مفتي مصر: رفض الصبية الزواج بالإكراه ليس عقوقاً

الزواج بالإكراه,ابنة عاقة,فتوى جريئة,نقل الولاية,حكم الشرع,زواج فاسد,المراهقات,الزواج العرفي

أحمد جمال (القاهرة) 31 مايو 2015

أحياناً يجبر الأب ابنته على زيجة لا تريدها، وإذا رفضت يتم اتهامها بأنها ابنة عاقة. هذه المشكلة كانت مضمون رسالة، من فتاة إلى مفتي مصر الدكتور شوقي علام، الذي أصدر فتوى جريئة أكد فيها أن رفض الفتاة قرار والدها بتزويجها رغماً عنها ليس عقوقاً. فكيف بنى المفتي فتواه؟ وماذا يقول علماء الدين عنها؟

أرسلت فتاة تدعى «سامية»، رسالة إلى الدكتور شوقي علام، مفتي مصر، تقول فيها: «أنا متدينة وحريصة جداً على طاعة والدي ووالدتي منذ الصغر، إلا أنني عندما بلغت سن العشرين، فوجئت بوالدي يصدر فرماناً بتزويجي من أحد الأثرياء، الذي يعاني إعاقة ظاهرة، رفضت لأنه لا يتناسب مع مواصفات فتى أحلامي، بل إنني أمقته، ولكنني وجدت أبي يزداد إصراراً على موقفه، مؤكداً أن قلبه وربه غاضبان عليَّ إلى يوم القيامة إذا لم أنفذ أوامره بهذا الزواج، لأن هذا حقه الشرعي كولي».
 وأضافت: «أتمزق في داخلي، فأنا لا أريد هذه الزيجة ولو كان عنده المليارات، وفي الوقت نفسه، لا أريد أن أخسر والدي وأعقّه فيدعو عليَّ فأخسر الدنيا والآخرة، لقول رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم): «لا يدخل الجنّة عاق لوالديه»، فماذا أفعل يا فضيلة المفتي؟».
 تجاوب الدكتور شوقي علام، مع مشكلة «سامية» وأثنى على حرصها على طاعة ربها والبِّر بوالدها، رغم أن سلوكه منافٍ لتعاليم الإسلام الذي يحترم حرية المرأة في اختيار شريك حياتها، وأمر وليَّ أمرها سواء كان الأب أو الأخ أو الجد أو العم بأن يحترموا هذه الرغبة، لأنها إنسانة ومن حقها ألا تُجبر ولا تُكره على الزواج بمن لا تحب، لقول رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم): «الأيم أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأذن في نفسها، وإذنها صماتها».
وأشار الدكتور شوقي علام إلى أن هذا الأب، بإصراره على تزويج ابنته بالإجبار، هو الذي عقّها قبل أن تعقّه، ومع هذا عليها أن تحاول إقناعه من طريق علماء الإسلام وأصدقائه وأقاربه برفضها هذه الزيجة، وأن تصميمه مخالف للشرع، ولها بعد ذلك أن ترفع أمرها إلى القضاء إذا استنفدت كل وسائل الإقناع، وعلى القاضي أن ينصفها، لأنه المأمور شرعاً بالحكم بين الناس بالعدل لقوله تعالى: «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا» (آية 58) سورة «النساء». وقد انقسم الفقهاء في قضية إجبار الولي للمرأة على الزواج ما بين مؤيد ومعارض، ودار الافتاء المصرية ذهبت إلى ما ذهب إليه المذهب الحنفي، من عدم جواز إجبار المرأة على الزواج بمن لا تحب.
 وأنهى الدكتور شوقي علام كلامه، مؤكداً أنه إذا لم ينصفها القاضي وزوّجها والدها رغماً عنها، من حقها شرعاً أن تطالب القضاء بفسخ عقد الزواج، وقد حدثت واقعة مماثلة في عهد رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم)، فقد جاءت فتاة إلى النبي (صلّى الله عليه وسلّم) فقالت: «إن أبي زوَّجني ابن أخيه ليرفع بي خسيسته. قال الراوي: فجعل الأمر إليها. فقالت قد أجزت ما صنع أبي، ولكن أردت أن تعلم النساء أن ليس إلى الآباء من الأمر شيء».

