احذر قبل النقر على الإرسال: «كبسة زر» تدمّر علاقات وتبدّل اعتقادات

عزيزة نوفل (جدة ) 27 يونيو 2015

«كبسة زر»، أو حتى لمسة إصبع، كفيلة بتغيير صورتك أمام الناس أو حتى إنهاء علاقتك بأحدهم من طريق خطأ غير مقصود. تقنية سريعة وسهلة تمكّننا من الوصول إلى من نريد في وقت قياسي وسريع ولكن للأسف من دون تصويب أو تراجع. فالخطأ وعدم الدقة في استخدام هذه التقنيات قد يسبّبان مواقف حرجة وأحياناً مدمّرة للعلاقات. ونكتة صريحة أو صورة فاضحة، أو مجرّد كلام جارح تقصد به أحدهم، قد يصل إلى الشخص الخطأ من طريق تطبيق «الواتس أب» أو «البريد الإلكتروني» ليتعرض الكثير منا إلى مواقف صعبة تتطلب مبررات واعتذارات وأحياناً الانسحاب الكلي أو الاختباء. تجارب تقصّها أجهزة محمولة وهواتف ذكية عن أكثر المواقف حرجاً في هذا التحقيق...

شخصية مرموقة ترسل صورة فاضحة من طريق الخطأ
فريدة عبدالله (29 عاماً)، إحدى عضوات مجموعة تضم الكثير من الإعلاميين والشخصيات المرموقة والكتّاب على تطبيق «الواتس أب»، حيث يُجرى تداول الكثير من الأخبار والصور والمواضيع والنقاشات حول القضايا المحلية والدولية. في أحد النقاشات، ووسط العديد من المشارَكات، فوجئ الجميع بصورة فاضحة وقد أرسلها من طريق الخطأ أحد المشاركين في المجموعة، فذهلوا وأُربكوا وساد صمت رهيب لم يقطعه سوى اعتذار مرسل الصورة وانسحابه المفعم بالخجل... وكأنما وجد الرجل نفسه فجأة عارياً أمام الناس فولّى هارباً إلى حيث لا يدري! كما تصف فريدة المشهد، حيث إنّ خطأ بسيطاً كهذا قلَب صورة الضحية في نظر الكثير من معارفه وجرّده من الهيبة والوقار.

مقطع فيديو يثير حالة من الارتباك في «غروب العائلة»
مقاطع الفيديو المضحكة أو النكت الصريحة والصور غير الملائمة، كثيراً ما يتداولها الأصدقاء والرفاق في حلقات ضيقة على سبيل الدعابة والتسلية. فرزان حمدي (27 عاماً)، دائماً حذرة في استخدام تطبيق «الواتس أب»، وزاد حرصها تحديداً إثر موقف محرج وقع فيه أحد أقاربها الذي أرسل بالخطأ مقطعاً غير ملائم لمجموعة العائلة على تطبيق «الواتس أب»، والذي اتضح أنه كان يودّ إرساله الى مجموعة أصدقائه أو حذفه، حيث وضعه هذا الموقف في حالة ارتباك وخجل شديدين، انقطع بعدها عن عائلته لمدة تجاوزت الأسبوع، تلافياً لنظرات أقاربه وهروباً من تعليقاتهم على الموضوع، ما جعل أفراد المجموعة يحاولون تجاهل هذا الموضوع واعتباره لم يحصل حتى تعود المياه إلى مجاريها.

دعوة عشاء تتحوّل الى موعد خصام وعتاب
فجأة ومن ودون أي مقدمات، دعا زوج أمينة محمد (35 عاماً)، أفراد عائلته إلى العشاء، ولكون أمينة موظفة وتعمل حتى وقت متأخر، وجدت هذه المفاجأة غير سارّة، لكثرة عدد المدعوين وغياب من يساعدها، إضافة إلى عدم إعدادها المسبق لأي شيء، مما جعلها غاضبة من تصرف زوجها المتسرع... وعلى عجل ومن دون وعي، حاولت البحث عن وصفات موالح وحلويات لتقدمها إلى الضيوف، وتذكرت وقتها وصفة إحدى أخواتها، وفي رسالة «واتس أب» قصيرة وعاجلة، عبّرت أمينة عن تذمّرها من هذه الدعوة المفاجئة وعن طلبها للوصفة معاً، ولم تنتبه إلا متأخرة أن المرسَل إليه هي مجموعة أهل زوجها، فوقفت مذهولة أمام هذا التصرف بحيث إنها لا تستطيع مسح هذه الرسالة أو التراجع عنها، مما جعلها تستقبلهم وهي تكاد تذوب خجلاً لا تجرؤ على النظر في وجوههم، ولم تستطع تبرير موقفها إزاء تساؤلات أخوات زوجها، ما أثر في علاقتها بهم حتى الآن.

