الحاجة أمُّ الاختراع: قصة أول حضانة ليلية في مصر

الحضانة,الأم العاملة,حضانة ليلية,الحاجة أمُّ الاختراع,سالي أسامة,قناة TEN الفضائية

نسرين محمد (القاهرة) 26 يوليو 2015

رغم أن الحضانة في مصر مشروع نهاري فقط، حيث جرت العادة أن تترك الأم العاملة أطفالها في الحضانة خلال فترة عملها في النهار، لكننا هنا أمام أول حضانة ليلية في مصر يستمر عملها حتى منتصف الليل. وراء تلك الحضانة قصة تؤكد أن الحاجة أمُّ الاختراع، فما هي التفاصيل؟

تتفق التفاصيل أو تختلف، لكنها ترسم واقعاً لكل امرأة تتحمل مسؤولية العمل وتربية الصغار، فتجد نفسها متهمة على طول الخط في طريقين، كلاهما أصعب من الآخر. في الطريق الأول تُكال لها الاتهامات بالتقصير بحق صغارها، إذا أصرت على تحقيق أحلامها في مجال عملها، وفي الطريق الثاني هي متهمة في عيون زملائها الرجال قبل رؤسائها بالتقاعس والإهمال في أداء عملها.
خياران في غاية الصعوبة، يواجهان أي امرأة عاملة، خاصة إذا كانت إعلامية لا تعرف طبيعة عملها ارتباطاً بمواعيد... وما بين مرارة الاختيارين، لم يكن غريباً أن تظهر لمياء حمدين مراسلة قناة «أون تي في» وهي تحمل صغيرها أثناء تصويرها تقريراً للقناة التي تعمل فيها، لتثير موجة من التعليقات انقسمت ما بين التأييد والرفض، وامتدت إلى حد السخرية في بعض الأحيان.
كل تلك الأفكار والظروف، مع طموح لا يتوقف وسط أحلام تعانق السماء، كانت دافعاً لدى الإعلامية سالي أسامة لتبحث عن حل ينقذها هي والآلاف مثلها من المسار الإجباري للسير في الطريقين.

الحل
ستة أشهر استغرقتها سالي أسامة قبل أن تخرج بالحل، من خلال الإعلان عن تأسيس أول حضانة تعمل حتى منتصف الليل لأبناء الصحافيات والإعلاميات، توفر لهن مستوى أفضل من الرعاية والتعليم، وبمقابل مادي يتناسب مع الدخول الضعيفة لبعضهن، لتنجح في تحقيق المعادلة الصعبة التي كانت بالنسبة إليها هي شخصياً طوق النجاة للحفاظ على أحلامها.
سالي أسامة هي مراسلة قناة ten الفضائية، وصحافية في أحد المواقع الإخبارية، بدأت حياتها العملية منذ عامها الأول في كلية الإعلام كمراسلة لقناة «البغدادية»، ثم صحافية في جريدة «البديل» لتتزوج من أحد زملائها في المهنة، وتنجب منه طفلها الوحيد بعد عام من زواجهما.

ضياع الفرص
مازن الذي يبلغ من العمر ثلاث سنوات ونصف السنة، رغم أنه مصدر سعادة لأمه، لكنه كان سبباً في ضياع الكثير من فرص العمل التي كان من الممكن أن تزيد من نجاحات سالي أسامة في مجال الإعلام، خاصة في سن كانت الأنسب لها، إلا أن تلك الفرص لم تكن الأنسب على الإطلاق، في ظل كونها أمّاً غير مسموح لها بترك صغيرها لساعات متأخرة من اليوم، وإن سمح لها فلن تجد المكان الذي يتيح لها أن تتركه فيه.
تقول سالي: «أغلب المهن التي كانت تُعرض عليَّ كانت في فترات مسائية، فحاولت البحث عن أي حضانة تفتح أبوابها لساعات متأخرة وتقدم مستوى من الرعاية يجعلني أشعر بالأمان على صغيري، فلم أجد غير حضانة واحدة كانت تعمل حتى الساعة السابعة مساء، لكن أسعارها كانت خرافية بالنسبة إلي».
تضيف: «لم يكن متاحاً لي إحضار جليسة أطفال لمازن، لذا فكرت في إيجاد الحل بنفسي، وقررت افتتاح حضانة تفتح أبوابها حتى منتصف الليل لأبناء الصحافيات والإعلاميات مقابل مبلغ مالي معقول، فلم يكن الأمر بالنسبة إلي تجارياً بقدر ما كان نجدة لي ولمن في مثل ظروفي».

التدريب
تتابع: «لم يكن الأمر بالسهولة لأشرع في تنفيذه على الفور. فرعاية الصغار مسؤولية ليست سهلة، لذا خضعت مدة ستة أشهر لدورات تدريبية في مجالات إدارة الأعمال والمشروعات الصغيرة، ثم المناهج الخاصة بتربية الأطفال والمناهج التعليمية، حاولت بعدها عمل دراسة عن مدى احتياجات الأمهات العاملات في مجال الإعلام، قبل أن يقع اختياري على منطقة وسط البلد في القاهرة لافتتاح أول فروع الحضانة، حيث تقع معظم الصحف والمواقع الإلكترونية، بعدما شجعني زوجي على أن أخطو الخطوة وأبدأ مشروعي الذي لاقى نجاحاً لم أتوقعه».
في حضانة سالي، يوجد قسم خاص للأطفال الرضّع ليكونوا في أمان بعيداً عن الأكبر منهم سناً، وتتوزع الأقسام الأخرى وفقاً للفئات العمرية، إلى جانب غرف للنوم وركن لـ «الحواديت» وآخر للرسم وثالث للتمثيل، وركن للأنشطة الذهنية وآخر للألعاب الحركية.
يقدم المكان ثلاث وجبات من الطعام، يتخللها «سناكس»، وإلى جانب فريق العمل فيها تتواجد سالي بصفة يومية، بعد أن تنتهي من عملها أو قبل أن تذهب اليه، فقد جذبتها التجربة الى درجة جعلتها تفكر في افتتاح فرع ثانٍ للحضانة بالقرب من مدينة الإنتاج الإعلامي، حيث تعمل غالبية المذيعات ومعدّات البرامج.

راحة نفسية
رغم المجهود والوقت الذي تقضيه سالي في الحضانة إلى جانب عملها، تؤكد أن الأمر لم يمثل أي عائق لها... على العكس كان مصدر راحة لها وخلصها من ضغوط نفسية كانت تعيشها بسبب صغيرها، الأمر الذي كان ينعكس على الطفل قبل عملها، والحال نفسه لكثير من الإعلاميات.
جهود سالي لإيجاد حلول للمرأة العاملة لم تتوقف عند هذا الحد، بل توفر أيضاً خدمة الاستضافة المسائية لأي أم تريد أن تدخل السينما بصحبة زوجها، بعدما حال الإنجاب دون ذلك، فكثير من الأمهات امتنعن عن دخول السينما مع مجيء أول مولود.
بعد نجاح تجربة سالي في افتتاح أول حضانة ليلية، فإن هدفها في المرحلة المقبلة تأسيس مركز متكامل لتأهيل الأسرة وتنميتها، إلى جانب عقد ورش لتنمية الأطفال وأهاليهم، حتى يتحقق حلمها في تأسيس موقع إعلامي يقدم مادة للطفل والأهل، وإصدار مجلة مختلفة للأطفال، ثم إطلاق قناة أطفال تذيع مادة تتوافق مع كل الشرائح العمرية.