علماء الدين...
طلاق, مواقع الزواج الإلكتروني, د. مبروك عطية, د. عبلة الكحلاوي, د. أحمد عمر هاشم, د. نصر فريد واصل, د. عفاف النجار, علماء الدين
11 مارس 2013تحذير
حذرت الدكتورة سعاد الشرباصي، أستاذة الفقه في كلية الدراسات الإسلامية جامعة الأزهر، من التهاون في قضية زواج المحلل، مؤكدة أنه يوقع في الحرام، سواء في الزواج الثاني أو العودة إلى الزوج الأول، لأن هناك اتفاقاً بين كبار الصحابة والعلماء على لعن المحلِّل والمحلَّل له، ووجوب الالتزام بالضوابط الشرعية، ووصل الأمر إلى توبيخ المشاركين في تلك الجريمة المسماة «زواج التحليل الصوري» باتفاق مسبق، حيث وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم من يفعل ذلك بـ»التيس المستعار»، وقال الصحابي عقبة بن عامر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا أخبركم بالتيس المستعار؟ قالوا بلى يا رسول الله، قال هو المحلِّل، لعن الله المحلِّل والمحلَّل له».
وأوضحت الشرباصي أن عمرو بن نافع روى عن أبيه: «جاء رجل إلى ابن عمر فسأله عن رجل طلق امرأته ثلاثاً، فتزوجها أخ له من غير مؤامرة بينهما ليحلها لأخيه، هل تحل للأول؟ قال: لا إلا نكاح رغبة، وكنا نعد هذا سفاحاً على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم». كما قال الفاروق عمر بن الخطاب: «لا أوتي بمحلِّل ولا محلَّل له إلا رجمتهما». وهذا يؤكد أن الشريعة الإسلامية تنكر أشد الإنكار ما ينكره العقلاء وتستهجن ما يستهجنونه، فسمت المحلِّل تيساً مستعاراً ملعوناً، فهل يلعن الله ورسوله إلا من ارتكب كبيرة أو ما هو أعظم منها؟، ولهذا قال عبد الله بن عباس «كل ذنب ختم بلعنة أو غضب أو عذاب أو نار فهو كبيرة». وأنهت الدكتورة سعاد الشرباصي كلامها مستشهدة بأن رجلاً قال لابن عمر: «امرأة تزوجتها أحلها لزوجها لم يأمرني ولم يعلم، قال : «لا إلا نكاح رغبة، إن أعجبتك أمسكها وإن كرهتها فارقها». قال: وإن كنا نعده على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم سفاحاً». وقال: «لا يزالان زانيين وإن مكثا عشرين سنة». وكذلك سئل الإمام أحمد عن الرجل يتزوج المرأة وفي نفسه أن يحلها لزوجها الأول ولم تعلم المرأة بذلك، فقال: «هو محلِّل إذا أراد بذلك الإحلال فهو ملعون».
الحساب على النوايا
أما الدكتورة عفاف النجار، العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية في جامعة الأزهر، فتؤكد أنه لا بد أن يكون «الزواج الثاني بعد الطلاق من الأول بنية الاستمرار، لا زواجاً صوريا ليس فيه من الزواج إلا صورته، والله هو المطلع على النوايا والمحاسب عليها، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه». وهذا معناه أنه إذا كانت النية مجرد التحليل بناءً على اتفاق سابق فهو اتفاق فاسد لا يجوز الوفاء به، وما نتج عنه من زواج فهو باطل وعلاقة غير شرعية يأثم أطرافها بوقوعهم في الخطيئة، حتى ولو كان المسمى زواجاً، لأن ما بني على باطل فهو باطل».
