'لها' في زيارة سجن إصلاحية الحائر وسجن النساء في السعودية...

المملكة العربية السعودية, المخدرات, حبس / سجن, سرقة, المحكمة الابتدائية في الرباط.

11 فبراير 2013

يقال إن أكثر مكان غموضاً هو السجن، حيث الحياة مليئة بالخبايا والمتناقضات. عندما زرت السجن التقيت الكثير يجمعهم الحزن، ويشتتهم الفرح وقت الإفراج عن السجين. هناك تجد قضايا متنوعة منها عقوق ومخدرات وسرقات، وقتل وسطو. وفرت إدارة السجون في السعودية للسجين الكثير من الأنشطة حتى إذا خرج من السجن وجد له صنعة يزاولها ليصارع الحياة. في هذا التحقيق تنقل « لها» حكايات من إصلاحية الحائر وسجن النساء في الرياض يحكيها أصحابها بنبرات ندم وألم.


السجينة سلمى البالغة من العمر ( 36 عاماً) محكومة في قضية خلوة غير شرعية وفي حالة سكر تقول
: «كنت من البنات المتميزات علمياً وخلقياً وذات دلال وحنان من والدي ووالدتي، إلا أن حنان والدي كان هو الطاغي».
وتضيف: «مرض والدي ولم يستمر طويلاً بل وافته المنية بعد إصابته بالمرض بفترة وجيزة، وكنت أبلغ من العمر 18 عاماً. بعد وفاة والدي انتقلنا إلى منزل جدي، رغم أننا نملك منزلاً، ولكن بحكم أننا نساء كان من الصعب أن نسكن وحدنا في منزل خاص، دون أن يكون معنا رجل نعتمد عليه ويوفر لنا متطلبات الحياة».

وتتابع:» تقدم رجل لخطبة والدتي. لم يكن مناسباً لكنها وافقت عليه، وتزوجته وأنا بقيت في منزل جدي. بعد أربع سنوات استطعت أن أنهي دراستي الجامعية بتفوق، وكنت أزور والدتي بشكل دائم وهي تزورني ولم يكن هناك تصادم مع زوج والدتي أبداً».
ولكن بعد فترة شعرت بتصرفات غير عادية من جانب زوج أمها مما أثار الريبة والشك، وقررت الخروج من المنزل والعيش عند إحدى صديقاتها التي علّمتها سلوكيات خاطئة، وتعرفت على شاب وعاشت معه في شقته وكأنها زوجته إلى أن أدمنت المسكرات بعدما جرّها إلى مستنقع الرذيلة ووفر لها المخدرات بسهولة. وتم القبض عليهما من قبل هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأودعت السجن.


نورة

نورة المحكوم عليها بالسجن أربع سنوات تزوجت زواجاً باطلاً بالورق فقط من غير تثبيته في المحكمة حتى لا يتم قطع مصروف أبنائها الخمسة من زوجها الأول.

تقول: «أنا من بنات دار التربية الاجتماعية التابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية، وإذا تم تصديق الزواج سيقطع مصروف الضمان الاجتماعي وأعيش بلا دخل شهري ثابت. حاجتي إلى المال جعلتني أقدم على خطوة جريئة بأن أتزوج بورق فقط، حتى وقعت المصيبة عندما حملت سفاحاً». وتضيف: «أصيب ابني بحروق اثر لعبه في المطبخ مما دعاني إلى أخذه إلى المستشفى و دخوله بإثبات أخيه من زوجي الأول، والمصيبة أن طفلي توفي وهو مسجل باسم أخيه وتم تسلم الجثة ودفنها على هذا الأساس. وبعد فترة وجيزة تقدم عم أبنائي من زوجي الأول وأشتكى علي بأني دفنت ابني باسم أبن أخيه الذي ما زال حياً يرزق، وتم إدخالي السجن منذ ما يقارب ستة أشهر «.
أما عن حال أبناء نورة الخمسة فقط تدهورت جداً بعدما كانت تحميهم فإبنها البكر تعرض لحالة اغتصاب، وابنها الثاني في السجن بقضية تخريب وتكسير محلات، وبقية أبنائها تركوا الدراسة ويعيشون مع أم نورة المريضة في حي شعبي بسيط.


جواهر

تقول السجينة جواهر البالغة من العمر(33 عاماً) ولها في السجن عامان وعشرة أشهر: «سبب سجني قضية مالية لمزاولتي التجارة. تعرضت لأزمة مالية في تجارتي وتدخل معي شركاء، ورفضوا مساعدتي إلا بعد أن أكتب لهم شيكات، وكتبت بما يقارب 800 ألف ريال سعودي».
وأضافت:» بعد حدوث مشاكل عائلية ومتفرقة مع زوجي وعائلتي قرر زوجي أن أختفي عن أهلي، وغيرت سكني، وسكنت في منطقة بعيدة عنهم، وهذا دعا شركائي إلى إبلاغ الشرطة عن اختفائي ظناً منهم أنني هربت بأموالهم، وقدموا بلاغاً ضدي بتهمة نصب واحتيال».

