وسائل التواصل الاجتماعي الحديث: هل أفقدت التربية هيبتها؟

الأبناء,التربية,التعامل مع الأخطاء,فقدان السيطرة,التواصل الاجتماعي,التجاهل,الانفتاح,القمع

رحمة ذياب (الدمام) 15 مايو 2015

التعامل مع الأخطاء التي يرتكبها الأبناء، يتطلب قوة تربوية حازمة وهادئة في الوقت ذاته. فمع ظهور وسائل التواصل الاجتماعي الحديث، لم تعد سيطرة الأبوين كما كانت في السابق، إذ أصبح العديد من الآباء والأمهات يعانون «فقدان السيطرة»، ما تسبب في إحداث خلل وفجوة تتطلب ردماً، لئلا ينشأ جيل غير قادر على تحمل المسؤوليات المستقبلية. أمهات وآباء اضطروا إلى اللجوء إلى أطباء نفسيين، وإلى البيئات المدرسية لإعادة إحكام السيطرة على تربية أبنائهم، فيما لا يزال بعضهم يواجهون مشكلة معتقدين ان «لا حل لها»... في هذا التحقيق تناقش «لها» كيفية التعامل مع أخطاء الأبناء.

اعتبرت إحدى الأمهات أن التربية تواجه موجة ضغوطات من وسائل التواصل الاجتماعي التي باتت محركاً لتصرفات أبنائها، مضيفة: «اليوتيوب وسيلة سهلة للوصول إلى المبتغى السلبي للأبناء، والبعض يتابعه بحجة الاستفادة منه في الدروس التعليمية، إلا انه يكتشف صدفة مقاطع إباحية في بعض الأحيان، فهل يُعقل أن نترك الأجهزة الذكية وما تطرحه من برامج في متناول أجيال ناشئة؟».
وترى أم عبدالرحمن أن تحديات كثيرة تواجه الأهل اليوم بسبب الانفتاح التكنولوجي غير المراقب الذي يتعرض له الأبناء، وتقول: «التقنية الحديثة سلاح ذو حدين، فكما تبقي الأهل على تواصل تام مع أبنائهم أثناء وجودهم خارج المنزل، إلا انها تحول دون مراقبتهم ومعرفة ما يجمعونه من معلومات أو ينسجونه من علاقات اجتماعية أو حتى عاطفية من خلال الانفتاح التكنولوجي ووسائل التواصل الاجتماعي. لقد أصبح الأمر مخيفاً بالنسبة إليّ وإلى كثيرات من الأمهات وأضحت أساليب التربية أكثر صعوبة ولا بد من أن تتسم بمرونة أكبر لتتمكن الأسر من مجاراة أبنائها وتوجيههم».
تشاطرها الرأي منيفة يوسف التي تؤكد: «أنا أم لثلاثة أبناء وأواجه مشكلات في تربيتهم بسبب ظهور وسائل تقنية حديثة تتغلب على سلطة الأمهات وحتى الآباء. فأكثر ما يثير غضبي أن يُظهر الطفل لوالديه شخصية مسالمة متجاوبة، بينما هو في الحقيقة عكس ذلك، سواء في المدرسة أو مع الأقارب، نتيجة ما تتركه وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة من آثار دفينة. وهذا السر الذي لا يدركه الكثير من الأهالي، تمكنت أنا من معرفته بعدما عرضت أحد أبنائي على طبيب نفسي، فتبين انه يعاني اختلالات نفسية وشخصية غير متوازنة لإدمانه وسائل التواصل الاجتماعي ومحاولته تفريغ ما لديه بطرق تناسبه هو».
تتسلّم دفة الحديث أم تلقي اللوم على نفسها قائلة: «كنت اردد دوماً أنني على استعداد لأن يجلس ابني ساعات طويلة وراء الأجهزة الذكية مقابل أن أحصل على قسط وافر من الراحة، إلى أن بدأت المشكلة تظهر عليه بوضوح، عندها لم أعد قادرة على السيطرة على تصرفاته السلبية، وأصبح الضرب أداة رئيسة في التربية، إلى أن اضطررت للتوجه إلى اختصاصية نفسية لحل المشكلة... وكان الحل بتقليل الإدمان على الأجهزة الذكية بشكل تدريجي، عبر إيجاد وسائل جديدة تعمل على تحفيزه في المدرسة ودمجه بالمجتمع بصورة حديثة، لأن التربية أصبحت ترتبط ارتباطاً وثيقاً بوسائل التقنية الحديثة، وهذا الأمر سيفرز جيلاً غير قادر على استيعاب متطلبات مرحلته المهنية او الاجتماعية».
وبينما فضلت أمهات اتباع وسائل ايجابية بالتدريج لتخليص أبنائهم من أسر الوسائل التقنية الحديثة، في وقت لا تزال تعاني أخريات عدم القدرة على السيطرة، تقول أم نورة: «ما زلت أعاني مع ابنتي أثناء تدريسها، فهي تفضل قضاء ساعات طويلة على «اليوتيوب» بدلاً من الدراسة، وأعتقد أنها مشكلة تتطلب وسائل علاج تربوية، فتنسيقي الأول حالياً مع المدرسة التي بدأت تستوعب مشكلة ابنتي».
 