بريد إلكتروني خاطئ يهدّد حياته المهنية
أشرف عبدالسلام (32 عاماً)، يشغل منصباً إدارياً مهماً في إحدى المؤسسات الخاصة. ذات مرة، أوكل إليه مديره مهمة إدارية عبر البريد الإلكتروني، وكانت هذه المهمة صعبة، فاضطر أشرف إلى الاستعانة  بأحد الأصدقاء من غير العاملين في تلك المؤسسة. طبع أشرف رسالة طلب المعونة من صديقه، لكن بدلاً من أن يرسلها إلى الصديق المنقذ المفترض، ضغط على زر إعادة توجيه الرسالة إلى المرسل، وفي خلال ثانية «طارت» الرسالة إلى المدير! ولم تكن هذه الرسالة تتضمن طلب المساعدة فحسب، بل أضاف أشرف بعض عبارات التهكم والاستهزاء والسخط بحق المدير. ولم يدرك أنه راح ضحية كبسة الزر المشؤومة إلا حين «زاره» المدير وسلّمه أمر إعفائه من المهمة مع نظرات اللوم والعتب التي لا تُنسى. وظلّ أشرف مدّة طويلة يتهرّب من لقاء المدير ولا يجرؤ على النظر في وجهه خوفاً من مجيء كتاب تسريحه من العمل.

صور خاصة أُرسلت الى المجموعة الخطأ
بعد حفلة زفاف أحد أقارب السيدة فاطمة رحيم (42 عاماً)، طلبت منها أخواتها إرسال بعض الصور التي التُقطت في الحفل من طريق «الواتس أب»، وعلى عجل حدّدت فاطمة الصور التي تودّ إرسالها، وبدلاً من إيصالها الى مجموعة أقاربها وأخواتها، أرسلتها الى مجموعة صديقاتها، وتمنت وقتها لو استطاعت التراجع، لكون الصور ستُخزّن في أجهزتهن وفيها ما فيها من خصوصيات عائلية لا يصح أن يراها أي غريب. وسرعان ما أتبعت فاطمة الصور برسالة اعتذار إلى الصديقات مرفقة بطلب خجول بمسح تلك الصور وعدم عرضها على أحد.

صور عائلية على صفحة «الفيسبوك»
قد يكون الأطفال سبباً في أخطاء «كبسة الزر»، ففرح قاسم (28 عاماً) أم لثلاثة أولاد، وغالباً ما اعتاد أطفالها استخدام هاتفها المحمول بغرض اللعب أو التقاط الصور ومشاهدتها. وذات مرة، حدد أحدهم بعض الصور الخاصة الموجودة على الهاتف ونشرها من طريق الخطأ في موقع «الفيسبوك». ولانشغالها في أعمال البيت والتنظيف، لم تنتبه الوالدة إلا حين وردها اتصال من زوجها الذي كان غاضباً من نشر الصور. وقتها استطاعت فرح تدارك الأمر ومسح الصور على الفور من صفحتها، لكنها لم تعرف من شاهد الصور ومن لم يشاهدها، ومنذ ذلك الحين وهي حريصة على إبقاء هاتفها المحمول بعيداً عن متناول الأولاد.

الحذَر قبل النقر على الإرسال
وتعتقد سماهر محمد (22 عاماً)، أن ميزات برامج التواصل وتطبيق «الواتس أب» سهلة وسريعة وفي متناول الجميع، إلا أنه لا بد من الحذر في كل خطوة قبل النقر على الإرسال. فكثيراً ما يستخدم الناس هواتفهم المحمولة فور استيقاظهم من النوم أو حتى أثناء العمل أو قيادة السيارة، ومن الممكن أن يظن الشخص أنه نسخ رسالة معيّنة لأحدهم، ويكتشف أنها نُسخت سابقاً، وقد تكون غير مناسبة، وهذا ما يحصل كثيراً مع سماهر، حيث تحاول أحياناً تدارك الموضوع بالاعتذار المباشر.