وتتابع: «أخرجت صك إعسار لعدم قدرتي على السداد، وتخلّى عني جميع من حولي وبقيت في السجن وحيدة ولا أحد يسأل عني، وطلقني زوجي، وساءت حالتي النفسية ولم يزرني إلا ابني ووالدتي».
وأوضحت أن الاختصاصيات النفسيات في السجن لهن دور كبير في مساعدتها لتجاوز حالتها النفسية، مشيرة إلى أن القضايا المالية لا يشملها العفو الملكي، لافتة إلى أن نظرة المجتمع الى السجينة قاتلة، خاصة بعدما خسرت كل شيء من زوج ومال، وأهل وقبل هذا كله تخلّى عنها المجتمع.


مخدرات

( ع.ن.س) قضيته ترويج مخدرات ( حشيش) وينفذ عقوبة السجن 15عاماً. تحدث بكل عفوية وصراحة: «بدأت تعاطي المخدرات بعد وفاة والدي بتأثير من رفاق السوء، ولكن سرعان ما تغيّر الوضع وأصبحت أروّج المخدرات وأكسب الأموال».
ويضيف:«عانيت كثيراً بعد وفاة والدي، فلم يكن أحد يوجهني أو يرشدني الى الطريق الصحيح، مما دعاني إلى أن أرافق أصدقاء السوء وأنجرف في عالم المخدرات، وتعاطيت المخدرات قبل 14 عاماً في الصف الأول ثانوي، وكان عمري 17عاماً».

وعن أصعب موقف له في السجن قال: «هناك العديد من المواقف ولكن وفاة والدتي وأنا داخل السجن أثرت في نفسيتي كثيراً، خصوصاً أنني أكبر أخواني وأنا مسؤول عن المنزل بعد وفاة والدي». وأشار إلى أنه أدخل السجن في قضايا سابقة وتراوحت الأحكام فيها من عام إلى ستة أشهر.
وأوضح أنه يمضي وقته في السجن في متابعة دورات تدريبية منها الحاسب الآلي والسباكة والنجارة وصيانة السيارات، وحصل على عدة شهادات تساعده في العمل بعد الخروج من السجن.

عقوق

السجين ( م.ف.خ) يبلغ من العمر 27عاماً ويحمل الشهادة الابتدائية وقضيته عقوق والدين وخاصة مع والدته، ويقول: «كنت شاباً أتمنى الحصول على كل شيء، وأطالب أهلي بتوفير كل شيء لي، حتى لو لم يملكوا المال، لأني كنت شديد اللهاث خلف المال. وكان خلافي مع والدتي أنها كانت لا تصرف علي، وتطردنا من المنزل أنا وأصدقائي، لأنها كانت تشك أنني أتعاطى مخدرات. وهددتها بالقتل مراراً أن لم تنصعْ لمطالبي وتوفر لي المال وتكف عن طرد شلتي الخاصة. وقد اكتشفت أن والدتي على صواب وأنا على خطأ في أفعالي وتصرفاتي معها».
ويشير إلى أنه سبق أن دخل السجن بسبب عقوق والدته ولكنها عفت عنه، «وعدت إلى عقوقي لها مرة أخرى، ولكن وفرت لي إدارة السجون اختصاصيين نفسيين واجتماعيين لإصلاحي ولله الحمد».

ويقول (ف.خ.ق) البالغ من العمر 33 عاماً والمحكوم بالسجن 12عاماً بقي منها سبع سنوات: «لم تكن عائلتي متماسكة ومترابطة، فقد انفصل والدي عن والدتي وأنا عمري 12 عاماً. كبرت وترعرعت بين أم فضلت المضي في حياتها والهروب من الماضي والبحث عن فرصة جديدة في الحياة، وكنت أنا الطفل المعيق في حياتها والذي يؤثر عليها».
ويضيف: «من صغري وأنا أعيش حياة يعجز عنها الكبار فما بالك بطفل صغير. عانيت الحرمان والظلم، فجسمي كله ذكريات تعذيب من صغري. ذهبت مع أمي بحكم صغر سني، وكانت والدتي نادمة على زواجها من والدي، وكانت تقول لمن حولها أنني أذكّرها به، حتى أنها في بعض الأحيان كانت تعاملني بشكل سيئ».