وأوضحت النجار ضوابط الزواج الثاني حتى يكون حلالاً شرعاً، فقالت: «حقيقته أنه لا بد أن يتم بصورة طبيعية تتوافر فيه شروطه وأركانه، وتحقق السكون لكل من الزوجين إلى الآخر من التواد والتراحم والتحاب، مثل أي زواج طبيعي وصف الله ما فيه بقوله: «وَمِنْ آيَاتِهِ أن خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إن فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ» آية 21 سورة الروم. وبالتالي لابد أن يكون الزواج الثاني بإرادة حرة، وكذلك الطلاق بإرادة حرة ومنفردة من الزوج صاحب الحق في الطلاق، دون أي وجود لشبهة الاتفاق المسبق أو نية التطليق ليتم تحليلها لزوجها الأول، وهذا يحقق مقاصد الشرع في أن يصون عرض المرأة، ولا يعرضها على كثير من الأزواج إذا تم التهاون، فليس في عرضها ما يصلح أن يكون غرضاً للتلاعب بين الزوج الأول والثاني ثم تطليقها وعودتها للأول، وهكذا يمكن أن يتكرر هذا الوضع مرات عديدة، وهو ما يحول المرأة إلى لعبة وهذا مرفوض شرعاً».
التحايل ممنوع
ويعرض الدكتور مبروك عطية، الأستاذ في جامعة الأزهر، لآراء الفقهاء القدامى في عقد الزواج الثاني من الناحية الشرعية، فيقول: «يتوقف الأمر على توافر الضوابط الشرعية الظاهرة والباطنة فيه، حيث يقول العلامة ابن قدامة: «ونكاح المحلِّل فاسد يثبت فيه سائر أحكام العقود الفاسدة، ولا يحصل به الإحصان ولا الإباحة للزوج الأول، كما لا يثبت في سائر العقود الفاسدة». وَجاءَ رَجُلٌ إلى الحَسَنِ البَصْريِّ فقَال «إنَّ رَجُلاً مِنْ قَوْمي طلَّقَ امْرَأتَهُ ثَلاثًا فنَدِمَ ونَدِمَت فأرَدْتُ أن أنْطَلِقَ فأتَزَوَّجَها وأُصْدِقَها صَداقًا ثُمَّ أدْخُلَ بِها كما يَدْخُلُ الرَّجُلُ بامْرَأتِه ثُمَّ أطَلِّقَها حتَّى تَحِلَّ لِزَوْجِها قال: فقالَ لَهُ الحَسَنُ: اتَّقِ اللهَ يا فتَى ولا تَكُونَنَّ مِسْمارَ نارٍ لِحُدودِ اللهِ»، يُرِيدُ الحَسَنُ أن المِسْمارَ هُوَ الَّذِي يُثَبِّتُ الشَّيْءَ المَسْمُورَ فكَذلِكَ أنْتَ تُثَبِّتُ تلْكَ المَرْأَةَ لِزَوْجِها وقَدْ حَرُمَتْ عليْه». وقال إبْراهِيمُ النَّخَعيُّ: «إذا هَمَّ أحَدُ الثَّلاثةِ بالتَّحْلِيلِ، فقَد فسَدَ العَقْدُ». وبناءً على ذلك فلا يحل البقاء مع هذا الزوج ويلزمها أن تفارقه لأنها ليست زوجة له شرعاً».
وكشف الدكتور مبروك جانباً مهماً من القضية، مؤكدا أنه إذا كانت المرأة تزوجت برجل وهي ترغب في الرجوع إلى زوجها الأول، فأرادت مضايقة زوجها حتى يطلقها، فهذا حرام ولا يحل لها الإقدام عليه، بل يجب عليها بر زوجها الثاني وهي لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمراً. فعليها أن تبرَّ بزوجها الثاني وإذا كانت تريد الرجوع إلى الأول فليكن ذلك بالطرق الشرعية، بأن تطلب من زوجها الثاني الخلع أو أن تبين له رغبتها في المخالعة برد الصداق إليه إذا قَبِلَ أو نحو ذلك، لكن لا يحل لها معصيته أو عدم القيام بحقه، فذلك حرام.
