علماء الدين يجيبون...
طلاق, د. آمنة نصير, د. مبروك عطية, د. عبلة الكحلاوي, علماء الدين, العلاقة الزوجية
25 فبراير 2013نص شرعي
يشير الدكتور صابر طه، عميد كلية الدعوة جامعة الأزهر، إلى أنه لا يوجد نص شرعي «يحرّم هذه الواقعة بحذافيرها، إذا أخذناه من حل الاستمتاع بين الزوجين في ضوء فهمنا لقول الله تعالى: «نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُمْ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّكُم مُّلاَقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ» الآية 223 سورة البقرة. وبالتالي فإن للزوجين، وليس الزوج وحده، الاتفاق على طبيعة العلاقة بينهما بما يحقق لهما الاستمتاع الحلال، وبالتالي فإن رفض الزوجة تصوير أي خصوصيات يعد حقها شرعاً، وليس في هذا معصية للزوج، رغم أن الإسلام أمر الزوجة بطاعة زوجها وجعل معصيته إثماً. ولكن ليس لهذه الدرجة التي يصوّر بها حياتها الخاصة رغماً عنها، وقد تقع في يد أي شخص أو يسيء الزوج استخدامها تحت أي سبب، مثل وقوع خلافات زوجية وتطلب بسببها الطلاق».
وأوضح طه أن هناك نصوصاً تضع ضوابط شرعية لما يجري في غرفة النوم من أسرار لا ينبغي أن يعلم بها أحد أياً كان، فما بالنا بهذا الزوج الذي يرى أن يفعل ذلك رغماً عن أنف زوجته، التي تستحي من تصوير علاقتها الخاصة، لأنها فهمت بشكل صحيح قول النبي صلى الله عليه وسلم «الحياء لا يأتي إلا بخير»، وقوله صلى الله عليه وسلم أيضاً: «إنَّ الله حيي سِتِّير يحب الستر والحياء». ولعل هذا ما جعل أم المؤمنين عائشة، رضي الله عنها، تمدح نساء الأنصار بقولها: «رحم الله نساء الأنصار، لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين». وقد خلَّد القرآن الكريم اتصاف المرأة بالحياء حين تريد التعبير عن مشاعرها بحب رجل قوي أمين، فقال تعالى في ذكر سيرة ابنة نبي الله شعيب، التي أعجبتها قوة وأمانة نبي الله موسى، فقال تعالى: «فَجَاءتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاء قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ» الآية 25 سورة القصص. ولعل من حق الزوجة رفض تصوير الخصوصيات، حتى لو وصل الأمر إلى القضاء لطلب الطلاق.
تقليد
تتفق الدكتورة آمنة نصير العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية في الإسكندرية مع الدكتورة عبلة الكحلاوي في الرأي، فتؤكد بدورها أن هذا «المطلب الغريب لا يفكر فيه زوج سوي، حتى وإن كانت مبرراته لا يرفضها الشرع لدى بعض الفقهاء الذين يرون أنه لم يرتكب فعلاً حراماً أو انتهك حرمات الآخرين، وإنما يريد تصوير سلوكيات أو أفعال خاصة به شخصياً».
ورفضت أي مبرر لتصوير هذه العلاقة الخاصة، «حتى لو وصل الأمر إلى القضاء وطلب الطلاق، لأنه يتنافى مع الحياء والمحافظة على سرية هذه العلاقة، التي حرم الإسلام مجرد الكلام عنها أو كشف ستر شريكة الحياة، ولهذا قال العلامة وهب بن منبه: «الإيمان عريان، ولباسه التقوى، وزينته الحياء». وقال أحد الحكماء: «من جعل الحياء ثوبه لم ير الناس عيبه». وعبر عنه أحد الشعراء بقوله
حياؤك فاحفظه عليك فإنما.... يدلُّ على فضل الكريم حياؤه
إذا قلَّ ماء الوجه قلَّ حيـاؤه.... ولا خير في وجهٍ إذا قلَّ ماؤه».