ويتابع: «بعد بلوغي 12 عاماً قررت الهرب والابتعاد عن والدتي والعيش مع والدي الذي لم يكن سعيداً بعودتي إليه ولكنه مجبور. كنت ضعيفاً في الدراسة نتيجة الإهمال وفضل والدي أخراجي من المدرسة بحجة عدم الجدوى من هذا التعليم».
وأشار إلى أن بدايته في دخول عالم المخدرات كانت سهلة فالتربة الخصبة متوافرة ليقع في هذه الآفة بكل أشكالها، «كنت على علاقة مع شابين يكبرانني سناً، ويستطيعان توفير المخدرات بسهولة. وفي ليلة من ليالي اليأس، عرض عليّ أحدهما سيجارة حشيش، وقال: دخن وأنسَ همومك. فقلت: «هات هيه واقفة على هالشغلة. فدخنتها وأعجبتني. ولأنني لا أملك المال عرض الشابان الترويج والاستفادة من المال وتوفير حاجتي للتعاطي، ورأيت في تلك اللحظة أن هذه الفرصة لن تتكرر، وستكون هي حجر الزواية لتغير مسار حياتي نحو الأفضل».
وعن كيفية القبض عليه قال: «كنت في أحد الأيام أحمل كمية كبيرة من الحشيش، على أمل أن أروجها كلها. وفجأة وأنا ذاهب إلى موعد تسليم كمية من الحشيش، تعرضت سيارتي لعطل وتوقفت على جانب الطريق، وإذا بسيارة شرطة فيها اثنان من رجال الأمن تتوقف خلف سيارتي، فارتبكت كثيراً، حينها دخل الشك قلبيهما، فبادراني بالأسئلة التي عجزت عن الإجابة عن بعضها، ففتّشا السيارة واكتشفا أمري وقبضا علي».


الإصلاح هو الهدف من السجن

قال مدير إدارة الشؤون العامة والناطق الإعلامي باسم المديرية العامة للسجون في السعودية العقيد دكتور أيوب بن نحيت لـ « لها» إن الإصلاح هدف رئيسي تسعى إليه المديرية العامة للسجون، وفي سبيل تحقيقه تحشد جهودها وتضع خططها الإستراتيجية التطويرية، خاصةً في ما يتعلق بتطوير قدرات العاملين وتنمية مهاراتهم الشخصية.
وأضاف: «من هذا المنطلق قامت المديرية العامة للسجون بإعداد مجموعة من البرامج الإصلاحية والتأهيلية الهادفة الى تعديل سلوك النزلاء والنزيلات، منها البرامج التعليمية، إذ أن نشر العلم ضرورة ملحة لتنمية القدرات العقلية والفكرية للنزلاء، وتقويم السلوك المنحرف الذي أدى إلى دخولهم السجن. وبما أن الجريمة هي نتيجة سلوك منحرف، وما يشكله الجهل من سبب في الوقوع في الجريمة، فإن التعليم له دوره المهم في تعديل ذلك السلوك عبر زيادة المعلومات والمعارف للنزلاء والنزيلات».

وتابع: «أولت المديرية العامة للسجون التعليم اهتماماً كبيراً، وأقامت المدارس في جميع السجون، كما شجعت النزلاء على مواصلة تعليمهم عبر منح الملتحقين منهم بالبرامج التعليمية وبرامج التدريب المهني فرصة خفض مدة العقوبة. وقد أسند تعليم نزلاء السجون ونزيلاتها إلى وزارة التربية والتعليم في المراحل الابتدائية والمتوسطة والثانوية ووزارة التعليم العالي في المراحل الجامعية بحكم الاختصاص».
وأشار إلى أن النشاط الرياضي في السجون من «الأنشطة الأساسية التي تساهم في تهذيب النزيل وتأهيله وإعادة بناء شخصيته، وتعويده على النظام والطاعة والتعاون وغرس القيم الأخلاقية كالعمل والصدق والتعاون ومراعاة آداب السلوك العام. ولا يخفى تأثير الرياضة على الأجسام والعقول، والعقل السليم في الجسم السليم، وإذا سلم العقل تحققت الاستقامة، لأن الانحراف هو نتيجة مرض عقلي. فالنزلاء يمارسون كل الألعاب الرياضية المعروفة، كما يتم تنظيم مسابقات رياضية بين عنابر السجناء، وتتولى المديرية العامة للسجون توفير المعدات والملابس الرياضية».

وقال مدير قسم المراسم في إدارة الشؤون العامة الملازم أول جلوي الخامسي إن السجون في مختلف دول العالم تشهد تطوراً ملموساً في شكل العقاب وطبيعته وأهدافه، فلم تعد وظيفة السجون تقتصر على الجانب المتعلق بسلب حرية المحكوم عليه، وإنما أصبح من أهم أهدافها تأهيله لحياة بعيدة عن الانحرافات والعلل الاجتماعية. لذلك فإن العناية التي يتلقاها النزيل تشمل مختلف نواحي شخصيته، وتوالت الإصلاحات في السجون التي باتت تخضع المحكوم عليهم لبرامج ترتكز على نزع بذور الانحراف من نفسه وصولاً إلى إعادته فرداً صالحاً.