في البداية، توضح الدكتورة عبلة الكحلاوي، العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية جامعة الأزهر، الحكمة من اشتراط الشرع وجود محلل حتى تعود الزوجة إلى زوجها الأول، فتقول: «جاء هذا التشريع نظراً لما كان يفعله الأزواج في الجاهلية، فقد كان للرجل أن يطلق امرأته، فإذا قاربت العدة راجعها ثم يطلقها ثم يراجعها بلا حدود في عدد المرات، وهذا ما أضر المرأة التي تكون كالمعلقة لا هي ذات زوج فتسكن إليه ولا هي مطلقة من حقها الزواج بغيره، لهذا أبطل الله ذلك وحدد عدد المرات ووضع ضوابط شرعية من خلال السنة النبوية لعملية زواج المحلل».
وأشارت الدكتورة عبلة إلى أن الله في القرآن الكريم «أوضح لنا هذا التشريع الجديد الذي فيه حماية للمرأة من تلاعب الزوج الذي لا يخشى الله، ووضع حداً لعدد مرات الطلاق واشتراط زواجها بغيره قبل أن تعود إليه، فقال تعالى: «الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أن تَأْخُذُواْ مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلاَّ أن يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ. فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ» الآيتان 229-230 سورة البقرة. ومن هذا يتضح أنه ليس للزوج أن يفعل الطلاق إلا مرتين، فإن طلقها الثالثة فلا تعود إليه إلا بعد أن تتزوج غيره، فإن طلقها الثاني برغبته بعد الدخول بها وبدون أي اشتراطات مسبقة حلت للأول، وهذا التشريع فيه رحمة بالمرأة وإزالة لظلم وتعنت الأزواج كما كان الوضع في الجاهلية». وأنهت الدكتورة عبلة كلامها بالتأكيد أن هذا التشريع يضع حداً لطمع الرجل بالمرأة وإذلاله لها، إذ اشترط في حلها له أن تبعد عنه فتكون ذات زوج جديد، وربما أمسكها طول حياته فلا تعود إليه أبداً، فيكون هذا وسيلة تأديبية له، وأدعى لأن يتروى في الطلاق فلا يسرف فيه، أو تكون كلمة الطلاق شائعة على لسانه كما يفعل بعض الجهال حتى اليوم.
ضوابط شرعية
عن الضوابط الشرعية الأخرى لزواج المحلل حتى يكون صحيحاً شرعاً، يقول الدكتور أحمد عمر هاشم، الرئيس الأسبق لجامعة الأزهر: «لابد أن يكون العقد مستوفياً لشروطه الشرعية، من المهر والولي والشهود والقبول، وأن يكون بنية الاستمرار أو ما يطلق عليه شرعاً بنية «التأبيد»، وكذلك أن يكون بعد استيفاء الزوجة للعدة من طلاق الزوج الأول، أو يكون الدخول بالزوجة كاملاً وليس شكلياً، وهذا ما وصفه الرسول صلى الله عليه وسلم لإحدى الصحابيات بقوله: «حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك». وفي هذا تأديب للزوج الأول حتى يمسك لسانه عن التلفظ بالطلاق بلا سبب».
وأوضح هاشم أنه «من المعلوم، باتفاق العلماء، أن زواجها من الثاني يكون باطلاً إن كان باتفاق مسبق مع الأول لكي يحلل لها الرجوع إلى الأول، وأما إن طلقها الزوج الثاني بعد الدخول بها دون قصد تحليلها للأول جاز لها أن ترجع إلى الأول بزواج جديد وعقد جديد، حيث أجاز الإسلام لمن طلقت ثلاث طلقات بائنة أن تتزوج من غير طليقها بشروط، أهمها:
- عقد النية على الزواج الشرعي دون نية الطلاق.
- الدخول بها.
- معاشرتها معاشرة الأزواج من إنفاق عليها وتلبية احتياجاتها.