نقل الولاية
 تشير الدكتورة آمنة نصير، العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية في الإسكندرية - جامعة الأزهر، إلى أن الأب الذي يجبر ابنته على الزواج بمن لا تحب، يكون آثماً شرعاً، وإذا تعسف في حقه كولي وحوّلها سلعةً تُباع وتُشرى؛ من دون أن يكون لها رأي في زواجها كما أمر الشرع، فهنا يجوز للمرأة أن تزوج نفسها من دون ولي إذا كانت عاقلة بالغة رشيدة، أو توكّل ولياً آخر كأخيها أو جدّها أو عمّها ليقوم بتولية عقد النكاح طالما أن الولي الأصلي - وهو الأب - متعسف.
 ونصحت الدكتورة آمنة نصير، الفتيات اللواتي ابتلين بأب متعسف ظالم، أن يحاولن إقناعه بالحسنى بما يردن، فإذا فشلن فهن لسن عاقات لهذا الأب الآثم شرعاً، ولهذا من الأفضل أن تنقل ولايتها إلى غيره قبل أن تفكر في تزويج نفسها بلا ولي، كما هو الحال وفقاً للمذهب الحنفي.
 وأنهت الدكتورة آمنة كلامها، مؤكدة أن المرأة إذا كانت ثيِّباً - مطلقة أو أرملة - فمن حقها تزويج نفسها بلا ولي، لأنها أحق بنفسها، لأن المرأة التي سبق لها الزواج، تصبح قادرة على تسيير أمرها شرعاً.

الأفضل
أيد الدكتور علي جمعة، مفتي مصر السابق، ما ذهب إليه المفتي الحالي، قائلاً: “رغم أن جمهور الفقهاء يقولون إنه حرام أن تتزوج المرأة بلا ولي، لقوله (صلّى الله عليه وسلّم): «لا زواج إلا بولي وشاهدي عدل» وقوله في حديث آخر: «أيُّما امرأة زَوَّجت نفسها فنكاحها باطل باطل باطل”، إلا أنه في الوقت نفسه، نهى الأولياء عن ظلم من جعل الله ولايتهن في أيديهم مثل الابنة والأخت».
 وأشار الدكتور علي جمعة، إلى أن مذهب جمهور الفقهاء أن لا زواج إلا بولي، إلا أن الإمام أبا حنيفة يرى أن المرأة تُزوّج نفسها بغير ولي، وأن الولي شرط كمال وليس شرط صحة، والفرق بين شرط الكمال وشرط الصحة واضح، فشرط الصحة معناه أنه لا يصح الزواج إلا بولي كما هو عليه الجمهور والشافعية والمالكية... إلخ، وشرط الكمال معناه أنه يجوز، ولكن من الأحسن أن يكون الولي حاضراً معها، وعندنا في مصر مذهب الأحناف هو المعمول به رسمياً، ولذلك البنت في مصر، إذا بلغت السن القانونية يمكنها أن تُزوِّج نفسها حتى من غير ولي.
وأوضح الدكتور علي جمعة، أن الولي حينئذ يمكن أن يعترض على الكفاءة، فمثلاً إذا ذهبت البنت وهي وجيهة وابنة أغنياء وتزوجت رجلاً فقيراً لا يستطيع أن يُنفق عليها، فهنا يستطيع الولي أن يعترض لدى القاضي ويطلّقها منه، خاصةً قبل الدخول بها.
 وأنهى مفتي مصر السابق كلامه، مؤكداً أنه وفقاً لمذهب الحنفية يجوز أن تُزوِّج الفتاة نفسها من غير ولي ويصح الزواج ولا يكون حراماً أو زنا، بل هو زواج صحيح. ولهذا نوجّه نداء إلى كل الآباء في هذا العصر الذي نعيش فيه، بأن يكونوا حكماء في هذا، وزواج البنت بمن تريد أفضل من ذهابها هنا وهناك وقد تقاطع أسرتها، ومن حق البنت أن تتزوج بمن تريد تحت نظر الأسرة ورعايتها، حتى مع رفضهم له، أولى من أن تذهب وتتزوج رغماً عنهم، وتصبح الأمور في الحياة أكثر تعقيداً وسوءاً، والبنت مُعرَّضة في هذه الحالة الى ضياع أكبر من الذي تتعرض له وهم الى جانبها.