خطأ في الإرسال يفجّر مشاكل عائلية وقطيعة بين الأصدقاء
تؤكد المستشارة التربوية والأسرية والنفسية في مكتب الأمل للاستشارات الدكتورة نادية النصير، أن هذه التقنيات وما تتيحه من فُرص التواصل وسرعة إيصال الرسالة مفيدة جداً، لكنها ذات سلبيات كثيرة ومدمرة أحياناً، فخطأ واحد قد يسبب خلافات وتدهور علاقات بين الأصدقاء أو ضمن العائلة  الواحدة، وقد يكون الخطأ بإرسال شيء غير مناسب لأشخاص تُعد المعرفة بهم سطحية وغير متينة، وذلك لكونهم يجهلون هويتك وشخصيتك، مما يجعلهم يظنون أو يحكمون بطريقة سيئة، عكس الأشخاص الذين تعرفهم ويعرفونك جيداً. كما يمكن أن ترسل رسالة إلى الشخص غير المقصود بـ «كبسة زر» خاطئة فتسبب فضائح.

تصحيح أخطاء التقنية معقّد وصعب ولا بد من ابتكار حلول تقنية
وتضيف الدكتورة النصير أن مشكلة هذه الوسائل والتواصل من طريقها أنها لا تتيح فرصة لمس المشاعر الحقيقية للشخص ومعرفة مكنوناته، مما يصعّب إصلاح المشكلة. وتقول الدكتورة النصير إن إصلاح ما تم إرساله بالخطأ يعتمد على طبيعة الأشخاص ومدى العلاقة بهم، والأجدر هو الاعتذار المباشر والصريح ومن دون تأجيل أو تجاهل. وتتمنى النصير ابتكار طريقة تُمكّن مستخدميها من حجب ما تم إرساله من طريق الخطأ أو مسحه قبل وقوع مشاكل أو إحراج.

إيجاد مبرر لتدارك الموضوع
ويرى المهندس ماجد زياد عطوان (26 عاماً)، أن الأخطاء التقنية أمر وارد جداً وتحديداً عبر تطبيق «الواتس أب»، خصوصاً إذا كان المستخدِم على عجل أو غير منتبه أثناء قيادته السيارة أو لأي سبب آخر، فيتعرّض لمواقف تُضطره إلى إيجاد مبررات أو تلفيق قصة لتدارك الموضوع، حيث غالباً ما يقوم بالتواصل مع شخص من طريق تطبيق «الواتس أب» ظناً منه أنه شخص آخر، وبعد طول حديث يكتشف أنه يتواصل مع الشخص الخطأ، وذلك بسبب تشابه بعض الأسماء، علماً أن البعض لا يضعون صورهم الشخصية.

الأشخاص المندفعون هم الأكثر تعرضاً للمواقف الحرجة
الاستشاري النفسي الدكتور محمد الغامدي أدلى بدلوه، فقال إن أخطاء التقنية المتكررة وخصوصاً التي تحصل من طريق تطبيق «الواتس أب»، قد تكون ناجمة عن مشكلة نفسية تعود إلى اندفاع الشخص وتصرفه من دون تفكير. فالشخص الذي تتكرر معه مثل هذه الحوادث حتى وإن كانت بطريقة غير مقصودة هو شخص مندفع بطبيعته، ولعل أكثر ما هو خطر في هذه الأخطاء التقنية المدمرة، احتمال تسببها بفوبيا اجتماعية لدى الشخص الذي أقدم على إرسال شيء بالخطأ، وهذا يعتمد على طبيعة تقبل الأشخاص لهذا الخطأ غير المقصود، فالتهكم والسخرية من الموقف أو إطلاق بعض المسميات على هذا الشخص قد تدفعه إلى الانطواء على نفسه وتجنب مخالطة هؤلاء الأشخاص مرة أخرى خوفاً من نظراتهم المحرجة اليه، وتزداد هذه الحالة عند الأشخاص الخجولين والانطوائيين على نحو أشدّ، إذ يميلون الى الانسحاب من الموقف وعدم مواجهته، لذلك يُعد الحذر في الاستخدام واجباً وضرورياً، إضافة إلى أن من المهم أن يتعامل الأشخاص مع هذه الأخطاء بطريقة ودية وغير مؤذية، لكوننا جميعاً معرضين لمثل هذه المواقف، ومحاولة نسيان هذا الخطأ التقني وكأنه لم يقع.