«التجاهل» إحدى وسائل معالجة الأخطاء

يقول الاختصاصي في شؤون الأسرة، إبراهيم الجذلان «إن التجاهل هو أحد الفنون المهمة في معالجة الأخطاء، ليس في المنزل فقط، بل حتى مع الأقارب والأصدقاء. والتجاهل في حقيقته هو غض الطرف عن نقيصة معينة بغية عدم إحراج فاعلها، وبالتالي توجيه رسالة إليه بأن هذا الخطأ غير مرغوب فيه، وهو نوع من السمو الأخلاقي الذي يظهره الأبوان أمام أولادهما لعدم إحراجهم على خطأ ارتكبوه، ومنحهم فرصة أخرى لمعالجة هذا الخطأ».

أما الاستشارية النفسية الدكتورة ندى حبيب، فأوضحت: «من الإساءة مقابلة الخطأ بخطأ آخر في التعامل مع الأبناء، لأن هذا يولّد جيلاً يعاني مشكلات وأزمات نفسية. فقد تشعر البنت بالظلم أحياناً وتتفاقم ردود الفعل نحو خطئها، وقد يتصرف بعض الأولاد بوقاحة لعلمهم أنهم قد كُشفوا أمام والديهم فيستهترون بأفعالهم».
وفي ما يتعلق بالتمييز بين الذكر والأنثى، ترى حبيب أن «الموضوع هو ثقافة أسر وليس ثقافة مجتمع. فالمجتمعات لم تعد تشجع على اعتبار خطأ الولد مسموحاً وأن «عيبه في جيبه» حتى لو اقترف ذنوباً تسيء إلى سمعة العائلة. فنحن أصبحنا نعيش في زمن يختلف فيه التفكير عن الماضي. وكما ان للبنت سمعتها، كذلك الولد، علماً أن فروقاً بسيطة لا تزال موجودة، رغم التغيرات والتطورات التي تحدث ضمن وتيرة متسارعة».
وتضيف: «ربما بعد سن المراهقة سنجد الطريق مفروشاً بالورود أمام الشباب من الجنسين للتواصل ونسج علاقات ودية أو عاطفية. ومن هنا لا بد من الحرص والرجوع إلى الوراء للتذكير بكيفية التربية بدءاً بالطفولة وحتى المراهقة، كي لا يجد الأهل صعوبات في التعامل مع الأبناء. ففي حال كان الأساس صحيحاً، فلا مجال للتأثير السلبي مستقبلاً أياً كان نوعه. والحفاظ على الأجيال هو من مهمة الآباء والأمهات، وتلعب البيئة التربوية دوراً في ذلك»... مشددة «على ضرورة ترسيخ مفهوم الأخلاق وكيفية الحفاظ على النفس والسمعة الطيبة التي أصبحت تؤثر في الذكور والإناث معاً، لأن هناك متطلبات اجتماعية ومخاوف من حالات الطلاق إذا لم يكن الشاب مسؤولاً، والفتيات أصبحن أكثر وعياً مما مضى، فمسؤوليات ما بعد الزواج يتقاسمها الزوجان معاً».
 

في زمن الانفتاح... هل القمع في التربية حل ناجع؟

من جانبها، تتساءل المتخصصة في الشؤون الأسرية إلهام باقادر «كيف يتصرف الآباء والأمهات، وهم الحريصون على إكساب أبنائهم مناعةً أخلاقية تحميهم من آفات الانفتاح العشوائي التي تصيب ثقافات العالم، إزاء وسائل التواصل الحديثة؟ وهل تعدُّ التربية القائمة على القمع والإرهاب والتخويف وقتل المشاعر والأحاسيس وصياغة الشخصية الجافة الصارمة الناقمة على المجتمع، الأسلوب الأمثل لتربية هذا الجيل؟»، وتضيف أن «زماننا هذا هو زمن الانفتاح والمتغيرات... ومع كثرة التقنيات والفضائيات وانتشار الثقافات والشبهات، أصبح الشباب يعيشون اليوم على مفترق طرق وتحت تأثير هذه المتغيرات التي لا شك في أنها تسبب لهم الكثير من المشكلات التربوية والأخلاقية».
وتقول: «لم يعد المربي هو من يوجّه فقط»، لأن وسائل التواصل الاجتماعي الحديث أفقدت التربية هيبتها، وما يتعرض له الشاب تتعرض له الفتاة. فالخطورة لا تؤثر في جنس دون آخر، إذ لا يمكن التمييز في هذه الحالة، علماً أن الخطورة على الشاب تكون أفدح»، مستشهدة: «ثمة شاب مسلم يريد الزواج من فتاة تنتمي إلى بلد بعيد وبيئة وثقافة مختلفتين تعرف اليها عبر برنامج الكتروني حديث. في هذه الحالة، لا يشكل الزواج عيباً، بل العيب هو عدم احترام رأي الأهل والاستغناء عنهم بسهولة»... كما ان مقولة «عيبه في جيبه»، لم تعد تقتصر على الرجال وحدهم، بل طاولت النساء، إذ أصبح هناك من يبحثون عن فتيات عاملات، واضعين ذلك ضمن شروط الزواج، لا سيما في المجتمعات النامية.