلق زوجته حين أمره عمر بذلك؟ قال: وهل أبوك مثل عمر؟ لكن ينبغي أن يكون الرد بتلطف في القول، كأن يقول الابن: يا أبي إن الفاروق عمر بن الخطاب المعروف بعدله الشديد وحرصه على ألا يظلم أحداً من المؤكد رأى شيئاً تقتضي المصلحة أن يأمر ولده بطلاق زوجته من أجله، فهل لديك سبب شرعي يقتضي طلاقها وفراقها وأنا مستعد لطاعتك مثلما فعل ابن عمر؟ لكن لا يلزم الابن أن يطلّق زوجته إذا أمره أبوه أو أمه بطلاقها، ولا سيما إذا كانت الزوجة مستقيمة في دينها وخلقها».
الوعيد والتهديد
عن الضوابط الشرعية التي يمكن على أساسها اعتبار الطلاق بالأمر من قبيل الإجبار الذي يجعل الطلاق لا يقع شرعاً، قالت الداعية الإسلامية هدى الكاشف: «يرى جمهور الفقهاء أن الإكراه هو إلزام الغير بما يكرهه بالتوعد عند عدم تنفيذه بما يضرّ بحاله، مع حصول الخوف له وما يترتب عليه من الضرر البالغ بما يفوق قدرته على مقاومته».
وأوضحت أنه في ظل هذه الحالة من الإكراه يجوز تنفيذ الطلاق، لعدم قدرة المأمور على دفع الضرر الذي قد يلحقه في نفسه أو حياته أو عرضه أو ماله نتيجة الوعيد أو التهديد الشديد، وهذا أمر يختلف باختلاف الأشخاص في تحمّلهم للمكاره، وباختلاف العمل الذي يتم الإكراه عليه ومدى قدرة المأمور على الاستعانة بالغير لدفع الإكراه عنه، فإذا أوقع الطلاق عن إكراه فإنه لا يقع شرعاً لأنه لا حكم للإكراه إذا كان الزوج على حقّ.
وأشارت هدى الكاشف إلى أنه جاء في كتاب «الفتاوى الكبرى» لشيخ الإسلام ابن تيمية: «لا يقع طلاق المكره، والإكراه يحصل إما بالتهديد أو بأن يغلب على ظنه أنه يضره في نفسه أو ماله بلا تهديد إكراهاً». وجاء في كتاب «القوانين الفقهية» لابن جزي المالكي «أما من أكره على الطلاق بضرب أو سجن أو تخويف فإنه لا يلزمه عند مالك والشافعي وابن حنبل خلافاً لأبي حنيفة». ويرى فقهاء آخرون أن الحد الأدنى للإكراه الذي لا يقع به الطلاق حتى وإن نطق به الزوج إذا خاف القتل أو ضرباً شديداً، لأن الإكراه لا يكون إلا بالوعيد، إذ جاء في «الموسوعة الفقهية» ذهب جمهور الفقهاء إلى عدم وقوع طلاق المكره إذا كان الإكراه شديداً، كالقتل والقطع والضرب المبرح وما إلى ذلك، وذلك لحديث النبي صلى الله عليه وسلم: «لا طلاق ولا عتاق في إغلاق» وقوله كذلك: «إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه»، وذلك لأنه منعدم الإرادة والقصد فكان كالمجنون والنائم، فإذا كان الإكراه ضعيفاً أو ثبت عدم تأثر المكره به وقع طلاقه لوجود الاختيار.
القرار للزوج فقط
رفضت الدكتورة عفاف النجار، العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية جامعة الأزهر، تدخل أي إنسان في قرار الطلاق الذي يجب أن يتم بإرادة منفردة من الزوج، وباتفاق على تفاصيله مع زوجته، لأنه إذا كان الزواج شركة في الحياة بين رجل وامرأة يبدأ بالاتفاق بينهما، فيجب إنهاؤه بالاتفاق بينهما دون تدخل من رئيس أو وزير أو أي مسؤول أياً كان موقعه، لأن هذا أمر شخصي، ولهذا قال تعالى في اتفاق الزوجين على الطلاق بإرادتهما وليس بالأمر: «وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا» آية 130 سورة النساء.
وعن حكم الشرع اذا أمر الأب أو الأم ابنهما بطلاق زوجته فهل مخالفتهما تعد عقوقاً؟ قالت الدكتورة عفاف النجار: «لا شك أن الوالدين هما أحق الناس بالبر والطاعة والإحسان والمعاملة الحسنة، وقد قرن الله سبحانه الأمر بالإحسان إليهما بعبادته حيث قال: «وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً» آية 23 سورة الإسراء. لكن طاعة الوالدين واجبة على الولد فيما فيه نفعهما ولا ضرر فيه على الولد، أما ما لا منفعة لهما فيه أو ما فيه مضرة على الولد فإنه لا يجب عليه طاعتهما حينئذٍ، ولهذا قال ابن تيمية: «ويلزم الإنسان طاعة والديه في غير المعصية، وإن كانا فاسقين وهذا في ما فيه منفعة لهما ولا ضرر عليه». لكن يجب أن يكون رفض طلب الوالدين تطليق الابن للزوجة برفق وعدم الغلظة، لقول الله تعالى: « فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً» آية 23 سورة الإسراء.
هل يحق لولي الأمر أياً كان أن يأمر من هم تحت رئاسته باتخاذ قرار شخصي مثل الطلاق؟ سؤال أثاره أخيراً ما تردد عن قيام أحد المسؤولين بتطليق زوجته بأمر من رئيسه. فهل يعدّ الطلاق بالأمر هنا نوعاً من الإجبار والإكراه لا يقع معه الطلاق شرعاً؟ أم أن هناك أسباباً قد تبيح الطلاق بالأمر؟ وماذا لو كان الأمر صادراً للزوج من والديه؟ هل لا بد أن يستجيب طاعة لهما؟