- أن طلقت منه دون أي اتفاقات سابقة أو نية بالتحليل، فيجوز أن تعود لطليقها الأول بعقد زواج شرعي،وهنا نلغي لفظ «المحلل» في الزواج، لأنه تزوجها زواجاً شرعياً بنية المعاشرة الدائمة وليس بنية طلاقها بعد ذلك، ولا يجوز له تغيير النية حتى بعد الزواج، وإلا أصبح هذا الزوج محللاً، لأن الشرع نهى عن هذا التحايل».
الحكمة من تحريم المحلل
أشار الدكتور نصر فريد واصل، مفتي مصر الأسبق، إلى أن الله في هذا التشريع أراد أن يخيف المطلق ويطالبه بالتأني في الطلاق، لأنه إذا بلغ الطلقة الثالثة لن تحل له إلا إذا أصبحت ذات زوج جديد يدخل بها دخولاً شرعياً»، ولا يفارقها زوجها الجديد إلا برغبته بدون أي شروط، ومن حقها البقاء معه إلى الأبد، لأن الزواج يشترط فيه أن يكون بنية التأبيد والاستمرار، أما الزواج بنية الطلاق بعد فترة موقتة فهو نوع من زواج المتعة المحرم شرعاً. وأشار واصل إلى أن هذا «التشريع القاسي على نفس الزوج الأول هدفه التأديب وحماية عرض المرأة من التلاعب، وبالتالي فكأن هذا التشريع يقول للزوج الأول: «إذا كنت متعلقاً بها فلا تخاطر بطلاقها لأنها قد لا تعود إليك أبداً»، كما يقول للزوجين الأول والثاني: «احذرا من التلاعب، فالله مطلع على النوايا، فإذا تلاعب الزوجان معاً فمصيرهما اللعنة في الدنيا والآخرة، لأن عقد الزواج الجديد يبطل إذا كان عقد نكاح للتحليل، لهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لعن الله المُحلِّل والمُحلَّل له». وحذر من أن يكون عقد الزواج الجديد من الزوج الثاني والطلاق منه صورياً، أي على الورق، دون تحقق الدخول الشرعي، فهذا مدخل من مداخل الشيطان الذي يزين الأعمال الباطلة على أنها حلال، ولهذا حذرنا الله من اتباع مثل هذه الخطوة الشيطانية، فقال تعال: «فَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إن اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ» آية 8 سورة فاطر.
جدل فقهي أثاره انتحار رجل أعمال بعد رفض مطلقته الرجوع إليه عقب زواجها بصديقه كمحلل، فقد تباينت آراء الفقهاء حول الضوابط الشرعية للمحلل، ومتى يكون حلالاً ومتى يكون حراماً، وما حكم الاتفاق المسبق على الطلاق من المحلل وهل يجب شرعاً الوفاء بما تم الاتفاق عليه أم أنه اتفاق فاسد؟ وما الحكم إذا تم إجبار المحلل على تطليق زوجته لتعود إلى زوجها الأول؟ أسئلة عديدة طرحناها على علماء الدين ليحسموا لنا هذه القضية الشائكة.
تفجرت القضية عندما تم العثور على جثة رجل أعمال في الثلاثينات من عمره، بعد أن ألقى بنفسه من الطابق الثالث داخل فيلا مطلقته بالتجمع الخامس في مدينة القاهرة الجديدة، لرفض مطلقته العودة إليه بعد أن طلقها ثلاث مرات وتزوجت بمحلل ورفضت الرجوع إليه، فذهب إليها مؤكداً أنه لا يستطيع العيش بدونها، فرفضت هي وزوجها المحلل تلبية رغبته أو تنفيذ ما تم الاتفاق عليه من تطليقها بعد عقد القران والدخول الشكلي فقط، وهو ما أدى إلى تدهور حالته النفسية، حتى أنه تمادى في تناول المخدرات، لكنهما لم يستجيبا لطلبه بالانفصال، وأثناء وجوده معهما هددهما بالانتحار وألقى بنفسه من الطابق الثالث فلقي حتفه.