حكم الشرع
 عن حكم الشرع في الأب الذي يجبر ابنته على الزواج بمن لا تحب وهل يكون صحيحاً شرعاً أم من حقها فسخه، تشير الدكتورة سعاد صالح، العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية في القاهرة - جامعة الأزهر، إلى أن هذا الإجبار مرفوض شرعاً، ولهذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «تزويجها مع كراهتها للنكاح فهذا مخالف للأصول والعقول، والله لم يُسوِّغ لوليها أن يُكرهها على بيع أو إجارة إلا بإذنها، ولا على طعام أو شراب أو لباس لا تريده، فكيف يُكرهها على مباضعة من تكره مباضعته ومعاشرة من تكره معاشرته؟!».
 وأوضحت الدكتورة سعاد، أن الزواج يُشترط فيه الرضا حتى تحدث المودة والرحمة، وليس البغض، ولهذا وصف الله تعالى الزواج الذي يتم بالرضا ومن دون إجبار أو إكراه بقوله: «وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ» (آية 21) سورة «الروم».
وأنهت الدكتورة سعاد كلامها، مؤكدة أن مخالفة البنت لأبيها الذي يريد تزويجها بمن لا تحب ليست عقوقاً، ومن حقها الاعتراض مع الاحتفاظ بالأدب والاحترام اللازم له، وأن تشكوه إلى علماء الدين ليوضحوا له حقيقة موقف الشرع من إجبار البنت البالغة على الزواج بمن لا ترغب، وكذلك من حقها رفع أمرها الى القضاء، وليس في هذا أدنى عقوق، لأنها ترد بالوسائل المشروعة ظلماً قد وقع عليها.

زواج فاسد
 عن حكم الشرع إذا تم عقد النكاح مع الإكراه، يشير الدكتور أحمد عمر هاشم، عضو هيئة كبار العلماء في الأزهر، إلى أن هذا العقد يكون موقوفاً على إجازة المرأة، فإن أجازته صار عقداً صحيحاً وإن لم تجزه فهو عقد فاسد، استناداً إلى ما قاله الرسول (صلّى الله عليه وسلّم) لمن جاءت تشكو أباها الذي زوّجها رغماً عنها من ابن أخيه، فجعل الأمر إليها بالاستمرار أو الفسخ.
 وأشار الدكتور عمر هاشم، إلى أنه في حال لم تجز المرأة هذا الزواج، فإنه يكون فاسداً وعليها أن تخبر من عُقد له عليها بذلك، وليس له أن يجبرها على الجُماع والمعاشرة، وليس لها أن تمكّنه من ذلك ما دامت غير راضية بهذا الزواج، مع العلم أن رغم الحكم على هذا الزواج بالفساد، لا يثبت هذا الحكم ولا يتقرر إلا بطلاق الرجل لها أو حكم المحكمة بذلك، مع العلم أن بعض العلماء يرون صحة هذا الزواج، مع الاحتفاظ بحقها في رفع أمرها الى القاضي الشرعي ليحكم بفسخ هذا النكاح أو استمراره وفق الملابسات المتعلقة بالزواج.
 وأنهى الدكتور عمر هاشم كلامه، مؤكداً أن الابنة التي ترفض قرار أبيها بتزويجها رغماً عنها ليست عاقة شرعاً، بل إنه هو العاق الذي لم يساعدها على برّه باحترام رأيها في الزواج بمن تحب. وهذا يذكرنا بما ورد في التاريخ الإسلامي، فقد جاء رجل إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب يشكو إليه عقوق ابنه، فأحضر عمر بن الخطاب الابن وأنّبه على عقوقه لأبيه، فقال الابن: «يا أمير المؤمنين، أليس للولد حقوق على أبيه؟». قال: «بلى». قال: «فما هي يا أمير المؤمنين؟». قال: «أن ينتقي أمه، ويحسن اسمه، ويعلمه الكتاب - أي القرآن -». فقال الابن: «يا أمير المؤمنين إنه لم يفعل شيئاً من ذلك، أما أمي فإنها كانت لمجوسي، وقد سمّاني جعلاً - أي جعراناً -، ولم يعلمني من الكتاب حرفـاً واحداً»، فالتفت أمير المؤمنين إلى الرجل، وقال له: «أجئت إليَّ تشكو عقوق ابنك وقد عققته قبل أن يعقّك، وأسأت إليه قبل أن يسيء إليك؟!».