وأنهت الدكتورة آمنة كلامها بتوجيه نصيحة إلى الزوج الذي يكاد يخسر شريكة حياته بسبب تفكير المراهقين، قائلة: «اتق الله ولا تخرب بيتك بيدك، وحافظ على حياء زوجتك واحترم رغبتها في عدم تصوير تلك الخصوصيات، وكن ممن قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم: «الحياء والإيمان قرنا جميعًا، فإذا رفع أحدهما رفع الآخر».
حفظ الأسرار
وتقول الدكتورة سعاد الشرباصي، أستاذة الفقه في جامعة الأزهر: «ستر العورات منهج إسلامي أصيل إلا بين الزوجين، لهذا قال تعالى: «وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ* إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ» الآيتان 5-6 سورة المؤمنون. ومعه نجد المسلم السوي يرفض أي وسيلة فيها احتمال لخروج ما يتم في غرفة النوم إلى الخارج، حتى ولو كان احتمالاً ضعيفاً، وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم: «يا رسول الله، عوراتنا ما نأتي وما نذر؟ فقال صلى الله عليه وسلم: احفظ عورتك إلا من زوجك أو ما ملكت يمينك. فقال السائل: يا نبيَّ الله، إذا كان القوم بعضهم في بعض؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن استطعتَ ألا يراها أحد، فلا يرينَّها. قال السائل: إذا كان أحدنا خاليًا؟. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: فالله أحق أن يُستحيا منه من الناس».
وأوضحت أن ستر أسرار الزوجية، من واجبات الزوج، فلا يتحدث بما يحدث بينه وبين زوجته من أمور خاصة، بل يجب شرعاً كتمانها وليس تصويرها، مع إمكان وقوع هذا التصوير في يد أي أحد، أو أن تسوِّل نفس الزوج له الانتقام من زوجته إذا أرادت طلب الطلاق مثلاً. ولهذا جعل الرسول، صلى الله عليه وسلم، ما يجري داخل غرف النوم أمانة لا يجوز للمرء أن يخونها بكشفها، وإنما عليه أن يسترها فقال صلى الله عليه وسلم: «إن من أشر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يُفْضِي إلى امرأته، وتُفْضِي إليه ثم يَنْشُرُ سرها».
وأنهت الشرباصي كلامها، مؤكدة أنها تخشى على مثل هذا الزوج الذي يصر على تصوير خصوصيات الحياة الزوجية، أن يكون مدمن أفلام إباحية، وأن يصبح ممن قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم: «كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملاً ثم يصبح وقد ستره ربه، فيقول: يا فلان، قد عملتُ البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه، ويصبح يكشف ستر الله عنه». وليتأمل هذا الزوج، المصر على تصوير علاقته بزوجته، تلك القصة التي روتها الصحابية أسماء بنت يزيد رضي الله عنها، التي أوضحت فيهاأنها كانت عند رسول الله، صلى الله عليه وسلم، والرجال والنساء قعود عنده، فقال لعل رجلاً يقول ما فعل بأهله، ولعل امرأة تخبر بما فعلت مع زوجها، فأرَمَّ القوم، بفتح الراء وتشديد الميم أي سكتوا من خوف ونحوه، فقلت أي والله يا رسول الله إنهم ليفعلون وإنهن ليفعلن. فقال الرسول: لا تفعلوا، فإنما مثل ذلك مثل شيطان لقي شيطانة فغشيها والناس ينظرون». ولهذا يجب على هذا الزوج حفظ الأمانة والأسرار، وعدم وضع أي احتمال لو ضعيفاً جداً لكشفها، فقد قال صلى الله عليه وسلم: «إن من أعظم الأمانة عند الله يوم القيامة، الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم ينشر سرها».
