جسر إلى الأرض

السماء والأرض,وسائل التواصل,الشاشة الصغيرة,هالة كوثراني

هالة كوثراني 13 مايو 2015

أكتب بإصبعي. في منتصف الليل أرمي الأقلام، وحين أكون معلّقة بين السماء والأرض أفضّل أن ألمس الحروف مباشرة، أن أنقرها فتظهر على الشاشة البيضاء وتطمئنني. ألهو بالشاشات. أسلّم على وجوه عرفتها في زمن ما وتاهت. تهت أنا أيضاً. بسبب تطوّر وسائل التواصل تطاردنا وجوه كنا قد تعبنا من أجل اختفائها أو خروجها من أيامنا. نسعد بأسماء ووجوه تردّها مواقع التواصل إلينا، لكننا في المقابل نتعثّر بمن نريد ألا نتذكّرهم. يحدث هذا الأمر. وتكثر القصص المتسلّلة إلينا عن هذه الصديقة القديمة أو تلك، قصص بعضها مؤثر ونكاد بسببها أن نعاود الاتصال بعدد من زميلات الماضي وزملائه، ثم نتراجع أمام سرعة مضي النهار وتراكم الواجبات التي لا تكفيها ساعاته.
ألوّح لوجه عرفته ولم أعرف اسم صاحبه. أردّ السلام الحارّ بحركة سريعة. تعلو يدي وتهبط. لا أركّز تماماً على ما أقوم به. في الطائرة أركّز على اللحظة برغم محاولاتي تجاوزها أو تجاهلها بالغرق في كتاب أو في الكتابة أو في أحداث فيلم سينمائي. ثمة من يطيرون بخفّة من بلد إلى آخر، يعشقون التجربة نفسها، تجربة التنقّل بين حدود وأخرى مع الحماسة التي قد ترافقها. وثمة من يرافقهم القلق ولا يتخلّى عنهم. يتحمّلونه قبل أيام من الرحلة وصولاً إلى يوم السفر ومغامراته. لو سافروا كل يوم لن يتصالحوا مع الساعات التي تمرّ في الطائرة حيث تتضخّم العواطف ويصبح التسمّر أمام الشاشة الصغيرة وأشكالها وأصواتها الجسر الوحيد إلى الأرض.