المراهقات
 وفي جانب آخر، يرى الدكتور محمود مزروعة، العميد السابق لكلية أصول الدين في المنوفية – جامعة الأزهر، أنه مع رفضنا سطوة الأب وجبروته في تزويج ابنته بمن لا تحب، إلا أن قيام كل بنت بتزويج نفسها من دون إذن الأب أو الولي فيه مفسدة كبيرة، خاصةً أن البنات في سن المراهقة سيتخذن من هذا مبرراً شرعياً للزواج عرفياً أو سراً من دون إذن الأب أو حتى معرفته، والقاعدة الشرعية تقول: «درء المفسدة مقدم على جلب المصلحة».
 وأوضح الدكتور مزروعة، أن جمهور الفقهاء يرون أنه إذا تم الإجبار على الزواج، فلا تصبح المعاشرة فيه محرّمة شرعاً، طالما أن العقد صحيح، كما أن بعض البنات المراهقات ليست لديهن دراية أو معرفة كاملة بأمور الحياة مثل الأب، المكلف شرعاً بالبحث عن مصلحة البنت التي قد لا تدركها لحداثة سنّها ومراهقتها وطيشها، ولهذا من حقه أن يزوجها – مع محاولة إقناعها – بالرجل المتدين ممن يراه كفؤاً لها، ولقول النبي (صلّى الله عليه وسلّم): «إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوّجوه، إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير».

تشجيع العرفي
 يوافقه في الرأي الدكتور محمد عبدالمنعم البري، الأستاذ في كلية الدعوة الإسلامية في جامعة الأزهر، إذ يؤكد أن الحكم الشرعي يستهدف المصلحة العامة قبل الخاصة، ولهذا نرى أن يكون الفيصل في كل قضية على حدة، لقول رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم): «لا ضرر ولا ضرار»، فكما نرفض أن يجبر الأب ابنته على الزواج بمن لا تحب ولا نعتبر مخالفتها له عقوقاً، علينا في الوقت نفسه ألا نترك الحبل على الغارب لتفعل كل بنت ما يحلو لها بحجة أنها أصبحت بالغة ومن حقها تزويج نفسها بمن ترغب، حتى لو كان مراهقاً طائشاً لا يتحمل المسؤولية ولا يستطيع القيام بواجبات الزواج كاملة، أو أن يقوم بعمل ورقة عرفية ويشهد فيها اثنان من زملائه المراهقين، ثم يدفع الأب وأسرته ضريبة هذا التهور من سمعته.
 وأوضح الدكتور البري أن لا بد من مراعاة تفاصيل كل حالة على حدة، وظروف الأسرة والبيئة قبل إصدار الحكم الشرعي، لأن ما يصلح هذه الأسرة قد يفسد أسرة أخرى، وقيام المرأة البالغة العاقلة المتعلمة بتزويج نفسها من طريق القاضي إذا رفض أولياؤها، غير تزويج المراهقة نفسها عرفياً، وفي النهاية هي تورط أسرتها باسم الدين.
وأنهى الدكتور البري كلامه، مؤكداً أننا إذا قسنا مخاطر إجبار الأب ابنته على الزواج بمن لا تحب، مع احتمال أن تحبه مستقبلاً من خلال العشرة الطيبة، سنجدها أفضل ألف مرة من قيام المراهقة الطائشة بالزواج عرفياً وسراً ثم يفتضح أمرها، بعد أن تكون قد حملت وأنجبت وتضع أسرتها في ورطة، وتؤكد أنها فعلت ذلك لأن الدين أعطاها حق تزويج نفسها من دون ولي. ولهذا، فلا بد من مراعاة «فقه الواقع»، وأن «لكل مقام مقال».}