تحذير
يؤكد الدكتور مبروك عطية، الأستاذ في جامعة الأزهر، أنه لا يوجد مانع شرعاً يحرم ذلك، لكن بشرط رضا الزوجين، لأن الأمر يخصهما معاً ولا يخصه وحده، ورغم ذلك أرى أن يحكم الزوج عقله ويتنازل عن هذه الرغبة الغريبة على أخلاقنا ومجتمعاتنا الإسلامية والعربية التي ترى أن ما يحدث داخل غرفة النوم من الأسرار الكبرى أكثر من الأسرار العسكرية التي يعد إفشاؤها بمثابة «خيانة عظمى».
وأشار الدكتور مبروك إلى أن ما يفكر فيه الزوج ليس حراماً شرعاً إذا توافق عليه الزوجان، لكن إذا رفضت الزوجة ذلك، فهذا حقها شرعاً، لأن الأمر يتنافى مع ما يدعو إليه الإسلام وما تتقبله الفطرة السوية. حتى أن بعض الأزواج والزوجات يفضلون العلاقة الخاصة في الظلام أو الضوء الخافت جداً، وهذا ما يتوافق مع ما يدعو إليه الإسلام، حيث يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الإيمان بضعٌ وسبعون شعبة، فأفضلها قول: لا إله إلا الله، وأدناها: إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان».
وأنهى عطية كلامه قائلاً للزوج: «الإسلام لم يحرّم أي ممارسة شرعية فيها استمتاع للزوجين، لكني أحذرك من هذا التقليد الأعمى لما في الأفلام الإباحية التي حرم الشرع مشاهدتها، فتجد نفسك ترتكب الحرام وتكون من الملعونين، حتى في حياتك الخاصة مع زوجتك، لهذا من الأفضل لك الإقلاع عن مشاهدة الأفلام الإباحية وتقليدها للتخلص من هذه الأفكار الغريبة التي تريد أن تقلّد ما فيها فتجد نفسك من الملعونين، واعلم أنك إذا رأيت في الناس جرأةً وبذاءةً وفحشًا فاعلم أن من أعظم أسبابه فقدان الحياء، لهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستحِ فاصنع ما شئت»».
أقامت سيدة دعوى أمام محكمة الأسرة في مصر تطلب فيها الطلاق، بعد أن فوجئت بزوجها يصرّ على تصوير خصوصياتهما الزوجية، وهو ما أثار قضية شديدة الحساسية حول الرأي الشرعي إذا ما أصرَّ زوج على مثل هذا التصرّف؟ وهل يعدّ الأمر مباحاً باعتباره في إطار العلاقة الزوجية؟ أم أن هناك ما يمنع شرعاً، وبالتالي يحق للزوجة الرفض حتى لو وصل الأمر إلى طلب الطلاق؟
في البداية ترى الدكتورة عبلة الكحلاوي، العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية جامعة الأزهر، أن هذا التفكير يعد تأثراً بما يراه الشباب من أفلام إباحية، وبدلاً من أن يشاهد غيره يريد أن يكون هو البطل في تلك الأفلام، وهذا الأمر يتنافى مع الحياء الذي يعد خلقاً إسلامياً يبعث على فعل كل ما هو طيب، ويتوافق مع الفطرة السوية، وترك كل قبيح يتعارض مع مكارم الأخلاق، حتى لو كانت له مبررات شرعية.
ولفتت إلى أن من «صفات النفس المحمودة عدم اتباع هوى النفس الأمّارة بالسوء، التي قال الله عنها: «وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ» الآية 53 سورة يوسف. وهذا ما جعل الإسلام يجعل الحياء رأس مكارم الأخلاق وزينة الإيمان وشعار الإسلام، حتى أن الرسول، صلى الله عليه وسلم، قال: «إن لكل دين خُلقًا، وخُلُقُ الإسلام الحياء». وبالتأكيد ليس من الحياء أن يجبر الزوج زوجته على تصوير العلاقة الشرعية بينهما رغماً عنها، خاصة أن لهذا التصوير أخطاراً كثيرة فيمكن أن يقع الشريط المصوّر في يد الغير، أو أن يساء استخدامه من الزوج، إذا حدث خلاف أو انفصال، وبالتالي يمكنه أن يبتزها أو يذلها به».